زملاء

ســــوريا : انتصار الحب على الحرب .. قصة فتاة درزية تقترن بشاب مسيحي

  •  الحب لا يعرف دينا، أحببت فقط، وها نحن نحاول رغم الظروف السيئة تكليل حبنا بالسلام والطمأنينة
  • لبست الفتيات الأربع فستان العرس الأبيض، وأعلنّ حينها تحدي النظام السوري حاملات شعارات تطالب النظام بوقف إراقة الدماء .
  • أخبرت والدها بقصة حبها أسعد وقال لها: “الثورة حب. ليست عنصرية ولا طائفية . وليس من حقي أيضاً تقرير مصيرك بناء على اختلاف الطوائف

 وجدت ابنة مدينة السويداء في أقصى الجنوب الس وري، لبنى زاعور أو “عروسة الحرية” كما يلقبها ناشطون سوريون، عريسها أسعد حنا ابن مدينة حمص، فسلمته قلبها، معلنةً انتصار الحب في زمن الحرب، وهزيمة الطائفية بزواج مدني. وتسرد زاعور لـ”العربي الجديد” قصة حب “ثورية” بدأت بطلب صداقة على “فيسبوك” ولم تنتهِ بطلب اليد للزواج وجهاً لوجه، متنقلة بين لبنان وتركيا، بعد أن أطلقت الحكومة السورية سراحها، مغلقة الستار على واحدة من أصعب مراحل حياتها، عقب اعتقالها وزميلات لها أعلنّ احتجاجهن على الحل العسكري الذي تتبعه القوات الحكومية ضد السوريين.

اعتقال لبنى وزميلاتها ديما الدالي، وكندة زاعور، ورؤى جعفر، جاء على خلفية تظاهرة “عرائس الحرية”، عندما لبست الفتيات الأربع فستان العرس الأبيض، وأعلنّ حينها تحدي النظام السوري في أحد شوارع دمشق القديمة (مدحت باشا)، حاملات شعارات تطالب النظام بوقف إراقة الدماء في سورية. “لا أعلم كيف يأتي الحب دون سابق نية. كانت نفسيتي حينذاك في أسوأ أحوالها، لكن هذا الحمصي ومنذ أول لقاء لي معه لم يترك لحزني مكاناً”، تقول لبنى في إشارة إلى عريسها أسعد.

  ويكشف أسعد أن اللقاء الذي رسم ملامح طريق جديدة للثنائي، كان في منزل لبنى في لبنان، بلد اللجوء الأول.  تعلن لبنى انتصار قلبها، كما تقول لـ”العربي الجديد”، عقب نجاحها في نسيان اختلاف الأديان “بين الفتاة الدرزية القادمة من جبل العرب، وأسعد المسيحي الحمصي”. “نعم، أتزوجك” أجابت على سؤاله، لتواجه أسئلة مصيرية حول تطوير العلاقة إلى مرحلة الزواج، في مجتمع “لا يسمح حتى بمجرد الإعلان عن علاقتنا”. تغلبت  لبنى على ترددها، وأخبرت والدها بقصة حبها أسعد. ووالدها الذي لا تختلف أفكاره كثيرا عن أفكار ابنته التحررية، حُفرت كلماته في ذاكرتها، حين قال لها: “الثورة حب. ليست عنصرية ولا طائفية. أنت ابنتي التي أثق بها وبقراراتها. ومثلما ليس من حقي أن أمنعك من التعبير عن رأيك في التظاهر، كذلك ليس من حقي أيضاً تقرير مصيرك بناء على اختلاف الطوائف. أتمنى أن تكوني مقتنعة. وفقك الله” .

لكن أهل أسعد لم يتجاوزوا مسألة الخوف من أن لبنى مطلوبة للنظام، ما سيمنع الشاب الحمصي من دخول سورية مجددا. يكشف أسعد عن رسائل وصلته، بعد إعلان خطوبته، من “الشبيحة” والأقارب، تشكك بما يعتبر شرفا أو عرضا بالمفهوم الشرقي.  يقول: “المضحك في الموضوع إلى حد السخرية والبلاهة أن هؤلاء موقنون تماما بإجرام النظام، وأن لا شيء يمنع من اغتصاب وتعنيف فتاة ارتدت الفستان الأبيض، ونزلت إلى الشارع بشعارات تقول: “سوريا إلنا كلنا… تعبتوا وتعبنا بدنا نعيش حل تاني… أوقفوا القتل”.

وبينما تعلق لبنى على تلك الافتراضات قائلة “لنفترض جدلا أنني تعرضت للاغتصاب داخل المعتقل، لو حصل ذلك لصرخت ملء حنجرتي وقمت بفضح النظام. لكن عقلياتكم ترى أن المغتصَبة عار، وعليها أن تسكت لأن اغتصابها فضيحة، وليس إجرام المجرمين هو الفضيحة”. تضيف لبنى: “لم أرضَ بشخص يتزوجني شفقة، ولست ممن يطمحون إلى الزواج كثيرا”، معتبرة أن “الحب لا يعرف دينا، أحببت فقط، وها نحن نحاول رغم الظروف السيئة تكليل حبنا بالسلام والطمأنينة”.

أعلن العروسان خطوبتهما أثناء سفرهما على متن باخرة إلى تركيا عن طريق مرفأ طرابلس في شمال لبنان، بوجود الأهل والأصدقاء. حين وصلا إلى تركيا، كانت لديهما رغبة بالزواج عن طريق جهات سورية تعمل لصالح الثورة. ولأن الزواج المدني أيضاً من أهدافهما، ذهبا إلى “مركز التجمع السوري الاجتماعي” في مرسين، وشرحا للمعنيين عن زواجهما، وبعدها قصدوا مكتب “تجمع المحامين الأحرار”. لكن طريق زواجهما كان مسدودا، فلم يكن وارداً الزواج عن طريق ذلك المكتب، لأنهم ما زالوا ماضين في العمل وفق الدستور السوري القائم الذي لا يعترف بقانون الزواج المدني. إضافة إلى ذلك، فإن الزواج عن طريق الدستور السوري يشترط لإتمامه بعض الأوراق من داخل سورية، حيث يستحيل دخول لبنى المطلوبة من مخابرات النظام. فكان الزواج وفق قوانين الحكومة التركية، حيث تم في البلدية التركية في اسطنبول.

تصف لبنى يوم فرحها: “لم نقم بأي معالم زفاف، كان عرساً نازحاً ومشرداً يخلو من كل الفرح ومظاهر الزفاف”. تضيف: “لم ألبس الثوب الأبيض في عرسي. لكنني لبسته وسط دمشق باعتصام عرائس مدحت باشا. ارتدينا الأبيض لإيقاف الدم”. تتوقع لبنى مستقبلا “حافلا بالصعوبات”، معلنة أن “الحب وحده هو صبرنا ومصيرنا. نحن لا ننتمي لأي دين. لا أقلية ولا أكثرية. نحن ننتمي للإنسان”. وتختم: “عندما سأل أحدهم عن دين أطفالنا في المستقبل، ماذا سيكون؟ أجبناه بأن أطفالنا سيكون دينهم الإنسانية والطفولة إلى أن يكبروا ويقرروا أي دين يختارون، من دون تلقين .

العربي الجديد

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق