“NOW” في الرقّة المحرَّرة: ثورة ثانية بوجه “النصرة”
الصحافية في موقع “NOW” ضحى حسن تزور المناطق السوريّة المحرَّرة من قوات نظام بشار الأسد وبينها محافظتا الرقة وحلب
ثورة مضادة بدأت في محافظة الرقّة السورية بعد تحريرها من النظام السوري. فكلّ ما تشهده المدينة يُنبئ بذلك، من الجدران التي رُسم عليها صراع المدنيّة ضد سلطة السلاح المتشدّد، علم الإستقلال ضد العلم الأسود، وخطّ شعارات الثورة في مواجهة عبارات “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”.
هذا هو تماماً حال الحياة في المدينة المحررة. في 4-3-2013 دخلت مجموعات من الملثّمين باللباس الأسود، المدجّجين بالسلاح، وهم يهتفون: “قائدنا للأبد سيدنا محمد”، وكانوا يصيحون بصوت واحد “تكبير”، وفق ما قال لنا أحمد، وهو أحد هتّاف التظاهرات في الرقة، وأضاف: “”حينها شعرنا بالسعادة للحظات أثناء هروب عناصر جيش النظام والأمن خارج المدينة، لكن هذه السعادة تلاشت فوراً عندما بحثنا بين المحرِّرين عن علم الاستقلال، توجّهنا إلى “دوار الدلة” وهتفنا “لا سنّية ولا علوية سورية وحدة وطنية”، لم ندرك حينها أن من قاموا بتحرير مدينتنا هم أنفسهم من سيحتلونها”.
في الأسبوع الأول من التحرير، تحوّلت الرقة إلى مدينة أشباح، يتجول فيها المسلحون ومَن تبقّى من سكان المدينة، وتابع أحمد: “خرج معظم الأهالي من الرقة في الأسبوع الأول جرّاء القصف المستمر من قبل الطائرات الحربية التابعة لجيش النظام، في حين فرض المتشددون القادمون الجدد فريضتهم على جدران وشوارع “رقتنا”، كما ألزموا السكان على تطبيق شريعتهم، ولاحقوا النساء كي “تنستر”، سيطروا على كل المباني الرسمية والدوائر الحكومية، وعاقبوا كل من عارضهم بطريقتهم الخاصة”.
قابلنا أحمد الفتى ذا العشرين عاماً، وهو طالب في “جامعة الإتحاد” يدرس إدارة الأعمال، جلسنا داخل مبنى “تنسيقية شباب الرقة”، لأدرك أن هذا الشاب الصغير المبتسم، هو ذاته “قاشوش الرقة”، الذي لطالما صدح صوته في التظاهرات ضد النظام السوري.
يخبرني أحمد عن الرقّة بعد التحرير، عن صراع الشباب المدني ضد “الجبهة” و”حركة أحرار الشام”: “عندما تحررت الرقة أسدلتُ علم الإستقلال على طول المبنى الذي أقطن فيه، شعرتُ بسعادة عارمة، ها أنا أرى من كان يعتقلنا ويقتلنا يهربون كالأرانب”، وأكمل: “أخذتُ أبحث عن كتائب “الجيش الحر”، عن أعلام الثورة، حاولتُ أن أصغي جيداً في هتافات القادمين، من هؤلاء؟”.
أحمد كان اعتُقل على يد قوات الأمن السوري في الرقة، قبل التحرير، تنقّل بين فروع الأمن في عدد من المحافظات لمدة شهرين، بدايةً لدى الأمن العسكري في الرقة مروراً بالأمن العسكري في دير الزور، ليتم نقله بعدها إلى سجن تدمر، ومن ثم إلى السجن البولوني في حمص. وكانت دمشق أيضاً إحدى محطات اعتقاله في الشرطة العسكرية بالقابون وفي الفروع 291 و215 وفرع فلسطين، ومن هناك نقله الأمن السوري بطائرة من مطار مزّة العسكري إلى سجن حلب لينتهي به المطاف في سجن الرقة المدني. تعرض الحاج خلال هذه الرحلة إلى كل أنواع التعذيب التي تعرض لها العديد من شباب الثورة السورية على يد عناصر الأمن.
يستدلّ بتاريخ مواجهته مع النظام السوري ليقول إن “معظم سكان الرقة مستعدون لمواجهة النظام الجديد”، ويتابع: “فعلاً استطعنا الوقوف في وجه “الجبهة” و”الأحرار” الذين تراجعوا فوراً إلى مراكزهم داخل المدينة، لقد صمدنا في وجه النظام السوري كل هذا الوقت، ولن نسمح للعسكر المتشددين بفرض استبدادهم علينا، منذ ذلك الوقت تغيّر تعاملهم معنا، وقطعوا تواصلهم مع المدنيين”.
حمل أحمد السلاح بعد خروجه من سجون النظام، توجّه حينها إلى تل أبيض وانضمّ إلى “جبهة النصرة”، التي أعطته السلاح والذخيرة وكامل السلطة، لكنه لم يستطع البقاء معهم لأكثر من 10 أيام. ألقى سلاحه وعاد ليهتف مع المتظاهرين السلميين في الرقة.
“خرجنا في تظاهرة بشارع الوادي تحت عنوان “تظاهرات ما قبل التحرير”، وذلك في محاولة لتذكير الجميع بمبادئ الثورة التي خرجنا من أجلها، طلبنا من الجميع رفع أعلام الثورة وإنزال كل الأعلام الأخرى، حينها رفض “أحرار الشام” إنزال راياتهم بحجة أن “اسم الله يجب أن يبقى عالياً”، هتفنا للحرية والمدنية، وهم هتفوا لتطبيق شرع الله، وبدأت أصواتنا تصدح لتغطي على هتافاتهم، كان هذا صدامنا الأول مع هذه الحركة”.
خرجت العديد من التظاهرات ضد “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” رداً على الانتهاكات التي يقومون بها ضد المدنيين في المدينة، كانت آخرها يوم الإثنين أمام مبنى المحافظة، الذي أصبح مقر “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وكانت للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وضد الاعتقال التعسفي بحق الناشطين السلميين.
الحياة اليوم في الرقة لا تشبه أبداً المشهد الذي تتناقله وسائل الإعلام، أو المظهر الخارجي لها، الشباب يتجولون في الشوارع ويقفون أمام مراكز تجمعاتهم المدنية، النساء يتمشين ويرتَدْن المقاهي حتى ساعات متأخرة من الليل. “وضعتُ الحجاب في الأيام الأولى من التحرير، لم أكن أعرف ماذا ستكون ردة فعل “الجبهة” حينها، لكني قمت بخلعه في اليوم الخامس ولم يتعرض لي أحد، لقد فرضنا شروطنا عليهم وها أنا أجلس في المقهى مع صديقاتي وقد تعدت الساعة 11 ليلاً”، تقول ريم.
العديد من الفتيات في المدينة، ريم واحدة منهن، كنّ من منظمي التظاهرات في المدينة، وما زلن حتى اليوم يتظاهرن ضد الجبهة والأحرار، وهن أعضاء في عدد من التجمعات المدنية.
أحاديث الأهالي مزيج من الإحباط والغضب تجاه المسيطر الحالي، لكنهم في الوقت ذاته فخورون بتحرير المدينة وما ستؤول إليه قريباً. يسردون قصصهم قبل التحرير بسعادة وتفاؤل. “هي ثورتنا وما رحّ نخلّي حدا يسرقها منا”، هذه العبارة تسمعها من معظم شباب وفتيات الرقة، وهم يخوضون ثورتهم الثانية ضد النظام الجديد، الذي لا يشبه أبداً حلم السكان بـ”رقّتهم” المحررة.