عريب الرنتاوي: أسئلة “اتفاق الدوحة” وما بعده
أما وقد مهر “الأفرقاء” اللبنانيون تواقيعهم على “اتفاق الدوحة”، فإن السؤال الذي يقفز إلى الأذهان هو: أما كان ممكنا الوصول إلى اتفاق كهذا قبل أحداث الخامس من أيار؟…أما كان بمقدورهم أن يفعلوا ذلك بأنفسهم من دون وساطة أو مبادرة عربيتين؟!…أما كان بمقدور القادة اللبنانيين أن يوفروا على أنفسهم وشعبهم كل هذه الدماء والخراب والانقسامات والحساسيات، وأن يذهبوا فورا إلى “سلة” المبادرة العربية المتكاملة ببنودها الثلاث، وبصورة شاملة ومتزامنة؟.
الموالاة مدعوة بمحور عربي قوي، مدعوم بدوره بمحور دولي أقوى، كانت تصر على انتخاب العماد ميشيل سليمان أولا وفورا ومقدما، وبعد ذلك يأتي دور البحث في حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب وفقا للمبادرة العربية، ولقد لقيت “قراءة الموالاة” للمبادرة العربية دعم وزراء الخارجية العرب ومعهم الأمين العام للجامعة، وغالبا تحت تأثير قوى عربية نافذة ومعروفة.
وحين كان يقال لهؤلاء، لماذا لا تأخذون بفكرة “اتفاق رف”، كأن تتفقون فيما بينكم على بقية البنود وتذهبوا مباشرة بعد ذلك إلى انتخابات رئاسية، فكان جوابهم يأتي دائما، بأن المعارضة وحزب الله تحديدا، يريدان تأبيد الفراغ ولا يرغبان في انتخاب رئيس، وأنهم يسعيان في انتزاع التنازلات من فريق الموالاة، من دون أن يكون لديهما الاستعداد لملء فراغ “بعبدا”، حتى أن الأمر برمته صورة بطريقة توحي باستهداف شيعي للتمثيل المسيحي (الحصة المسيحية) في النظام السياسي اللبناني.
ما الذي أظهره “اتفاق الدوحة” وتكشف عنه؟
“اتفاق الدوحة” جاء ليقول أن الإصرار على “تعاقب” البنود الثلاث للمبادرة العربية، وبالطريقة التي كانت تتبناها الولاة وحلفائها، لم يكن سوى تعبير عن “الصلف” واستمراء بقاء الحال اللبناني على حاله، فتيار المستقبل منذ أن غادر الرئيس إميل لحوّد قصر “بعبدا”، يتولى صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة معا، وهو جاء إلى مواقع الأغلبية البرلمانية بقانون مريح له، برغم جميع اللعنات التي كالها لما كان يسميه “قانون رستم غزالة”، وما أن توفرت فرصة لإنزال هؤلاء عن الشجرة، وإقناعهم بالجلوس على مائدة الحوار، حتى بدا أن الحل ممكن، وأن “السلة المتكاملة” هي بديل “تجزئة بنود المبادرة الإصرار على تعاقبها الزمني” فكان أن أنجز الاتفاق بمبادرة قطرية نشطة ومشكورة، أخرجت اللبنانيين من عنق الزجاجة وأبعدتهم عن حافة الهاوية، وفي غضون أيام فقط.
قبل الأحداث الأخيرة، لمن ما زال يذكر، كانت المعارضة “تستجدي” الموالاة إعلان نوايا فقط حول بنود المبادرة العربية، وكان الناطق باسمها نبيه بري يطالب بقانون انتخابي جديد، حتى وإن ذهبت حكومة الوحدة الوطنية المقترحة للجحيم، مرددا بذلك ما ذهب إليه واقترحه الوزير السابق سليمان فرنجية، لكن دعوات بري ومن قبله فرنجية ذهبت أدراج الرياح، ولم تكن الموالاة مستعدة للحوار، حتى أن زعيمها الشيخ سعد الحريري بقي خارج بيروت لقرابة ثلاثة أشهر متصلة، وبصورة تنم عن الاستخفاف بالآخر، والثقة بأن حال لبنان سيبقى على حاله، إلى أن يقرر هو وحلفاؤه في أي وجهة يتعين السير به.
إلى أن انقلب السحر على الساحر، وجاء الحسم العسكري السريع في الخامس من أيار، وبدا أن قوة الموالاة وعضلاتها ليست سوى “نمر من ورق”، فقبل أركانها بفكرة “السلة المتكاملة” وجلسوا إلى مائدة مفاوضات لطالما رفضوا أو ترددوا في الجلوس حولها، ناقشوا حكومة الوحدة وقبلوا بالثلث الضامن وعدّلوا قانون الانتخاب، قبل أن يلتئم شمل الجلسة لانتخاب العماد سليمان رئيسا، ليبقى السؤال: أما كان بمقدورهم أن يفعلوا ذلك بثمن أقل، وأن يفعلوه في وقت أبكر ؟.
قد تكون الإجابة على هذا السؤال بأن “الجماعة” أخطئوا في الحساب والرياضيات، وقد تكون في القول بأن موازين القوى تبدلت بعد الحسم العسكري، وأن ما كان مرفوضا بالأمس، صار مقبولا اليوم، وقد تكون الإجابة مزيج من هذا وذاك، بيد أنني لا أستبعد أن يكون “استدراج” حزب الله إلى أزقة بيروت وحاراتها، وإلى قرى الجبل وعكار وطرابلس، كان هدفا ثمينا قائما بذاته، هدف يستحق أن يضحى من أجله ببضع مئات من القتلى والجرحى، وبمقعدين أو ثلاثة مقاعد في برلمان 2009، وربما بالثلث المعطل / الضامن في حكومة الوحدة الوطنية، فحزب الله وقع في الفخ، وما حصل في شوارع بيروت والجبل، أصاب صورة حزب الله ومكانته بجراح بليغة، ووفر مادة خصبة لإعلام “المحافظين العرب الجدد” الفضائي والمكتوب في لندن وبعض عواصم الاعتدال، وطرح سلاح حزب الله ومشروعية المقاومة لأول مرة على بساط البحث لبنانيا وإقليميا، أليس هذا الهدف ثمينا إلى الحد الذي يسمح بالمقامرة والمغامرة؟!، وإن صح الافتراض بأن هذا هو الهدف، فهل نتوقع هدوءا في لبنان، أم أن “اتفاق الدوحة” سيكون بمثابة “استراحة محارب” أو فاصل إعلاني بين مواجهتين ؟!…أسئلة وتساؤلات برسم التفكير والتدبير.