مــانفيســـتو اسْتَقِــــــــــلْ
حملة دولية تطالب الرئيس السوري بالتنحي من منصبه
للمشاركة بدارة حوارية أو التوقيع عبر منصة “الحوار المتمدن” يرجى الضغط
وضع كثيرٌ من السوريين، نخباً ومواطنين، جلّ آمالهم في شخص الرئيس السوري بشار الأسد؛ فلقد عوّلوا عليه مزيداً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وسواها من التغييرات الجوهرية في نظام العمل السياسي السوري، التي ليس أقلّها إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ أكثر من أربعين عاماً. وكذلك انتظروا قانون الأحزاب والعمل السياسي الحر، الذي ما زال ينتظر فذلكةً تخرجه من سياقه، فلا يكون قانون أحزاب إلا بالقدر الذي يضمن تبعيته لنظام الحكم بعينه. وهذا سرّ تأخر صدوره حتى الآن، بحجة عوز القانون المفترض إلى دراسة معمّقة واستشارات مع باقي أطياف العمل السياسي، فيما لم يكن يحتاج هذا القانون أكثر من إعلانه الفوري إذا ما كانت هناك نيّة جديّة في طرحه.
ومنذ استلام الرئيس الدكتور بشار الأسد لزمام الحكم، اتفق الجميع على أن ثمة انحداراً خطيراً في موضوع الحريات، لم يكن له مثيلٌ إلا في ثمانينيات القرن الفائت؛ فلقد سُجن المثقفون على عهد بشار الأسد أكثر مما سُجنوا على عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وتم التضييق على العمل السياسي بنحوٍ جعل من المراقب المحايد يترحّم على المراحل السابقة لعهد بشار. وأكثر ما يُشار إليه في هذا المجال هو الفلتان والفساد اللذان توسّعا في المجتمع السوري منذ عام 2000؛ فلقد تضخّمت ظاهرة الفساد والانحلال الاجتماعي بشكلٍ لا سابق له، وأيّ متابع يمكنه مراجعة فضائح الفتيات اللواتي أُرغمن على ممارسة البغاء تحت غطاء من جهات أفادت من هذا العمل، وكيفية التضييق على المحامية المختصّة المولج إليها الدفاع عن الفتيات اللواتي وقعن ضحية الاستغلال والنفوذ والاستخدام الرخيص لأجسادهن. أيّ متابع لذلك يمكنه فهم الحال التي وصل إليها المجتمع السوري.
في السياسة الخارجية، لم يكن الحال أحسن حالاً من الداخل؛ فلقد عُزلت سوريا حتى عن أقرب جيرانها، وبات السياسي السوري مفرداً خارج السرب العربي والدولي، وتحولت الجمهورية إلى أثرٍ بعد عين، بلا دور، وبلا فاعلية، وبلا أصدقاء. حتى الاتحاد الأوروبي، الذي كان يمثّل لدول شرق المتوسط داعماً وموجّهاً في المحافل الدولية، بات على خصومة مع السياسة السورية، ولا أدلّ على ذلك من تأخير اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي، ومنه عمل دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا على استصدار قوانين من مجلس الأمن تُدين السياسة السورية أو تفرض عليها سياسات معيّنة، كان من الأولى أن تقوم بها الدولة نفسها قبل أن تُفرض عليها من مجلس الأمن، كقانون ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان تحت رقم 1680. وعلى الرغم من الضجة التي أُثيرت ضد هذا القرار، أشار كثير من المراقبين السياسيين إلى أن القرار لم يكن أكثر من تطبيق لمقررات الحوار اللبناني، والذي يضم فرقاء محسوبين على السياسة السورية. القرار 1680 لم يكن إلا حلقة في سلسلة القرارات الدولية التي تُظهر عزلة سوريا، والتي تبدو الآن كما لو أنها تحت وصاية أممية، بحيث تقود دول المجلس وتوجّه السياسة السورية، في الوقت الذي كان ينبغي على سياسة عاقلة أن تقوم ضمناً بما هو متوجّبٌ عليها، كترسيم حدود واعتراف بالسيادة، وسواه من تغييرات في جوهر العمل السياسي السوري، كإطلاق الحريات السياسية، وحرية الرأي، وسيادة القانون.

في الموضوع اللبناني، تكشّفت عيوب النظام السوري بالكامل، ولم يعد يُقدم على خطوة إلا إن جاءت من مجلس الأمن الدولي، ما يعزّز كل القناعات التي اجتمعت على أن النظام القائم الآن في سوريا لم يعد يقدّم للبلد إلا مزيداً من الضغط والعزل والعقوبات، بحيث تسقط كل المسوّغات التي ساقها البعض عن قدرة النظام وكفاءته، التي لم تتبلور إلا في زيادة عزلة سوريا، وكذلك إحداث الأثر السلبي الخطير في الدولة اللبنانية من خلال التدخل والإرباك وإعاقة الحكومة والعمل على تخريب السلم الأهلي اللبناني.
تقف الحملة على مسافة من الذين تلوّثت أيديهم بالدماء، بل تؤكّد على مقاضاتهم، أياً كانوا هؤلاء، داخل النظام أم منشقّين عنه، أحزاباً أم جماعات؛ ذلك أن الغاية ـ حسب مفهومنا ـ لا تبرّر الوسيلة، وإن الدم الذي سال ليس ماءً. ونستذكر أحداث 21 آذار 2004 (قتل العشرات من المواطنين الأكراد)، وطريقة معالجة الأزمة كانت أشبه بمنطق العصابات التي تديرها أنظمة، منطق أعاد إلى الأذهان أحداث الثمانينيات من القرن المنصرم. وقد أثبت التاريخ الحقيقي لسوريا بأن قوى التأخر والجهالة كانت نتاجاً لعنف الدولة والجماعات الأصولية بآنٍ معاً، كلاهما عمد إلى تعنيف البلاد والمجتمع. والمنطق القانوني يؤكّد على مقاضاة كل مشارك بأي من الوسائل العنفية، في المحاكم الفعلية، وإعادة الاعتبار لكل المعتقلين، والتعويض المادي والمعنوي، خصوصاً الذين لم تتلطّخ أيديهم بدماء المواطنين، وقضوا سنوات من عمرهم بموجب أحكام جائرة.
انطلاقاً مما سبق، وتوكيداً من أي ناشط في مجال حقوق الإنسان والعمل الثقافي الانتقادي، نناشد عبر هذه الوثيقة البيانية كل القوى المتحرّرة، واعتبار المثقّف العربي بأنه الأقدر على التأثير في مجتمعه بمواجهة الاستبداد والتسلّط والاستئصال، يقيناً أن إحداث الأثر الديمقراطي لن يتم داخل دولة بعينها بغضّ النظر عن مجالها الإقليمي، بل من خلال اتفاق جميع القوى الديمقراطية والليبرالية على إحداث فعل التغيير. ولتكن البداية في حدث الساعة السياسي، وهو الشأن السوري، ونص البيان ما يلي:
- مطالبة رئيس الجمهورية العربية السورية بالاستقالة فوراً من منصبه، لثبوت عدم كفاءته، وقد أثبت منذ وصوله بطرق غير شرعية إلى سدّة الحكم، والتي أدّت سياسته في الدولة والمجتمع السوريين إلى العزلة والتهميش والاعتقالات والتضييق واستفحال ظاهرة الفساد. ونظراً لأن تسلّم الرئيس الحالي للسلطة في سوريا لم يتم قانونياً ولا دستورياً، فإن تنحيه عن السلطة هو أسرع الطرق لإنجاز التغيير في سوريا، كونه ـ أي الرئيس ـ يمثّل تجميعاً لكل الإعاقات والموانع التي تتصدّى للتغيير المنشود في سوريا.
- تدعم حملة استقالة الرئيس السوري كل فعاليات قوى التغيير في الداخل والخارج السوريين، وتعتبر الحملة نفسها مكمّلة لخطاب وفضاء الإعلانات الموازية، أبرزها إعلان دمشق وإعلان بيروت – دمشق، كما وتهيب الحملة بجميع الفعاليات للانضمام إليها، على اعتبار تكاملية خطاب التغيير وشموليته.
- مطالبة جميع القوى السياسية السورية بالتحضير لمؤتمر إنقاذ وطني يشترك فيه الداخل والخارج، والعمل على انتخابات برلمانية سريعة.
- بعد إنجاز الانتخابات البرلمانية، تعمل كل القوى المتمثّلة بالبرلمان على طرح أفكار تتضمّن كيفية إنجاز دستور سوري سياسي وقانوني عصري، يتناسب مع التعدّدية التي صارت وجه الحياة الحديثة.
- إعادة ترتيب علاقة سوريا الديمقراطية بالعالم، وتحديداً العربي، من خلال تصحيح العلاقات مع الدول المحيطة، كالإعتراف بالسيادة اللبنانية، والوطن اللبناني وطناً لكل اللبنانيين، ولا دور لسوريا في هذا البلد إلا ما تحكمه القوانين الدولية الناظمة وروابط الجوار.
- العمل على إلغاء المركزية في النظام السياسي السوري، وذلك من خلال تفعيل المناطقية والهوامش التي عانت من وطأة مركزية الحكم وسياسة الدولة المركزية.
- تدعو الحملة إلى إسقاط كافة التهم التي وُجّهت لأي معارض سياسي أو ناشط حقوقي ومدني أو كاتب ينتقد النظام السوري.
- الطلب من جميع الدول الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان العمل الفوري على حماية الناشطين السياسيين السوريين، لتتكفّل هذه الحماية بتسهيل عملهم وعدم وقوعهم في براثن المؤسسة الأمنية السورية.
بيد أن منظمة ائتلاف السلم والحرية، كمنظمة دولية، وعبر إعلانها هذه الحملة السلمية، وقد بدأت عبر توقيعات أولية لسائر الهيئات الثقافية والحقوقية المنضوية والعاملة في منظمة ائتلاف السلم والحرية، مثل: (جمعية النهضة الثقافية البلغارية – مقرها بلغاريا، جمعية أصدقاء الكتاب – مقرها النمسا، التجمع الدولي لأقليات الشتات – مقره أمريكا، المركز العالمي للصحافة والتوثيق – مقره سويسرا، تجمع نشطاء الرأي – مقره ألمانيا، مركز حلبجة لمناهضة أنفلة وإبادة الشعب الكردي – مقره هولندا، مركز حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية “شمس” – مقره فلسطين، مركز الآن للثقافة والإعلام – مقره بيروت)، إذ تحمل المنظمة، من خلال ما ورد في هذه الوثيقة، قوى التغيير في العالم أي مسؤولية عن تقصير قد يقع بحق الناشطين السوريين، من خلال وجوب تسليط الضوء على قضيتهم، والضغط على الحكومة السورية، لاعتبار طلب إقالة رئيس الجمهورية السورية طلباً ديمقراطياً تحميه كل القوانين المدنية في العالم.
بناءً على ما ورد، وبعد مباحثات مستفيضة بين عدد من النشطاء في دمشق وفرانكفورت وبيروت، وقد تعذّر ذكر أسمائهم نظراً لوجود البعض في الداخل السوري، (سيمر زمن ما) ليؤكّدوا حينها بأنهم ساهموا في صياغة هذا “المنافيست”، الذي يمثّل ميثاقاً نخبوياً بموازاة كل تحرّك سلمي وحملة مفتوحة من أجل دحر أعرق دكتاتورية اغتصبت المجتمع والدولة في سوريا.
فرانكفورت، بيروت، دمشق 27 أيار / ماي 2006
أحمد سليمان
المزيد من المواضيع
الحاكمية الظرفية والاختلاف الجمهوري
قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ عملها وسط ترقب لتغيير حكومي محتمل
على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب وبداية طريق السلام