زملاء

د. صلاح كَرميان – الجذور السيكولوجية لجرائم الابادة الجماعية

شهدت البشرية على مرّ التاريخ غزوات وحروب وصراعات دموية بين قوى متصارعة و بين إمبراطوريات كانت تسعى كل منها الى التوسع وإخضاع الشعوب والممالك الى دائرة نفوذها. إكتسحت جيوش أسكندر الكبير كل البلدان والأمصار الممتدة مابين ماسادونيا (مقدونيا) والهند وكانت تفني وتهلك كل من يواجهها أو يعرقل مسيرها. وغزت حشود جنكيزخان و تيمورلنك وهولاكو معظم بلدان آسيا وهم يقتلون وينهبون و يحرقون ويعيثون في الأرض دماراً وخرابا. وفي أوروبا المسيحية وتحت ظل الكنيسة، أبيدت الملايين من سكان أمريكا الأصليين من قبل الإسبان عقب إكتشاف كريستوفر كولومبس للقارة الجديدة، ثم أعقبهم الإنكليز في إكمال مهمة الإبادة بكل الوسائل، حتى وصل الأمر الى الفتك بهم بنشر وباء الجدري بينهم.
واتبعت القوى الإستعمارية نفس السياسات اللاإنسانية ضد السكان الأصليين في المكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية وكندا وأستراليا. واثناء المد الإستعماري الأوربي، أخضعت شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بأقسى أنواع العنف والقسوة لسيطرة القوى الاستعمارية، التي تنافست فيما بينها لنهب الثروات الطبيعية. وراحت الملايين من البشر ضحايا تلك الغزوات والحروب التي كانت تشعلها نزوات وميول وأطماع الأباطرة والملوك والحكام وقادة الجيوش. وارتكبت جرائم شنيعة ومجازر جماعية استهدفت بعضها الإبادة الكاملة لمجموعات أثنية أو طوائف دينية أو مذهبية.
وشهد مطلع القرن العشرين إبادة المليون ونصف المليون من الأرمن على أيدي الأتراك العثمانيين. وفي المانيا قامت النازية الهتلرية للفترة بين 1938-1945 بمذابح الهولوكوست Holocaust ضد اليهود والسلاف والشيوعيون والغجر والمثليين جنسياً Homosexuals  والأسرى الروس، راحت ضحيتها ستة ملايين إنسان. وفي سنة 1932-1933 قام ستالين بإبادة سبعة ملايين من الأوكرانيين بتجويعهم حتى الموت. ورغم صدور ميثاق الامم المتحدة لعام 1948 الذي هدف الى منع تكرار تلك الجرائم ضد الإنسان، لكن جرائم بشعة ارتكبت في النصف الثاني من القرن الماضي من قبل الخمير الحمر إستهدفت الإبادة الجماعية للسكان في كمبوديا. وقام النظام الدكتاتوري في العراق بمذابح الأنفال مستهدفاً إبادة الكورد في كوردستان. وفي أفريقيا جرت مذابح جماعية من قبل مقاتلي الهوتو ضد السكان من قبائل التوتسي في رواندا. ولاتزال إرتكاب المذابح الجماعية مستمرة لحد هذا اليوم في إقليم دارفور من قبل قوات الجنجويد المدعومة من الحكومة السودانية.
على ضوء ماورد في الإستعراض السريع، وحسبما عرّفه رافائيل ليمكين (1900-1959) Raphael Lemkin فأن الابادة الجماعية Genocide هي: “ممارسة قديمة في تطورِها الحديث، وتتضمن إجراءات طويلة الأمد تهدف الى تدمير المقومات الأساسية لحياة مجموعات قومية، ويحدد المفهوم محاولات التدمير لمجموعات بأكملها”.
من المسلم به أنه ليس بإمكان فرد متسلط أو مجموعة متنفذة معينة من الأفراد قتل الملايين أو حتى المئات من البشر، وتدمير المدن والقرى كاملة، دون إشراك أعداد كبيرة من الناس وتوريطهم في تنفيذ الأوامر والقيام بإرتكاب جرائم القتل أو الإبادة الجماعية دون وعي أو إدراك منهم حول ما تم التخطيط له من قبل أصحاب النفوذ والسلطة الذين تلقى الأوامر منهم. فلا “نيرون” أو “الحجاج” أو “تيمورلنك” أو “هولاكو” في العصور الماضية، ولا الزعيم النازي “هتلر” أو الفاشي “موسوليني” أو الطاغية “صدام حسن” أو الرئيس الصربي “ميلوسوفيج” أو الزعيم الكمبودي “بولبوت” أو رئيس حكومة رواندا “هابري مانا” في العصر الحديث، نفذوا جرائمهم الكبرى بأنفسهم أو من قبل أفراد حاشيتهم أو ممن حولهم من رجالات السلطة.
وعند التمعن في الأسباب التي تقف وراء إرتكاب تلك الجرائم والتي تختلف طبيعة كل واحدة منها عن الأخرى طبقاً للعصر الذي حدثت فيه والظروف السياسية والإجتماعية القائمة وقت حدوثها وطبيعة الأنظمة واللاعبين الكبار الذين قاموا بتنفيذها، يتضح إن هناك بجانب العوامل السياسية والإجتماعية والإقتصادية، مجموعة عوامل وأبعاد سيكولوجية لعبت أدوراً رئيسة في حدوثها، وتُعدّ كعوامل مشتركة في إرتكاب جميع جرائم الإبادة الجماعية عبر العصور وفي كل المجتمعات والثقافات. وسنحاول هنا تسليط الضوء على الجوانب الاساسية منها.
سيكولوجية السلطة الإستبدادية
تُعدّ السلطة في الأنظمة الشمولية (التوتاليتارية) والدكتاتورية من أكثر أنواع السلطة إستبداداً وبطشاً بالمعارضين لها، حيث تنتهج أشد أساليب العنف والإستبداد في سبيل ضمان إستمرارها. وتحاول إخضاع الناس لطاعتها أو كسب ولائهم بكافة الوسائل. حيث إن الأفراد يتأثرون بمجالات السلطة ويتوحدون معها، إذ يؤكد عالم النفس الألماني كيورت ليفين (1890 -1947)Kurt Lewin  مؤسس نظرية المجال النفسية، على إن الأفراد يختلفون فيما بينهم بإختلاف المجال الذى يتواجدون فيه، أي إن السلوك وظيفة المجال الموجود وقت حدوث السلوك. فالأفراد الذين يعملون مع السلطة التوليتارية أو من هم ضمن حلقاتها الرئيسة، يتطبعون بصفات خاصة، وتؤثر مجالات السلطة في إحداث تغييرات فى سمات شخصياتهم وخاصة في الأشخاص الضعفاء الذين يتسمون بسمات الشخصية المتقلبة والإنتهازية.
وللسلطة الإستبدادية خصائص وسمات سيكولوجية تتميز بها عن غيرها مثل: الخوف والحذر وفقدان الثقة بالجماهير، واللجوء الى أساليب الخداع والمكر وإستخدام أشكال العنف ضد المناوئين لها، و ضيق الخناق على كل من لايظهر الولاء لها وبالتالي عزلهم بعيداً عن دائرة النفوذ والتأثير. و كذلك تميل السلطة المستبدة الى نزعة الإنتقام من كل من يحاول النيل منها أو يهدد وجودها. في حين تلجأ مثل هذه السلطة الى الإدعاء بتطبيق العدالة والحرية، تسعى في نفس الوقت  الى إخفاء مظاهر أنانيتها وحرصها على المصالح الذاتية و يؤدي مثل هذا السلوك للسلطة الى ظهور الإزدواجية لديها.
وعلى عكس الأنظمة الديموقراطية، تلجأ السلطة في الأنظمة الشمولية، الى إستعمال أقسى أنواع العنف والقسوة ضد أفراد وشرائح المجتمع لإحكام قبضتها. وكثيراً ما تقوم بإصدار القرارات والقوانين التعسفية وفرض حالات الطوارئ ومنح الصلاحيات الواسعة الى أجهزتها القمعية وتعمل على خلق جدار من العزلة بينها وبين الجماهير وتزداد الفجوة بينهما (التي غالباً ما تكون نفسية أكثر من كونها مادية) إتساعاً الى أن تنتهي بظهور حالة من الإغتراب بين السلطة والجماهير.
إن السلطة الشمولية لاتثق بالجماهير لأنها تدرك إنها لم تنتخب وإنما فرضت نفسها عنوة على الجماهير، لذا فإنها تعيش هاجس الخوف والتهديد بإستمرار وتحسب لكل حركة أو بادرة من أي فرد أو فئة من شأنها إثارة الجماهير، وتواجهها بكل بطش وإرهاب لبث الرعب لدى الآخرين. وتلجأ أحياناً كثيرة الى إستخدام الأساليب النفسية لترويعهم أو الى وسائل الترغيب لكسب ولاءهم.  وتلجأ أجهزة السلطة الشمولية و مسؤوليها الى أساليب التمويه والخداع والمكر والتحايل و تشديد المراقبة والتجسس على الجماهير بدلاً من الصراحة والشفافية والدخول في الحوار معهم، بسبب التزمت الفكري (Dogma) الذي يسيطر عليها حيث لا تعترف بالرأي الآخر ولا تقيم وزناً للآخرين، بل إن الإقصاء وإلغاء الآخر هي أحد أهم سماتها.
يقول موسكوفيسي (1984) Moscovici، كسب الحزب النازي شعبيةً كبيرة لدى الألمان، نتيجة إستمراهم في تكرار خطاباتهم وشعاراتهم لمدة عشرون سنة تقريباً. وعندما تغيرت الحالة الإجتماعية وتلائمت أكثر وتوافقت مع خطابهم الثابت، أصبحت الناس أكثر ميلاً لقبول إدعاءاتهم. ولم يتردد النازيون في الكف عن  هذا الاسلوب أبداً الى أن بدوا للألمان وكأنهم على صواب. أما لاتاني Latane فإنه وعلى وفق نظرية تأثير الدينامية الإجتماعية Dynamic Social Impact Theory  يرى، أن التأثير الذي يخلفه الآخرين على إتجاهات الشخص، وإعتقاداته، وسلوكه، يتقرر بواسطة السلطة (الموقع والخبرة) ومدى القرب (المادي أو الإجتماعي) وعدد من مصادر التأثير. وبمرورالوقت، فإن الإعتقادات تنتشر وتصبح أكثر وضوحاً وقبولاً لدى الجماهير.
تدرك السلطة المستبدة سيكولوجية الجماهير جيداً وتعي بأن الجماهير ستثور بوجهها متى ما توافرت الظروف المناسبة وحينها يكون من الصعب على أجهزة السلطة الوقوف بوجهها. لذلك فإن السلطة المستبدة  تلجأ الى وسائل أخرى لتشويه الحقائق وإظهار نفسها بمظاهر مغاييرة للواقع ولتبرير أخطاءها والتقليل من شأن الإنتكاسات والهزائم التي تمنى بها، فضلاً عن الأجهزة القمعية التي تمتلكها. وتسخر لأجل هذه الأهداف، آلتها الإعلامية التي تقوم بممارسة غسل الأدمغة وتخدير عقول الجماهير.
ومن المعروف إن الأنظمة التوتاليتارية تستخدم الإعلام في تزييف وعي الجماهير وإقناعهم بالوقوف الى جانب النظام وتأجج نار العدائية لديهم ضد أعداء السلطة. ويلجأ الحكام عادة الى إستغلال العوامل السيكولوجية الإجتماعية لتنفيذ مخططاتهم، فإذا ما نجحوا في ذلك فإنها ستصبح متناغمة مع القيم الإجتماعية. وعند النظر الى إعلام وأدبيات النخبة الحاكمة في الأنظمة الإستبدادية التي ارتكبت الإبادة الجماعية، نرى إنها تصور بوضوح تام ضحايا جرائمها، كمتمردين وتصفهم ليس فقط بصفات الحقارة والرذيلة وإنما تعتبرهم أشراراً وتضعهم في مرتبة الأعداء.
كان الإعلام القومي الصربي مثلاً، يحرّض على إثارة الكراهية العرقية عن طريق تزييف الأحدث التاريخية والراهنة لبث حالة الخوف وزرع روح العداء لدى الصرب. فيما كان يتم تحذير طلاب المدارس من خطورة المسلمين ويلقنونهم دروساً عن معارك قديمة جرت في كوسوفو في القرن الرابع عشر. أما النظام الدكتاتوري البائد في العراق فقد دأب على إعتبار الكورد بمثابة الكفار الذي دعا الاسلام الى القضاء عليهم وإعتبار ممتلكاتهم وحتى أطفالهم ونساءهم غنائم حرب، وفق ما جاء في سورة الانفال القرآنية، فضلاً عن إطلاق مسميات لتشويه حقائق الأوضاع ونعت الكورد بسليلي الخيانة وعملاء إيران وكلاب يجب سحق رؤوسهم وغيرها من الصفات البذيئة لتعبئة الأجواء وإيهام العراقيين بمشروعية سياساتهم الإجرامية.
وتسيطر نظرة الدونية على السلطة الشمولية تجاه أعدائها ومناؤييها. وإلصاق الدونية لاتمت بصلة بالجوانب العسكرية أو الإقتصادية، بل تقوم على أساس فكري وأيديولوجي. وبتكريس النظرة الدونية يموت الضمير والواعز الأخلاقي ويغيب الشعور الإنساني وتؤدي الى ترسيخ العنصرية وإبادة الشعوب، ورغم ذلك فأن قادة السلطة الشمولية يشعرون بأنهم يؤدون عملاً حضارياً. وهذه النظرة الدونية كانت هي نظرة هتلر وقادة الحزب النازي تجاه اليهود والغجر والسلاف والمثليين جنسياً في محرقة الهولوكوست، وكانت هي نظرة صدام حسين وقادة البعث والعروبويون تجاه الكورد في مذابح الأنفال، و كانت هي نظرة ميلوسوفيج والقوميين الصرب تجاه البوسنيين والكروات، ونظرة زعماء الهوتو تجاه المواطنين من قبائل التوتسي في رواندا.
يُعدّ نظام صدام حسين البائد الذي خطط لإبادة الكورد وتدمير البنية الإقتصادية والنسق الإيكولوجي Ecosystem في كوردستان، انموذجاً صارخاً للسلطة الدكتاتورية الشمولية. وتميز في كونه من أشد الأنظمة الشمولية عنفاً ودموية، وكان يمارس أبشع أنواع القمع والإستبداد ضد الإنسان العادي ناهيك عن السياسي المعارض. وكثيراً ما كان يلجأ الى تلك الممارسات بهدف الترويع فقط، لكي لايدر في خلد أحد ما، أية أفكار تعارض سياسة النظام مثل القرارات التعسفية الغريبة كقطع اللسان والأذان ووشم الجباه الذي أصدرها النظام أثناء الحرب مع إيران. وشملت ممارسات النظام كذلك:
– إتباع سياسة التوريط والإيقاع في شرك دائرة المسؤولية والإنتماء للنظام، حيث كان أحد الأهداف الرئيسة في منح الأوسمة والأنواط ومن ثم الإعلان عن ذلك على الملأ عن طريق وسائل الاعلام، هو تحسس الفرد الذي يكافأ بأنه أصبح جزءاً من النظام ومقرباً ومتعاوناً وشريكاً في تنفيذ سياسات السلطة وممارساتها. وكان هذا من شأنه أن يجعل منه فرداً ممسوخاً واقعاً في أحابيل السلطة ولامفر منه الاّ الدفاع عنها لان مصيره أرتبط بمصير السلطة.
– القيام بحملات إعدامات علنية أمام الجمهور في الساحات العامة والملاعب الرياضية وإجبار الناس على التصفيق والنساء على إطلاق الزغاريد. وكان النظام يقوم بتشجيع الناس بمنحهم أنواط الشجاعة للإبلاغ عن أبناءهم أو أخوانهم المناهضين للسلطة الحاكمة أو الرافضين الإلتحاق بالخدمة العسكرية والذهاب الى جبهات الحرب، وكان لذلك دور كبير في تفسّخ القيم الإجتماعية.
– دأبت أجهزة النظام الإعلامية على عرض المشاهد المروعة للمعارك الحربية ولأشلاء القتلى من الجنود الإيرانيين أثناء الحرب مع إيران في برامج تلفزيونية وخاصة عند المساء وفي فترات برامج الأطفال على الأغلب. والهدف كان واضحاً في زرع الروح العدوانية لدى الناس وخاصة الأطفال والمراهقين منهم، لخلق جيل متشرب بأفكار شوفينية وعدوانية.
– شجع النظام أفراد الجيش على النهب والسلب عند الدخول الى المدن الإيرانية وأثناء غزوها للكويت، حيث كانت لهذه الممارسات التي زرعتها السلطة الدكتاتورية إنعكاسات على جيل كامل من العراقيين. وبرزت إفرازاتها أثناء سقوط النظام في عمليات النهب والسلب التي طالت كل المؤسسات والمرافق الحكومية بإستثناء وزارة النفط التي كانت الوزارة الوحيدة التي وفرت القوات الامريكية الحماية لها.
سيكولوجية شخصية الطاغية
لاشك إن لقادة الشعوب وحكام الدول أدواراً كبيرة في ما تجري من أحداث في بلدانهم. وقد أظهرت الدراسات إن القادة الذين تسببوا في حدوث الحروب والمآسي لشعوبهم أو إرتكبوا جرائم الإبادة الجماعية سواءاً ضد شعوب بلدانهم أو شعوب البلدان الأخرى، كانوا يعانون من خلل وإضطرابات في شخصيتهم. وتؤكد تلك الدراسات وجود أنماط شخصية معينة لدى هؤلاء القادة الذين يميلون إلى السلوك الإستبدادى. وفي هذا السياق يشير كوالسكي (2001)Kowalski  الى ثلاثة أنواع من الشخصيات جلبت إنتباه الباحثين لإخضاعها للتجربة وهذه الانواع هي:
:: النرجسية Narcissism
:: الميكافيللية Machiavellianism
:: السيكوباثية Psychopathic
ورغم الإختلاف في منشأ تلك الأنواع الثلاثة التي يطلق عليها (باولهوس و وليم، Paulhus & Williams,2002) الثالوث المظلم The Dark Triad of personality، فأن تلك الشخصيات تشترك بعدة مميزات. فكل الأنواع الثلاثة تتصف بخاصية الحقد الإجتماعي مع نزعات سلوكية نحو الإرتقاء بالذات، والبرود العاطفي، والإزدواجية، والعدوانية. وبرهنت التطورات الأخيرة للمقاييس غير الكلينيكية لكل المتغييرات الثلاثة على وجود علاقة مترابطة بين الميكافيللية والسيكوباثية، والنرجسية بالسيكوباثية، والميكافيللية بالنرجسية وكما موضح في الشكل التالي:

وفيما يلي تعريف موجز لأنماط الشخصية الثلاثة:
الشخصية النرجسية
إن الفرد ذو الشخصية النرجسية هو من يكون لديه شعور مفرط بحب الذات والإعجاب الشديد بنفسه وبمواهبه وقدراته، ويتصور بأنه هو الأفضل في كل شئ وهو المبدع والمبتكر والفنان ويتوقع من الناس تقديره وكَيل الثناء والمدح له وإبداء الإعجاب بشخصيته وفق ما يتصوره هو عن نفسه.
الشخصية الميكافيللية
الفرد ذو الشخصية الميكافيللية هو ذلك الشخص الذي له مواصفات تلك الشخصية التي أوصى به المؤلف الإيطالي نيكولا ميكافيللي (1469 – 1527) وحدد سماته في كتاب “الأمير”. ومثل هذا الفرد يحاول تحقيق أهدافه بكل الوسائل وشعاره هو “الغاية تبرر الوسيلة” أي إن الشخص الميكافيللي يهمه الوصول الى الغاية أو الهدف الذي يريده مهما بلغ الثمن.
الشخصية السيكوباثية
وهي شخصية الفرد الذي لا يراعي النظام والقوانين, ولايهمه المصلحة العامة ويتمتع في الخروج على كل العادات والتقاليد والقوانين المرعية. ومثل هذا الشخص لايهمه الاّ نفسه وإشباع أهواءه ورغباته.
إن القادة التوتاليتاريين من أمثال هتلر في المانيا، موسوليني في إيطاليا، فرانكو  في إسبانيا، ستالين في روسيا، بولبوت في كمبوديا، بينوشيه في شيللي، صدام حسين في العراق، ميلوسوفيج في صربيا، وغيرهم من القادة التوتاليتاريين في بلدان أخرى من العالم، يتميزون بوجود صفات الشخصيات الثلاث التي سبقت الإشارة اليها لديهم، رغم إختلاف الثقافات والبيئة الإجتماعية لبلدانهم. فإنهم لم يكتفوا بالسيطرة على أعلى مواقع السلطة المدنية والعسكرية والحزبية ومسك زمام كل الأمور والشؤون والقضايا، وإنما كانوا يتحكمون في سن القوانين والتشريعات التي غالباً ما كانت تأتي وفق لأهواءهم ونزواتهم. وكانوا هم لاغيرهم، أصحاب العظمة والفخامة وصانعوا الأحداث والمعجزات ويمثلون الله في الأرض ولهم الأمر والنهي. وليس للجماهير الاّ الطاعة والخضوع لسلطانهم.
ويرى رومل (1996) Rummel بأنه ليست مصادفة أن نرى عمليات الإبادة الجماعية والحروب في القرن العشرين، حدثت في الدول غير الديموقراطية. وإن أحد أهم مميزات الدول التي أرتكبت فيها الإبادة الجماعية هي وجود قادة لأنظمة وحكومات توتاليتارية. إن تأثير هؤلاء القادة يكون في تحوّل أو تعظيم المقومات القائمة ضمن المجتمع الى “ثقافة عملاقة monolithic culture” كما يطلق عليها ستاوب  (1989،Staub). فمثل هذه الثقافات غالباً ماتكون لها تاريخ من الخضوع للدولة والحكام التوتاليتاريين فضلاً عن ضعف روح التسامح مع التنوع الثقافي. وتلعب القادة التوتاليتاريين دوراً كبيراً في تحريك الثقافة نحو العنف الجماعي وغالباً ما يتم ذلك بهدف تقوية السلطة وتمركزها وإنهاء المعارضة وتمتين الإقتصاد لمصالح ذاتية وخلق بنية تحتية وأيديولوجية هدامة.

سيكولوجية العدوان
أظهرت الدراسات الحديثة أن اللاوعي الفرويدي لا يعطي تفسيراً مقنعاً لأشكال العنف المتطرفة عند الإنسان على المستويين الفردي والجماعي. ويبدو أن جذور ظاهرة العنف تصل الى ما هو أعمق من مستوى فترة الولادة الأولى التي يؤكد عليها نظرية التحليل النفسي الفرويدي.  بينما كشفت البحوث الخاصة بالوعي، مصادر مهمة أخرى للعنف والعدوان. ويمثل العدوان Aggression ظاهرة سلوكية منتشرة يمارسها الأفراد والدول والمجتمعات على السواء. وطال العدوان حتى الطبيعة، حيث لم تفلت من العدوان المتمثل بإبادة بعض عناصرها وثلويث البعض الاخر.
إن العدوان مفهوم غامض الى حد ما لتداخله مع مفاهيم سايكولوجية أخرى كالعدائية والعنف والارهاب. والعدوان في نظر باندورا Bandura هو السلوك الذي يؤدي الى إحداث الضرر الشخصي أو تدمير ممتلكات.  وهناك فرق بين العدوان Aggression والعدائيةHostility  والتي يقصد بها الميول التي تحرك العدوان كالحقد والكراهية والغضب . أما العنف فهو استعمال القوة أو التهديد بأستعمالها، وهو نهاية مطاف السلوك العدواني.
يربط دولارد وميللر (1939) Dollard and Miller بين الإحباط والسلوك العدواني ويعتقد بأن السلوك العدواني بصوره المختلفة يرجع الى أنواع من الإحباطات. إن العوامل التي تؤدي الى تعقيد الظروف الحياتية لدى المجتمعات التي لم تعتد مثل هذه الظروف تشعرهم بالإحباط، وتمثل أكبر تهديد بإننشار مظاهر العنف والعدوان. فقد ارتبطت معظم عمليات الإبادة الجماعية في القرن العشرين بأزمات عدم الإستقرار ومشاعر الإحباط، التي من شأنها تهيئة الأرضية لتغييرات في بنية تلك المجتمعات. ونتيجة الحروب، ظهرت الى الوجود أزمات إقتصادية وسياسية و إفرازات نفسية وإجتماعية في السنوات التي سبقت أو صاحبت جرائم الابادة الجماعية الانفة الذكر.
إن العدوان مرفوض في كثير من أشكاله لدى المجتمعات ولكنه يكون مقبولاً عندما يكون الهدف منه الحفاظ على الذات وتحقيق الوجود والحرية والبقاء. لذا يلجأ كثير من الناس الى إخفاء السلوك والنزعات العدوانية السلبية تحت شعارات وأهداف إيجابية. فعلى سبيل المثال، دعي المشاركين في الحرب الصليبية الى التضحية بحياتهم من أجل المسيح لإسترجاع الأرض المقدسة من أتباع محمد. وإستغل هتلر الحوافز المثيودولوجية في التفوق للعنصر الآري وفي إستعماله “الصليب المعقوف” الذي يمثل الرمز الآري القديم. وإعتبر النازيون أنفسهم ومن ينتمي الى العنصر الآري متفوقون وإن الأعراق الأخرى كالسلاف واليهود والغجر يلوثون المانيا وكانوا يشبهون اليهود بالفئران التي تنشر الطاعون. وفي الامبراطورية العثمانية أعتبر الأرمن خطراً داخلياً وعملاء للقوات الروسية والأرمنية المحتلة. و قادة الهوتو في رواندا إعتبروا قبائل الهوتو متفوقين على التوتسي (حيث كانوا يوصفون التوتسيين بالصراصير)  أثناء الإبادة الجماعية التي جرت لهم في عام 1994.
وإستند الطاغية صدام في مذابح الأنفال على سورة الأنفال القرآنية لتبرير أهدافه العدوانية والقيام بجرائمه في تلك العمليات ضد الأبرياء في كوردستان الذين جعلهم في مقام الكفار والمشركين عند الإسلام، وكان رموز النظام البعثي ينعتون الكورد بشتى أنواع الصفات البذيئة ويصرحون علناً بسحق رؤوسهم. وهكذا هي النزعات القومية المبنية على إيديولوجية عنصرية التي تحمل في جوهرها التمييز والتحييز العرقي والايمان بالتفوق القومي، ويعدّ ذلك من الأسباب الرئيسة للعدوان وإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية.
إن اكثر جرائم الإبادة الجماعية في القرن العشرين أرتكبت من قبل الدول التي لها تاريخ حافل بالعنف والنزاعات العدوانية. و هذا يدل على أن السلوك العدواني لايقتصر على الأفراد وإنما يمكن أن يشمل كذلك، الدول والشعوب. ففي غياب التفاهم وتبادل  الأفكار وقبول الطرف الاخر، فأن الدول ذات التوجه العدواني تفترض بأن جماعة ما تشكل خطراً ويتوقعون منها الكراهية والعدوان، وبما أن العدوانية تطغى على سلوك قادتها، فأنهم يلجأون الى إبادة  مصادر الخطر الذي يهدد مصيرهم وكيانهم  دون إكتراث لنتائج جرائمهم.

سيكولوجية الطاعة
هناك أسئلة كثيرة تبادر الى الذهن وتفرض نفسها عند التفكير في الأسباب التي تؤدي الى حدوث الجرائم التي تستهدف إبادة مجاميع كبيرة من البشر: ماهي دواعي إنصياع الآلاف من الناس ممن ليسوا فى مواقع السلطة، لرغبات والميول العدوانية لأصحاب القرارات والاوامر في المواقع العليا للسلطة، الذين يخلقون الظروف والأجواء السياسية والنفسية لتنفيذ الجرائم الكبرى؟ وماهي الدواعي وراء الرضوخ والطاعة العمياء لتلك الاوامر؟ هل هي الروح العدوانية لديهم؟ أم هي الخوف والرهبة؟ أو هي الانتهازية والأنانية والطمع بنيل مكاسب مادية أو معنوية من أصحاب النفوذ والسلطة؟
تشير الدراسات الى أن الناس يميلون الى الإبتعاد عن التفكير العميق حول القضايا والأمور التي ليست لها تأثير مباشر على حياتهم  ويتابعون المعلومات التي تعكس معقتداتهم بدلاً من تلك التي تنافي نظرتهم الواقعية الى الامور. ولتفسير الإبادة الجماعية، فأن الأفراد غالباً ما يلقون اللوم على القادة الذين يصدرون الأوامر أو ينسبونها الى الأحقاد المتأصلة لدى طرفي النزاع. و يؤكد ليفين (1989) على أن الطقوس والمعايير، سواء في مؤسسات تربوية أو دينية، أو تعاونية أو إجتماعية، تساعد على إدامة الإلتزام والإمتثال والطاعة. وغالباً ما تكون هناك عقوبات شديدة تتراوح بين النبذ والتوبيخ، إلى العنف الجسدي عند عدم الإلتزام بتلك المعاييرالتقليدية. وهكذا يتعرض أفراد الجماعة للضغوط بغية المشاركة في أعمال الكراهية والعنف، وهم يعرفون تماماً نتائج عدم إمتثالهم.
أكدت دراسات ميلكَرام (1965-1975) Milgram حول الطاعة، على التأثير القوي الذي يمكن لنوع السلطة أن يضعه على سلوكنا. ويقول ميلكَرام: إذا كان تعرض ملايين الناس للقتل وإعدام أعداد كبيرة من البشر يأتي حسب ما يمليه أفكار شخص ما،  إلا أنه ليس بالمستطاع تنفيذها على هذا النطاق الواسع لولا خضوع أعداد كبيرة من الأشخاص للأوامر.
وهنا لابد من الإشارة الى دور الثقافة والدين في المجتمع في ترسيخ الطاعة والخضوع لاسيما عندما تستغل لصالح السلطة الإستبدادية. فحسب نظرية التنسيب (العزو) attribution  لـ (فريتز هيدر 1896-1988 Fritz Heider) حول تنسيب أو عزو الفرد سلوكياته الى أسباب خارج عنه، لا سيطرة له  عليها، حيث تلجأ الكثير من الناس الى تبرير خضوعهم وإذعانهم لأوامر الأنظمة الإستبدادية ويقومون بتنفيذ جرائم بشعة دون قناعاتهم تحت ذرائع وتبريرات شتى وينسبون ذلك الى كونهم مأمورين وعليهم تنفيذ الواجب وهناك ممن ينسبون أفعالهم واذعانهم لأوامر السلطة الى الآية القرآنية ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم “، على إعتبار أن السلطة هي اولي الامر الذي تشير اليها الآية وان إطاعتها فرض حسب ما نصت عليه.

سيكولوجية الجموع (الجماهير)
يتناول كَوستاف ليوبون Gustav Le Bon تصوراته عن سيكولوجية الجماهير في ظل السلطة في كتاب له نشره عام 1895بنفس العنوان، بتحليلات قيمة إثر الفوضى التي أحدثتها الثورة الفرنسية، وكان ليوبون يخاطب الحكام ويحذرهم من غضب الجماهير، ويقول أن الجماهير حينما تنتفض فان الروح الجماعية هي التي تتحكم بهم وإن الجمهور يصبح ككائن بدائي واحد، ورغم إنه يتألف من عناصر متنافرة، لكنها متراصة الصفوف من أجل أهداف آنية، وتتلاشى شخصية الفرد الواعية عند إنخراطها بين صفوف الجماهير التي تسيرها الأفكار والعواطف الآنية وتطغى عليها النزعات العدوانية. ويعتبر كتاب سيكولوجية الجماهير أول دراسة في علم النفس الاجتماعي ظهرت حول ثقافة الجماهير وسيكولوجيتها. ورسخت هذا الجانب ظهور دراسة سيكَموند فرويد بعنوان “سيكولوجية الجماعة وتحليل الأنا” في عام 1921. ويشير جاي كونين  (2000)Jay Gonen  الى أن هتلر كان على إطلاع بنظرية ليوبون وكذلك بدراسة فرويد والدراسات المشابهة. ويقول كونين  “لم تكن تعبئة الجماهير من قبل النازية بإستعمال الخوف والإرهاب فحسب وإنما كانت بالآحرى بسبب الخطابات الأيديولوجية النازية المستهدفة، التي كانت تتضمن جوانب سيكولوجية”. فالوعي واللاوعي للشعب الألماني تحت النازية لم يكن يمثل غير تعلق الألمان برجل واحد وبفكرة فرويد عن الأب المثالي  ideal father.
يمكن إعتبار الجماهير ككيان ذات العقل الجمعي، مثلما تتجمع بالإتفاق والتألف بين أعضاء أفرادها، تتفرق عندما تدرك بأنها تتعرض الى تهديد مباشر. وتهتم قادة السلطة الإستبدادية بالعقل الجمعي نتيجة إهتمامهم بسيكولوجية الجماهير، وذلك لكي تمرر سياساتها العدائية ضد الجماهير ويسهل لها السيطرة علي تحركها وتفريق شملها قبل أن تشكل تهديداً جدياً للسلطة.
كثيراً ما يلجأ مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية الى خلق الذرائع لتبرير جرائمهم بالقاء التبعية واللوم على الجماعات المستهدفة. أن الكثير من البحوث ركزت على فهم العلاقة بين التحامل والعنف ووضعت عدة نظريات التي خلصت الى شرح هذه العلاقة. ومن أقدم المحاولات لفهم تلك العلاقة هي نظرية تعرف بـ”كبش الفداء” لـ “رينيه كيرارد Rene Girard” التي تفترض أنه عندما تشعر الناس بالإحباط، كما في حالة تدهور الإقتصاد  فإنهم يتوجهون بالقاء اللوم على جماعات مهمشة في داخل المجتمع. وعلى أساس ذلك فأن الموجودين في مواقع السلطة العليا يستخدمون الأساليب النفسية-الإجتماعية مع الجماهير على نطاق واسع لإحكام السيطرة على السلطة أو يقومون بإنشاء مؤسسات حكومية جديدة ذات برامج سياسية خاصة ويحكمون السيطرة على قنوات الدعاية والإعلام. وكمثال على تلك الممارسات التي تقوم بها السلطات في تمرير إرتكاب جرائم الإبادة الجماعية، قامت الطائرات العراقية بقصف مدينة حلبجة بالغازات السامة، ولجأ النظام العراقي مستخدما كافة الوسائل وخاصة الإعلامية منها، الى اظهار قوات البشمركة المناوئة للنظام كعملاء للأجنبي وإتهامهم بجلب القوات الإيرانية لإحتلال المدينة وعلى أن القوات العراقية قامت بالرد على هجماتهم لإسترداد المدينة دفاعاً عن الوطن وإنتقاماً منهم على عمالتهم، دون أن تشير الى إستعمال الأسلحة الكيمياوية المحرّمة دولياً. وتحت نفس الذرائع قامت القوات العراقية بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية في حملات الأنفال عام 1988. وهكذا وعند إستعمال العنف الجماعي أو القيام بالأبادة الجماعية، تكتمل عملية الإقصاء بإستبعاد الضحايا من دائرة الأخلاق، فلا ينظر اليهم كبشر منذ تلك اللحظة، وهم ليسوا الا ديدان ضارة لابد من إفناءهم أو أعضاء متفسخة يتوجب بترها.
العامل المهم الآخر هو تأثير الإجماع الخاطئ false consensus effect عندما تعتقد الناس بشكل خاطئ بأن إتجاهاتهم أَو إعتقاداتهم ستتم الإجماع عليها من قبل أغلبية الناس الآخرين. طبقاً لـ “باندورا  Bandura”، إن مثل هذه الإعتقادات الجماعية تعطي تبريراً إجتماعياً للتحرر الأخلاقي، وبالتالي تخدم  كبوادر للعنف الجماعي.
ومن خلال نظريته يناقش باندورا دور كل الأطراف: الضحايا، مرتكبي الجرائم، المساهمون فيها، والناس المتفرجون. وقد أكد بأن علاج الضحايا، أمر أساسي للتقليل من إحتمال تحوّلهم الى مرتكبي جرائم. وغالباً ما يشار الى نظريته بـ “نظرية الحافز الثقافي الإجتماعي” Socio-cultural Motivation Theory لأنها تركّز على تعدد التأثيرات المتفاعلة التي تؤدي الى إزدياد حدة عنف المجموعة. وتركز النظرية على التغييرات لدى الفرد والمجموعة، وكيفية تفاعل العوامل المؤثرة.

هل تفادي إرتكاب الإبادة الجماعية، أمر ممكن؟
قطعت البشرية شوطاً كبيراً من التقدم والتطور في كل المجالات. فالتقدم الهائل الذي تشهده العالم لاسيما التقدم التكنولوجي وسرعة تبادل المعلومات التي شهدت قفزات كبيرة و ساهمت في التطورات الحاصلة في كل الحقول الأخرى لهو أمر في غاية الأهمية لتحقيق الرفاهية للإنسان والعيش بسلام، وخاصة في تحسين مستوياته الإقتصادية والإجتماعية والصحية والتعليمية. ولكن في الجانب آلاخر، فان هذا التقدم شمل نواحي خطيرة أخرى قد تكون لها آثاراً كارثية على الإنسانية إذا ما لم يتم إحكام السيطرة عليها. فقد تطورت الأسلحة والمعدات الحربية بشكل مذهل. فالقدرة التدميرية للصواريخ والقنابل زادت عشرات الأضعاف وأصبحت إنتاج الأسلحة النووية تشكل خطراً كبيراً على السلام العالمي. ولم تعد إنتاجها تقتصر على الدول الصناعية الكبرى، بل دخلت دول أخرى في مضمار إنتاجها وإجراء التجارب عليها وكذلك في إنشاء المفاعلات النووية، كالهند وباكستان وكوريا الشمالية وإيران. فيما لاتزال هناك بؤر للنزاعات والصراعات السياسية والعرقية. كما وإن المنافسة الاقتصادية بين الدول على أشدها، ولايزال هناك قادة وزعماء وحكام دكتاتوريين وأنظمة شمولية تتحكم في مصير الشعوب، وتسيطر عليهم حب الذات والنزوات والميول العدوانية ولايهمهم مصير الملايين من الناس. واذا ما إحتدمت الصراعات فأن الأمر ستكون في غاية الخطورة، وأن البشرية ستواجه كوارث حقيقة كبرى لايمكن التكهن بنتائجها.
يتطلب الأمر تكثيف أقصى الجهود في القيام بالأبحاث والدراسات الخاصة بالجوانب السيكولوجية المتعددة التي تلعب أدوراً كبيرة في التشخيص، والمساهمة في التقليل من حدة الصراعات وضبط الإنفعالات والتحكم في الدوافع. إضافة الى العمل على نشر التوعية العامة على مستوى عالمي بواسطة القنوات الإعلامية كافة، وضرورة إدخال برامج خاصة في المناهج التعليمية على جميع المستويات لتساهم في زيادة الوعي ونشر روح التسامح ونبذ الأحقاد والعنف، والدعوة الى اللجؤ الى العقل والحكمة في تحويل مجرى الصراع عند نشوب الخلافات والنزاعات. وكذلك فإن خلق نظام عالمي جديد و إعطاء المزيد من الصلاحيات للمؤسسات الدولية المهتمة بفض النزاعات الدولية وإخراجها من دائرة هيمنة الدول الكبرى لهو أمر في غاية الأهمية لكي لا تواجه الشعوب المزيد من الحروب والمآسي والكوارث الإنسانية، وبهدف قطع دابر الممارسات التي ستنجم عنها الإبادة الجماعية وقتل الأبرياء أثناء نشوب الصراعات.
*  *   *

ورقة مقدمة الى المؤتر العالمي للتعريف بجرائم الابادة الجماعية ضد شعب كوردستان المنعـقد في هولير/ أقلـيم كوردستان للفـترة مـن 26/1/2008 ولغاية 28/1/2008

المصادر
1- Stanislav Grof, “Planetary Survival and Consciousness Evolution: Psychological Roots of Human Violence and Greed.” Primal Renaissance: The Journal of Primal Psychology 2(1): 3-26.

2- Lifton, JAY, (1986).The Nazi Doctors: medical killing and the psychology of genocide.
NY, Basic Books

3- Hall, Calvin S. & Lindsey, Gardner. Theories of Personality. New York: Wiley, 1978.

4 – المهدي، محمد (2004). سيكولوجية الاستبداد. موقع المحانين على الانترنيت.
http://www.maganin.com/articles/articlesview.asp?key=168

5 – Crane, John (2007). The Psychology of Genocide. Available at:  http://www.cranepsych.com/Travel/Bosnia/Genocide_psych.html
6- المصدر السابق.

7- Woolf, Linda M and Hulsizer, Michael R. (2005). Psychosocial roots of genocide: risk, prevention, and intervention. Journal of Genocide Research, 7(1), 101–128.

8-   سالم أحمد سالم (2007) حتى نفهم قضية دارفور: موقع سودانايل على الانترنيت:
http://www.sudanile.com/dawri.html

9- Kowalski, R. M. (Ed.). (2001). Behaving badly: Aversive behaviors in interpersonal relationships. Washington, DC: American Psychological Association.

10- Paulhus, D., & Williams, K. (2002). The Dark Triad of personality: Narcissism,
Machiavellianism, and psychopathy. Journal of Research in Personality. Elsevier Science (USA). 36 PP.556–563

11 – علي، بختيار. من الرغبة في القتل الى رغبة النسيان . السليمانية، مجلة ره هه ند ، (7)، 252-333.

12- Staub, E. (1989) The Roots of Evil: The Origins of Genocide and Other Group Violence (New York: Cambridge, University Press).
13- المهدي، المصدر السابق.

14- ابو فوزة، خليل قطب (1996). سيكولوجية العدوان. القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة.

15- Woolf, Linda M and Hulsizer, Michael R. op. cit. P. 102

16- Ibid.  P. 103

17- Milgram, S. (1974). Obedience to authority. New York: Harper & Row.

18-  Attribution theory, available at: http://en.wikipedia.org/wiki/Attribution_theory
19- Le Bon, Gustave (1895). The Crowd: A Study of the Popular Mind. Retrieved on November 15, 2005.
20- Jay Y. Gonen. The Roots of Nazi Psychology: Hitler’s Utopian Barbarism. Lexington: University of Kentucky Press, 2000. 224 pp.

21- Engle, Phillip (2005). Scapegoat theology and the Problem of Violence. Greensburg, PA: Laurel Highlands Media.

22- Crane, John. op. cit.

د. صلاح كَرميان/ سيدني
selah.germian@yahoo.com.au

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق