جورج حداد … لبنان في الساعة الـ 25
منذ اشهر، وتحديدا منذ ما قبل مغادرة العماد اميل لحود قصر بعبدا (الذي يعتقد البعض انه ربما يكون آخر رئيس لجمهورية سايكس بيكو اللبنانية)، لا يزال المندوبون العرب والهيـئتأمميون والاوروبيون وخصوصا الاميركيون يروحون ويجيئون الى لبنان، ويقابلون مختلف اطراف الموالاة والمعارضة اللبنانيتين، في محاولة (ظاهريا) لايجاد مخرج من الازمة اللبنانية المستعصية.
وفي الوقت ذاته كانت ولا زالت مختلف شخصيات الموالاة وحلفائها، من البطريرك صفير الى الحكيم سمير جعجع الى الزعيم الوطني السابق وليد جنبلاط الى طبعا الشيخ سعدالدين رفيق الحريري، يقومون بزيارات متكررة متوالية الى مختلف العواصم العربية والاوروبية وطبعا واشنطن، تحت الحجة الظاهرية ذاتها.
ولكن في الوقت ذاته، فإن المعسكر الاميركي ـ الاسرائيلي في لبنان، يضرب عرض الحائط بأية محاولة جادة للتسوية ويعمل لافشال اي مبادرة للتسوية، ومنها اخيرا ما سمي المبادرة العربية وقبلها المبادرة الفرنسية. وقد نصت، مثلا، المبادرة العربية على تحقيق ثلاث خطوات متلازمة:
1 ـ انتخاب رئيس جمهورية توافقي، اصبح هناك ـ الى الان ـ اتفاق مسبق على ان يكون قائد الجيش العماد ميشال سليمان.
2 ـ تشكيل ما يسمى “حكومة وحدة وطنية” بحصص يتفق عليها.
3 ـ اقرار قانون انتخابي جديد.
وقد ماطلت الموالاة طويلا لكسب الوقت (كسب وقت لمن؟ ولماذا؟) قبل الموافقة على العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي.
ثم ماطلت طويلا ولا تزال في مسألة الحصص في الوزارة العتيدة.
وهي لا تزال تناور وتلعب على كل الحبال في مسألة القانون الانتخابي الجديد.
وفي الوقت ذاته كان اركان الموالاة ولا يزالون يشنون الحملات التحريضية ضد المعارضة بشكل عام وضد المقاومة وحزب الله بشكل خاص، من اجل تعكير الاجواء وزعزعة الثقة بامكان وجود “توافق وطني!”. واخيرا اتيح لمشاهدي القنوات الفضائية العربية ان يشاهدوا ويسمعوا الشيخ سعد الحريري في الكويت وهو يمط الكلمات ويتأتئ امام الكاميرات (وكأنه مجبر على ان يقول ما يقول) بأنه طالما تم الاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان، فليتم انتخابه، ثم يجري البحث لاحقا في موضوع الحكومة وبعده في موضوع قانون الانتخاب؛ وفي الوقت ذاته، اي في التصريح ذاته، اردف الشيخ سعد قائلا ان مطار بيروت الدولي ليس آمنا وانه تحت سيطرة حزب الله وان لبنان (اي لبنان؟) سيرفع المعلومات عن المطار الى جامعة الدول العربية والى الامم المتحدة. وطبعا ان مثل هذا التصريح، على ابواب الصيف، يتضمن دعوة سافرة لمنع قدوم المصطافين العرب والاجانب الى لبنان بحجة ان مطار بيروت الدولي هو غير آمن.
ـ ان هذا التصريح الاستفزازي وحده كاف لزعزعة الثقة واشاعة البلبلة. فمن وجهة نظر المعارضة، وهي وجهة نظر منطقية تماما، ما الذي يضمن، اذا تم انتخاب العماد ميشال سليمان، ورفض الرئيس الجديد ان يسير في المخطط الاميركي ـ الاسرائيلي المرسوم للبنان، ان لا يتم الحجر عليه في بعبدا كما جرى مع العماد اميل لحود طوال 3 سنوات، وان يتمسك دولة الرئيس فؤاد السنيورة بموقعه في السراي الكبير، وتواصل الحكومة الحالية ممارسة عملها بدون حسيب ولا رقيب في ظل التعطيل الفعلي لمجلس النواب والشرخ السياسي القائم في البلاد.
هذا لجهة فقدان الثقة المتبادلة بين الموالاة والمعارضة. اما لجهة الجانب الامني لتصريح الشيخ سعد الحريري، فهو قد جاء ـ بـ”صدفة خير من ميعاد” ـ في ايقاع واحد مع تصريح المندوب الاميركي دايفيد ولش بأن الصيف القادم في لبنان سيكون ساخنا.
فـ”المشكلة اللبنانية” في نظر القطب الاميركي الاوحد اصبحت اكبر بكثير من مشكلة توازن القوى السياسية ـ الطائفية الداخلية. اي انها لم تعد مشكلة محلية لبنانية. ولو كانت المشكلة لا تزال تحت السقف المحلي لكانت السفارة الاميركية في لبنان وافقت على تشكيل اي “طبخة حكومية”، ولألزمت جميع عكاكيزها بالامتثال لها، بإشارة بسيطة من خنصر السكرتيرة الجديدة في السفارة.
ان المشكلة الاساسية التي تتسبب بصداع كبير في رأس الادارة الاميركية، ليست “الدين الوطني!” الذي ناهز الخمسين مليون دولار، والذي رتبته عصابة السوليدار الحريرية ـ السنيورية على كاهل الشعب اللبناني، وليست طبعا كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية وتشكيلة الحكومة اللبنانية وقانون الانتخابات اللبنانية. بل هي المشكلة “الاقليمية” التي اصبح يشكلها لبنان.
فأولا ـ ان اميركا قد اعلنت نهارا جهارا ان منطقة الشرق الاوسط هي “منطقة حيوية للامن القومي الاميركي”. ولبنان كما يعلم اي تلميذ سرتفيكا فاشل هو مدخل رئيسي لهذا الشرق الاوسط. وقد سبق للاميركيين ان عانوا من تفجير مقر المارينز وتفجير السفارة الاميركية في بيروت (وقد احتفلت السفارة مؤخرا بحضور السيد ولش بمناسبة اليوبيل الفضي ـ 25 سنة ـ لتفجير السفارة). وهذا يعني على ارض الواقع انه من الان فصاعدا، كلما “ضرط حمار” في جرود العاقورة او الهرمل او فنيدق او شقيف ارنون، ستهتز جميع اجهزة الرصد والاستشعار الفضائية والبحرية الاميركية، وسيتردد صدى “الضرطة” في البيت الابيض والبنتاغون وقيادة الحلف الاطلسي وتستنفر كل اجهزة “الامن القومي الاميركي” على قدم واحدة لمعرفة “الحقيقة”.
وثانيا ـ ان اميركا تلتزم ستراتيجيا نهارا جهارا بامن ووجود اسرائيل التي، بعد ايار 2000، وخصوصا بعد تموز ـ اب 2006، اصيبت بـ”عقدة بسيكولوجية ـ ستراتيجية” اسمها “لبنان المقاوم” يمكن تشخيصها كما يلي:
أ ـ ان لبنان لم يعد كما في الماضي دولة ـ دجاجة، امام الديك الاسرائيلي، كغيره من الدول ـ الدجاج العربية. واسرائيل تعرف الان انها تستطيع ان تقصف اي موقع سوري او غيره دون ان تتلقى اي رد، ولكنه في حال اي عدوان اسرائيلي جديد على لبنان، لاي سبب كان، وفي اي ظرف كان، فإن اسرائيل ستتلقى ضربات متوقعة وغير متوقعة، ربما لن تستطيع بعدها ان تقوم لها قائمة.
ب ـ حتى لو لم يقع في الافق المنظور اي اصطدام لبناني ـ اسرائيلي مباشر (بسبب توازن الرعب الذي اصبح قائما بين اسرائيل والصهيونية العالمية من جهة، وبين حزب الله من جهة ثانية، او بسبب وجود قوات اليونيفيل التي لم يعد من مصلحة دولها ـ الاوروبية خصوصا ـ ان تكون شاهد زور من طرف واحد لصالح اسرائيل كما كانت في الايام الخوالي، حينما كانت اسرائيل تسرح وتمرح دون ان يقول لها قائل: يا ما احلى الكحل في عينيك!) فإنه في حال اندلاع اي حريق كبير في الاراضي الفلسطينية، المحتلة بعد الـ67 او قبلها، او على الحدود السورية ـ الاسرائيلية، او الحدود المصرية ـ الاسرائيلية، او الحدود الاردنية ـ الاسرائيلية، حيث ان العدوانية الاسرائيلية تجعل كل الاحتمالات واردة؛ فإن اسرائيل، ومعها اميركا، بما لديهما من قدرة استطلاعية واستخبارية، تعرفان تماما ان لبنان المقاوم لن يقف بعد اليوم يتفرج على اخوته العرب يذبحون مجانا امام اعين الحكام العرب، بل هو ـ اي لبنان المقاوم ـ سيلقن اسرائيل والقواعد والاساطيل الاميركية ـ اينما كانت في الاراضي والبحار العربية ـ دروسا تعيد لاميركا ذكريات الفيتنام المريرة، وتجعل الصهاينة يتسابقون قافزين في البحر كالضفادع طلبا للنجاة!
هذه هي “المشكلة اللبنانية” الحقيقية اليوم، بالنسبة لاميركا واسرائيل. وكل ما عدا ذلك لا يخرج عن كونه “تغطية للسموات بالقبوات” كما يقال. وكل الدلائل تشير بوضوح ان جميع التحركات لحل “الازمة الدستورية” الرئاسية والحكومية اللبنانية، لا تعدو كونها مسرحية دولية ـ اقليمية ـ لبنانية (موالاتية) الهدف منها كسب الوقت لذر الرماد في العيون والتغطية السياسية ـ الاعلامية تحضيرا لشيء اكبر بكثير من مسألة انتخاب رئيس جديد او تشكيل حكومة جديدة في لبنان.
وبين كل تعاريج هذه “الدويخة” اللبنانية هناك شيء واحد اكيد هو ان الادارة الاميركية واسرائيل لن ترضيا ببقاء “لبنان المقاوم” ضمن اطار دولة سايكس بيكو اللبنانية، وهو ما يتم ترجمته (باللغة المحكية) بالتصريحات الموالاتية (الجنبلاطية ـ الجعجعية وغيرها) بضرورة نزع سلاح المقاومة او، على الاقل، ضم حزب الله الى الدولة اللبنانية، اي ان يقبل ـ حزب الله ـ ان يبول على دماء شهدائه وكل شهداء المقاومة والقوى الوطنية في لبنان، وان ينضم الى عصابة علي بابا والاربعين حرامي التي يسمح لها الغرب الاستعماري ان تركب على ظهر الشعب اللبناني منذ ايام الجنرال غورو، وان تمتص دم هذا الشعب الابي المظلوم وتسرق تعبه وعرقه وتنهب حتى تحويلات ملايين ابنائه المغتربين التي يرسلونها لمساعدة اهاليهم، مقابل ان يبقى لبنان “مقرا وممرا للاستعمار والصهيونية”.
ان المستقبل سيبين ان حزب الله حينما اقترح ما يسمى “حكومة وحدة وطنية” مع هذه العصابة اللصوصية العميلة والخائنة التي تحكم لبنان، قد اظهر مقدارا من حسن النية زائدا عن اللزوم، وارتكب خطأ تاكتيكيا كبيرا وخلق اوهاما غير حقيقية حول امكانية “تجليس اعوجاج ذنب الكلب!” حسبما يقول المثل اللبناني الدارج. ولكن من المؤكد ان حزب الله لن يسير في هذا الخطأ التاكيتيكي الى نهايته اي الى حدود الوقوع في فخ نزع سلاح المقاومة او وضعه بتصرف هذه العصابة، وبالتالي التحول الى قوة حماية لحدود اسرائيل، ومصالح اميركا، كما تفعل جيوش الدول العربية السايكس بيكوية الاخرى. كما انه، اي حزب الله، لن ينجر الى الفخ الآخر، اي فخ الانحراف عن خط المقاومة الوطنية والانجرار الى الفتنة الداخلية الطائفية.
وطبعا ان اميركا واسرائيل وحلفاءهما العرب لا يقفون مكتوفي الايدي. فكما جرى التحضير المشترك لعدوان 1982، ومن ثم لعدوان 2006، فإنه يجري الان على قدم وساق التحضير لعدوان جديد على لبنان، لسحق لبنان المقاوم، حتى لو اقتضى الامر تمزيق لبنان الدولة ومحوه من الخريطة ضمن مخطط “الفوضى الاميركية البناءة جدا!!!”، التي نرى نموذجها “الحضاري!” العظيم في العراق.
ويكفي ان نشير الى بعض الوقائع وحسب التي جرت مؤخرا، والتي تلقي بعض الظلال على ما يتم تحضيره:
1ـ خلال الفترة الماضية اجرت اسرائيل اكبر مناورات داخلية على كامل الاراضي الاسرائيلية، وشملت التدريبات: حرب الصواريخ، الاسلحة الذرية والكيماوية وغير التقليدية. وهذا برهان، من جهة، على رعب اسرائيل مما قد تتعرض له. ومن جهة ثانية، على ان اسرائيل واميركا تستعدان لشن حرب بأسلحة غير تقليدية ضد الشعب اللبناني المظلوم بحجة “مكافحة الارهاب” وحتى حجة “القضاء على شاكر العبسي” الذي فرّروه من مخيم نهر البارد كما سبق وادخلوه اليه.
2 ـ حشدت اميركا اعدادا اضافية من سفنها الحربية قبالة الشواطئ اللبنانية وفي البحر الابيض المتوسط والخليج وبحر العرب، اكثر مما حشدته حتى اثناء الحرب على العراق، مما ينبئ بمخاطر مواجهة كبرى في لبنان والمنطقة.
3 ـ افتعلت حكومة السنيورة ازمة “فيول” جديدة، لزيادة ساعات تقنين الكهرباء، ولقطعها تماما عند “الضرورات العسكرية”، حتى لو لم يقم الطيران الاسرائيلي بقصف معامل التوليد ومحطات التحويل كالعادة.
4 ـ ان الامير السعودي بندر بن سلطان هو اشهر من ان يعرّف، وهو على علاقة وثيقة بـ”صقور واشنطن” وكان احد مهندسي الحرب العراقية ـ الايرانية في 1980 والحرب الاميركية على العراق في 2003. ومؤخرا قام سموه بزيارة “سرية” ـ انكشف امرها! ـ الى مطار بيروت الدولي حيث اجتمع مع الشيخ سعد الحريري في سيارة الاخير على ارض المطار، ثم قفل سمو الامير عائدا بالطائرة الخاصة التي جاء بها دون ان يدخل الى لبنان رسميا.
5 ـ بعد هذه الزيارة “السرية” لسمو الامير السعودي الى ارض مطار بيروت واجتماعه مع الشيخ سعد، شرب وليد بك جنبلاط حليب السباع وبدأ حملته العرمرمية الاخيرة ضد حزب الله مطالبا برفع يده عن مطار بيروت الدولي وبالتخلي عن شبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة للمقاومة وبطرد السفير الايراني من بيروت الخ، علما انه ـ اي وليد بك ـ كان قبل ذلك باسبوع قد لبس قفازات حريرية وادلى بتصريحات تهدوية وتصالحية مع المعارضة ومع حزب الله تحديدا. فماذا عدا مما بدا؟! او ماذا كان يخفي وليد جنبلاط حينما ادلى بتصريحاته التهدوية الاخيرة؟!!
6 ـ وفي الوقت ذاته شربت ايضا حكومة فؤاد السنيورة حليب السباع واحالت “المعلومات” التي ادلى بها وليد بك جنبلاط الى التحقيق القضائي؛ واعلنت انها ستبلغ “جامعة الدول العربية” الانكليزية و”الامم المتحدة” الاميركية بلاشرعية شبكة الاتصالات الهاتفية للمقاومة وانها دولة ضمن الدولة، وبدأت نغمة “تدويل لبنان” تتصاعد من جديد لتبرير نشر القوات الدولية، الاميركية خصوصا وطبعا من ضمنها بشكل مموه: الاسرائيلية، على الاراضي اللبنانية، وخصوصا في المطارات والمرافئ.
7 ـ ادعت اوساط الموالاة وجود كاميرات على مدرجات المطار لكشف التحركات المشبوهة. كما شنت تلك الاوساط حملة عدائية ضد الضابط المسؤول عن امن المطار بحجة انه من انصار حزب الله. والسبب هو كشف بعض “الاسرار” مثل زيارة الامير بندر واجتماعه بالشيخ سعد، وتهريب اسلحة الى جهات “مجهولة” بدون ان تمر على الجمارك اللبنانية.
8 ـ بدأت ميليشيات الموالاة (جماعة “المستقبل” المأجورة، وجنبلاط وجعجع والجميل) تقوم باستفزازات وتعديات بعضها مسلح، في مختلف المناطق، لتسخين الاجواء والتحضير للفتنة.
9 ـ كشفت المعلومات الصحفية عن انه كان يوجد مخطط اسرائيلي ـ لبناني ـ (وطبعا) اميركي، مشترك، لاغتيال السيد حسن نصرالله في الشهر الماضي. وكشفت كذلك عن وجود مؤامرة لاغتيال العماد ميشال عون بواسطة آلة تصوير صحفية اثناء مقابلة صحفية مفبركة معه، اي بالطريقة نفسها التي اغتيل فيها الزعيم الافغاني السابق احمد شاه مشعود في 2001، وكان اغتياله مقدمة للاجتياح التام لطالبان لافغانستان، بدعم اميركا وباكستان.
10 ـ تم ايضا في هذا الوقت اغتيال القائد البارز في المقاومة الشهيد عماد مغنية، في دمشق. وقد رفضت السلطات السورية اجراء تحقيق مشترك مع حزب الله في عملية الاغتيال. والى الان لم يصدر عن المراجع السورية اية انباء عن عملية التحقيق في الجريمة. وهذا يدل على تورط اوساط سورية في المؤامرة، او على الاقل على الاختراق الاميركي ـ الاسرائيلي في العمق لاجهزة النظام السوري.
11 ـ وفي الفترة الاخيرة كشفت المعلومات الصحفية (السفير، بيروت تايمز (التي تصدر في اميركا)، قاسيون (التي يصدرها الشيوعيون السوريون)، وغيرها)، انه تم التحقيق مع شخص يدعى (ا.غاوي) من وطى المصيطبة حول جريمة اغتيال الشهيد جورج حاوي. وقد افرج عنه ولكنه منع من مغادرة لبنان كي يبقى رهن التحقيق. وان هذا الشخص هو من حزب وليد جنبلاط. وان العميل الاسرائيلي محمود قاسم رافع المتهم باغتيال المناضلين الفلسطينيين الشهيدين الشقيقين محمود ونضال المجذوب في صيدا في 26 ايار 2006، قد اعترف بأن شريكه الفار حسين خطاب شارك في مراقبة الشهيد جورج حاوي تمهيدا لاغتياله. وان هذا العميل ايضا ـ اي محمود راف ـ هو من جماعة وليد جنبلاط ايضا، وان القرار الظني طلب الاعدام للموقوف رافع، وقد لقي اعتراضا من قطب بارز في فريق الموالاة (الارجح انه وليد جنبلاط او احد المقربين اليه) حيث طلب من مسؤول قضائي كبير التدخل لدى القضاء العسكري من أجل تخفيف الحكم بحق رافع وجعله أشغالا شاقة مؤبدة بدلا من الاعدام. كما كشفت تلك المعلومات الصحفية ايضا ان المرافق الخاص للشهيد سمير قصير كان ينتمي الى جهاز الامن التابع لحزب وليد جنبلاط، وفي اليوم الذي استشهد فيه سمير القصير تخلف المرافق عن الحضور الى العمل كالعادة، مما اثار الشكوك حوله، كما ان السيارة التي قتل فيها سمير قصير هي “تقدمة” من وليد جنبلاط. وتدل هذه المعلومات على ضلوع الجهاز الامني لوليد جنبلاط بعمليات الاغتيال والتفجير التي جرت في المرحلة الاخيرة في لبنان، وبالتعاون مع الموساد الاسرائيلي. وهو ما يدفع الى التساؤل: هل ان “وحي” التعاون الجنبلاطي مع اسرائيل واميركا وجعجع والجميل هو وليد الامس القريب فقط؟ (الارجح: كلا! ان هذا التعاون يعود الى معركة الجبل في 1983، فحينذاك صعدت “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع الى الجبل لضرب الدروز الجنبلاطيين والحزب التقدمي الاشتراكي الذين كانوا لا يزالون مخلصين لمبادئ كمال جنبلاط، وكان ذلك بايعاز ودعم من قوات الاحتلال الاسرائيلية، واسفرت “حرب الجبل” عن نتيجتين متناقضتين: الاولى ـ ارتكاب مجزرة ضد مسيحيي الجبل واقليم الخروب، وطردهم من بيوتهم، علما انهم لم ينضموا الى “القوات اللبنانية” وخذلوها وتركوها عرضة للهزيمة المحققة؛ والثانية ـ بعد هزيمة “القوات اللبنانية” بقيادة جعجع وتجمع فلولها في دير القمر، تركها وليد جنبلاط تنسحب بسلام من دير القمر بحماية القوات الاسرائيلية وبالاتفاق معها. ومعلوم ان الاتصالات الاسرائيلية ـ الجنبلاطية قد بدأت خلال الاجتياح والاحتلال الاسرائيلي في تلك المرحلة، وان شيمون بيريز قام بزيارة وليد جنبلاط في قصر المختارة واجتمع معه ساعات طويلة ـ قيل حينذاك انه تم البحث فيها في اوضاع الاشتراكية الدولية (!!!) ـ كما ان الكولونيلات الدروز في الجيش الاسرائيلي كانوا يزورون جنبلاط باستمرار. ومن المرجح انه منذ ذاك الحين تمت صفقة اسرائيلية ـ جنبلاطية ـ جعجعية، ببدء العمل بشكل مشترك في لبنان، على قاعدة تقسيم الجبل بين جنبلاط من جهة، والجميل وجعجع من جهة ثانية، فيكون جنوب الجبل لجنبلاط، وشماله للجميل وجعجع، على ان يعمل الجميع مع اسرائيل للسيطرة على لبنان وقيادته نحو التحول الى محمية اسرائيلية وتنفيذ المخططات الاميركية ـ الاسرائيلية فيه.
نخلص من ذلك الى القول ان التحركات الاخيرة لجماعة الموالاة المرتبطة عضويا باسرائيل واميركا وعربها، لا تنفصل ابدا عن الارتكابات السابقة، وهي كلها تدخل تحت عنوان التحضير للعدوان الاسرائيلي الاميركي الجديد على لبنان.
XXX
كيف سيكون عليه السيناريو الجديد للعدوان، وبكلمات اخرى: ما هو المخطط الاميركي ـ الاسرائيلي الجديد ضد لبنان؟
1 ـ قبل اندلاع ما يسمى “الحرب اللبنانية” في 1975، جربوا بواسطة “اتفاق القاهرة” سنة 1969، الذي وقعه المرحومان ياسر عرفات واميل البستاني قائد الجيش الاسبق، وبرعاية عبدالناصر شخصيا؛ ـ جربوا سياسة تحجيم وتقزيم “العمل الفدائي” او الثورة الفلسطينية كي تصبح بعض وحدات الكوماندوس الخاضعة للجيش اللبناني والمنسقة معه، على غرار ما كانت عليه قوات “جيش التحرير الفلسطيني” في مصر وسوريا والعراق الخ. ولكن هذا المخطط فشل، وحل محله التلاحم الكفاحي بين جماهير الثورة الفلسطينية وجماهير الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد الكبير كمال جنبلاط الذي اعتبر ان المقاومة الشعبية ضد اسرائيل ينبغي ان تتحول الى مهمة ستراتيجية لحركة التحرر الوطني العربية باسرها، وطرح شعار “الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية”، بدل الشعار ذي السقف القطري الذي كان يطرحه ياسر عرفات وهو “الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية”. وتحول لبنان كله الى قاعدة شعبية للثورة الفلسطينية والى ساحة نضال ضد الطابور الخامس والنظام العميل في لبنان.
2 ـ في ما يسمى “حرب السنتين” (1975 ـ 1976) جربت المؤامرة كسر شوكة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بقوة السلاح، وتحت التهديد بتقسيم لبنان والتهويل الاميركي بترحيل المسيحيين اللبنانيين بهدف تعبئتهم ضد المقاومة والحركة الوطنية. ولكن هذا المخطط ايضا فشل، اذ انه بالرغم من جميع المذابح الطائفية التي نظمت ونفذت، فقد حافظت الحركة الوطنية على وجود المسيحيين في المناطق التي سيطرت عليها، وخصوصا في الجبل، واخذت كفة المعارك تميل الى تحقيق هزيمة بما يسمى “القوات اللبنانية” العميلة: الكتائب والشمعونيين واضرابهم.
3 ـ بعد هذا “الفشل التاريخي” لمخطط تطويع لبنان بواسطة القوة المحلية للطابور الخامس اللبناني على خلفية التمزيق الطائفي، استنفرت اميركا كل قوة نظام سايكس بيكو، فاستقدم النظام الدكتاتوري السوري الى لبنان في 1976، ثم العدوان والاحتلال الاسرائيلي في 1982، ثم استقدمت “القوات متعددة الجنسية” وعلى رأسها الاميركية، وطرحت موضوعة تدويل لبنان، كما تم عمليا تقسيم لبنان الى منطقتي “احتلال اسرائيلي” و”وجود سوري”، وخلال هذه المرحلة نظمت سلسلة من الاغتيالات وكل اشكال التفجير والحروب الداخلية الكبيرة والصغيرة، لتمزيق لبنان اربا اربا، واخيرا لجأوا في 1985 الى الحرب الاقتصادية والتجويع، ايضا وايضا بهدف تيئيس الجماهير الوطنية ودفعها للاستسلام لتحويل لبنان الى محمية اسرائيلية او دولة عربية ـ دجاجة، امام اسرائيل، كما هي بقية الدول العربية، ولكن كل هذا المخطط فشل، خاصة بعد ظهور “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” بقيادة الشيوعيين و”المقاومة الاسلامية” بقيادة حزب الله.
4 ـ وامام الفشل الذريع لكل الطاقم السياسي ـ الطائفي اللبناني القديم، وفشل محاولة التدويل، وفشل نظام سايكس بيكو العربي بالترافق مع الاحتلال الاسرائيلي في تطويع لبنان، وامام تحول لبنان الى حربة قاتلة في خاصرة اسرائيل والى شوكة في خاصرة النظام الدكتاتوري السوري، عمدت اميركا واوروبا الاستعماريتان و”عربهما” لتوحيد كل الجهود من اجل ايجاد “مخرج مشترك” من “الورطة الاقليمية” اللبنانية، التي اصبحت تهدد بانتشار لهيب المقاومة الشعبية العربية، من جهة، ضد اسرائيل، ومن جهة اخرى ضد النظام الدكتاتوري السوري وبقية الانظمة الدكتاتورية العربية الزاحفة على بطونها لاجل “السلام!” مع اسرائيل. وهكذا عقد مؤتمر الطائف في السعودية في اخر ايلول 1989، الذي صدر عنه ما يسمى “اتفاق الطائف” الذي عدل على اساسه الدستور اللبناني، وبدأت مرحلة جديدة في حياة لبنان، سميت “الجمهورية الثانية”. وتمت على اثر ذلك تصفية “جيب ميشال عون”، بواسطة هجوم عسكري شامل سوري على قصر بعبدا، ورحل عون الى فرنسا. وفي هذه المرحلة اضيف الى الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، و”الوجود السوري” المخابراتي في بقية المناطق، أضيف تسلط المافيا المالية ـ السياسية على لبنان، وبدأت ـ تحت شعار “التنمية” المزيفة ـ خطة السيطرة المافياوية على جميع المرافق الاقتصادية ونهبها، من جهة، وفتح ابواب الارتزاق وربط تحصيل لقمة العيش بالارتباط السياسي، من جهة ثانية. وقد حققت هذه الخطة الجهنمية بعض النتائج، واستطاعت شركة الحريري، بفضل “المال السياسي” كما يسميه الرئيس السابق عمر كرامي، ان تتحول الى تيار سياسي اطلقوا عليه تسمية “تيار المستقبل”، يلعب الان دور محور رئيسي من محاور الموالاة، وينتسب رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة الى هذا التيار، وهو ـ اي فؤاد السنيورة ـ كان قد اتهم بالفساد في وقت سابق ولوحق قضائيا، ولكن المرحوم رفيق الحريري انقذه من التحويل الى المحاكمة، وبقيت القضايا الموجهة ضده معلقة. ولكن، وبفضل جشع المافيا الاقتصادية ـ السياسية التي حكمت البلاد منذ 1990، ترتب على لبنان ما يسمى “الدين العام” الذي اصبح يناهز 50 مليار دولار تقريبا؛ وقد ادى ذلك الى فضح خطة الهيمنة المافياوية الاقتصادية ـ السياسية على لبنان، وتمزيق الهالة المصطنعة التي حصلت عليها شركة الحريري في البداية وزعزعة “شعبيتها” المأجورة والمخدوعة؛ وبعد ان عاد ميشال عون من منفاه في فرنسا حقق شعبية اضافية على حساب شركة الحريري من خلال مطالبته الحكومة اللبنانية بتقديم كشف حساب عن وجوه انفاق “الدين العام”. وطوال اكثر من 10 سنوات اتخذ حزب الله موقفا متحفظا، ولم يشارك في اي من الوزارات التي تشكلت بعد 1990. وكانت القضية الداخلية، والموقف المتقارب بين تيار عون وحزب الله، من الفساد والدين العام، هو الاساس الذي جمع الطرفين، في جبهة المعارضة، اكثر مما هو الموقف من اسرائيل وسوريا. وبالتحالف بين “التيار الوطني الحر” بقيادة ميشال عون وحزب الله وامل، فشلت ايضا فشلا ذريعا خطة الهيمنة على لبنان وتطويعه بواسطة التجويع والارتزاق تحت شعار “التنمية” الكاذبة. وبالرغم من كل الجهود التي بذلت طوال السنوات الماضية لتفسيخ الحركة النقابية واستزلامها، فإن الاتحاد العمالي العام قرر مؤخرا اتخاذ قرار الاضراب العام في 7 ايار الجاري، مما اعتبرته “الموالاة” انحيازا الى جانب المعارضة، التي اتهمت انها “تستغل الوضع المعيشي” للفئات الشعبية وخصوصا للعمال من اجل غاياتها السياسية. والسؤال هنا: ان “الموالاة” تضم في صفوفها امثال الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، والشيوعي السابق الياس عطالله، فلماذا لا يستغلون هم القضايا الشعبية والعمالية من اجل غاياتهم السياسية؟ الجواب طبعا بسيط وهو: ان “الموالاة”، بكل فئاتها، بمن فيها الجنبلاطيين (الاشتراكيين السابقين) والشيوعيين الحريريين امثال الياس عطالله واليساريين السابقين الذين ضيعوا البوصلة الوطنية امثال سمير فرنجية، اصبحوا ابعد ما يكون عن الاهتمام بالقضايا الشعبية والعمالية، واصبحوا في معسكر واحد مع المافيا الاقتصادية ـ السياسية ومع اميركا واسرائيل.
5 ـ بعد اتفاق الطائف، ومع وجود الاحتلال الاسرائيلي و”الوجود السوري”، طرح شعار “تلازم المسارين: السوري ـ اللبناني” للمفاوضات مع اسرائيل. وتوهمت اميركا واسرائيل انه بواسطة هذا الشعار، يمكن لجم المقاومة في لبنان وابقائها تحت السقف الدكتاتوري السوري الواطي الذي اصبح شعاره “السلام العادل والشامل مع اسرائيل”، وكان النظام الدكتاتوري السوري يعتقد انه سيستمر في استخدام المقاومة في لبنان كورقة ضغط على اسرائيل لتحسين شروطه التفاوضية. ولكن امام الخسائر العسكرية والاقتصادية، وانعكاساتها السياسية والنفسية داخل اسرائيل، فإن اسرائيل لم تعد قادرة على تحمل الخسائر، فزادت من مساعداتها لجيش العملاء في جنوب لبنان الذي كان يسمى “جيش لبنان الجنوبي” بقيادة العميل انطوان لحد، من اجل توسيع رقعة مهماته العسكرية بمواجهة المقاومة، ولكن هذا الجيش تحول بالتدريج الى عبء على اسرائيل، خصوصا في الجانب الاستخباراتي، حيث اصبح، بزيادة عدد عناصره، اكثر اختراقا من قبل المقاومة. واخيرا اضطرت اسرائيل للانسحاب بدون قيد او شرط من الجنوب وانهار “جيش لبنان الجنوبي” كبناء من كرتون. وتمزق شعار “تلازم المسارين”، وترك النظام السوري ليواجه وحده احتلال مرتفعات الجولان، التي سبق لحافظ الاسد حينما كان وزيرا للدفاع سنة 1967 ان سلمها الى اسرائيل بدون قتال. وشكل الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في ايار 2000 اول ضربة ستراتيجية عسكرية ـ سياسية لقوة اسرائيل وهيبتها. وهكذا انعكست الآية: فبدلا من مخطط العمل الاميركي ـ الاسرائيلي ـ السوري ـ المافياوي اللبناني لتطويع لبنان؛ اصبح هم اميركا واسرائيل: حماية اسرائيل من “الخطر اللبناني”: سواء بقوة المثال الذي قدمته المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله، وسواء بالنشاطات والنضالات والاتصالات ومختلف اشكال التعاون الكفاحي التي يقوم بها حزب الله على الساحة العربية والاسلامية بمجملها.
6 ـ واحتاجت اسرائيل واميركا لست سنوات كاملة كي تحضران لحرب تموز ـ اب 2006 من اجل تصفية حزب الله. ولكن الحرب فشلت فشلا ذريعا، وانقلب السحر على الساحر. ودخلت اسرائيل نفسها في مرحلة “عد عكسي”، بانتظار: متى، وأين وكيف ستتلقى ضربة قاضية، او على الاقل ضربات استنزافية من حزب الله؟!
وطبعا ان هذا الوضع “الترقبي” يمثل حالة انهيار معنوي تدريجي لاسرائيل، دولة ومجتمعا وجيشا، وهو ما بدأنا نشهده في الازمات الداخلية المتلاحقة في اسرائيل. وهذا ما يدفع اميركا واسرائيل الان لفتح المعركة من جديد ضد لبنان المقاوم.
7 ـ والان فإن اسرائيل غير قادرة على مهاجمة لبنان بالطريقة ذاتها التي قامت بها في عدوان 1982 وعدوان 2006، وذلك للاسباب التالية:
اولا ـ الوجود الكثيف لقوات اليونيفيل على طول الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية، مما يجعل اختراقها سببا لمشكلة دولية تنتقل حكما الى مجلس الامن، حيث اصوات روسيا والصين وفرنسا لن تكون الى جانب الصوت الاميركي.
ثانيا ـ في حال قامت اسرائيل بعمليات انزال كثيفة مجوقلة في نقاط تعتبر ان قوات او قيادات المقاومة موجودة فيها، لتصفيتها؛ فإن قيادة الجيش الاسرائيلي اصبحت تعلم بالتجربة ان الجندي الاسرائيلي كان بامكانه ان يبدو كالذئب الكاسر امام الجيوش العربية المظلومة المحكومة بالدكتاتوريات، اما امام المقاوم اللبناني المغوار فهو سيكون ـ اي الجندي الاسرائيلي ـ كالارنب المذعور لا اكثر ولا اقل.
ثالثا ـ ان اعتماد خطة القصف التدميري كما حدث في 2006 لن يجدي نفعا، وسيستدعي ردود فعل “غير مستحبة” اسرائيليا، كما حدث في 2006.
ولكن بعد ان جربت اميركا واسرائيل ونظام سايكس ـ بيكو والطابور الخامس اللبناني والمافيا اللبنانية كل الطرق والوسائل لاخضاع وتطويع الجماهير الشعبية الوطنية في لبنان، التي تلتف اليوم حول المقاومة، وفشلوا، فهم لن يقفوا طبعا مكتوفي الايدي، ولكن ماذا يمكن ان يفعلوا الان؟
XXX
باستقراء الوقائع على الارض، والتي ذكرنا الرئيسي منها آنفا، يمكن التخمين بأن سيناريو العدوان الجديد سيتخذ الاشكال التالية:
1 ـ اقامة غرفة عمليات عسكرية ـ امنية ـ مخابراتية ـ سياسية، اميركية ـ اسرائيلية ـ جنبلاطية ـ حريرية ـ جعجعية، في السفارة الاميركية في عوكر.
2 ـ اشعال الفتنة الداخلية من جديد، وبكل الاشكال الممكنة.
3 ـ استقدام العناصر المرتزقة والموتورة، من “سنة!!!” عرب من هنا وهناك، ينزلون بـ”ضيافة” شركة الحريري، و”مسيحيين!!!” عراقيين وسوريين واقباط ينزلون بـ”ضيافة” جعجع والجميل. وطبعا تتكفل السعودية وغيرها تمويل كل المتطلبات.
4 ـ استقدام الدروز المجندين في الجيش الاسرائيلي، وانزالهم بـ”ضيافة” وليد جنبلاط.
5 ـ استقدام عناصر لحد الفارين الى اسرائيل وانزالهم بـ”ضيافة” الجميل وجعجع.
6 ـ وطبعا يتم ضم “الضيوف” الى حزب “القوات اللبنانية” وحزب الكتائب وحزب وليد جنبلاط، ودفعهم مع ادلاء محليين كي يكونوا في الصفوف الامامية وكقوات ضاربة في الهجوم على مناطق المقاومة والمعارضة، وارتكاب مجازر على طريقة مجازر صبرا وشاتيلا وغيرها.
7 ـ ايجاد مناطق مغلقة لجنبلاط وجعجع والجميل، يتم انزال قوات اسرائيلية خاصة فيها، بكل الاسلحة الفتاكة الممكنة. والشروع في ضرب مناطق تواجد المقاومة والمعارضة بكثافة واستخدام اسلحة غير تقليدية، في ظل تعتيم اعلامي، بعد تعطيل شبكة الاتصالات والقنوات الاعلامية.
8 ـ اعلان السنيورة حالة الطوارئ، والادعاء بوجود قوات اجنبية (ايرانية خاصة) في لبنان، وطلب التدخل الدولي من مجلس الامن و”الدول الصديقة!!”، واستخدام ذلك كمبرر لعمليات انزال كثيفة، اميركية خاصة، في لبنان (وتقوم قوات اسرائيلية بالمشاركة في عمليات الانزال بلباس وشعارات الجيش الاميركي).
9 ـ مقابل رفض القطاع الاوسع للبنانيين لحكومة السنيورة، وعدم الاعتراف بقراراتها، يعلن وليد جنبلاط عن تشكيل منطقة ادارة ذاتية محلية في المناطق التي يمكنه (بمساعدة القوات “الدرزية” الاسرائيلية وغيرها) السيطرة عليها جنوبي خط طريق الشام. والشروع في تشكيل “بشمركه” درزية، على طريقة البشمركه الكردية في العراق. ومحاولة الحصول على قرارات دولية ـ اميركية باعلان هذه المنطقة “منطقة آمنة” كمنطقة الطالباني والبارزاني في شمال العراق.
10 ـ ان يجري عمل الشيء ذاته اذا امكن في شمالي خط طريق الشام وايجاد منطقة ادارة ذاتية مسيحية وبشمركة مسيحية و”منطقة آمنة” مسيحية.
11 ـ ان تعلن حكومة السنيورة “الشرعية!!!” ان بقية المناطق اللبنانية هي مناطق “محتلة” و”خاضعة للارهابيين”؛ ويتم قصفها بوحشية متناهية، في ظل تعتيم اعلامي، وتحت تغطية قرارات دولية صورية تعتمد على الاكاذيب على طريقة اسلحة الدمار الشامل لصدام حسين، وعلى طريقة تدمير افغانستان واحتلالها “بحثا عن بن لادن”.
12 ـ فتح معركة داخلية في المخيمات الفلسطينية على قاعدة “عباس” او “حماس”؛ فاذا انتصر “العباسيون” يتم استخدامهم لدعم مرتزقة شركة الحريري والمشاركة في الهجوم على صيدا وبيروت وطرابلس؛ والجائزة هي: التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم واعطاؤهم الجنسية اللبنانية (السنية). واذا انتصر “الحماسيون” ورافضو مؤامرة التوطين، ينسحب بقايا “العباسيين” الى “المنطقتين الآمنتين” اي منطقتي البشمركة الدرزية والبشمركة المسيحية (اذا قامتا)، حيث يجري تجنيسهم لاحقا؛ وتقوم الاسلحة البرية والبحرية والجوية الاسرائيلية والاميركية بـ”فلاحة” المخيمات الفلسطينية بالقنابل ذات الـ7 طن والصواريخ الذكية واليورانيوم المنضب لمحو تلك المخيمات تماما عن الخريطة والتخلص نهائيا من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
13 ـ اذا استطاعت المؤامرة السوداء، بفضل الهجوم المركب (الاميركي ـ الاسرائيلي ـ الطابورخامسي “الدرزي”، “المسيحي” و”السني”) ان تنتصر، يتم ـ بطلب او بدون طلب من حكومة فؤاد عبدالباسط السنيورة ـ اعلان وضع لبنان تحت الوصاية الدولية على طريقة افغانستان والعراق ويتم حشد 400 ـ 500 الف جندي اطلسي فيه وتحويله الى مكان استراحة وترفيه للجنود والضباط الاطلسيين، يقوم بالترفيه عنهم بضع عشرات الالوف من بنات اوروبا الشرقية التي القوا بها في مهاوي الفقر والبؤس، وذلك طبعا لانقاذ الاقتصاد اللبناني وايفاء الدين الوطني، على ان تأخذ شركة الحريري ـ جنبلاط ـ الجميل ـ جعجع عمولاتها اللازمة.
XXX
هل سينجح العدوان الاميركي ـ الاسرائيلي الجديد، هذه المرة؟
للجواب على هذا السؤال الضروروي، ليسمح لي القارئ بالعودة الى شيء من التاريخ القريب:
في مطلع الخمسينات كانت الثورة الشعبية الفيتنامية تواجه قوات الاحتلال الفرنسي. وكان الجيش الفرنسي يملك قاعدة عسكرية ضخمة تقع على مرتفع، اسمها ديان بيان فو؛ وكان يحتشد في هذه القاعدة كل انواع الاسلحة والجيوش: طيران، دبابات، مدفعية، مشاة الخ. وكان من الصعب جدا او شبه المستحيل الوصول اليها، لان الفرنسيين جرفوا الغابات حولها على بعد كيلومترات عديدة، واصبح كل محيطها تحت انظارهم ومرمى نيرانهم. ولكن الشعب الفيتنامي البطل تجند مع ثواره بعشرات ومئات الالوف، واخذوا، رجالا ونساء وفتيانا، يتناوبون ليلا نهارا على حفر الانفاق من مسافات بعيدة جدا، حتى وصلت الانفاق الى تحت القاعدة بالضبط؛ واخيرا حاصر الثوار القاعدة من بعيد لمدة 56 يوما ثم بدأوا الهجوم ضدها من الخارج و”من الداخل”، بحيث كان شباب المقاومة الابطال (وقبل ما يسمى اليوم “الارهابيين الاسلاميين” في فلسطين ولبنان، بعشرات السنين) يزنرون اجسامهم النحيلة بالاحزمة الناسفة، ويبقرون الارض من النفق، ويخرجون “من وراء” الفرنسيين وهم يطلقون نيران رشاشاتهم او يرمون قنابلهم اليدوية، وحينما يصاب واحدهم بطلقة فرنسية ينفجر كقنبلة بشرية ويقتل عددا اضافيا من المحتلين. لا شك ان الشعب الفيتنامي قدم تضحيات جساما، ولكن النتيجة كانت: الوف القتلى الفرنسيين، والوف الجرحى، واستسلام كل من بقي حيا من القوات الفرنسية في ديان بيان فو، التي كان الفرنسيون يعتقدون انها حصن حصين.
وفي تلك السنوات بالذات كان العميل كميل نمر شمعون (الذي كان العدو اللدود لكمال جنبلاط، فأصبح حزبه الان اي حزب شمعون الحليف الوثيق لوليد جنبلاط) كان رئيسا للجمهورية السايكس بيكوية اللبنانية واراد جر لبنان الى حلف بغداد والسير في ركاب اميركا والاطلسي واسرائيل على طريقة نوري السعيد. ولكن الجماهير الوطنية في لبنان كانت تقاوم هذا الاتجاه الخياني. ولمن يتذكر بيروت تلك الايام، كان يوجد في ساحة رياض الصلح على الرصيف الجنوبي محل لبيع الصحف والمجلات لكهل بيروتي متمسك باللباس التقليدي (القنباز والطربوش)؛ وكان هذا الكهل يرافق التطورات السياسية والتحركات الاجتماعية من خلال لوح عريض كان يرفعه فوق المحل، وكلما كان هناك حدث ما كان يكتب على اللوح الاسود عبارة من وحي الحدث: تحية لثورة الجزائر، عبارة ضد الغلاء الخ الخ؛ وفي احد ايام ايار 1954 يوم سقطت ديان بيان فو كتب هذا الكهل البيروتي العتيق على لوحه عبارة يرد فيها على المخطط الشمعوني حينذاك، وفيها كل الرد على المؤامرة الاميركية ـ الاسرائيلية ـ “العربية!!” ـ الجنبلاطية ـ الجعجعية ـ الحريرية على لبنان حاليا؛ وكانت العبارة تقول:
ـ سينهارون، كما انهارت ديان بيان فو!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبناني مستقل