الحرب القائمة وأسئلة المستقبل والكتابة
A lengthy interview with writer Ahmad Seiman about the ongoing war in Syria, future questions, and writing
Ahmad Sleiman, a Syrian writer and poet residing in Germany, recently published a book called ”Romantic 2011” which is a combination of narration, prose, and narration in one book, that sheds light on the ongoing war in Syria and the major players shaping the policies of the region and the world. According to an interview with the author, the solution to the conflict in Syria is the departure of all foreign forces and militias fighting over Syrian territory and the deployment of joint international peacekeeping forces. The author believes that the regime was directly related to all the crimes and is responsible for portraying a distorted image of the revolution, which helped in the emergence of extremism
In “Romantic 2011” the author writes a “monologue” in multiple voices, starting from the self to the ocean heading to the world, and confirms that what he writes is about the cause of his people and his endeavors for a civil, democratic state. The writer also has a number of contributions, in addition to ten books, including two narrative works and poetry collections, in addition to a cultural volume entitled “Democracy and Looking to the Future.”
He says
The solution, as I see it, is the departure of all foreign forces and militias fighting over Syrian territory, and the deployment of joint international peacekeeping forces
I did not spare an opportunity except to talk about the issue of a people who made the greatest revolution in history
“Romantic 2011” is a frank confrontation with the self, freedom and love that faded amid the news of the massacres
The one who helped in the emergence of extremism was the regime, with the aim of portraying a distorted image of the revolution
حديث مطول مع الكاتب أحمد سليمان حول الحرب القائمة في سوريا وأسئلة المستقبل والكتابة
- الحل كما اراه، خروج جميع القوات والمليشيات الأجنبية المتقاتلة فوق الأرض السورية ،ونشر قوات دوليَّة مُشتَرَكة لحفظ السلام.
- لم أوفر فرصة إلا وكنت أتحدَّث فيها عن قضيَّة شعبٍ قام بأعظم ثورةٍ في التَّاريخ
- ” رومانتيك 2011 ” هو مواجهة صريحة مع الذات والحرية والحب الذي تلاشى وسط أخبار المجازر
- ان من ساعد على نشوء التطرف هو النظام ، بهدف إسباغ صورة مشوهة عن الثورة.
- لا يوجد سوري متوازن يقبل بوجود مجموعة عسكرية أو جهادية أو طائفية أو سواها ، ولا اية جيوش تحتل بلدنا ، كتلك التي تعمل على تأهيل النظام ورئيسه المجرم.
صدر حديثًا عن “مركز الآن” باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة للكاتب والشاعر السوري المقيم بألمانيا أحمد سليمان كتاب “رومانتيك 2011″، وهو الكتاب الثامن للمؤلِّف، وقد أصدر قبلًا دواوين شعرية وهي: الحفيد السرّي، خدر السَّهو، اَلْعِشْقُ المشرور، أتشــــكل. بالإضافة إلى عمليْن سَرديَّين: زهور النار، قُبَّعــة المنـــام، ومجلَّد ثقافي موضوعه الأساس الديمقراطية واستشراف المستقبل جـــدل الآن.
عن كواليس الكتاب أسرَّ لنا في هذا الحوار أنَّ الراوي للأحداث يتلقى اتصالًا هاتفيًّا في محاولة لثنيه عن مساندته للمظاهرات في بلده سوريا؛ إذ كان ولا يزال المؤلف يدير موقعًا متخصصًا في نشر أخبار النشطاء والانتهاكات التي تطال السوريين. بصفته الاعتبارية تلك وبالنظر إلى سرعة الأحداث الدمويَّة المفرطة، وخصوصًا حين تم قصف المدنيين بالطائرات والدبابات، دفع كاتب النص إلى تصعيد تصريحاته الإعلامية التي فضح من خلالها جرائم النظام السوري.
يستحضر الرَّاوي قصَّته التي بدأت قبل الثورة ؛ إذ قضاها متابعًا لوضعٍ صحيّ تعيشه حبيبتُه، إلا أن الخواتيم جاءت قاسيةً، فكانت انتحارًا – حسب رأيه – أدَّى إلى تفكيك علاقته بها؛ إذ إنها استسلمت لضغوطٍ دَفَعتْها لتكون في موقعٍ آخر يتعارض مع الرَّاوي. هذا ما نستخلصه بأن الأمر رسالة قاصمة توازي محاولة اغتيال واضح وصريح للكاتب نفسه.
في “رومانتيك 2011” يكتب أحمد سليمان “مونولوغ” بأصواتٍ متعدِّدةٍ، انطلاقًا من الذات إلى المحيط، متَّجهًا للعالم؛ إذ يؤكد أن ما يكتبه هو عن قضيَّة شعبه، ومساعيه من أجل دولة مدنيَّة ديمقراطيَّة. يرى أن ما حصل في بلده ثورةٌ حقيقيَّةٌ، إلا أن اللاعبين الكبار الذين يرسمون سياسات المنطقة والعالم جعلوا من سوريا مسرحًا فوضويًّا للتخاطب والنزاعات فيما بينهم.
يؤكد الكاتبُ أن النظام كان على صلةٍ مباشرةٍ بكلِّ الجرائم، فكتب عن حكاية الحكم، وطرائق إدارته للدولة الوراثية عبر أجهزةٍ أمنيَّةٍ قمعية مستبدَّة، تلك التي جعلت كلَّ شيء في البلاد خاضعًا لسطوةٍ عائليَّةٍ قاتلةٍ. كذلك نقرأ بشكل مفصَّل عن الاغتيالات في لبنان والمجازر والاعتقالات والمختطفين في سوريا، إضافة إلى حديث عن المتطرفين الإسلاميين وأذرع قوميَّة تتلطى بشعاراتٍ ديمقراطيَّةٍ، والذين يعتبرهم أحمد سليمان حرَّاس النظام، في إشارة إلى أنهم تخرجوا من فروع الاستخبارات منذ أيام الدكتاتور الأكبر حافظ الأسد.
في حوارنا الخاص، نسلِّط الضوءَ على تجربة أحمد سليمان، ورأيه من القضايا المصيرية المرتبطة ببلده وشعبه ، كذلك نجول معه عبر اسئلة متداخلة هامة ، انطلاقا من كتابه “رومانتيك 2011” الذي لم يشر فيه المؤلف إلى الجنس الأدبي لعمله. ما جعلنا نفهم ذلك كنوعٍ من القطيعة مع المُسمَّيات ، مع انه يؤكد “هذا العمل يجتمع السرد والنثر والرواية في كتاب واحد ” .
- سأطلب منك بعض مفاتيح لكتابك “رومانتيك 2011″، ولماذا لم يتم تصنيف العمل إلى جنسٍ أدبيٍّ معيَّن؟ وما دلالة العنوان؟ ولماذا تصدره بلغتين في كتابٍ واحد؟ وقبل ذلك كيف تحل قضيَّة تمويل كتبك خصوصًا أنك تعتزم ترجمة المزيد من الكتب، إضافة إلى تبنِّي سلسلة كتب ستصدرها تباعًا، في محاولة منك استنهاض عمل مؤسساتي داعم للثقافة والنشر والكتاب؟
سأجيب عن هذا السؤال/ الأسئلة؛ إذ ألاحظ أنَّ كلَّ سؤالٍ يحتاج إلى حوار منفصل، رجائي عندك عدم حذف أي جملة عن سياق أجوبتي.
أولًاـ مفاتيح الكتاب: “رومانتيك 2011” قائم بالأساس على تجربةٍ حقيقيَّةٍ عشتُ تفاصيلها منذ ما قبل الثورة بعام ونصف تقريبًا، وصولًا لما تعيشه بلدي سوريا من حربٍ متداخلةِ الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة، كذلك رغبتُ القول من خلال كتابي إن هذه الحرب المأساوية لم تكن تحدث لولا بدأها نظامُ الحكم ضد ثورة شعبنا.
أزعم أنني أقدم نصًّا أدبيًّا قائمًا على تشريح الأذى، بتفرُّعاته السياسيَّة والأخلاقيَّة والبدنيَّة، كما تعلمون أن السُّوريين مستهدفون بجودهم، وما تبعه من قهر لوعيهم المدني والنفسي ذلك منذ بداية الحكم الدكتاتوري وصولًا إلى صيحات المجتمع الذي ثار بعفوية، فكان خطابه واضحًا منذ البدء، دولة متحررة من الفساد والقمع، غير محتكرة للسلطة وتحترم مواطنيها.
ثانيًاـ تصنيف العمل: وقعت في حيرة وأنا أدفع كتابي إلى الطبع، وقبل ذلك نبهني المترجم والمحرر للنسخة الإنجليزية المترجمة (كلاهما صديق لي، بل رفيقا نضال تحرري) إلى ضرورة تصنيف الكتاب، مع ذلك آثرت عدم تصنيفه تحت أي جنس كتابي، اعتقادًا مني بأنه يجمع السرد الأدبي والنثر، والرواية ذات الصوت الواحد، بالتالي فهو جنس فالت ويجمع المسميات كلها معًا.
ثالثًاـ العنوان: أعرف مسبقًا بأن العنوان يبدو وكأنَّه رواية عاطفيَّة، لكن في الواقع إنه يخص بلدًا بأكمله، فيه دعوة لفهم علاقتنا بالحياة والمجتمع والحرية، سنوات سبع قضيناها كمدانين، وفي أحايين كثيرة تم تهميش دواخلنا بسبب طغيان الأحداث المروعة، ربما بين الحين والآخر نحتاج إلى فعل رومانتيكي كي نُحدث بعض التوازن، وقد أشرت إلى ذلك في القسم الأخير من الكتاب.
القصد من تسمية “رومانتيك 2011” هو إحداث صدمة لدى القارئ؛ فيبدو كأن في الأمر قصة حب، وهو في الحقيقة مواجهة للذات والحرية والحب الذي تلاشى مع أخبار المجازر، يبدو ذلك جليًّا وفيه شرح فاضح لمأساة السوريين ومسببات الأذى الذي يعيشونه. يشير إلى مواطنين أحياء، إلى جانب أشخاص غابوا أو حتى ماتوا تحت القصف أو تمت تصفيتهم، أو ذبحًا بسكين. يمكنك القول إنه مونولوج متداخل بين الذات والمحيط والبلاد والعالم.
- لديَّ سؤالٌ مرتبطٌ بالاحتجاجات، والتطرف الذي استخدمه النظام كمدخل لقلب الصورة أمام العالم حسب إشارتك في الكتاب، برأيك لماذا المشهد الإعلامي المعارض لم يفِ غرضه في توضيح الحقائق؟
كما تلاحظين، كوني أعمل في الإعلام الحقوقيّ تصلني تقارير وأخبار وتسريبات، بعضها يكون صحيحًا وبعضها الآخر يحتاج منَّا لمتابعته وفهمه والتعرف على مصداقيته، ننجح أحيانًا ونفشل في أحايين كثيرة، من جانب آخر مُخلِصًا أقول: إن مَن ساعد على نشوء التطرُّف هو النظام، لا بل أشرف على تشكيل مجموعاتٍ إرهابيَّة هدفها خلق الفوضى وتشتيت الرأي العام لإسباغ صورة مُشوَّهة عن الثورة من جهة، وأيضًا كي تعمل تلك المجموعات على حراسته، تجلّى ذلك من خلال استهداف الثورة واختراقها.
اعتمد النظام هذه الاستراتيجية في خطوةٍ منه لتشويه صورة الاحتجاجات السلمية منذ بدايتها، التي طالبت برحيل رئيس الحكم ونظامه الموروث، النظام الذي يحتل المجتمع منذ أكثر من أربعة عقود عبر القمع والسجون.
كما هو ثابت أن أجهزة الأمن تفرض حالةً من الاحتكار لسلطات القرار، والتحكم بمقدرات البلاد الاقتصاديَّة واحتكار فرص العمل لمن هم ضمن دائرته، إضافة إلى نشر الفساد وسحق الأحزاب والمنظمات والنقابات المدنيَّة، بالتالي فإن المجتمع السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة مصاب بما يمكن تسميته بـ”الفصام الإرادي”؛ إذ نجد الناس يعلنون ولاءهم للنظام عبر أكذوبة الأب القائد للدولة والمجتمع، أما في السر نجد ذات المجتمع يلعن اللحظة التي وصل فيها هكذا مسخ إلى السلطة، خصوصًا أنه قبل موت الدكتاتور المجرم الأكبر، الذي بدوره أعدّ كل الترتيبات كي يرث الحكم من بعده ابنه (أي السفاح الحالي بشار الأسد) هذه هي نتائج توريث الإجرام فقد أوصل البلاد والسوريين إلى هذا الدمار الكبير.
- تشير إلى الاغتيالات في لبنان بشكل دقيق، كذلك لفت انتباهي إقامتك في بيروت حيث تسميها أنت “ست الدنيا”.
علاقتي بلبنان ليست طارئة، أنا مسكون به! فقد عشت فيه زمنًا طويلًا. وعلى الرغم من أنني وقتها كنت تحت الأنظار كسائر السوريين واللبنانيين الذين يعانون من سطوة القمع والملاحقة من قبل أجهزة المخابرات، استطعت كسر الخوف من الاعتقال، خصوصًا أنني كنت أعيش في المنطقة الشرقية طيلة سنوات إقامتي. كنت أخصِّص يومي السبت والأحد لزيارة أصدقائي الشعراء والكُتَّاب، أعدّ حوارات أو أجمع محتوى لمجلة أصدرها، لهذا السبب في كل كتاب أنشره تلاحظين حضورًا لبنانيًّا كنوع من الاحتفاء أو الإشارة للمكان الذي يسكنني. لبنان بلدي الثاني، وبيروت ليست ست الدنيا فحسب إنما عالمي الذي تشكَّل ونضج فيه وعيي الثقافي والسياسي، لذلك تجدين قضية الاغتيالات بالنسبة لي كما لو أنني كنت حاضرًا أثناء وقوعها، لأنني بالفعل مسكون ببيروت.
الاغتيالات التي بدأها حافظ الأسد واستمرت عبر وريثه، إذ تمت تصفية قادة وسياسيين في لبنان بدءا بـ كمال جنبلاط، وسمير قصير، وجبران تويني، وجورج حاوي، ورفيق الحريري . شخصيًّا، أركز على بداية الفساد والتخريب وتدخل نظام الحكم في شؤون بلدان الجوار عبر تصدير مجرمين ينفذون تفجيرات تخص أهدافًا سياسيَّةً، وإذا ربطنا الاغتيالات التاريخيَّة ببعضها، سوف نكتشف أنه بدءًا من بعد الاجتياح الإسرائيلي تولّاها تنظيمٌ إيرانيٌّ كان ينشط بتنسيق مع أجهزة المخابرات السورية؛ إذ تم اغتيال المفكّر حسين مروة، ومهدي عامل، وبعد ذلك انقسم عن ذات التنظيم جناح أكثر تطرفًا هو نفسه اختطف المؤرخ ميشال سورا وأعدمه بعد حين، هذا الاغتيال تحديدًا أعتقد بأنه كان بداية لوقوع الدولة اللبنانية ولبنان تحت الوصاية والاحتلال من قبل جيش حافظ الأسد وأجهزته التي راحت تتحكم بمفاصل البلد المجاور.
يستعرض الكتاب أيضًا أسماء نشطاء وكُتَّاب ثوار سوريين وعمال إغاثة أجانب وشخصيات نادت بالسلم المجتمعي، تم خطفهم من قبل ارهابيي داعش، منهم الأب باولو وفراس الحاج صالح وإسماعيل الحامض وإبراهيم الخليل، كذلك توجد إشارة عن مجموعة توثيق الانتهاكات: رزان زيتونة، وائل حمادة، سميرة الخليل، ناظم الحمادي. إن من خطفهم هم جناح جهادي في الغوطة، أعني جماعة علوش، والذين بدورهم يجب تصنيفهم أيضًا كحراس للنظام.
- تكتب عن دونا، كما يلحظ القارئ، بأن الأم لها تأثيرٌ واضحٌ عليك.
نعم، لم أعِشْ طفولةً عاديَّةً، كنت أجلب الشقاء لوالديَّ، كانا يتعقَّباني كلما وقعتُ بمصيبةٍ سياسيَّةٍ كبرى، ذات مرة زارني والدي إلى حيث كنت مُعتَقَلًا بسبب منشوراتٍ يساريَّةٍ، همس بأذني: “برجاء افعل ما تشاء، اشتمني، ولكن لا تعبث مع النظام، لا أريد أن أخسرك”. وضع قبلته على جبيني ثم غادر. حين خرجت من فرع التحقيق العسكري وهو فرع يحتوي على معتقلين من كل الاتجاهات إلى جانب تجار مخدرات ومجرمين وعسس، كان ذلك الفرع يحتوي على زنازين جماعية مساحة كل واحدة لا تتخطى 8 أمتار طولًا ومثلها أو أقل عرضًا. وحين خرجت من فرع المنطقة اتجهت إلى بيت العائلة، تلك الزيارة كانت الأخيرة، كنت جالسًا إلى قرب والدي ثم انضمت إلينا والدتي قائلة بالتركية: “أخرجناه من فم الأسد يا محمد فهل نستريح قليلًا من لهاثنا خلفه؟” ضحكت بعمق وقبّلت يد أمي ورأس أبي، أجبتهم بهدوء: سأعيش في لبنان.
بالرغم من إنني أكتب عن مشاهد حقيقيَّة بلسان أشخاص أعرفهم، أو عن مشاهد سمعتهم يتحدثون عنها، عبر رسائل صوتية تصلني من أصدقاء يلاحقهم الموت إلى جانب أفراد أسرتي، فإن أمي على وجه الخصوص لها حيز واسع لديَّ، كانت تعيش بمناطق تسيطر عليها مُنظَّمة دينيَّة متشدِّدة إرهابيَّة. وقد تمكنتُ من الهرب مع بعض أفراد أسرتي، لكن المؤسف أنه تم احتجازهم في عفرين مع جميع الهاربين من جحيم الموت الجهادي. أمي عمرها 75 عامًا إلى جانب ما يقارب 100 شخص قضوا جميعهم مدة ثلاثة أيام داخل حافلة بدائية غير مهيأة للاستخدام الصحي. بعد السماح للحافلة بالمغادرة، حيث كان الجميع في وضعٍ صحيّ بائس، وصلت أمي ريف حماة ثم أدخلوها المشفى. بعد ذلك بفترة قصيرة توفيت أمي! لهذه الأسباب وسواها بدا الحيز واضحًا في النص، أمي التي كانت تردد.
تقول دونا: “انشغلنا بضعفنا يا بني. يرموننا بالصواريخ يا أحمد، كما لو أننا أهدافٌ عَسكريةٌ… هل لأحد أن يشرح لنا مَن أدخل إلى بلدنا مجموعات إرهابية تضم ملتحين لديهم إمكانات جيوش؟”
أيضًا أشرت في فصل آخر إلى أن (مقتلة السوريين التي نتج عنها ما يقارب المليون إنسان كانت بسبب تواطؤ ذات الدول التي تدّعي مساعدتهم بإسقاط النظام).
- تبدو المرأة في نصوصك بشخصيَّات متعدِّدة، لدرجة التماهي بين شخوص النص والمرأة التي تعيش بكتاباتك.
المرأة في “رومانتيك 2011” قَدَرُها أن تكون على نحوٍ مُلتبس، من خلال شخصيَّاتٍ عايشتُها، أو عرفت عن حكايات بعض نساء، بالتالي صورهن متعدِّدة الوجوه، مرة نجدها تعرضت للاغتصاب من قِبَل مجموعات النظام السوري، ومرات نجدها مقطوعة الرأس على أيدي المجموعات الدينيَّة، وأحيانًا نجدها مُعتَقَلة يطلبون إليها التعري أمام شقيقها ليتم تصويرهما بأنهما في وضعيات مخلة كمتلبسين، ومرات كثيرة تبدو المرأة كحديقة متنقلة تعيش في عالمي بمعنى ما يوجد تماهٍ بين الذات والمحيط:
“مأساتكِ يا حبيبتي ليست أعنف من مقتلة شعب يُباد بشكل مُنتظم، لكنها بالطبع مأساةٌ توازي فظاعة من يقرأ رسائل العشق بين جثث المقتولين”.
- بعد انقطاع أسبوع عن الحوار مع سليمان أرسلت إليه سؤالًا: الرواية تشير إلى حبيبة الكاتب التي يبدو أنها “انتحرت” في ظروف لم يحددها النص. فأجاب برسالة قصيرة: “أنا لا أكتب رواية تسجيليَّة” ثم أرسل إلينا بقيَّة الجواب:
شخصيًّا أشير إلى “المنتحرة” من كوني أتحدث إليها عن قضية شعب وثورة ضد نظام مجرم، مستعرضًا التاريخ الدموي للنظام وصولًا إلى ما اعتبرته وصية انتحار.
( أعاينُ لوحاتِكِ بدقةٍ كبيرةٍ، فهي حمراءُ مُطفأةٌ، كما الدماء التي تُراقُ في بلدي.ليس بوسع أحدٍ فهمُ أمورٍ كثيرةٍ، ثمّةَ ما هو بائنٌ بالطبع، للحق، كنتِ منصفةً بقول كلِّ شيءٍ : القسوة، أكاذيب الساسة، تجار الأديان والقوميات والنخاسة الأمميّة.).
(وأنا أُقلّب وصية انتحاركِ، أخذني رشاقةُ الكلام، عمق السرد المترامي بين فكرة رسم تشكيل ورثاء، أقنعتني أغلب ما حملتها اللوحة في رسالة، لم تهملي تفصيلًا صغيرًا بما في ذلك الحرب السريريَّة).
- لدى تكرار سؤالي، طلبت منه الاسترسال أكثر عن القضية فأجاب:
أنا لا أستخدم كاميرا كي أصور فيلمًا، على الرغم من سرد حالات ومشاهد بشكل أدبي هذا ما أسميه تداخلًا بين الذات والمحيط.
فأنا مثل كثير من السوريين الذين افترقوا عن محيطهم الشخصي، نتيجة آرائهم ودعمهم لقضية الديمقراطية وتحرير المجتمع من القبضة البوليسية التي حكمت بلدي أربعين عامًا. كوني ناشطًا قبل الثورة بسنواتٍ طويلةٍ، إلا أنَّه في مارس 2011 حصلت ثورتان، الأولى في البلاد تطالب برحيل النظام الإرهابي، أما الثورة الثانية حصلت في بيتي!
- ثورة في بيتك! كيف؟
هكذا ببساطة تلقيت انتقادًا أوحى لي وقتها البعض كتهديدٍ مُبطَّن، كان الكلام مباشرًا، بعد أن أخضعت المكالمة الصوتية للتحليل بواسطة تقني برمجيات، أشار لي أن المكالمة كانت عبر منفذين صوتيين تأكدت حينها بأن الخط مُراقَب، فقد كان الكلام واضحًا وصريحًا، يتناول أنشطتي وآرائي ممَّا أدى إلى انفصالي عن زوجتي بسبب معارضتي وكتابة تصريحات للشبكات الحقوقية.
هناك من طلب مني تغيير آرائي من الأحداث في بلدي، يريدون مني جعل النظام “حمامة سلام ” أومظلومًا من قبل 24 مليون سوري، إضافة إلى إنهم طلبوا منِّي التوقُّف عمَّا أنشره في موقع نشطاء الرأي، وقد تم اختراقه عشرات المرات، ونشروا عليه رسالةً تهدِّد بمصيرٍ مؤلم. مع العلم أن هذا الموقع تأسس منذ ما يزيد عن 13 عامًا، فهو حتى عام 2011 كان مرجعًا لشبكات حقوقية حيث أنشر تلخيصًا للمحتوى الخبري، والأحداث القمعية والاعتقالات، وفضح جرائم النظام السوري.
- ماذا بقي من الحُب؟
أنت تسألين عن أعوام سبعة مضت، نحن الآن في يناير 2018، أعتقد أنه لا يمكننا الحديث على نحو كبير عن حبٍّ مضى، يمكنك القول إنه توجد آثاره الموجعة، الإشارة إليه هنا لا تعني استجداءً أو ندمًا أو تشفِّيًا من طرفٍ ضد آخر، الأمر بالنسبة لي بات كطيفٍ متداخلٍ مع بداية العلاقة وبراءتها، الحبيبة هنا لوحة في البعيد ليست في الحاضر. مثلًا كان الحديث عنها كفنانةٍ تشكيليَّةٍ وكنت أعيش كل لحظاتها المؤلمة بالنسبة لها ولي بآنٍ معًا، فهي تعاني من وضعٍ صحيّ يُفقِدُها الوعي أحيانًا لأيام.
- نعم لاحظنا بأنك كنت تحتفي بها، تكتب في نصوصك بأنكما تتشاركان أحيانًا بفكرة رسم أو أنك تضع لونًا وهي تغيره إلى لون آخر.
بالضبط، يحدث أحيانًا أن أكون إلى جانبها لحظات إعداد ملامح لوحة، للدقة أكثر، فهي تعيش صراع مرضي مزمن ، على الرغم من انتكاساتها الصحية ، إلا انها قوية النباهة، تستحضر لحظات غيبوبتها وتسألني عن بعض المعلومات حرصًا منها كي تتأكد بأنها استفاقت ومستعدة للرسم. فقد رسمت لوحات فنية بأوقات عصيبة، تحديدًا عند الاستفاقة من غيبوبتها، كانت تطلب مني إحضار المرسم والألوان، ذلك أنني كنت إلى جانبها بكل الأوقات التي يسمحون لي بزيارتها.
- يسألني سليمان (هل سبق وشارك أحدٌ حبيبتَه برسم لوحة؟ أو حتى بتحضير معرضٍ تشكيليّ وهي بالمشفى مثلًا ؟ ) ثم يتابع :
كان لذلك وقع مهم في عالمي، شيء جميل وممتع بالنسبة لي، على الرغم من صعوبة الموقف على اعتبار أن المكان هو مشفى للأمراض العصبية، فإننا وقتها كنا سعداء، هي ترسم وأنا أكتب. فهي ليست سياسيَّةً، كنت أساعدها كمن يهتم بحديقة، هذه طبيعتي، وأيضًا من موقعي ككاتب يتذوَّق الفن.
- كما أفهم على الرغم من أنكما نقيضان فإن ما يجمعكما حبٌّ، وقصصٌ وانكساراتٌ ومتابعة في عياداتٍ ومشافٍ.
ملاحظتك في مكانها الصحيح ، وإن كنت حزينًا على خواتيم علاقتنا، بالنظر إلى حالتها الصحية، لكن ذلك لا يغير من مواقفي وآرائي، كلاهما شأن مختلف، حاولت أن أدعمها ما بوسعي ونجحت كثيرًا، بالنظر إلى ذلك ولأسباب مماثلة لمستُ رهبة بائنة عليها، فهي فنانة تشكيلية، ولا تهتم لكل أخبار العالم، لديها صداع مزمن، لا تقوى إلا على الرسم، حتى مواضيعها في الرسم عن الطبيعة والإنسان المجرد، لكن رؤيتها لأنشطتي ربما كان لذلك أثر سلبي. أعلم أن أمرًا كهذا موجع لكن مواقفي هذه تستند على مبدأ أخلاقي وإنسانيّ داعمٍ لقضية التحرُّر والديمقراطيَّة في بلدي، نشاطي متأصِّل بنشأتي وثقافتي السياسية وقد مررت بتجربةٍ يساريةٍ قبل مغادرتي سوريا في العام 1990. حاولت الفصل بين الموقف العام والشأن الشخصي. لكن كما أسلفت أنشطتي في الإعلام الحقوقي دفعت باتجاه آخر، بدا بالنسبة إليها مُخيفًا، خصوصًا قبل الثورة بعام ونصف ، أصدرت فيديوهات تحتوي على صور المعتقلين على خلفية مواقفهم السياسية وآرائهم من النظام، في السياسة الداخلية والخارجية، كان لهذه الأنشطة المعلنة في ذلك الوقت كما لو أنه تأليب الرأي العالم للمطالبة بأبعد من الحريات، خصوصًا في الأيام الأولى من المظاهرات، إذ كنت أشرف على جروب إعلامي، نصدر بمعدل كل عشرين ساعة تقريرًا عن جرائم النظام. أمر كهذا ربما جعلها تعيش عالمين؛ الأول خوفها على أهلها، والثاني بيتها الذي تعتقده بات غرفة عمليات هدفه قلب النظام.
حاولت إنقاذ ما هدمته السياسة والمتغيرات الدولية، تواصلت هاتفيًّا مع المحيط والعائلة (أفراد أسرتها: الأم والأخت والأخ) بهدف عدم تدمير إنسانة سيكون مصيرها بعد الانفصال مجهولًا، إلا إنني لمست قطعًا من كان يخطط لقصم ظهري. أيضًا هناك أطراف من خارج دائرة عائلتها تضغط في هذا الاتجاه، وهنا بألمانيا استطعت رصد مكالمات هاتفية وتدخلات مشبوهة، تأكدت وقتها أنني مستهدف ويريدون ضربي عبر تفكيك علاقتي بزوجتي.
- لدي سؤال مرتبط بقضية طل الملوحي ،
المؤسف في قضية طل الملوحي أن الحكم تزامن بفترة مفصلية، أي قبل الثورة بأيام، ونظرًا إلى تداخلاتها الكثيرة كما هو معروف، تم اعتقالها في ديسمبر 2009 على الرغم من أن طل الملوحي أنهت حكمها عمليًّا في 26/12/2014 وعلى الرغم من بدء قضيتها قبل الثورة بعام ونصف، وتم الحكم عليها بخمسة أعوام، وعلى الرغم من نفاد فترة حكمها، لا زال النظام يعتقلها. هي الآن معتقلة بلا تهمة، إلى جانب آلاف المعتقلين بسبب المظاهرات السلمية، أو بسبب وجود صلة قرابة بنشطاء أو ثائرين، سبق وأعددت تحقيقًا أسميته طل الملوحي أسيرة حرب متشابكة المصالح.
فالمتغيرات الدولية كانت في بداية 2011 ، خصوصا شهر مارس كان مفصليًّا بالنسبة للسوريين ، وعلى خلاف الأعوام السابقة ، فقد تمخض عنه شكل جديد من المقاومة السلمية التي ازدهرت قبل عام في الشارع السوري ، من بينها كانت قضية طل الملوحي ، الى جانب أنشطة كثيرة كنت أنجزها بالتنسيق مع خبراء وحقوقيين ومُنظَّمات مدنيَّة، من أجل إطلاق سراح نشطاء الديمقراطية في سوريا (هم الآن طلقاء وبات أغلبهم ينشطون في صفوف المعارضة السياسية التي تطالب برحيل النظام)لا اخفيك سرا اذا قلت بأن حملة الدفاع عن طل الملوحي التي استمرت عامًا كاملًا، استنفر خلاله أغلب السوريين والشعوب الصديقة ومن بينهم برلمانيون وشخصيات دولية. هذه الأنشطة مجتمعة، كانت كما أراها أول تحالف مدني بين السوريين، بل كانت أقرب إلى مقدمات الثورة الديمقراطية . فلو كانت طل الملوحي مجرمة حرب ربما اطلق النظام سراحها ، هكذا عودنا النظام فهو عكس مسيرة الكون ، يدعم اعداء الحياة ويسجن الضعفاء السلميين.
- ذكرت لي مرة عن استدعاءاتٍ وملاحقةٍ ثم احتجاز، وحديث عن محاولة استهداف شاعر لبناني نصحك بمغادرة بيروت.
في بيروت تم احتجازي من قِبَل المخابرات مرات، كانت إحداها مرتبطةً بالسؤال عن شاعر ومثقف لبناني أحبَّ كتاباته وله مكانة خاصة عندي. أبلغته وقتها بأنهم يضايقونني وأنهم سألوني عنه على إثر مقال كتبه عن شجار في الملعب البلدي، حيث ذكر فيه هتافات سخرت من الوجود السوري والآثار الكارثية للبنان. كلام مثل هذا كان في ذلك الوقت، حيث السطوة المخابراتية السورية، يمثل جرأة غير مسبوقة، ربما تؤدي إلى إنهاء حياة كاتب بعبوة كما حصل مع الصحافيين: سمير قصير وجبران تويني.
أذكر أنه وحرصًا منه على حياتي نصحني بمغادرة بيروت عند توفر البديل الآمن. في الفترة المفصليَّة تلك تم احتجازي وتمت مصادرة جواز سفري لمدة أسبوع قبل سفري إلى فرنسا، من أجل حضور مهرجان شعري، حين عدت من فرنسا طلبوا مني مراجعة دمشق (لحسن الحظ أنني وأثناء وجودي في “مارسيه” تلقيت خبر إلغاء المهرجان، بالتالي اختصرت زيارتي وعدت إلى بيروت. ما يعني أنني لم ألتقِ أحدًا) فكانت زيارتي الأخيرة لبيروت والتي اقتصرت على تصفية أموري الإدارية والتخلص من وثائق غير مفيد بقاؤها هناك. ثم أبلغني هاتف أنني مُلاحَق ويسألون عني ، حينها استعجلت الأمور وغادرت بيروت لكنها لم تغادرني.
بيروت الحلوة القاسية الرحيمة الممتلئة بالضجيج المحبب بالنسبة لي، الأروقة الثقافية والشعرية والفكرية، بيروت كانت بالنسبة لي أكثر من مكان أو مدينة، ربما توازي حلم عودتي إلى سورية متحررة من الطغيان والإرهاب المحلي والدولي. بيروت لا زالت تستقر بمخيلتي، من يدري ربما مستقبلًا في حال كانت الظروف متاحة، أي حين يستعيد لبنان سيادته الكاملة واستقراره الأمني، وقتها سأعيش في بيروت واستمر بعشقي لبحرها الممتد إلى بحر سوريا.
- ماذا عن عائدات الكتب التي صدرت عن مركز الآن؟
لليوم لم أتلقَّ أي عائدات من كل أنشطتي، وبقيت الكتب في بيروت لدى مؤسسات ودور نشر تقوم بتوزيعها بشكل جيِّد كما وردني من مراقبين لحركة النشر. كلام كهذا قد يطرح سؤالًا للمؤسسات التي تمتنع من الإفصاح عن مصير الكتب المودعة لديها، كما أعلم أنها استفادت من عائدات الكتب بشكل جيد.
بالتالي إن حصيلة ما تركته في بيروت من كتب تقدَّر قيمته بسبعة عشر ألف دولار وهناك من استغل غيابي وراح يطبع بعض كتب “مركز الآن”. من جهتي أعتبر النسخ الموجودة في السوق مقرصنة وغير شرعية، سوف تتم ملاحقة من قام بهذه الجريمة النشرية.
ذلك إن الموزع في بعض الأحيان هو نفسه الجهة التي تطبع، فهو يعرف بأنني خارج لبنان لذلك بالنسبة إليه الحقوق ستكون مباحة وبلا مساءلة، أتحدث مثلًا عن مجلد “جدل الآن” الذي لا أملك منه إلا نسخة وحيدة، ومجلدات أخريات.
ربما خطفتني شؤون بلدي والأحداث القاسية والمتسارعة عن المتابعة والتواصل أو السؤال، سوف أجد مخرجًا لفهم مصير الكتب في وقت لاحق.
- تبدو لي ابتعدت عن دعمك لنشر كُتَّاب الهوامش، الشعراء والكتاب والمشاغبين كما يحلو لك تسميتهم.
كنت مشغولًا لسنوات بطرح فكرة جديدة في عالم الكتب، لتسهيل التواصل بين الكاتب والمتلقِّي، كانت مغامرة محفوفة بالقلق والإرهاق واستنزافًا لطاقتي. ثم اصطدمت بمشكلة التوزيع وعدم التزام بعض المؤسَّسات بإعادة مستحقَّات الكتب المطبوعة، إضافةً إلى أنني كنت وحيدًا ولست مؤسَّسةً متكاملةً، ذلك بالنسبة لي كان جهدًا إضافيًّا على حساب وقتي وعملي وحياتي.
مع أنه هناك من عرض عليَّ راتبًا شهريًّا لتفعيل إحدى المؤسَّسات المتوقِّفة، لكنني بالمقابل فهمت منهم بأنني سأكون مقيدًا فاعتذرت. فقد تكررت عروض مشابهة عند اندلاع الثورة، لكن في هذه المرة من قبل مؤسَّسات الثورة. أيضًا اعتذرت عن قبول ذلك، وطلبت إليهم تخصيص الراتب لمن هم أكثر عوزًا مني. مع أنني كنت وقتها بلا عمل.
- لماذا هذا الموقف من مؤسَّسات فتية ؟ أين المشكلة إذا تم توظيف خبرتك في هذه المؤسسات؟
أنا أنظر إلى الأمور بعين الواقع، في الحالة السورية ونتيجة إلى فقر التجربة، تحولت أغلب المؤسسات إلى دكاكين عائلية، محتلة بالمحسوبيات، مؤسسات تدار بهذه الطريقة تحتاج إلى تحرير حقيقي من هكذا أداء، يهيمن عليها من لا خبرة لديهم بالعمل الجمعياتي والمؤسَّساتي، لا بل بعضهم يخلط بين تركيبته العقائدية والدينية والسياسية، هذه العقلية تعود بنا إلى مجتمعات بدائيَّة حيث كان العالم كله أربعين خيمة وقطيعًا، غير آبهين للتكنولوجيا والحداثة والمستقبل.
في هذه الأجواء يكون التمويل نقمة، لأنه يحد من الحرية، خصوصًا في حال كأحوال بلدنا، رأيت ما يحدث للكثيرين الذين يديرون مؤسسات مموّلة، كانت لديَّ ملاحظات على عدم احترافيتهم الإعلامية، على الرغم من أنهم كانوا قبلًا ينشطون بشكل أفضل. حيث كلُّ من يسعى للقيام بتجربة متميزة تتكاثر عليه الأنياب، ثمة مَن هم متخصصون بمحاصرة المشاريع الجادة.
- اعود للسؤال عن تمويل كتبك والمركز النشري الذي تستعد لإطلاقه ، وهل سيكون ذلك امتداد لما بدأته في بيروت ؟
لديّ تجربة اغتراب طويلة كما أسلفت، تعلمت من خلالها بأن أي تمويل سيحد من حرية الكاتب، شخصيًّا عشت ولا زلت حتى هذه اللحظة مستقلًّا، لم أتلقَّ أيَّ تمويل من أحد. قبل وصولي إلى ألمانيا عشت في بيروت 13عامًا، إضافة إلى أنني أقيم في ألمانيا منذ 13 عامًا؛ أي أنني عشت أكثر من نصف عمري في المنفى. كانت تجربتي الأولى في بيروت متميزة، تعلمت فيها القدرة على مواجهة المتاعب، إضافة إلى أنني عشت فيها أبرز مراحل حياتي وأكثرها إنتاجًا ونشرًا فقد أصدرت كتبًا لزملاء ومجلة، وصولًا إلى إطلاق “مركز الآن” قبل أن يتم استهدافي أمنيًّا من قبل أجهزة المخابرات، طيلة إقامتي في بيروت كنت أعمل في ظروف شاقة، تدرجت بجميع الأعمال في شركات التأثيث، وأيضًا اشتغلت في توزيع الكتب، وتصميم الإعلانات التجارية والإخراج والغرافيك، كنت ولا زلت أموِّل نفسي من تعبي الخاص.
ربطا بالسؤال ، نعم أفكر بإعادة إحياء ما بدأته في بيروت قبل عشرين عامًا، شكل مؤسساتي يعنى بالثقافة ونشر الكتاب المطبوع والإلكترونيّ. تواصلت مع مراكز متخصصة بتوزيع الكتاب، كذلك تواصلت مع شركات إنتاج طباعي وقدَّمت لي تسهيلات ضريبية معتدلة وقد دفعت كتبي الثلاثة “العشق المشرور” و”غومل 95″ و”رومانتيك 2011″ إلى الطبع تباعًا بدءًا من مطلع العام 2018 كتجربة أولى.
صدرت جميعها بلغتين (بالتنسيق مع شركة أمريكية تابعة لأمازون ) في كتاب واحد من أجل سهولة الحصول عليه من قبل القارئ العربي المقيم في الغرب وللقارئ الغربي معًا، ذلك أن المكتبات هنا تعرض الكتب باللغات العالمية الأساسية.
- برأيك هل سيكون لهذه التجربة مكان في زمن يتراجع فيه الكتاب ؟ وماهي ميزة النشر في مركز الآن
لسنا رقما جديدا ، بدورنا نتابع من حيث توقف المركز لأسباب أمنية . أما الحديث عن ” التميز ” حقيقة لا جواب عندي ، سوى اننا نحاول تقديم تجربة حديثة يحتاجها الكاتب العربي . خصوصا ان المركز يتكفل بإصدار الكتاب ورقيا ، نشره على المنصات الرقمية أبرزها أمازون ، وإعادة نشر الكتاب عبر شريك أمريكي في الولايات المتحدة ، بمعنى آخر ستكون في الأسواق طبعتان ، أوروبية وأمريكية (مؤسسة نشر) مع الحفاظ عل كافة الحقوق للمؤلف ، كذلك يكون الحساب النشري موصول مع حساب الكاتب ، و يستطيع التعرف على حركة الشراء . يتحصل المركز لقاء ذلك على نسبة ضئيلة من المبيع لتغطية نفقات المتابعة .
- هل توجد قيود أو مواصفات للكتب التي ينشرها المركز ؟
توجد قواعد أساسية، نحن ملتزمون بقوانين النشر الأوروبية ، التي تحترم المجتمعات الإفتراضية والواقعية. بالأساس مركزنا يدعم قضايا التحرر والديمقراطية .
حديث الحرب القائمة وأسئلة الحل في سوريا
- سأفتح معك حديث عن الحرب القائمة في سوريا ، تشير الى حزب قومي يتسلح بشعارات ديمقراطية وتقول عنه بأنه ” غدر بالسوريين والأكراد معا “
قبل اي شيء ، أود توضيح أمر هام ، انا افصل بين الفئة السياسية التي تتحدر من كتلة سكانية معينة، وبين مثقفي وشعراء وكتاب ذات الفئة. الاكراد بالنسبة لي هم مكون اساسي في البلاد ، شعب حر، فقد خرج منهم : حامد بدرخان وجكر خوين وسليم بركات ، اما سياسيهم واحزابهم يبدون وكأنهم لا يجتمعون على طاولة حوار من أجل إصدار بيان صريح يوضح موقفهم من الوطن السوري ( كيف ينظرون اليه؟ هل هو وطن نهائي لهم كما لكل السوريين ، وطن يتقاسمون من خلاله احلام امة مدنية للجميع ، أم أن في الأمر سياق غير مُعلن ، مرتبط بتحالفات خارجية يتوقعون من خلالها التعامل معهم كشعب مدلل ؟؟ ) ـ هنا اوجه إليهم نقدا وليس اتهام ـ وذلك لا ينطبق بالطبع على ابرز سياسيهم الأكثر عمقا ، اقصد مشعل تمو ، لذلك قتلوه .
انا دائما اشير الى فئة اعتاشت وتربت بأكناف نظام حافظ الأسد، أشرت إليهم بكل وضوح، فهم استغلوا طيبة الأكراد والسوريين، إضافة إلى أنهم خطفوا حلم انتظرناه نحن السوريون أكثر من أربعين عامًا، الواقع الآن مؤسف ، خربوا علينا فرصة تأسيس الدولة الديمقراطية العادلة التي تجمع مواطني سوريا، ما يعني أن جيل بأكمله أصيب في خيبة التقويض لذلك الحلم.
بكل اسف ، تداخل لدى العامة مفهوم التطرف، وقد عزز هذ الأمر منذ البدء النظام ، التطرف كما أراه، ومن ساعد على تأسيسه وترسيخه لضرب السوريين وتشويه صورة المعارضين، أشرت إلى ذلك بصورة مكثفة في كتابي “رومانتيك 2011” (أطلق ذات النظام مِن سجونه مَن هم بالفعل أتقنوا الدور المطلوب منهم، بتزعم منظمات متطرفة تنفذ مسرحيات دينية، إلى جانب دعم ذات النظام لحزب قومي ثم طلب إليه كي يبطش المتظاهرين مقابل أن يترك له إدارة جزء من مناطق في الشمال السوري).
اليوم ذات الفئة تريد إقناع السوريين بأنَّهم معنيُّون بمكافحة الإرهاب، في ذات الوقت، هم متورِّطون بجرائم حرب، فقد ساندوا النظام السوري وساهموا بقمع المظاهرات ومارسوا أبشع الجرائم، إضافةً إلى حملات اقتلاع السوريين من قراهم ومناطقهم في الشمال، بالتالي هؤلاء عملوا على نهج النظام، هذا الأخير عمد على محاصرة السكان وقصفهم، ثم عمل على تجويعهم من أجل إرغامهم على ترك بيوتهم والهرب، ليأتي فيما بعد سكان من بلدات تابعة وموالية للنظام بترتيب من حزب إيراني يحتل لبنان )ما يُسمى بـ حزب الله ( ويمارس إرهابه تحت مسمَّى طائفيّ. كذلك تلاعبوا بالتوزيع الديمغرافي لبلدنا، خدمات للنظام السوري وأعوانه، بدورهم نشروا الفوضى والعصبيات الطائفية، إضافة إلى دعم مجموعات إرهابية مختلفة، مهد ذلك لظهور جماعات دينية تنشط بأفغانستان.
سيدتي، كما تعلمين، ثابتٌ للعالم أيضًا، كيف استمال النظام تلك الفئة “القومية الكردية” لأنه على ثقة بتربيته السياسية والعسكرية، وقد أوكل إليهم تحييد “الأكراد” من مشاركتهم في الثورة، بالتالي راحت هذه الفئة التي تتمثل بحزب (متحدر من ديار بكر في تركيا) باتجاه بطش السوريين والأكراد الذين انحازوا للثورة. فقد شرَّدوا تجمُّعاتٍ سكانيَّةً من مدنها وبلداتها، ثم جلبوا مكانهم أنصارًا ينتمون للحزب الكردي ذاته من مدن سورية أخرى. إضافةً إلى استقدام مجموعاتٍ عسكريَّةٍ من فرعها التركي، أي الذين انسحبوا من ديار بكر إلى العراق، تحت بند معاهدة سلام بينهم وبين تركيا. هؤلاء أنفسهم دخلوا سوريا وعددهم بالآلاف، حيث أماكن نفوذهم الآن، ثم راحوا يمارسون حروبًا بالوكالة عن النظام الإرهابي ذاته المدعوم من روسيا وإيران.
لقد استفادت من هذا المشهد أطرافٌ محليَّةٌ ودوليَّةٌ تدعم الإثنيات وراحت تستميل ذات القومية التي بدورها صدَّقت اللعبة وأصبحت جزءًا من تاريخ تمَّت كتابته بأقلام تفبرك وجودهم كأصحاب لنصف البلاد السورية. إن منطقًا كهذا على الرغم من أنه كذب سافر لا يصدقه حتى الأكراد السوريون أنفسهم، فإن ذلك خلق ما يبرر وجود بعض الدول كقوة تدَّعي حماية ما يمكننا تسميته مستعمرات تابعة لها سكانها مدللون من الحزب الإرهابي ذاته الذي استماله النظام السوري وهيَّأ له كلَّ مقومات السيطرة والنفوذ.
بالتالي أثار النظام عبر أذرعه المختفية احترابًا طائفيًّا إلى جانب تعزيز دور الحزب القومي ذاته الذي يدَّعي “الأمة الديمقراطية” مع أنه بالأساس مجرد عنوان يتلطى خلفه من هم يساندون النظام، في حربه ضد الثورة السورية التي قامت من أجل دولة مدنية ديمقراطية.
بدورهم هذا استثمروا الحالة؛ إذ فرضوا سلطات أمر واقع، ثم تطور الأمر عند بعضٍ آخر من الأكراد أنفسهم، وأعلنوا عن صيحات تدفع إلى التقسيم. في خطوةٍ خطيرةٍ مؤسفةٍ جعلت سوريا مسرحًا للتخاطب الدولي، وما يحصل في عفرين الآن حيث تدخَّل الجيش التركي، كان بسبب هذا الحزب الذي يستخدم بلدنا كقاعدة عسكرية لضرب تركيا.
- تشير دائمًا ، حتى في موقع “نشطاء الرأي” إلى “العمالة المفهومية ” وتنسبها إلى من تسميهم عسكر أوجلان أو دواعش الكرد، وتعتبرهم مجرد موظفين يتبادلون النصر الموسمي وفق مقتضيات سير الحرب المتداخلة الأطراف في سوريا.
نعم كتبتُ ذات مرة عن العمالة المفهوميَّة، أعنى بها نقاط التقاء بين المشاريع غير الوطنية كتلك التي تخندقت، بدورها الفظيع ،بدورها المشبوه هذا عملت على ما هو أبشع من جرائم النظام، ربما كانت جميع تلك المشاريع موصولةً بخط لاسلكي وغرفة عمليات مُشتَرَكة.
ان داعش، منذ انقسامها عن النصرة واعلانها دولة خرافية، هذا التنظيم ومن هم على شاكلته ، ليسوا سوى شركات دينية يتم توظيفها لضرب الناس عبر معتقداتهم ، وعلى نفس النسق ، تقوم الدول المشاركة بتوزيع الاقتتال أي التي تعمل على تصفية حساباتها مع خصومها عبر استخدام الأرض السورية . وقد وجدت الولايات المتحدة الامريكية مصلحة لها بتسخير حزب أوجلان و تعويمه ، تجلى ذلك من خلال استخدام الشمال السوري كقاعدة لضرب الداخل التركي ، الدور يؤديه هذا الحزب وجناحه العسكري، تحت مسمى الأمة الديمقراطية تعرفه مسبقا أمريكا، بالتالي هي مطمئنة للشرخ الذي سينشأ في سوريا ، لهذا السبب اسندت اليهم مهمة المشاركة بمحاربة داعش .
داعش اصلا لا تحتاج لمن يحاربها كي تتفكك وتزول ، نحن نعلم بأن تجفيف منابع تمويل وإمداد داعش ، سيؤدي الى زوالها.
لكن اللاعبين المحليين والدوليين الكبار لديهم أهداف متحركة ، يبرزون داعش وقت يريدون ، كذلك الرغبة الامريكية التي ساهمت على نحو كبير بإحداث شرخ بين السوريين والأكراد ، فكان المدخل من خلال تعزيز قدرات حزب اوجلان التركي تحت مسمى محاربة داعش .
واليوم تركوا أنصار هذا الحزب لمصير غير واضح ، فما يحصل في عفرين مثلا هو نتيجة تبعية أنصار ذات الحزب ، وتأدية دورهم كأي مرتزقة ، فهم الآن يستخدمون الأكراد مثل دروع بشرية ،صورة مطابقة عن طرائق داعش بإدارة حروب واستغلال مدنيي المناطق التي يحتلونها .
- في سياق حديثك أيضا ، من موقعك ككاتب يعنى في قضايا الديمقراطية ، كيف تنظر إلى التدخل العسكري التركي في سوريا ؟
كنت ولا زلت أقول هذه الحرب ليست حربنا، ولا تعنينا، ولست من أنصار الحروب، بالأساس لم يكن أي سوري مشارك بقرار الحرب ،فمن حدد ملامح الفوضى اصحاب نظرية (الأسد أو نحرق البلد) حقيقة هم أحرقوا البلد وأغلب من فيها ،و استقدموا كل إرهابيي العالم كي يغرقوا الرأي العام العالمي بجزيئات مثل مكافحة الإرهاب .ما أراه بالتدخل التركي هو نتيجة تأسيس النظام لتحالفات هدفها كما أسلفت الفوضى ، بالتالي كان التدخل التركي. إن إشكالية الحرب على “بي كي كي” جاءت من خصم له وعلى أرضنا، على الرغم من أن هذا الخصم استقبل 3 ونصف مليون سوري على أرضه، ولكن هذا لا يبرر تدخله العسكري في بلدي، مع أخذ العلم إن مليشيا “بي كي كي” التي تحتل أراضي سورية وتهجِّر السوريين منها وتمنع غير الأكراد من الدخول إليها، هؤلاء قوى احتلال تمارس سطوتها وإجرامها تحت عناوين ديمقراطية مزيفة. انظر مثلًا في مدينتي الرقة ومنبج كانوا يعتبرون جميع سكان هاتين المدينتين دواعش بلا تمييز، ما رأيكم؟ هل يوجد عقل بشري يتحمل هذا الخلط الإجرامي الذي نتج عنه مقتل عشرات الآلاف من المدنيين؟!
شخصيًّا كتبت مرارًا إن داعش مجرد عنوان عريض، كل مَن له مصلحة بخلط الأوراق يعلن حربه عليها، على النسق نفسه ما ارتكبته مليشيات حزب الله اللبناني في سوريا من مجازر داعمة لذات النظام أصل المشكلة، بالتالي الطرفان لم يقدما للسوريين سوى المصائب. كلاهما أصحاب مشاريع لا تخص شعبنا ولا وطننا، دورهما الإجرامي كان نقمة على السوريين عامةً بما فيهم الأكراد أنفسهم وقبل ذلك كانا مساهمين بنشوء عصبيَّاتٍ دينيَّةٍ وأخرى قوميَّة. هذه الحالة كانت بمثابة حبل نجاة للسفاح بشار الأسد.
بين قوسين ( إشارات حول حزب كردي يرعاه الأسد)
حزب بي كي كي يعلن في أدبياته بأنه يسعى لأمة ديمقراطية ، لكنه لم يشرح للعالم كيف تقوم هذه الأمة وزعيمها كان الضيف المدل لحافظ أسد ، لم يشرح أيضا كيف يكون لهذا الحزب معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني بإشراف ضباط من مخابرات عنجر، منذ أن كان غازي كنعان برتبة مقدم الى لحظة انتهاء مهامه .أيضا لم يقنع العالم ، كيف قامت أمتهم” الديمقراطية” حين انسحب مقاتليه من جبال قنديل الى اربيل، بموجب معاهدة سلام مع تركيا ، ثم لنجدهم يدخلون بالآلاف إلى الشمال السوري، رأيناهم ينتشرون فيما بعد في المدن والبلدات التي تسلموها من مخابرات بشار أسد ثم يصبحون بتصرف النظام و يقمعون المظاهرات منذ ايامها الأولى . أيضا لم يقنعنا هذا الحزب كيف يشرع لنفسه تأسيس محميات خاصة به ، تلك المحميات يسميها “إدارة ذاتية “فيما هو يمارس أبشع الجرائم ،يفرض التجنيد الإجباري على القاصرين والشباب في المناطق السورية التي يحتلها (وهو أصلا ليس حزب سوري ، وقيادته من أكراد تركيا ) يستخدم نفوذه منطلقا من تلك المناطق كقاعدة عسكرية لضرب المدن التركية. ثم ينتشر أنصار هذا الحزب بين المدنيين، وعند وقوع ضحايا في هذه الحرب القذرة ، يخرج على صفحات التواصل الإجتماعي بعض أنصاره كي يقولوا للعالم بأن المناطق المدنية تتعرض لهجوم عسكري من قبل المحتل التركي ، ثم يطلبون التضامن معهم ؟!
أود القول بأن التضامن يكون مشروعا للمدنيين ، فأنا شخصيا أدفع نحو عزل المدنيين عن حبائل السياسيين الذين يحاولون الخلط ويسعون للتسول موقف دولي .
طبعا هؤلاء يعتقدون بأن العالم أعمى ، وان هذا الوطن مستباح لهم ، ساكنيه مجرد دراويش ،اعتقادا منهم بأنه سهل جدا خلط الأوراق بين التضامن مع المدن التي تسببوا بدمارها و استقدموا إليها الجيش التركي . وبين سعيهم لتبرير قتالهم تحت عنوان ضمني يبدون من خلاله كأبطال ناطقين بإسم الأكراد في بلد ليس بلدهم.
ان هذه الأفعال والسلوكيات استخدمها داعش بالمناطق التي احتلها ، حزب بي كي كي يعيد نفس المسرحية ولكن تحت عنوان جديد . ببساطة إن ما يحصل اليوم ، نتائج الحرب، لا تعني السوريين ولا تعني الأكراد ولا تعني بلدنا ، انما تعزز مظلومية المجرمين الذين يستخدمون الجميع لتمرير مشاريعهم .بالتالي تم زج الأكراد السوريين من قبل هذا الحزب بمأزق خطير،واتمنى ان يخرجوا منه بأقل ما أمكن من خسائر .
ان وجود الأكراد السوريين له دور مؤثر وفاعل ، سنعمل معا من أجل استعادة السلطة المغتصبة، وإدارة شؤون البلاد وفق تقاليد ديمقراطية نزيهة . تحترم الدم السوري .
- هل تعني تبادل أدوار وإجرام واحد؟
نعم، داعش ومشتقَّاتها، النصرة وكل المتطرفين هم كما قلت لك شركات عابرة على جثث الشعوب، نفس الأداء تقوم به مجموعات أوجلان، أليس النظام مَن سلّم المناطق التي يحكمها الآن؟ ألم يكن الهدف من ذلك استقدام هؤلاء كما تم استقدام الجهاديين قبلًا، والعصابات الإيرانية من أجل ضرب الثورة؟ بالتالي هل جماعة أوجلان حمائم سلام؟ ألم يبطشون قبلًا بالأكراد والسوريين معًا ؟ ألم يغتالوا المناضل مشعل تمو…؟ كان ذلك أيام المظاهرات السلمية، وقبل أن يُفلِتُ النظامُ دواعشَه من السجون .
لا يوجد سوري متوازن يقبل بوجود أي مجموعة عسكرية أو جهادية أو ميلشيات طائفية أو سواها ، ولا اية جيوش تحتل بلدنا ، كتلك التي تعمل على تأهيل النظام ورئيسه المجرم.، كتلك التي تعمل على تأهيل النظام ورئيسه المجرم .لا بل حتى فكرة النضال المشبوه او الجهاد المأجور أيًّا كان مصدره لا مكان له في بلدنا، ينطبق هذا الكلام، على الذين وصلوا من ديار بكر التركية كي يستخدموا سوريا قاعدة عسكرية. كذلك لا مصلحة لنا بحروب تركيا ضد جماعة أوجلان. تركيا اليوم أيضًا متورطة تحت مسمَّى بأنها تريد حماية أمنها وملاحقة جماعة أوجلان الإرهابية. لا مصلحة لنا بوجود عصابات محلية أو دولية، إيرانية، خليجية، روسية، أو حتى الناطقة باسم الآلهة والأوثان.
- بالنظر للتداخلات العسكرية المؤسفة في سوريا ، برأيك من أين يبدأ الحل ؟
المشهد متداخل ، لكننا ككتاب سوريين نفهم وبعمق جذور المشكلة ، فهي مرتبطة بالاستبداد الذي حكم سوريا طيلة أربعون عام ، خلالها تم التعاطي مع المجتمع كما لو انه من ممتلكات رئيس وعائلته، ثم انتشر الفساد، وهناك من يرعاه بالطبع، أجهزة القمع والإرهاب، بالتالي تشكلت طبقة متناغمة مع هذه العقلية، وقد حصلت هوة سحيقة بين المجتمع والدولة ، وهكذا أصبح لدينا في البلاد شعب مدلل وآخر مهان، اتحدث عن واقع عاشه كل السوريين .
نحن الآن في واقع حرب ، كما أعرف وبشكل دقيق ، انه في مثل هكذا احوال ، حيث الحروب والاقتتال المفتوح ، يتم ارسال قوات متعددة الجنسيات وتنشئ نقاط مراقبة ، تتشكل هذه القوات من دول غير مشاركة في الحرب القائمة . فلماذا اذن يتم تعطيل دور قوات الطوارئ الدوليَّة ويرسلون جيوش دول هي بالأساس مشاركة في الحرب ؟
كما ألاحظ تم تعطيل دور الأمم المتحدة ، ثم ان الجيوش التي داخل سوريا (روسية ، تركية ، أمريكية، ما يتفرع عنها من مجموعات وأفراد ـ ينتمون الى عصبيات سياسية ودينية وقومية) تطرح نفسها بديلا عن مهام قوات الطوارئ الدولية ! أليس بذلك تدخل في شؤون الأمم المتحدة ؟ بالتالي نحن أمام حلول مفخخة وتوقيتها في يد اللاعبين الدوليين. أن التدخلات الخارجية واضحة النوايا منذ البدء ،فقد حصلت هذه التدخلات قبل ان تتشكل مجموعات أو وحدات عسكرية من المعارضة السورية .
فهل عندما تشارك فرق الموت الايرانية ومليشياتها (حزب الله والحرس الثوري وعصائب الحق) وتمارس عبرهم القتل الطائفي المعلن ، يعتبر ذلك مشاركة في الحل ؟!
هل عند ارسال تعزيزات أمريكية إلى الشمال السوري، و تفتتح قواعد عسكرية، ثم تعمل على استثمار فئات كردية لتمارس عبرهم حربا من الاراضي السورية ضد بلد مجاور ، هل يعتبر ذلك حلًّا؟ وقبل ذلك كله ، في الوقت الذي تنعقد المؤتمرات الدولية ، بدلا من محاسبة المجرمين ، نلاحظ بأنهم يعيدون تأهيلهم، ثم يتابع النظام السوري المتمثل برئيس ارهابي وسفاح، بقصفه الوحشي عبر طائرات تلقي البراميل المتفجرة والنابالم . أليس بذلك تقويض للحل ؟!
الحل كما اراه، خروج جميع القوات والمليشيات الأجنبية المتقاتلة فوق الأرض السورية ،ونشر قوات دوليَّة مُشتَرَكة لحفظ السلام. وتفعيل مقررات جنيف، بدلا من تدخل الدول منفردة كل واحدة بإدارة الحرب وتفخيخ السلم الموعود. فالأطراف المتقاتلة الآن تنشر الدمار، وغير معنية بالسلام . كذلك ضد مصلحتنا الوطنية، يجب التركيز على قضيتنا العادلة ،والدفع إلى إعلان الدولة المدنية الديمقراطية. ذلك لا يتم بدون محاسبة المجرمين وعلى رأسهم بشار أسد.
* الحوار منشور في العدد التاسع من مجلة ” أوراق ” التي تصدر عن رابطة الكتاب السوريين
جميع كتب احمد سليمان موجودة على رابط أمازون هنا
https://www.amazon.de/dp/1701724170
http://opl-now.org/archives/2583
https://www.amazon.de/dp/1701724170
https://www.amazon.de/-/en/Ahmad-Sleiman/dp/1704557941?ref_=ast_author_mpb
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.