عباس بيضون – في سبيل تأشيرة
نأمل أن يكون فقط هفوة بيروقراطية أو واحدا من الأخطاء التي تحصل ولا نعرف له سببا، رفض قنصلية فرنسية منح الشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث المقيم في غزة تأشيرة سفر الى فرنسا لحضور مهرجان لودين للشعر المتوسطي. أقول نأمل أن تكون هذه مجرد هفوة خاصة وأن شعراء آخرين، للا سبب أيضا، لم يحصلوا على تأشيرات كما تقول رسالة الكترونية وردتني من فرنسا.
لا أعرف نصر جميل شعث غير أني تمتعت بقراءة مقالته المنشورة في موضع آخر من هذه الصفحة. بدا لي أن شاعرا يستشهد استشهادات صائبة من هايدغر ودوليز، أو يتكلم بهذه الطريقة عن الشظايا التي يحملها في جسده جوابا على حجر حمله في أيام الانتفاضة الأولى أو يتوجه بهذا الأسلوب الى اسحق لاور الشاعر الإسرائيلي الصديق للفلسطينيين، بدا لي أن من يكتب نصاً كهذا يعطي للشعر مكانا في حياته لا في أدبه فحسب، وأن حياة بالشعر وفي الشعر هي أيضا ممارسة أخرى للعالم والسياسة والحب. بدا لي أن من يتهم كيف يكون الشاعر أقلويا وثانويا على حد تعبير دوليز. من يحمل ثلاث شظايا في جسده لأنه حمل حجرا، من يعرف كيف يتكلم الأصيل مع الدخيل النادم والدخيل المستكبر على حد لغته، من يتكلم هكذا لا يمكن أن يكون في عداد حارقي الكتب ومحرمي السينما وفارضي الحجاب.. ولا يمكن ان ينظر الى الآخر والغربي بخاصة بوصفه كافرا أو فاجرا.
إذا لم يكن الأمر هفوة بيروقراطية، إذا كان عقابا لشاعر على غزاويته فهذا يعني نوعا من عقاب جماعي. يعني أن القنصل نسي أن غزة ليست عقارا مملوكا لهذا التنظيم أو ذاك وأن أهلها ليسوا ذوي رأس واحد ولا جسم واحد ولا طبيعة واحدة. يعني أن من رفض منح شاعر تأشيرة لا لسبب انه من غزة يعتبر بوعي أو بلا وعي أن لأهل غزة الدم ذاته والجينات ذاتها والجهاز العصبي ذاته وهذا بالطبع خير. إذ بوعي أو بلا وعي تعامل شعوب بكاملها كقطيع أو تعامل كعنصر أو تعامل كنسخة واحدة وصورة معممة. وليس في هذا الموقف، أستغفر الله سوى عنصرية مضمرة.
ألا يبالي القنصل المشغول بالسياسات الفلسطينية والذي يحاكم غزة أو »حماس« ان يعلم أن في أكثر الشعوب أدلجة ثمة منشقون. ثمة من لا تطمسهم الإيديولوجيا أو الصورة المعممة. من يكافحون ليشقوا الجدار الإيديولوجي وليحصلوا على ذواتهم وأفكارهم ولغاتهم خارج الكتلة الواحدة وخارج الكتاب الواحد واللغة الواحدة. ألا يهم القنصل أو الموظف أن يعلم أن في هذه المجتمعات المؤدلجة ثمة ثمن إضافي للتفكير وثمن إضافي للاستغلال وثمن إضافي للانفراد. وأن هذا لا يحدث بسهولة. لكن من يصل في مجتمع مؤدلج إلى أن يستشهد كما استشهد نصر بدوليز ومن يكتب بالروحية التي كتب بها مقالته، لم يصل الى ذلك عفواً ولا بالهين. لقد قاتل بالطبع تقليدا وإرثا وأشباحا مقيمة في الداخل والخارج ولم يكن بالطبع لينتظر أن يعامله قنصل أو موظف كما لو أنه يخفي قنبلة في ثيابه، او كما لو أنه ينوي ذبح أول أجنبي.
عباس بيضون شاعر وناقد لبناني ـ المقال عن جريدةالسفير