فاطمة وريط : المرأة الأمازيغية-مظاهر الحيف والتمييز وتعدد مستويات الطرح
إن الأسباب التي ساهمت في تهميش المرأة الأمازيغية هي الأسباب التي تعوق تحرر جزء كبير من الشعب المغربي الأمازيغي، هو التسلط على الذاكرة والتاريخ، هو القهر وسوء توزيع الثروات وانعدام الديمقراطية. إلا أنه، وبفعل مجموعة من العوامل والخصوصيات يبقى للمرأة النصيب الأكبر من هذه المعاناة، هذه الخصوصية التي تستمد مشروعيتها من التاريخ والحقوق الكونية التي تعزز مكانة المرأة، وأيضا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها. فمنذ السياسة المتبعة لاستئصال قيم الحضارة الأمازيغية من طرف الأنظمة السياسية والاجتماعية المتعاقبة على بلاد شمال إفريقية تعرضت المرأة للتشرد وهجر الوطن والسبي والبيع في أسواق النخاسة والخدمة لدى الغرباء و السجن ضمن حريم القصور لدى الحكام والأعيان. مما يجعلنا نطرح سؤالا مهما:
شهد العقد الماضي اعترافا متزايدا بحقوق وخصوصية المشاكل المميزة للمرأة المنتمية إلى السكان الأصليين، والتي تمارس هويتها وتقاليدها الثقافية وأشكال التنظيم الاجتماعي الخاصة بها مع تعزيز دورها في المجتمعات المحلية التي تعيش فيها، إذ تواجه هذه المرأة في معظم الأحيان عوائق ومشاكل ترجع إلى كونها امرأة/ مواطنا من درجة ثانية تنتمي إلى نسق اجتماعي سياسي وثقافي متخلف من ناحية، وامرأة منتمية إلى مجتمعات السكان الأصليين من ناحية أخرى فالحديث عن وضعية المرأة الأمازيغية يستمد شرعيته من طبيعة الواقع الخاص والمعاناة اليومية التي ترزح تحت ثقلها المرأة المغربية في جل المناطق الأمازيغية، هذا الوضع الذي يتميز بتداخل وتعقد مستوياته، فبالإضافة إلى التهميش الذي يطال المرأة والرجل الأمازيغيين على حد سواء فإن المرأة تستأثر بالنصيب الأوفر من التهميش والتشييء والتغييب، ومرد ذلك إلى سيرورة تضرب جذورها في التاريخ، تاريخ شمال إفريقيا وبلاد تامزغا التي كانت عرضة لمختلف أنواع الاستعمارات ابتداء بالحملات التجارية والعسكرية وانتهاء بالاحتلال الإيديولوجي والثقافي العروبي. فلا أحد يجادل اليوم أن حركات تحرر الشعوب تقاس بمدى تقدم أو تأخر وضع المرأة داخل المجتمع، فقد ساهمت نضالات الحركة النسائية في تحرر العديد من المجتمعات: (حركة الزنوج، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية، حركة التحرر الوطني والمرأة في الفيتنام، المرأة الزباطية في المكسيك…).
أما بالنسبة لقضية المرأة الأمازيغية فهي تتميز بخصوصية تقوم أولا على التمييز الجنسي داخل علاقات اجتماعية وأسرية ذكورية تمتد جذورها في تاريخ البشرية منذ ظهور الملكية الخاصة وتقسيم العمل بين الجنسين، وثانيا على خصوصية الانتماء الثقافي والهوياتي إلى بلاد تامزغا وشعوب شمال إفريقيا التي يشهد التاريخ على التحولات والاصطدامات التي عرفتها. فقضية المرأة الأمازيغية تتميز عن قضية المرأة عالميا إذ ليس أننا لا نعترف بوجود قضية عامة للنساء، بل إن العناصر المتحكمة والمنتجة لخصوصية المرأة المغربية الأمازيغية وطرق البحث تختلف باختلاف الزمان والمكان، والانتماء الثقافي والتاريخي لهوية وحضارة معينة، كما أنها قضية شعب طاله التهميش والإقصاء السياسي فاغتيلت ذاكرته واغتصبت أراضيه قبل أن تغتصب نساؤه.
إذن فوضعية المرأة في البلدان المتقدمة ليست هي وضعيتها في البلدان المتخلفة كما أن وضعيتها في المدن والحواضر (رغم وجود أوجه أخرى لمظاهر المعاناة) ليست هي وضعيتها في البوادي والمدن الصغرى المهمشة والمناطق الجبلية، كما أن المرأة في مراحل تاريخية قديمة: عرفت مرحلة ق 4 م و ق7م نساء حاكمات وملكات أمازيغيات مثل تين هينان و تيهيا … أو في ظل حكم الإمارات الأمازيغية القديمة الذي تمتعت فيه المرأة بمزايا النظام القبلي كاستمرار لمخلفات النظام الإيميسي الذي عرفته الشعوب الزراعية، وحضارات حوض الأبيض المتوسط، ليس هو وضع المرأة الأمازيغية التي تعرضت للسبي مشيا على الأقدام من شمال إفريقيا إلى المشرق كعقاب لأعنف مقاومة في التاريخ ضد السيف الأموي، وليس هو وضع النساء المهمشات في البوادي والمجبرات سواء بفعل القانون والمؤسسات، أو بفعل الواقع وظروف الفقر إلى ممارسة أشكال دنيئة من الأعمال اللاإنسانية التي لا اختيار لها فيها مثل الدعارة والفلكلور المستلب والنظرة التبخيسية التي تكونت لدى المجتمع اتجاه المرأة الأمازيغية.
إن الأسباب التي ساهمت في تهميش المرأة الأمازيغية هي الأسباب التي تعوق تحرر جزء كبير من الشعب المغربي الأمازيغي، هو التسلط على الذاكرة والتاريخ، هو القهر وسوء توزيع الثروات وانعدام الديمقراطية. إلا أنه، وبفعل مجموعة من العوامل والخصوصيات يبقى للمرأة النصيب الأكبر من هذه المعاناة، هذه الخصوصية التي تستمد مشروعيتها من التاريخ والحقوق الكونية التي تعزز مكانة المرأة، وأيضا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها. فمنذ السياسة المتبعة لاستئصال قيم الحضارة الأمازيغية من طرف الأنظمة السياسية والاجتماعية المتعاقبة على بلاد شمال إفريقية تعرضت المرأة للتشرد وهجر الوطن والسبي والبيع في أسواق النخاسة والخدمة لدى الغرباء و السجن ضمن حريم القصور لدى الحكام والأعيان. مما يجعلنا نطرح سؤالا مهما:
هل بالفعل أن قضية المرأة المغربية في منطلقاتها التاريخية والسياسية تبدأ بعد فترة الاستقلال؟ أي بعد خروج المرأة من البيت إلى سوق العمل والإنتاج كما تذهب إلى ذلك الحركة النسائية في مقاربتها لوضع المرأة. أو يمكن اعتبار مرحلة ما بعد الاستقلال مرحلة تستوجب الوقوف وطرح أسئلة عميقة تهم المسار السياسي والاجتماعي والثقافي والمؤامرة التاريخية التي دبرت في حق المجتمع المغربي، رجاله ونسائه بتمرير سياسة استيعابية كان هدفها تدمير الهوية الثقافية الأمازيغية بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية، مع هيمنة النظام السياسي الأحادي المحمي بالأيديولوجية المشرقية.
إن المرأة الأمازيغية خلال فترة الاستعمار قد تعرضت لأبشع أنواع الاستغلال داخل ضيعات المعمرين بعد أن تم سلب الأراضي والممتلكات من القبائل، ثم بعد الاستقلال سيعاد سلب الأراضي والضيعات من طرف المعمرين الجدد من نخب الانتهازيين والعائلات التجارية النافذة، بعد نزع سلاح القبائل والقضاء على جيش التحرير والمقاومة التي تنحدر من أصول أمازيغية. مما نتج عنه تشتت القبائل مع نهج سياسة التفقير، مما أدى إلى تكون أحزمة هامشية حول مراكز كانت من قبل للإقامة الفرنسية حيث انتشرت تجمعات سكنية ومدن صغرى مهمشة تنعدم فيها أدنى شروط العيش الكريم من بنيات تحتية وخدمات اجتماعية…أغلب رجالها عاطلون عن العمل ونساؤها يعانين من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية تحت طائلة الأمية اللغوية والثقافية والتهميش السياسي والثقافي، مما دفع بالمرأة إلى قبول امتهان جميع الحرف بما فيها تلك التي تمس بكرامة الإنسان أو هن في أغلبيتهن إما يساعدن الرجال في حقول صغيرة تحت ظروف مزرية، أو خادمات في المدن بأجور ضعيفة ودون حماية قانونية، أو حرفيات يقمن بمهارات منزلية كالنسيج وغزل الصوف وصنع الزرابي وكلها أعمال تفتقد إلى الدعم وضمانات التسويق والحماية القانونية والمساعدة التقنية في إطار التحولات الخطيرة والسلبية التي يعرفها الاقتصاد المحلي والدولي (العولمة الليبرالية، اتفاقية التبادل الحر…)، مما يضعف التمكين الذاتي للنساء للمساهمة في مكافحة الفقر وتحقيق التنمية، إذ لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ومبدأ التشارك إلا بتحسين المركز الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمرأة.
إن قضية المرأة الأمازيغية تعيش على هامش ثوابت نضاليات الحركة النسائية التي تركز في أبجديات اشتغالها على الحملات والمحطات المعروفة بالمطالبة بتغيير الوضعية القانونية للمرأة ـ حملة 1992، تعديلات مدونة الأحوال الشخصية 1993، الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية 1999 وأخيرا مدونة الأسرة 2004 ـ مع الدخول في استراتيجيات جديدة مملاة من المؤسسات الدولية في إطار شعار تحقيق التنمية المستدامة وإدماج المرأة القروية. إن جل التنظيمات المدنية والسياسية، بما فيها الحركة النسائية لم تعد تشكك بمبدئية وشرعية مطالب الحركة الأمازيغية بما فيها خصوصية حركة ومطالب المرأة الأمازيغية، كالحقوق الثقافية واللغوية التي تفتقد إلى الحماية الدستورية والحق في تشريعات قانونية بلغتها الأم، والحق في مدونة علمانية تضمن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وترفع عنها الحيف والتمييز الذي طالها من طرف الذاكرة المغلوطة والمجتمع والمؤسسات، والحق في قضاء مستقل ونزيه يتم فيه الفصل في قضايا الطلاق والزواج باللغة الأمازيغية لتجنب الوقوع في التدليس، الحق في مدونة تنهل من أعراف وتقاليد النظام الاجتماعي الأمازيغي ومن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان مع إعمال المواثيق الدولية، ثم الحق في الإدماج داخل النسيج الاجتماعي والثقافي مع رفع كل أنواع الاحتقار الملتصقة بالمرأة الأمازيغية من تبخيس لجسدها، واعتبارها سلعة مهيأة طبيعيا للبغاء والفولكلور حيث أصبحت لفظة (الشيخات) مقترنة تاريخيا بالنساء الأمازيغيات، ومرد ذلك لأسباب تاريخية سياسية واجتماعية ذات صلة وطيدة بالاستعمار والمخزن إذ لعب فيها الأعيان ورجال السلطة التقليديون دورا ضليعا في تحطيم العلاقات الاجتماعية الراقية التي كانت تتمتع فيها المرأة الأمازيغية بمكانة رفيعة داخل النظام الاجتماعي القبلي، وذلك لتكسير شوكة القبائل المقاومة، فتم إحداث دور للدعارة قريبة من الثكنات العسكرية خلال مرحلة الاستعمار كما هو الحال في مجموعة من المناطق كبني ملال، تيفلت، خنيفرة، الحاجب وبعض المدن الشمالية.
فصوت المرأة الأمازيغية هو صوت الهوامش الاحتجاجية التي تمثل الأغلبية الشعبية المسحوقة من النساء، كما أن المرأة الأمازيغية تعيش يوميا هويتها المنفتحة على الأبعاد الأخرى للشخصية المغربية، وفي المقابل فهي تخضع لبنية قانونية بعيدة عن لغتها الأم وعن أحلامها، إذ تشعر بالحيف والظلم داخل المحاكم والإدارات العمومية ووسائل الإعلام،كما أن الحركة النسائية لم تجرؤ أبدا على جرد واقع مستلب إعلاميا تشحن فيه المرأة الأمازيغية من خلال ترسانة من البرامج والوصلات بغير اللغة الأم، منها ما هو بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي للمرأة الأمازيغية والمرأة المهمشة في البوادي المغربية، وذلك بتمرير أفكار وصور تعبر عن طموح الفئات النافذة والبرجوازية التي تخدم مصالح الشركات المتعددة الجنسيات، والتي تخدم بدورها السوق الاقتصادية الدولية المتوحشة، كما أن هناك بعض البرامج ووصلات الإشهار تقترب من المرأة المغربية الأمازيغية، لكن للاستخفاف بها وإعطائها حق إبداء الرأي والمشاركة في مواضيع جوفاء لا علاقة لها بالمشاكل والمعانات الحقيقية التي تتخبط فيها المرأة.
1 ـ المرجعية التاريخية والثقافية لخصوصية المرأة الأمازيغية
شهدت جميع الحضارات التي عرفت ازدهارا اجتماعيا وثقافيا حضور المرأة الوازن داخل الأسرة والقبيلة والمجتمع، بل نجدها في أحيان كثيرة قد تبوأت مراكز السلطة والقرار خاصة لدى شعوب وحضارات البحر الأبيض المتوسط مثل الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية وأيضا الحضارة الأمازيغية، حيث عرفت المرأة الأمازيغية عبر تاريخ شمال إفريقيا شموخا يليق بمكانتها وسجلت اسمها في سجل التاريخ ابتداء بالملكة تين- هينان والملكة تيهيا ونساء سجلن بطولاتهن في الحرب والسياسة والشعر مثل كنزة الأوْربية وزينب تانفزاويت امرأة السياسة والتدبير حيث تزوجت من أربعة ملوك أمازيغيين كان أخرهم يوسف بن تاشفين ثم فانو المرأة المحاربة إلى آخر رمق ضد الموحدين وصولا إلى شاعرات المقاومة الأمازيغية مثل تاواكرات ومغيغيدا ن آيت عتيق والقائمة طويلة.
إن التنظيم الاجتماعي القبلي لدى الشعب الأمازيغي لم يعرف ظاهرة خضوع المرأة للرجل، لأن الرجل بدوره كان خاضعا للجماعة – القبيلة، فتمتعـت النساء الأمازيغيات بمجموعة من الحقوق داخل النظام القبلي، أسوة بالرجل حيث كان عرف “تامزالت” يعطي الحق للمرأة في أن تتمتع بنفس الحقوق المخولة للرجل في الإرث، إلا أنه مع دخول المد الأموي ووصول الإيديولوجية الثقافية لشبه الجزيرة العربية شهد وضع المرأة في شمال إفريقيا انحطاطا تجلت تداعياته في استعمال العقيدة وفقا للمصالح السياسية والاجتماعية للحكام للنيل من كرامة الإنسان الأمازيغي عامة والمرأة الأمازيغية خاصة والحد من حقوقها وحريتها.
لقد حافظت نساء شمال إفريقيا وبلاد تامازغا على الثقافة الأمازيغية كأسلوب من أساليب صيانة الذات من الاستلاب والتشبث بالحرية في إطار المحافظة على الهوية، كما استطاعت المرأة الطوارقية الحفاظ على حروف تيفيناغ من خلال المنسوجات ومن خلال الوشم عل اليدين والوجه، وحرصت على تنشئة أبنائها تنشئة تستمد أصولها من فكر وعادات الأسر الإفريقية وفطام الأطفال على اللغة الأم.
لقد لعبت المرأة الأمازيغية دورا مهما في الحفاظ على اللغة، هذه اللغة التي لم تحظ بأي اهتمام من لدن المؤسسات الرسمية الفاعلة في مجال التدريس، كما سهلت المرأة انتقال التراث الأمازيغي الشفوي من جيل إلى آخر عبر الحكايات وقصص الأطفال والشعر وإشكال أخرى متعددة من التعبير الرمزي والفني كالرسوم والزخارف الموجودة على الأقمشة والنسيج، كما ظلت الثقافة مبدأ مقدسا عند المرأة الأمازيغية، وما الوشم على الجلد إلا دليلا قاطعا على التصاق الهوية بالذات الإنسانية، وبفضل التضحيات والارتباط العميق بالرواسب التاريخية لا تزال هذه القيم راسخة في أغلب بوادي شمال إفريقيا . إلا أن الإقصاء والتمييز الذي رسخته بعض العادات المشرقية لم يخدم المرأة المغربية.
2 ـ مرجعية الحقوق الدولية لتعزيز مكانة المرأة الأمازيغية.
إن قضية المرأة أصبحت اليوم تستأثر باهتمام المنتظم الدولي لما تعانيه من حيف في المجالات الاجتماعية والسياسية ومن دونية وإقصاء، تعود إلى جذور تاريخية وأنظمة اجتماعية متعاقبة كرست تسلط المجتمع الذكوري الذي لا يعترف بقيمة عمل المرأة بحجة القوامة أو ذريعة الفوارق البيولوجية، فتعززت مكانة المرأة بصدور الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ،ثم بانعقاد مؤتمرات دولية انطلاقا من مؤتمر نيروبي 1985 وصولا إلى مؤتمر بكين 1995 الذي اعتمد إستراتيجية النهوض بالمرأة والقضاء على كل أشكال التمييز القائمة على الجنس والعرق، كما أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن حقوق الإنسان للمرأة والطفلة غير قابلة للتصرف، وتشكل مشاركة المرأة مشاركة كاملة ومتساوية في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، إلى جانب القضاء على جميع أشكال التمييز القائمة على الجنس أو العرق أو الانتماء الثقافي واللغوي، مع إلزام الدول المعنية على تطبيق واحترام مبادئ حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة. ولما كان من الأساس أن تتمتع النساء والرجال بجميع الحقوق، فإن على القوانين المقدمة لدى الدول المصادقة على هذه المواثيق أن تضمن تمتع الناس بهذه الحقوق دون تمييز أو تحيز، وانطلاقا مما تعانيه المرأة الأمازيغية من حيف وتمييز سواء من طرف المؤسسات القائمة أو من طرف الرجل، وما تتعرض له من انتهاكات تقوم على الجنس مثل: التحرش، والإجبار على البغاء والعنف الرمزي والتمييز المكرس في القوانين، مما حال دون مشاركتها بشكل فعال وعلى قدم المساواة داخل المجتمع.
من هنا لا يمكن ترسيخ مبادئ الديمقراطية الاجتماعية إلا من خلال إرادة حقيقية تمكن من رفع الحيف الذي طال المرأة الأمازيغية من طرف المجتمع والسياسات الممنهجة اتجاهها، وذلك من خلال بلورة استراتيجيات سياسية معززة بحماية قانونية تعتمد الدقة والعلمية.
وللنهوض بوضعية المرأة الأمازيغية يجب العمل بمبدأ فصل السلط التشريعية منها والتنفيذية والقضائية لتكريس فكر حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة خاصة من خلال تطوير القوانين المحلية الخاصة بالمرأة والأسرة المغربية، وإسناد مهام تفعيل مقتضياتها لقضاء نزيه ومستقل، ومن خلال فتح المجال أمام المرأة للمشاركة في وراش التنمية واو راش بناء مغرب الكرامة تماشيا مع ما سنته المواثيق الدولية لأنها تعتبر المدخل الحقيقي لتحقيق وضع جديد للأسرة والمرأة يضمن لها الحق في التعليم والصحة والخدمات وتقوية مميزات أصالتها وهويتها الوطنية المبنية على الثقافة والهوية الأمازيغية والمنفتحة على إبعاد أخرى مكونة للشخصية والذاكرة المغربية مما يضمن لها المشاركة في إرساء ثوابت الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد لوقف نزيف البطالة والهجرة والدعارة.
3 ـ المرأة الأمازيغية والقانون
كان 19 غشت 1957 هو تاريخ صدور الظهير المؤسس للجنة تدوين مدونة الأحوال الشخصية، مما دفع باللجنة إلى إنجاز مدونة يسهل تطبيقها من طرف القضاة الجدد وفي اقصر وقت ممكن، كما أن خمسة شهور بالنسبة لدولة مستقلة حديثا تدل على حالة استنفار قصوى وغير كافية لدراسة بنيات المجتمع المغربي وتعدد مكوناته وخصوصياته وتحديد احتياجات الأسرة المغربية عامة والمرأة الأمازيغية خاصة، وذلك بحجة ملء الفراغ القانوني وتعويض التشريعات الفرنسية بأخرى تستند إلى “التشريع الإسلامي”. والحقيقة كانت عكس ذلك، فهي من جهة تروم القطع والقضاء النهائي على الأعراف التي كانت تنظم العلاقات داخل الأسرة والقبيلة الأمازيغية، ومن جهة أخرى سن تشريعات تكون فيها جميع السلط بيد الرجل مع إبقاء المرأة في حكم الخاضع والقاصر مدى الحياة.
كما أن اللجنة المشرفة على صياغة المدونة كان يترأسها زعيم حزب الاستقلال وبعض علماء وفقهاء القصر وبعض عناصر الحركة الوطنية، التي لا تمثل الشعب المغربي بكل مكوناته، مع تغييب المرأة المعني المباشر بالتشريع في مجال الأحوال الشخصية، فتم إخراج مدونة تتكون من 297 فصلا بقيت أغلب بنودها تتحكم في مصائر النساء والأطفال والأمهات لمدة تفوق 40 سنة. هذه المدونة التي تعتبر من أكبر مظاهر الحيف والتبضيع للمرأة كما تكرس تعاملا فارغا من أي محتوى إنساني إذ هي تعتبر المرأة طرفا للتفريخ الهدف منه إكثار سواد الأمة تحت رعاية الزوج في الفصل 8، وهي في الفصل 11 طرف مبتور في العلاقة يجردها القانون من أية إمكانية لتقرير مصيرها بنفسها، في حين أن الزواج عقد مدني يبرمه الشخص الراشد الواعي بمسؤوليته، وفي الفصل41 فهي عبء يتخلص منه الرجل متى شاء وبدون قيد أو شرط.
مع تنامي الوعي بحقوق المرأة على المستوى المحلي والدولي، وفي المقابل وضعية بئيسة للمرأة وخاصة بالمناطق المهمشة والبوادي الأمازيغية، وقصور خطاب الحركة النسائية على نساء المدن والنخبة مع عدم قدرته على تجاوز سقف مطالب التغيير القانوني وغياب مقاربة شاملة تراعى فيها المنطلقات السياسية والتاريخية والثقافية لوضع الأسرة والمرأة المغربية الأمازيغية، مما أدى إلى انفصام في الشخصية المغربية وذلك بوجود نسبة كبيرة من النساء المغربيات اللواتي لا يعرفن لغة المدونة والقوانين التي تؤطر وضعيتهن داخل الأسرة والمجتمع، مما يجعل المرأة الأمازيغية عرضة للسخرية والتدليس في مرافق إدارية ومحاكم لا تستعمل لغتها الأم، مع تنامي العنف بكل أنواعه الجسدية والرمزية داخل الأسرة والشارع المغربي، كما أن هناك عنفا حضاريا وثقافيا أصبح يتهدد وضع المرأة تمارسه فئات تدعي تمثيل الدين وتفسر الدين على هواها وتستخدمه لتحقيق أغراض دنيوية هدفها استلام السلطة السياسية والتحكم بحياة الناس ومصائرهم.
أما بالنسبة لخطة إدماج المرأة في التنمية المقترحة من الحكومة السابقة وأيضا التعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة، فرغم حرصها على مركزية نظام الأسرة في إطار التوازن ما بين المسؤوليات والواجبات، وانفتاحها لأول مرة على المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل (سنعود بالتفصيل إلى وضع المرأة الأمازيغية من خلال بنود مدونة الأسرة في مقال لاحق) فهي لم تراع فيها أسئلة الحقوق الثقافية واللغوية والعرفية كمشاكل تهم المرأة الأمازيغية داخل المجتمع المغربي، بل جعلته مجتمعا مستهلكا لثقافة الغير دون اعتبار لخصوصية المرأة المغربية الأمازيغية، كما منعت العديد من الأمهات من تسجيل أبنائهن بأسماء أمازيغية، وكلها وضعية ناتجة عن خيارات سياسية مناهضة لحق ممارسة الهوية وتحديدا غياب إجراءات قانونية تتماشى مع معطيات المجتمع المغربي واحتياجات المرأة الأمازيغية.
تعتبر المدونة من خلال بنودها أكبر مظاهر اضطهاد وتشيىء المرأة. وسأكتفي هنا بمناقشة بند ” المهر” أو الصداق أي المال الذي يقدمه الزوج للزوجة. فما هي ضرورته وحكمه في النصوص؟ وما الذي يجري على أرض الواقع في هذا الصدد؟
انطلاقا من المدونة يعتبر الصداق شرطا أساسيا لإبرام عقد الزواج. إلا أنه غير محدد ويمكن أن يكون مبلغا ماليا أو أي شيء رمزي وذلك بحسب اتفاق الطرفين، كما لا يحق للزوج أن يطالب المرأة بأثاث أو فراش مقابل ما أعطاها من صداق، لأنه ملكها الخاص. فما الذي يجري على أرض الواقع، فكلما كانت المرأة من أسرة وفئة ميسورة كان صداقها مرتفعا وهي مسألة ثابتة في العلاقات الاجتماعية. لكن الغريب هو أن نجد نساء متوسطات التعليم أو ذوات شهادات عليا ومن فئات فقيرة يطالبن بمهور مرتفعة كعنوان على قيمتهن داخل المجتمع، لذلك سيكون صعبا على الزوج التخلي أو الطلاق في حين إذا كان الصداق بسيطا أو رمزيا سيسهل عليه التخلي وبسهولة، لأنه تزوج من امرأة رخيصة وبدون تكلفة، إنها قيمة سلوكية اجتماعية ومعادلة ثقافية أنتجها المجتمع، المرأة والرجل على السواء. إن المرأة هنا تعيد إنتاج وضعيتها البئيسة فتسقط في منطق البيع لمن يدفع أكثر. فلكي تعبر المرأة على مستواها العالي يجب أن تشتري أثاثا يفوق ثمن المهر فيتم تثبيت أسس علاقة يغيب فيها الإنساني، وبمجرد حصولها على الصداق المرتفع والحلي تصبح ملكا خاصا للرجل وتفقد ابسط أشكال الاستقلال والحرية لأن الحقوق والامتيازات الممنوحة للرجل كلها مرتبطة بمسألة الصداق “المهر” الباهظ الذي يؤسس لعلاقة الطاعة والخضوع.
أما بالنسبة للمرأة الأمازيغية فهناك تقليد تاريخي لبساطة ورمزية المهر، فصداق المرأة المتزوجة عند قبائل أيت حديدّو لا يتجاوز 100 درهم (موسم الخطوبة بإملشيل)، وعند قبائل سوس بالجنوب فإن صداق المرأة بسيط ورمزي حيث يقدم الزوج لزوجته قلادة من النقرة تسمى “أمثــــقـال”. أما عند قبائل زمور فإن الرجل يقدم للمرأة كتعبير على ارتباطه بها قلادة تسمى “أزدي”، وهي مكونة من الكروش (نقود قديمة) سواء كانت من النقرة أو من الذهب (عقد اللويز).
ـــــــــــــــــــــــــ
بقلم : الأستاذة فاطمة وريط ـ زمور، الخميسات / المغرب
نقلته عن جريدة تاويزا التي تصدر بالمغرب الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان