زملاء

د . خولة حسن الحديد : ثورة المواطنة .. كيف نعيد صياغة الهوية في سوريا ؟؟

  •  يجب إعادة الاعتبار للهوية العربية التي شوهتها الأحزاب القومية، و حولتها من حالة ثقافية حضارية تؤثر و تتأثر بالثقافات المحيطة بها، إلى حالة شوفينية و أداة من أدوات القمع السياسي
  •  زاد من هذا الاحتقان التحاق الاسماعيليين بركب الثورة السورية منذ بداية انطلاقتها ، و من ثم تعرضهم للملاحقة و السجن و الاعتقال، و “التشبيح” من قبل الموالين للنظام في مناطقهم
  •  الكرد ليسوا انفصاليين كلهم و منهم كثر من يفضلون العربي السوري، وهم أقرب إليه من الكردي التركي ، والعربي الذي أسكنته الحكومة في أراضي أخذت من الكرد ليس ” مستوطناً”
  •  فالعلويين ليسوا لون واحد وكتلة بشرية واحدة، و ليس كلهم أبناء السلطة، و بينهم من عانى مثله مثل باقي السوريون، و ليس كلهم ” شبيحة” و كل من ارتكب جريمة سيحاسب سواء كان منهم أو من غيرهم
  • مثلما العربي جزء من الأمة العربية فالكردي أيضاً جزء من الأمة الكردية، وهذا يمنح سوريا غنى ثقافي و تنوع حضاري فريد من نوعه ،و ما ينسحب على الكرد ينسحب على السريان و التركمان 

1456563_10200432707654747_35320045_n

يعتبر سؤال الهوية من أهم الأسئلة المعبرة عن عناصر الوجود التاريخي و الاجتماعي لشعب من الشعوب ، لأنه يبحث في المنظومات الاجتماعية والتاريخية والسياسية و الاقتصادية، بما تحتويه كل منظومة من قيم ومبادئ و أنساق ثقافية ذات عمق تاريخي تشكل بمجملها وجوده الحضاري.
والهوية بهذا المعنى ليست مجرد مسألة ثقافية، ولا معطى تاريخي ثابت و معزول، وإنّما هي تعبير عن مختلف التشكيلات المعرفية الثقافية ،والاجتماعية ، والسياسية وحتى البنى الاقتصادية لمجتمع من المجتمعات، والتي تنصهر بمجملها في صورة ذهنية يكونها الفرد عن نفسه و عن الآخر ، و تصبح محركاً أساسياً للتعبير عن نفسه و لضبط علاقته بالآخر.

أثبتت أحداث الثورة السورية و خلال كل ما مرت به من إرهاصات ، و تشابكات معقدة خلال العشرين شهر الماضية، أنّ سؤال الهوية مطروحاً على السوريين بطريقة ملحة، وهذا السؤال الذي تهربت غالبية الكتل السياسية المعارضة من الإجابة عنه من خلال عدم طرحها لخطاب سياسي واضح المعالم تجاه كل المظاهر و القضايا التي ظهرت كتعبير عن الهويات الفرعية الموجودة في المجتمع السوري كالهويات القومية ( الأكراد و التركمان و الجركس ) أو الهويات الدينية – الطائفية . وكان الخطاب المذكور في غالبته يتمترس خلف تبنيه لقيم التسامح و تجنب الحديث المباشرعن الشروخ الكبيرة و الهوة التي خلقها النظام خلال عقود بين مكونات المجتمع السوري، و برزت بشكل جلي خلال الثورة عبر تغذيته لها و استغلالها لضرب الثورة ، وطرح نفسه الحامي الوحيد لوحدة سوريا الوطنية، و كان لابدّ للمعارضة السورية و النخب الثقافية والسياسية البحث في الإشكالات التي تمسُّ الهوية السورية و طرح خطاب واضح تجاهها، و العمل على صياغة هوية جامعة لا تتنكر للهويات الفرعية و إنّما تدمج فيما بينها من خلال التأكيد على المشترك فيما بينها وصولاً إلى قيام دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع أما القانون الذي يكفل تحقيقي العدالة الاجتماعية والسياسية.

الهوية السورية و الطائفية
إن بروز الموضوعة الطائفية إلى الواجهة ومحاولة القفز عليها من خلال الشعارات و البيانات الإعلامية بات أمر غير مجدي، و لا يمكن تجاوزه بهذه البساطة، و لاشك أن النظام قد اتبع منذ بداية الثورة استراتيجية ” فرق تسد ” و نجح إلى حد كبير في استقطاب الطائفة العلوية و تخويفها، و تمترس خلفها ، و أشاع جو من الاحتقان عندما اعتمد بشكل أساسي على عدد من أبنائها في قمع المتظاهرين ، و في التنكيل بأهالي المناطق الثائرة و الذي أنتج ردة فعل طبيعية تجاه ذلك ، و تكبر ردة الفعل و تتأكّد عند الربط بين هذا الاستقطاب و بين الهيكلية المعروفة لأجهزة الأمن و القيادات العسكرية التي تمّ تكريسها خلال عقود بيد أفراد من الطائفة العلوية ، و كان هؤلاء رأس الحربة في مواجهة النظام للسورين الثائرين ، إلا أن الحديث عن الموضوعة الطائفية لا يمكن أن يتم بهذه البساطة و يجب على جميع النخب الثقافية والسياسية و الباحثين في علم الاجتماع و التاريخ تفكيك هذه الحالة و وضعها في سياقها التاريخي و دراسة الظروف التي أنتجتها ، و طرح الحلول البديلة لتهمشيها وتجاوزها ، فالاحتقان من الطائفة العلوية ليس فقط من قبل “السنة” في سوريا ، و إنما يوجد احتقان كبير أيضاً لدى أبناء الطائفة الاسماعيلية الذين تعرضوا للتهميش فترة طويلة في مناطقهم المختلطة و المتجاورة مع العلويين وسجلت خلال العقدين الأخيرين الكثير من الأحداث ذات الصبغة الطائفية و التي لم يتكلم عنها أحد و ألحقت الظلم و الضيم بأبناء الطائفة الاسماعيلية، و زاد من هذا الاحتقان التحاق الاسماعيليين بركب الثورة السورية منذ بداية انطلاقتها ، و من ثم تعرضهم للملاحقة و السجن و الاعتقال، و “التشبيح” من قبل الموالين للنظام في مناطقهم، وكل هذا الاحتقان الذي بقي يغلي في مرجل على نار هادئة سينفجر عاجلاً أم آجلاً إذا لم يتم تفكيك أسبابه، و إزالتها و إعادة الحقوق لأصحابها، و وقف انتهاك الكرامات و إزالة أي تمييز بين الناس على قاعدة الانتماء الطائفي.

و تتجاوز الموضوعة الطائفية مسألة الطائفة العلوية والإسماعيلية لتطال باقي الطوائف أيضاً، من الدروز و المسيحيين ، و الذين حاول النظام تخويفهم من المظهر الإسلامي للثورة، و عمله على خلق الفتن بين أهالي مدينتي درعا و السويداء ، و بين المسلمين و المسيحيين في مختلف الأماكن ليطرح نفسه حامياً لما اصطلح تسميته ” الأقليات” من ” الأكثرية” ، و ليزيد هذ الخطاب الذي يتداوله السوريون لأول مرة في حياتهم من الاحتقان تجاه بعضهم البعض، فالأكثرية التي تتلقى مختلف أنواع الظلم و التنكيل و تتعرض للقتل اليومي خلال حوالي سنتين من الزمن، وتعرضت مناطقها للدمار، بات عليها في ظل كل ما نالها أن تقدم ضمانات و تطمينات لما يسمى ” بالأقليات” ، و بالرغم من كل الشعارات التي رفعا الثورة من مثل ( واحد واحد الشعب السوري واحد – و لا للطائفية )، و من خلال تسمية أيام جُمع الثورة بأسماء تدل على التسامح و أن الثورة لجميع السوريين مثل “الجمعة العظيمة ، و جمعة آزادي ، و جمعة صالح العلي “، إلا أن ذلك كله لم يكن ليطمئن أحد أمام الخطاب اليومي الذي كان يجترّه النظام و تساعده وتؤكّد عليه وسائل الإعلام العربية و الغربية، وحتى الخطاب السياسي لغالبية الحكومات الغربية .و بذلك وضع أبناء ” السنة” في سوريا أمام اختبار صعب ، هو اختبار وطني بامتياز، لأنه رغم ما نالهم من ضيم، بات عليهم هم وحدهم إثبات قدرتهم على حماية سوريا من الانزلاق إلى حرب طائفية و الحفاظ على وحدتها الوطنية، و بما أن ” السنة” لم يكن مشروعهم في سوريا يوماً مشروع طائفي، فإنّه ينبغي أيضاً على النخب السياسية والاجتماعية و الثقافية توضيح هذا المشروع الوطني الجامع، و الذي طالما طرح نفسه كمشروع لأمة وشعب وليس مشروع لطائفة .

و ضمن هذا السياق لا يمكن تجاهل الصعود المتنامي للتيارات السياسية الإسلامية ، و لا يمكن تجاهل المظاهر الإسلامية التي صبغت الثورة الشعبية في سوريا، و التي أول مكان خرجت منه كان “المساجد”، و لكن كل هذه المظاهر لم تكن لتستبعد أحداً أو تستثني أحداً من السوريين ، و رفعت شعارات وطنية جامعة ، و لا يمكن القفز أيضاً فوق الأسباب الظروف التي جعلت هذه المظاهر تعم بشكل كبير وتظهر بشكل مبالغ فيه أحياناً، كرد فعل طبيعي على تهميش الدين الإسلامي وإلغاؤه خلال عقود من الهوية السورية، و هي استراتيجية بعيدة المدى اتبعها النظام و شهدت تواطؤ من النخب الثقافية العلمانية و الليبرالية التي كانت تخشى من الدين على مفاهيم الحداثة التي تبنتها بطابعها الغربي كما هو و محاولة إلباسها لمجتمعنا و التي فشلت فشلاً ذريعاً أمام أول اختبار ، كما أن استهداف النظام لرموز الدين الإسلامي و قصف المساجد و إهانة المصلين و إهانة القرآن الكريم ، و ابتعاد القوى العلمانية و الليبرالية أو تأخر فئات عديدة منها عن الالتحاق بالثورة ، ولّد شعوراً كبيراً لدى الثائرين بأنهم مستهدفون في عقيدتهم ، و أن الجميع يسكت و يتواطىء عليهم بسبب عقيدتهم ، مما أدى لزيادة تمسكهم بها، و المبالغة في إظهارها من خلال الشعارات أو أسماء الكتائب المسلحة .. و غيرها من مظاهر أدّت بالنهاية إلى فسح المجال أمام وجود فئات متطرفة، تطرح طروحات لا تتبناها الثورة السورية ، ولم تكن بين أهدافها، و غالبيتها طروحات مدعومة من الخارج و تتكىء على الحامل الاجتماعي و الثقافي، و ما ولّدته ظروف الواقع الآني في الداخل السوري.

الهوية السورية والقضية الكردية
و مثلما تمّ طرح الموضوعة الطائفية ، لا يمكن الحديث عن الهوية السورية ، دون تناول القضية الكردية، و ليس خافياً على أحد ما مرت به علاقة الكرد بالعرب السوريين خلال الثورة من تقلبات و إشكالات ، بدءاً من رفع العلم الكردي في المناطق ذات الغالبية الكردية دون علم الثورة أحياناً، و صولاً إلى انحياز فئة من الكرد إلى النظام وهم الممثلون بحزب العمال الكردستاني و جناحه السياسي ” البايد” و مشاركته أحياناً في قمع المتظاهرين ، إضافة إلى حدوث إشكالات عديدة بخصوص دخول الجيش الحر إلى المناطق ذات الغالبية الكردية أو المختلطة عرقياً . و أدّى انسحاب الكرد من كل تكتل سياسي سوري معارض يسعى إلى التوحد إلى حدوث شرخ بينهم وبين العرب الذين كانوا يشعرون بتعرضهم للابتزاز عندما يضع الكرد شروطهم المسبقة قبل المشاركة في كل تجمع، و تفرد الكرد بمجلس وطني رديف للمجلس الوطني السوري سمي ” بالمجلس الوطني الكردي” و إطلاق اسم كردستان الغربية على المناطق التي يشكلون فيها غالبية، و تأسيس برلمان و ارتباطهم بكردستان العراق بشكل كان واضح و معلن ،و مطالبتهم بالفيدرالية دون الأخذ بعين الاعتبار باقي مكونات الشعب السوري في تلك المناطق، أو مراعاة الظروف التي يمرّ بها السوريون ،

كل هذه التصرفات أثارت شكوك و حساسة العرب، و زادت من الشرخ بينهم و بين الكرد، و عمقت حالة الانقسام القائمة أساساً، والتي كان للنظام اليد الطولى فيها، و الذي حرم الكرد من حقوقهم كمواطنين لعقود ، و أخذ أراضي بعضهم و وزعها على بعض العشائر العربية، و جردهم من كافة حقوقهم الثقافية، و لذلك كان الكرد بغالبيتهم شعبياً مع الثورة منذ بداياتها، إلا أن فشل النخب الساسية السورية العربية والكردية منها بطرح خطاب واضح يضع النقاط على الحروف، و يتبنى مطالب الكرد بإعادة ما استلب لهم من حقوق ، و من ثم الوعد بشكل الدولة القادمة حسب ما يقرره السوريون لاحقاً، و الكرد جزء أصيل منهم ، هذا الفشل أدى إلى عزلة البعض ، و زاد من الحساسيات القائمة أساساً، فكان المعارضون العرب يؤجلون طرح القضية الكردية ، و الكرد ينسحبون لأن مطالبهم لم تتحقق، وهم يدركون تماما أنهم يطلبون تلك المطالب من الطرف الخطأ، حيث لا يمكن لأي جهة معارضة الآن أن تبت في قضية أساسية من القضايا السورية بدون الرجوع للمؤسسات المعبرة عن الشعب و الغائبة حالياً، و على الأرض كان كل طرفٍ يحاول خلق واقع يتناسب مع هاجسه من الآخر و تخدم رؤيته في المستقبل ، و من ثم يستتبع ذلك بكل الوسائل السياسية والإعلامية والدبلوماسية الممكنة، وفي النهاية المطاف بقي هذا الصراع أحد الأسباب الهامة التي ساهمت في تأخير انتصارالثورة السورية.

كيف نعيد صياغة الهوية السورية ؟؟
من خلال السرد السابق . يتبين لنا أن مسألة الهوية السورية من القضايا الحاسمة بالنسبة للثورة السورية ، و تأخُّر طرح مفهوم الهوية الوطنية الجامعة و العمل على تكريسها بالفعل و السلوك و الخطاب السياسي و الإعلامي، و ظهور الخطاب الطائفي و الشعبوي – العصبوي كان من الأسباب الرئيسية لتأخر الحسم فيما يتعلق بالثورة، و هنا أيضاً و أما ما تمّ تشريحه سابقاً ، ما الذي ينبغي علينا فعله من أجل إعادة صياغة الهوية السورية الوطنية ؟؟
لاشك أن الانقسامات القائمة الآن عليها أن تدفع بالسوريين إلى الكشف والتأكيد على الخاصية الأساسية التي يجب أن تميز الهوية السورية، والصورة التي يمكن أن تكون عليها في المستقبل، و كيف يعبر السوري عن هويته.

إنّ الهوية السورية التي ينبغي أن يعبّر عنها و يضطلع بها السوري ، هي الهوية المنبثقة من الجماهير، من الشعب الذي خرج إلى الشوارع مؤكِّداً على نفسه وحقوقه و قدرته على الفعل، و وتنطلق ثوابت هذه الهوية من الشعارات التي رفعتها تلك الجماهير منذ أو خروج لها، و التي تلخصت في الحرية و الكرامة و الديمقراطية، وحق الشعب في المشاركة السياسية، و نيل حقوقه كاملة على كافة الصعد،و إلغاء التمييز بين المواطنين على خلفية طائفية ، و الكف عن منح امتيازا لفئة دون أخرى من فئات الشعب السوري، تلك هي الهوية السورية المنبثقة عن الثورة،و ليست تلك الهوية التي ترسمها النخب الثقافية والسياسية ، والتي تخضع لرؤاهم و مصالحهم و أجنداتهم ، و هذه النخب ذاتها هي من ساهمت في تمييع هوية الشعب السوري و تفككها من خلال موقفها من السلطة الحاكمة، و سكوتها حيناً و تواطئها معها حيناً لتغييب هوية الشعب، و السكوت على إبراز هويات أخرى من خلال الولاءات و التمييز الذي كان يحصل لفئة على حساب فئة أخرى من منطلق طائفي حيناً و عرقي- قومي حيناً آخر ، لذلك يجب على هذه النخب الاعتراف بأن الإسلام جزء أساسي من الهوية السورية وليس حالة طارئة، و هذا لا يلغِ وجود الدين المسيحي و لا التنوع الطائفي للسوريين ، و بنفس الوقت على التيارات السياسية الإسلامية طرح رؤى تنويرية تتناسب مع العص، و مع الحالة السورية الراهنة ببعدها التاريخي، حيث المكون المسيحي ، و التنوع الطائفي جزء أصيل و ثابت من الوجود السوري، و على جميع السوريين المعنيين بصياغة الهوية السورية التي ينبغي أن يعبّر عنها السوري بعد الثورة أن يعمدوا إلى تفكيك الأنساق الثقافية السائدة، و التي يتم التعامل معها على أنها أنساق ثابته و جامدة ، فالعلويين ليسوا لون واحد وكتلة بشرية واحدة، و ليس كلهم أبناء السلطة، و بينهم من عانى مثله مثل باقي السوريون، و ليس كلهم ” شبيحة” و كل من ارتكب جريمة سيحاسب سواء كان منهم أو من غيرهم مهما بلغ العدد و النسبة، و المسلمون السنة أيضاً ليسوا كلهم متطرفين و يريدون إلغاء الآخرين كما أنهم ليسوا كتلة بشرية ثابته ولا لون ورؤية واحدة لهم ، و العرب ليسوا كلهم من ظلم الكرد .

وقد طال بعض منهم من الظلم مثلما طال الكرد و ربما أكثر، و أرض الكرد التاريخية كما يسمونها هي أرض السريان أيضاً و أرض العرب و أرض أبناء كل الحضارات التي مرت على تلك المنطقة، و الكرد ليسوا انفصاليين كلهم و منهم كثر من يفضلون العربي السوري، وهم أقرب إليه من الكردي التركي ، والعربي الذي أسكنته الحكومة في أراضي أخذت من الكرد ليس ” مستوطناً” و لم يقاتل الكردي ليأخذ أرضه، بل هو إنسان هجّر من أرضه التي أخذت منه دون أن يساله أحد رأيه ليبنى عليها مشروع استراتيجي استفاد منه الكرد و العرب في توليد الكهرباء و في دفع فيضان نهر الفرات وغيرها من قضايا، و مسؤولية ما جرى لهم و للكرد تقع على عاتق الدولة فقط ولا يتحمل أي طرف منهم مسؤولية ذلك، و على الدولة القادمة إيجاد حلول ناجعة لهذه القضية الشائكة .. الخ . فتفكيك هذه الأنساق الثقافية والاجتماعية السائدة و التي تحكم تفكير وعلاقات السوريين بعضهم البعض، و تجعل العلاقة فيما بينهم وفقاً لصورة مسبقة ثابتة لا تتزحزح، هو أمر حتمي و واجب عبر خطاب إعلامي وسياسي واضح، يؤكد على سيادة حكم القانون و تساوي الجميع أمامه في الحقوق و الواجبات، و ذلك بعد رفع المظالم و الحيف عن كل أبناء الشعب السوري، و رد الحقوق لأصحابها، ولابدّ من الاعتراف أولاً بالقضية الكردية في سوريا و عدم تجاهلها ، و إيجاد الحلول المناسبة لها و،عدم ترحيلها لأوقات لاحقة لأنها ستعاود الانفجار و تبني القضية الكردية يعني الإقرار بالظلم التاريخي الذي لحق بالكرد السوريين و رفعه عنهم، و رد حقوقهم إليهم، و الاعتراف بكل حقوقهم القومية و الثقافية، و المساواة بين مناطقهم و باقي مناطق سوريا بالخطط التنموية المستقبلية ، و التأكيد عى أن الاعتراف بالقضية الكردية و الكرد كقومية لها خصوصيتها لا ينتقص من الهوية العربية لسوريا ، و لا يقلل من شأنها و لا يمكن إنكار العمق العربي لها، وهنا أيضا يجب إعادة الاعتبار للهوية العربية التي شوهتها الأحزاب القومية، و حولتها من حالة ثقافية حضارية تؤثر و تتأثر بالثقافات المحيطة بها، إلى حالة شوفينية و أداة من أدوات القمع السياسي، و مثلما العربي جزء من الأمة العربية فالكردي أيضاً جزء من الأمة الكردية، وهذا يمنح سوريا غنى ثقافي و تنوع حضاري فريد من نوعه ،و ما ينسحب على الكرد ينسحب على السريان و التركمان بشأن الحقوق الثقافية خاصة..

و كل هذه القضايا العالقة لن تترك مجال للاستقرار مستقبلاً في سوريا إن لم يتم حلّها في إطار هوية جامعة ترتكز ثوابتها على مفاهيم العدل و الحرية و الكرامة، و المواطنة الكاملة، ولن يتم ذلك كله إلا بتأسيس نظام سياسي معبّر عن تطلعات الشعب السوري مجتمعاً، و يجمع السوريين في بوتقة واحدة دون عزل أو تهميش لهوياتهم الفرعية التي سرعان ما سينكفئون إليها كلما شعروا بالتهديد مثلما يحدث الآن، فالفوضى و الانفلات الأمني و الشعور بالتهديد كل ذلك يشكل بيئة مثالية لظهور الهويات الفرعية و فيضانها على السطح، و يؤجج بالتالي الصراعات و يذهب بها بعيداً .

ويمكن لهذه الهويات أن تكون مصدر غنى و قوة لسوريا عوضاً عن كونها مصدر تفكك و تفتيت إذا ما تمت صياغة نظام سياسي عصري يحفظ حقوق الجميع، و يسير بهم نحو مجتمع المواطنة كاملة الحقوق، و تأسيس هذا النظام منوط بكل أبناء الشعب السوري و نخبه السياسية و الثقافية عرباً وكرداً وتركماناً وسرياناً، لأنه الضامن الوحيد لبقاء سوريا وطن حقيقي ونهائي لكل السوريين، و الضامن الوحيد لحفظ وحدة الوطن السوري، و بمثل هذا النظام فقط تصبح الهوية انتماء ، و مصدر إلهام و إبداع نحو نهضة شاملة، و مصدر فخر و اعتزاز كل سوري.

الشبكة العربية العالمية: خولة حسن الحديد

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق