غياث نعيسة : سوريا … حرب ضد الشعب
“البروليتاريا تحتاج الكرامة أكثر مما تحتاج الخبز”
ماركس
طرحت تنسيقية السلمية في ريف حماة شعارا يقول ” يزداد الألم ليقترب النصر”، هذه الجملة تعبر بشكل واضح عن الوضع الراهن لنضال الشعب السوري من أجل حريته.
والحال، فان الدكتاتورية الحاكمة تشن فعلا حربا حقيقية ضد الجماهير الثورية الى حد يجعل من الصعب جدا تقديم تقرير يومي عن كافة الاحداث التي يشهدها الكفاح الشعبي مثل المظاهرات و الاضرابات والمواجهات المسلحة وعمليات الاغتيال والقصف والدهم والحصار التي تتعرض لها الاحياء و المدن والقرى دون ان ننسى عمليات اقتحام و اجتياح المدن المنتفضة التي تقوم بها القوات المسلحة الحكومية و مليشيات السلطة.
أخر مسارح هذه الحرب، عند كتابة هذه الاسطر، التي يشنها النظام ضد المدن الثائرة هي مدينة دوما قرب العاصمة دمشق، وهي مدينة يقطنها حوالي نصف مليون نسمة، تعرضت للحصار و القصف لعدة اسابيع واجتاحتها قوات الدكتاتورية في 30 حزيران/يونيو ، كانت الشوارع، وفق شهود، مليئة بالجثث ، وقامت قوات السلطة القاتلة بعمليات اعدام ميدانية و اعتقالات واسعة لمن تبقى من السكان الذين لم يستطيعوا او يرغبوا بمغادرة منازلهم. لقد اصبحت مدينة دوما مدينة مدمرة، وتذكر بما جرى ويجري في أحياء عديدة من مدينة حمص ودير الزور ودرعا وغيرها من المدن، كما وردت انباء عن انتشار وباء الطاعون فيها لتتحول الى مدينة خراب للأشباح.
هذا الحال المرعب الذي عرفته دوما هو المصير الذي تحتفظ به الطغمة الحاكمة لكل مدينة تجرؤ على الثورة عليها. لكن اقتحام قوات سلطة أل الأسد لمدينة دوما الثائرة صادف، بشكل مقصود من الطغمة، يوم انعقاد مجموعة العمل حول سوريا في جنيف وهو الاجتماع الذي ضم الدول الكبرى التي تشكل الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن اضافة الى ممثلي دول قطر و الكويت و العراق و تركيا و الجامعة العربية.
وقد توافقت الدول الامبريالية في جنيف على مسألة “الانتقال السياسي” في سوريا يقوم به السوريون انفسهم، وفق ما ورد في البيان الختامي لهذا الاجتماع. اضافة الى تشديدهم على دعمهم لمبادرة كوفي أنان . ولم يتأخر كثيرا تفارق تفسيرات الضواري الامبريالية لما اتفقت عليه من أليات الانتقال “السياسي” المذكور، حيث عبرت الادارة الامريكية وحلفائها عن أن هذا الانتقال السياسي يجب ان يجري من دون بشار الاسد، بينما اتت تصريحات الحكومة الروسية وحلفائها للتأكيد على ان تنحية الأسد لم تطرح أصلا في اجتماع جنيف وتنحيه ليس شرطا للمرحلة الانتقالية.
في حين جاء اجتماع “أصدقاء سوريا3” الذي يضم تحالفا تقوده الولايات المتحدة وحلفائها والذي عقد في باريس يوم 6 تموز/يوليو ليؤكد على دعمه لخطة أنان و لمرحلة انتقالية “تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة” الذي يجيز لها استخدام القوة المسلحة. بل أن كوفي أنان نفسه أعلن في اليوم التالي لهذا الاجتماع بأنه “لم ينجح في مهمته” ولكنه لن يتخلى عنها . في هذا السياق من المقايضات و المفاوضات بين القوى الامبريالية تشكل المصالح الحقيقية للشعب السوري الثائر، والذي يتعرض الى مذبحة بشعة من سلطة باغية، الغائب الأكبر.
لكن هنالك واقع يتجلى بوضوح في الاشهر الاخيرة من الثورة الشعبية السورية، هو ارتقاء الوعي الثوري للجماهير الذي يتم التعبير عنه من خلال الممارسات والشعارات و البيانات التي تصدر في الحراك الثوري الميداني ، و الذي اصبح واضحا انها تخلصت تماما من وهم أن الخلاص من النظام يمكن ان يأتي من خلال تدخل عسكري خارجي، كما ان وعي الجماهير تخلص ايضا من كل وهم بجدية وجدوى كل من المجلس الوطني السوري او هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي أو حتى المولود الاخير منهما وهو المنتدى الديمقراطي.
لم يحظى اجتماع “توحيد” المعارضة السورية الذي عقد في القاهرة يومي 2و3 تموز/يوليو بطلب من الجامعة العربية، وباعتباره مطلب للقوى الاقليمية و الدولية، بأي اهتمام يذكر داخل الحراك الثوري للجماهير المنتفضة، ولا سيما أن الوثائق التي توافق عليها هذا الاجتماع بقيت حبرا على ورق، فقد اصدر نحو 64 عضوا من الهيئة العامة للمجلس الوطني السوري بيانا في 4 تموز/يوليو يدينون فيه هذا الاجتماع ويرفضون ما صدر عنه، مثلما اصدر “شباب” هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي في 7 تموز/يوليو بيانا اعلنوا فيه ان ما صدر عن هذا الاجتماع لا يعنيهم.
بعيدا عن تنازع او توافق القوى الامبريالية و هراء المعارضة التقليدية المذكورة، ثمة حقيقة اساسية من الضروري التشديد عليها وهي ان الجماهير الثورية، بالرغم من تعرضها لوحشية دكتاتورية تمارس سياسة الارض المحروقة وتشن حربا شاملة ضدها، ارتقت ثقتها بنفسها الى اعلى المستويات و بقدرتها الذاتية على اسقاط النظام المجرم، فدمشق تشهد منذ 7 تموز/يوليو اضرابها العام الثاني في فترة شهر، ورقعة الثورة لا تنأى تمتد اتساعا جغرافيا واجتماعيا.
ولعل الشعار التالي الذي رفع في المظاهرات يعبر عن هذه الحالة من الوعي والثقة: “الى العالم كله، لسنا معارضة ، نحن شعب يريد الحرية والكرامة”.
الثورة الشعبية السورية تتقدم الى الامام على طريق الانتصار.