سوريا..وفرة في المبادرات وغياب الرغبة في الحل
حلف شمال الأطلسي (الناتو) يفكر حاليا في نشر صواريخ مضادة للطائرات عند الحدود التركية السورية. وقيل إن تركيا العضو في الحلف ، هي التي تقدمت بهذا الطلب
حاول المجلس الوطني السوري خلال اجتماعه في قطر، إثبات كونه الممثل الأكبر للمعارضة السورية كما أجرى بعض الإصلاحات التي تعزز شرعيته. لكن مسألة الجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الأسد مازالت مستبعدة.
“المشكلات موجودة كي نحلها حتى وإن بدت مستحيلة الحل” يبدو أن هذا هو الشعار الذي رفعه المجلس الوطني السوري عندما قرر دعوة كافة أطياف المعارضة السورية لمؤتمر كبير في الدوحة.
يكمن تعقيد الوضع هنا في أن القتل في سوريا مازال متواصلا بشكل متواز مع كافة القرارات والمحاولات الرامية لتشكيل إستراتيجية جديدة توقف نزيف الدم. وتحول هذا الوضع لمعضلة بالنسبة للمجلس الوطني السوري الذي يرى أنه يمثل القطاع الأكبر للمعارضة السورية.
يواجه المجلس الوطني حاليا تحديا يتمثل في إثبات تمثيله للقطاع العريض للمعارضة ويتعين عليه بذل المزيد من الجهد من أجل التواصل مع أطراف أخرى في المعارضة وإلا فإنه قد يفقد صفته في قيادة المعارضة ، كما حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل عدة أيام.
وشددت كلينتون على ضرورة وجود معارضة تمثل كافة الأطراف وتستطيع الحديث باسمها.
المجلس الوطني وطريق الإصلاح
يعتبر مؤتمر الدوحة الأخير بمثابة رد من المجلس على خطورة فقدان سمعته كأهم قوة سورية معارضة. وقال خالد صالح أحد المتحدثين باسم المجلس في تصريحات لـ DW : “نرغب في ضم المزيد من القوى الثورية الموجودة داخل البلاد والكلام ينطبق أيضا على الأحزاب السياسية في سوريا”.
وأكد المتحدث على اتساع نطاق تمثيل المعارضة داخل المجلس وقال:”كان المجلس يضم في البداية ثماني جماعات كبرى لكنه صار يمثل الآن 25 جماعة كما أن عدد المنظمات الناشطة داخل سوريا ارتفع بأكثر من 33%”.علاوة على زيادة عدد الأعضاء من 300 إلى 480 عضوا.
السؤال الآن: هل هذه الإجراءات كافية؟ يتشكك باهار ميكائيل ، الباحث السياسي في صندوق “ثينك تانك” الأوروبي ، في الأمر ويقول في حوار مع DW إن المجلس الوطني السوري يعطي انطباعا بتمثيله لكافة أطراف المعارضة السورية وذلك بسبب تواجده الإعلامي الكبير والدعم المالي الضخم الذي يحصل عليه من أطراف دولية معارضة للأسد ، لكن الواقع يختلف عن هذا الانطباع.
ويشير الباحث السياسي إلى أن تدقيق النظر في الوضع السوري يكشف بوضوح عن الخلافات الكبيرة بين المجلس وبين المعارضة السورية في الداخل والتي تصل في بعض الأحيان إلى انقطاع أي حبل للحوار.
صومال جديدة
يتجاوز الحديث عن مدى كفاءة المجلس الوطني السوري مجرد التنافس الداخلي أو الرغبة الشخصية في إثبات الذات.الحل الوحيد الآن هو توحيد صفوف المعارضة السورية من أجل وضع نهاية للعنف.
وحذر المبعوث الأممي لسوريا ، الأخضر الإبراهيمي، من تحول سوريا إلى صومال جديد لكن خالد صالح المتحدث باسم المجلس لا يقبل بهذا التصريح ويشير إلى اختلاف الوضع بين البلدين إذ أن الصومال تشهد اقتتال الكثير من الجماعات ذات القوى المتساوية تقريبا لكن الوضع في سوريا يختلف. ويوضح صالح الأمر قائلا:”لا يمثل الجيش السوري الحر تحديا جديا للجيش النظامي السوري فبالرغم من أن بعض علامات الضعف تظهر على قوات الأسد إلا أنهم يمتلكون أسلحة كيميائية وطائرات مقاتلة يمكن استخدامها ضد المدنيين”.
ويحذر صالح في الوقت نفسه من إمكانية لجوء الجيش إلى هذه الوسائل بشكل أكبر كوسيلة ردع حال شعر بأنه يقترب من خسارة المعركة.
“عشت في سوريا وسأموت بها”
تتزايد الاقتراحات الرامية لإيجاد طريقة لإنهاء العنف في سوريا حيث اقترح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون توفير مخرج آمن للأسد من السلطة وهو الأمر الذي رفضه الأسد بشدة وقال:”أنا سوري ولدت في سوريا..يجب أن أعيش وأموت بها”.
ويبدو أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان ينتظر هذه الإجابة لذلك يفكر حاليا في نشر صواريخ مضادة للطائرات عند الحدود التركية السورية. وقيل إن تركيا العضو في الحلف ، هي التي تقدمت بهذا الطلب.
ووفقا للبيانات الرسمية فإن مهمة هذه الصواريخ هي حماية الحدود التركية التي شهدت مناوشات عسكرية في الفترة الأخيرة كما يمكن أن تؤدي هذه الصواريخ مهمة أخرى وهي تمكين الناتو من فرض حظر جوي فوق شمال سوريا الأمر الذي يمكن أن يساعد في توفير نقطة تقهقر آمنة للثوار وأقاربهم.
لكن نشر هذه الصواريخ مسألة لا تخلو من الخطورة فهي من ناحية يمكن أن تنقذ حياة الكثيرين لكنها قد تؤدي في الوقت نفسه إلى رد فعل عنيف من حلفاء الأسد.
ويتشكك باهار ميكائيل في إمكانية أن تساهم فكرة نشر الصواريخ ، في حل الأزمة ، الأمر الذي ينطبق على التدخل العسكري أيضا الذي من الممكن أن يساعد في إسقاط النظام ولكنه قد يتسبب أيضا في أزمة أكبر.
ويضيف ميكائيل:”شئنا أم أبينا فالحل الوحيد لسوريا هو التفاوض بين النظام والممثلين الحقيقيين للمعارضة ، لا يخلو هذا الحل من الصعوبة نظرا لأن النظام فقد الكثير من مصداقيته وشرعيته لكنه مازال قويا ولاعبا أساسيا..لا سبيل لتجنب التفاوض مع الأسد”.
طرق كثيرة دون إرادة
ويرى ميكائيل أن أفضل طريقة أن تتم هذه المفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة شريطة توافر الرغبة الجدية في التفاوض لدى الطرفين لكن هذه الرغبة غير متوافرة في الوقت الحالي.
وتتواصل المبادرات لتمتد إلى الجمعية الأوروبية للنواب البرلمانيين السابقين من الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي ، الذين طالبوا كافة الأطراف المتناحرة في سوريا بـ”وقف فوري لكافة الأنشطة العسكرية وأعمال العنف وخرق حقوق الإنسان والعمل من أجل إيجاد سلام دائم وحل سياسي للأزمة وبذلك كل جهد ممكن من أجل الوصول إلى حكومة انتقالية تقود البلاد للديمقراطية ولنظام تعددي”.
كل هذا يوضح أن الوضع لا يفتقر للمبادرات وطرق الحل لكن ما يغيب هو الرغبة في الوصول للحل.