جورج حداد :حزب الله في الكماشة
ربما سيسجل التاريخ ان حرب تموز 2006 تمثل نقطة تحول محورية في الحروب العربية ـ الاسرائيلية وفي مجرى الصراع العربي ـ الصهيوني الدائر منذ اكثر من قرن. فلأول مرة تفقد اسرائيل زمام المبادرة في الحرب، ولأول مرة تكون اسرائيل اول من يوافق على وقف اطلاق النار (الذي سمي: وقف العمليات الحربية، لحفظ ماء وجه اسرائيل، وتبييتا لما يدبر بليل في المستقبل، القريب على الارجح!)، ولأول مرة تفشل اسرائيل في تحقيق هدفها الستراتيجي من الحرب، التي كانت قد تحضرت لها، بإيعاز وتخطيط وتعاون كامل من قبل اميركا والحلف الاطلسي، منذ اشهر طويلة. وهذا بالرغم من الغطاء السياسي “العربي” و”اللبناني” الذي توفر لاسرائيل في هذه الحرب، الى درجة ادهشت ايهود اولمرت ذاته، الذي لم يتمالك نفسه عن الاقرار بزهو بأن “العملية الاسرائيلية” تلقت دعما من حكومات واطراف عربية متعددة. اما “لبنانيا”، فإن السيد فؤاد السنيورة، احد ابرز رؤوس الفساد في لبنان، والذي، لمهزلة التاريخ يشغل منصب رئاسة الوزارة اللبنانية، لم يتوان ـ منذ اللحظات الاولى للعدوان ـ عن اعلان تبرؤ حكومته العميلة من المقاومة، والاسراع في الانضواء تحت جناح المفوض السامي الاميركي في لبنان ـ السفير فيلتمان. وقد وضع جماعة الطابور الخامس اللبناني (بما في ذلك “الوطنيون السابقون” امثال وليد جنبلاط، الذين اصبحوا يسابقون سمير جعجع ذاته، لكسب ثقة “اصدقائهم الجدد”: اميركا والحلف الاطلسي واسرائيل)، ـ وضعوا انفسهم في خدمة العداون الاسرائيلي، بما في ذلك التجسس على مواقع وكوادر وقيادات المقاومة لارشاد الطائرات الاسرائيلية اليها وقصفها. واللهجة السياسية التي استخدمتها اطراف السلطة والطابور الخامس اثناء المعركة، واقلها الاصرار على “ميليشياوية حزب الله” و”محاسبة المقاومة” التي ـ حسب زعمهم ـ تفردت في اخذ لبنان الى الحرب، كأن المسألة كانت فعلا مسألة جنديين اسرائيليين اسرتهما المقاومة (وللمناسبة: لماذا لم تعد اسرائيل اليوم مهتمة بهذين المخلوقين؟!). وعلى ما يبدو ان من ضمن مخطط العدوان الذي تعرض له لبنان حينذاك، هو ان يجري جر الجيش اللبناني (الذي قام احد ضباطه ـ بايعاز من القيادة السياسية ـ باستقبال الغزاة الاسرائيليين بحفاوة وتقديم الشاي لهم) للاصطدام بالمقاومة، وان يقوم الطابور الخامس بشهر السلاح وافتعال الفتنة الطائفية والمذهبية. ولكن هذا الجانب من المخطط فشل ايضا فشلا ذريعا، ووقف الجيش اللبناني موقفا وطنيا ملتبسا، ولم يجرؤ الطابور الخامس على اشهار السلاح لانه ادرك ان اي يد كانت سترتفع ضد المقاومة، بوجهها او في ظهرها، كانت ستقطع من الكتف.
ولسوء حظ امثال السادة فؤاد السنيورة وسعد الحريري وسمير جعجع وحلفائهم الجدد من “الوطنيين السابقين” مثل وليد جنبلاط والياس عطالله وبعض المفكرين التقدميين والماركسيين المزيفين مثل العفيف الاخضر وكريم مروة وصلاح بدرالدين واضرابهم، والى جانبهم بعض الطائفيين الاسلاميين المسعورين (السنة خصوصا) الذين يصرون على “انتصار اسرائيل” في حرب تموز بدالـة الخسائر اللبنانية المدنية الكثيرة (بهذا القياس، فإن الهتلرية هي التي “انتصرت” على الاتحاد السوفياتي السابق الذي خسر 30 مليون انسان)، فإن القيادة الاسرائيلية العسكرية والسياسية ذاتها لا تأخذ بهذا الرأي. وكانت استقالة مجرم الحرب دان حالوتس، رئيس الاركان الاسرائيلي السابق، اعترافا واضحا من اسرائيل بهزيمتها في حرب تموز.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ الفادح، بالنسبة لأي وطني صادق، ان يعتقد للحظة ان اسرائيل قد استسلمت لهزيمتها العسكرية في هذه الحرب، وانه سيكون من شأن “التطبيق الصحيح” للقرار 1701 حماية لبنان والشعب اللبناني من عدوان اسرائيلي عسكري جديد بشكل خاص، ومن الخطر الصهيوني والمؤامرات الامبريالية بشكل عام.
والأصح هو التأكد من ان خطر اسرائيل على لبنان، وبسبب هذه الهزيمة بالذات، سيتضاعف بشكل لا سابق له بتاتا. وعلى عكس كل المظاهر، فإن وجود قوات اليونيفيل على الارض اللبنانية ستستخدمه اسرائيل، بالتعاون مع ما يسمى “الشرعية الدولية” من جهة، ومع السلطة اللبنانية العميلة والطابور الخامس اللبناني عامة من جهة ثانية، لاطلاق يدها ـ اي يد اسرائيل ـ في القيام بعملياتها العدوانية المخابراتية و”الذكية” بكل “هدوء”، وهي مطمئنة الى انها لا تقوم بعمليات عسكرية مباشرة يطالها “القانون الدولي” ويؤلب عليها الرأي العام، بما فيه الرأي العام الاسرائيلي المضلل. وربما كان نشر البالونات الحاملة غازات سامة اول الغيث. وليس من الواضح تماما حتى الان هل ان هذه البالونات القيت من الطائرات، او تم تطييرها من مرتفعات الجولان المحتل مع موجات الريح المتجهة نحو الاراضي اللبنانية، او ـ وهذا هو الارجح برأينا ـ قام بنشرها العملاء في الداخل. واذا كانت هذه الهدية لاطفال لبنان من البالونات السامة تدخل تحت عنوان التهديد والحرب النفسية، فما هو الضابط الاخلاقي، وما هي المؤسسات الشرعية الدولية التي تمنع اسرائيل من العمل مستقبلا (جوا وبرا وبحرا) على هذا المنوال؟!
لا شك ان اسرائيل نفسها اعترفت بهزيمتها في حرب تموز، بالمعنى العسكري الضيق، اي في عدم قدرتها على تحقيق الهدف الستراتيجي من حربها، وهو القضاء على المقاومة بقيادة حزب الله، وعدم قدرتها على حماية “العمق الاسرائيلي” من الضربات الصاروخية للمقاومة. وان الحملة التدميرية الوحشية التي شنتها القوات الاسرائيلية ضد البنى التحتية وضد المدنيين اللبنانيين ليست، بالمعنى العسكري الضيق ولا بالمعنى الستراتيجي العسكري ـ السياسي الاوسع، بديلا عن هزيمتها الفعلية، بل على العكس: ان استهداف المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية المدنية اللبنانية، بهذه الطريقة الوحشية غير المبررة بكل المقاييس، تشكل خطرا جديا وتهديدا مستقبليا حقيقيا لاسرائيل ذاتها، لان مثل هذه الستراتيجية الاستهتارية تؤسس مستقبلا لاعادة النظر في كل ستراتيجية المواجهة مع اسرائيل، القائمة على “ضبط النفس”، التي كانت تنتهجها المقاومة بقيادة حزب الله، حتى الان.
ومعلوم ان يسمى “الشرعية الدولية” والدول الكبرى ـ اعضاء مجلس الامن الدولي ـ مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا، لم تجد ما تقوله في حالة الهمجية الاسرائيلية سوى، في احسن الحالات، بعض النصائح الخجولة الموجهة لاسرائيل بعدم “الاستخدام المفرط للقوة”، ولكن في حالات اخرى كان ينهال التشجيع لاسرائيل على السير في هذا الطريق الشائك (والذي هو سيف ذو حدين) كقول السيدة المحترمة جدا(!!!) غونداليزا رايس “بأن الحرب تقتضي بعض الضحايا البريئة”، اما الفرنكشتاين بولتون (الممثل السابق لاميركا في الامم المتحدة) فقد ذهب الى حد تشجيع اسرائيل بوقاحة متناهية قائلا “انه ليس عملا اخلاقيا المقارنة بين اطفال لبنان واطفال اسرائيل” (تعقيبا على مجزرة قانا الثانية… وعلى القياس نفسه، فإنه ليس عملا اخلاقيا المقارنة بين الفلسطيني/الارامي يسوع المسيح وبين السوبرمان شارون او دان حالوتس). وهذا ما يجعل هذه “الشرعية الدولية” المنحازة، والملفوفة بالعار، “ضعيفة الحجة” في مواجهة اي تغيير في ستراتيجية المقاومة في المستقبل، لجهة تهديد واستهداف البنى التحتية والتجمعات المدنية الاسرائيلية على القاعدة التي يؤمن بها الصهاينة تماما وهي: “العين بالعين والسن بالسن”، مع ادخال تعديل بسيط ـ لضرورات السجع العربي لا اكثر ـ كي تصبح: “العين بالعينين، والسن بالفكين”.
وبعد نهاية الحرب، ومع “دموع السنيورة” وكل اشكال المتاجرة بدماء وتضحيات اللبنانيين، كان من المتوقع ان يكون جماعة السلطة اللبنانية والطابور الخامس منسجمين مع انفسهم، واكثر “ذكاء”، وأن يعمدوا لاستغلال المأساة الوطنية، لجهة تقديم المساعدات للناس. ولكن لما كان “الطبع يغلب التطبع” فإن عصابة اللصوص التي نهبت البلد طوال عشرات السنين، مع غازي كنعان ورستم غزاله وبدونهما، وفي “بنك المدينة” والسوليدار وغيرهما، والتي ركبت على لبنان “دينا وطنيا” اصبح يناهز الخمسين مليار دولار، انقضت فورا كالضباع على المساعدات العينية والمالية، وشرعت في نهبها، فبدأ بيع المساعدات العينية في الاسواق، وسجلت ارقام ضخمة لاعداد الشهداء والجرحى واصحاب البيوت المدمرة، بأسماء وهمية، من اجل الاستيلاء على المبالغ المالية، وتوزيع جزء منها على ميليشيات الطابور الخامس.
تجاه ذلك كله، كان من المنطقي جدا ان تبدأ المقاومة بقيادة حزب الله، عملية “محاسبة وطنية” صارمة لجماعة السلطة العميلة والطابور الخامس، جزاء كل ما ارتكبوه من خيانات ومخاز، قبل الحرب واثناءها وبعدها. ولكن هذا لم يحدث.
وعوضا عن ذلك، وللاسف الشديد، فإن حزب الله ـ مع باقي فصائل المعارضة ـ، وتحت تأثير الحسابات الطائفية ليس الا، ألقى للسلطة اللبنانية العميلة والطابور الخامس طوق نجاة، بطرح شعار “المشاركة” و”تشكيل حكومة وحدة وطنية”… مع اللصوص والخونة انفسهم!!! على قاعدة “عفا الله عما مضى!”.
وكانت هذه “فرصة اخيرة” لا تعوض لجماعة السلطة العميلة والطابور الخامس ليعيدوا تعويم انفسهم… وطنيا!!!
ولكن هذه الجماعة، المبهورة تماما بالقوة التدميرية لاسرائيل، طبقت تماما المثل القائل “يرضى القتيل، وليس يرضى القاتل”، واداروا ظهورهم لطوق النجاة الذي ألقي لهم.
وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على ان هذه الجماعة لا تملك زمام امرها، وانها تأتمر بأوامر اسيادها الاميركان والاطلسيين والاسرائيليين، حتى على حساب اوضاعها ذاتها. ويبدو من الواضح تماما، لأي اعمى او جاهل، ان جماعة السلطة العميلة والطابور الخامس، يريدون الذهاب بخطة المواجهة مع المقاومة حتى النهاية، ضمن الخطة الاميركية ـ الاسرائيلية المرسومة، وان احد جوانب هذه الخطة هو: الحرب الاهلية، والفتن الطائفية والمذهبية، واخيرا “فدرلة لبنان” على الطريقة العراقية.
ومن خلال استقراء السياسة الاميركية التي تزداد عدوانية تجاه لبنان والمنطقة، و”المراجعة” الاسرائلية لنتائج حرب تموز، والاحداث المفتعلة على الساحة اللبنانية، يمكن استشفاف المخطط الاسرائيلي ـ الاميركي اللاحق لتطويع لبنان، ويمكن رسم الخطوط العريضة لهذا المخطط فيما يلي:
1 ـ فرض حصار اقتصادي فعلي وغير معلن، على لبنان، لاضعاف الاقتصاد اللبناني وخصوصا قطاع الانتاج الصناعي والزراعي والحرفي، الذي يشغل اكبر عدد من اليد العاملة، واضطرار الشباب بالاخص للهجرة باعداد متزايدة، لافقاد المقاومة خاصة والمعارضة عامة اكبر قدر ممكن من قواعدها الشعبية.
2 ـ استخدام المساعدات التي تقدم للبنان (باسم التعويض عن الاضرار التي لحقت به نتيجة العدوان والوحشية الاسرائيليين)، لرشوة البرجوازية الكومبرادورية اللبنانية، بمختلف فصائلها الطائفية، ولتمويل وتسليح الطابور الخامس اللبناني، في السلطة وخارجها.
3 ـ القيام بعمليات عدوانية سرية، غير ذات طابع عسكري مكشوف، كنشر الغازات السامة، وتلويث مياه الشرب، وتسميم التربة، وتسميم الاسماك والمياه البحرية، ونشر الاوبئة، وسكب مواد كيماوية سائلة في الاحراج والاراضي الزراعية تشتعل بعد جفافها عند ادنى احتكاك ومرور حتى نملة فوقها، من اجل اشعال حرائق مفتعلة. وغير ذلك من اشكال الحرب السرية (خلف ظهر اليونيفيل، وبحمايتها)، من اجل تحويل الحياة في مناطق محددة في لبنان الى جحيم. وقيام السلطة العميلة والطابور الخامس بتحميل المقاومة والمعارضة المسؤولية، على طريقة “ضربني وبكى، سبقني واشتكى”.
4 ـ متابعة مخطط الاغتيالات الداخلية، لاستغلالها في توتير الاجواء ودفعها الى الانفجار، بالتعاون التام بين الطابور الخامس وايتام نظام الوصاية السورية السابقة، الذين هم على درجة عالية من الاخلاق والوطنية ان احدهم (مثل وليد جنبلاط) لم يكن يتورع عن وضع يده في يد قتلة الزعيم الوطني الخالد كمال جنبلاط، حينما كان الاميركيون يريدون ذلك. ولم يسحبها الا ـ ايضا ـ حينما اراد الاميركيون ذلك.
5 ـ التعبئة القصوى الميليشياوية، الطائفية والمذهبية، سياسيا وعسكريا، بالتنسيق التام مع اميركا واسرائيل. ولا يستبعد ابدا، بل ان منطق الاشياء يقول ـ على هذا الصعيد ـ انه تم او سيتم في القريب العاجل نقل جماعة انطوان لحد (وهم بضعة آلاف من المقاتلين، وقد تلقوا تدريبا ميدانيا “مكثفا” مع الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين طوال الست السنوات الماضية) ووضعهم في تصرف جعجع وجنبلاط، بالاضافة الى “متطوعين” غيرهم من العرب (الدروز وغير الدروز) الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي، وبالاضافة الى عناصر من الطابور الخامس الفلسطيني، الذي يسير الان في ركاب ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية، بأمرة اسرائيل ولحسابها.
6 ـ السعي الحثيث لافتعال حوادث طائفية ومذهبية، بهدف ايجاد “مناطق مغلقة” طائفية ومذهبية، خصوصا تحت سيطرة سمير جعجع ووليد جنبلاط، اللذين يشكوان من كل “مركبات النقص الخاصة بالاقليات” بالاضافة الى “مركبات النقص” الخاصة بفقدان الزعامة الوطنية، واللذين يبدو انهما يتسابقان لكسب ثقة اميركا واخذ مكانة “مرموقة” في مخطط “الفدرلة” القادم.
7 ـ بعد انهاك لبنان داخليا، وزرع البلبلة السياسية لدى المعارضة وحزب الله، تحت سمع ونظر قوات اليونيفيل، ومراقبة ومباركة “الشرعية الدولية”، يقوم الجيش الاسرائيلي، لاجل استعادة كرامته المجروحة وهيبته المزعزعة، بتوجيه ضربة جورية وبرية وبحرية خاطفة للمقاومة بقيادة حزب الله. وفي ظل الدبابات والطائرات والبوارج الاسرائيلية، تقوم السلطة العميلة وميليشيات الطابور الخامس بتنظيم حمام دم حقيقي لكل ما هو وطني وتقدمي وعلماني واسلامي شريف في لبنان، كي لا تقوم بعد ذلك للبنان قائمة لعشرات السنين.
انه من الواضح لكل ذي عينين ان المعارضة الشريفة في لبنان، وبالاخص المقاومة بقيادة حزب الله، اصبحتا واقعتين في كماشة متعددة الافكاك.
فما العمل؟!
ان دعوات “ضبط النفس” و”عدم الوقوع في الفتنة” و”الحرب الاهلية خط احمر” و”المشاركة” و”الوحدة الوطنية”، التي ترفعها خاصة قيادة حزب الله، هي دعوات سليمة وصائبة بكل المقاييس الاخلاقية والانسانية والوطنية المجردة!!
ولكن اذا كان الطلاق يحتاج الى طرف واحد، فإن التفاهم والزواج يحتاج الى طرفين. واذا كانت الحرب تحتاج الى طرف واحد، فإن السلام يحتاج الى طرفين.
ولا بد لنا هنا من مثال تاريخي: حينما قام العمال الباريسيون بأول ثورة انسانية شيوعية في التاريخ الحديث، وهي المعروفة باسم “كومونة باريس” في 1871، اخذ الاوباش الاقطاعيون والرأسماليون الجدد وجميع اشكال قطاع الطرق واللصوص والمجرمين يتجمعون في ضاحية فرساي تحت لواء الحكومة الصورية المعادية للشعب. وقد ارتكب “الكوموناريون” الباريسيون اكبر خطأ مميت، وهو “الترفع” عن اخذ مبادرة الهجوم على فرساي، لـ”عدم اراقة الدماء الفرنسية” ولترسيخ “السلم الاهلي”. فماذا كانت النتيجة؟ اخذ الفرساليون المبادرة وشنوا الهجوم على باريس وارتكبوا مجازرهم المشهورة ضد العمال الباريسيين، وقتلوا عشرات الالوف، وكانوا يقتلون العمال العزل انفسهم لمجرد ان يجدوا احدهم بلباس العمل الازرق او لمجرد النظر الى يديه المخشوشنتين.
وربما نجد عذرا للكوموناريين الباريسيين بأنهم لم يكونوا يعرفون اللغة العربية، ولم يسمعوا بالحكمة العربية القائلة “ان انت اكرمت الكريم ملكته، وان انت اكرمت اللئيم تمردا”!
فما هو عذر حزب الله، العربي بامتياز، حتى يكرر الخطأ الذي ارتكبه الكوموناريون الباريسيون؟
ان الهجوم هو خير وسيلة للدفاع!
ومن اوجب واجبات المقاومة في الوقت الراهن المبادرة الى تشكيل “الجبهة الوطنية اللبنانية لمكافحة الفساد والطائفية والصهيونية والامبريالية”، التي تضم مختلف القوى التقدمية من مختلف الطوائف الى جانب القوى الاسلامية الشريفة والوطنية الحقيقية، والتي تأخذ على عاتقها التصدي الحازم للسلطة العميلة والطابور الخامس، ومنع تفكيك الجيش ودفعه للاصطدام بالشعب، ومنع قيام مناطق طائفية ومذهبية مغلقة، وسحق رؤوس الفتنة في جحورهم.
وبهذا فقط يمكن ان يبدأ “الحساب الجدي”، العسير والاخير، مع اسرائيل، لاقتلاع هذا الكيان السرطاني الذي زرعته الامبريالية العالمية في خاصرة الامة العربية المظلومة، والذي تؤكد كل الوقائع التاريخية والمجريات الراهنة انه لا يمكن للبنان الوطني ان يكون وان يستمر، بوجوده، وانه من المحتم ان يقتلع احدهما الاخر!
* كاتب لبناني مستقل