زملاء

نصر جميل شعث – حقيقة عدم حضوري مهرجان لوديف

شعرت بالانتصار على كل ما هو مفروض بالقوة ، يوم أن تلقيت دعوة فرنسا للمشاركة في مهرجان لوديف، وحملت عدّة المثقف الفلسطيني مصطحبا فرس اللغة ، ودرع القصيدة، كي أخوض واحدة من حروب الهوية ومحاولات طمسها ونزعها، ولكن تجهيزاتي للمواجهة الإبداعية، واستعدادي احبطت، بقرار رفض القنصلية الفرنسية في القدس الغربية، منحي تأشيرة الدخول” الفيزا”  إلى أراضيها بحجة إعلان قطاع غزة “منطقة معادية” من قبل إسرائيل وممنوع الهجرة لفرنسا منها. ولم يعد خفياً اليوم أن حكومات العالم بأسره باتت أسيرة لقرار وزير الحرب الإسرائيلي، فالأخير إذا ما سمح لكائن بشري الخروج من قطاع غزة إلى أي شبر يبعده، كان له ذلك، وإذا ما أصدر قراره بالمنع، منع طاعة لا غصباً من قبل الكل الرسمي في العالم.

لم اسكت بعد أبلغت بعدم منحي “الفيزا”، بل توجهت إلى شعراء ومثقفين وأدباء كثر أعرفهم ولم أمنع احتجاجي من الوصول إلى جهات ثقافية فرنسية وأخرى معنية بالحريات العامة والإنسانية، وكذلك أوصلت صوتي إلى “اليونسكو”،  فجعلت من نفسي ” جيشاً” يحارب من أجل حقه في أن يطيّر شِعره فوق سماء لوديف.. وغيرها، فمنهم من تجاوب معي وانضم إلى احتجاجي واعتراضي على قرار حكومة فرنسا الظالم ، ومنهم من منحني تعاطفه الكامل ، وشد من أزري لاستمرار المواجهة. وقد تجسد ذلك في تدشين بعض الشعرء الفرنسيين والعرب في فرنسا موقع للتضامن معي وقع عليه شعراء كبار في فرنسا والعالم العربي أمثال برنار نويل، ومحمد بنيس، وشعراء إسرائيليون أمثال اسحق لاور، وشعراء كتاب وصحفيون على درجة من الأهمية في عالم الكلمة والأصوات المسموعة.

بعد أيام وأسابيع من المواجهة غير المباشرة مع حكومة فرنسا والقنصلية بالقدس ، ومع ساعات قليلة تفصل المهرجان عن البداية، إتصل بي أحد الذين يعمل في إطار فعاليات المهرجان وابلغني أنه جاري العمل بشكل مكثف مع الخارجية الفرنسية على منحي التأشيرة بعد رفضها المستمر سابقا. وجاء هذا بعد أن استخدمت بالمواجهة تعاطف حشد، أعتز به وأشكره، من الشعراء الفرنسيين والعرب وغيرهم، والذي كان لهم أثرا صائبا تراجعت بقوته الجهات الفرنسية عن قرارها بعدم منحي “الفيزا”ـ وأعطت تحت ضغط الإعلام المعارض، التعليمات لسفارتها بالقدس بمنحي “الفيزا”. ولكنّ قرارها هذا جاء قبل  مع افتتاح المهرجان،  لتدفع عنها وصمة منعي دخول أراضيها وترمي باللائمة على إسرائيل!
يوم افتتاح المهرجان، السبت 19 تموز (يوليو)2008، أبلغني (مجدي شقورة) الذي يعمل في المكتب القنصلي في غزة؛ أنه هناك موافقة فرنسية، من ساعات قليلة، وصلت. وطلب مني أن أرسل جوازي بنفسي للقنصلية!! أي لم يلقي بالاً لمساعدني بتوصيل جوازي اليوم بنفسه بسيارته للقدس. وهو يستطيع فعل ذلك. طبعًا،  يوما السبت والأحد تكون كل الدوائر في عطلتها الأسبوعية وحتى البورصة التي ينبني عليها اقتصاد العالم تكون مغلقة!! لكن أرسلت يوم السبت جوازي على البريد السريع (الدي أتش ال) للقنصلية في القدس الغربية، ودفعت رسوم خدمة، وقال صاحب المكتب البريدي أن الجواز سوف يصل صباح الثلاثاء ليد السيدة كاثرين إيفر.. وهي نفسها التي كانت أبلغتني قبل حوالي عشرين يوم بالرفض!!.

وبهذا يكون الفرنسيّون قد وضعوني في المأزق الكبير؛ لأواجه مصيري مع الإسرائيليين والأردنيين الذين سأحتاج على الأقل 20 يوم لأنسق معهم؛ ليسمحوا لي بعبور بوابة “ايرز” و”عمان” معا؛ لأن تذكرة السفر كما خطط لها هي من مطار عمان إلى باريس!

ولكن هناك شيء لا يمكن نسيانه إذا أرادت القنصلية أو السفارة الفرنسية، في القدس، أن تتدّخل لإنهاء مشكلة خروجي من غزة تستطيع أن تبعث مندوب منها؛ لياخذني من غزة يوم الثلاثاء وهو اليوم الذي يكون جوازي قد وصل السيدة كاثرين إيفر. وهنا ممكن،أيضًا، أن تحلّ أموري مع الأردنيين وأستقل طائرة من مطارها لباريس لأصل الأربعاء المهرجان، كي لا أخسر المشاركة في أخر أيامه!!

ولكن ما لم يحصل هذا فإن منح الفيزا لي هو من عدمه. إن سبب المشكلة الأساسي هو في رفض فرنسا الذي لم تستطع مديرة المهرجان، التي دائما تقف بجانبي، أن تجادل فيه القنصلية التي كانت في كل مرة تقول هي أوامر من باريس!
الآن مع صبيحة المهرجان، وتحت ضغط كل مظاهر الاحتجاج والتدخلات الثقافية والرسمية، المعلنة والخفية، تقول لي فرنسا: تفضل تعال فرنسا وشارك في مهرجان لوديف؟؟!

وهم أدرى بالوضع الأمني الذي يمنع تحقيق سفري؟؟ إنهم فقط، بهذه الدبلوماسية الناعمة، يريدون أن تتحول الصحافة عنهم، لتقول أنّ الذي منع الشاعر شعث من المجيء للمهرجان هو إسرائيل وليس فرنسا؟؟ وبهذا هم يراهنون على الخروج من المأزق والحفاظ على ماء وجههم؟؟

المشكة لم تنته، لأنّ فرنسا هي التي أرادت أن تكون التعقيدات هكذا. وأن الصحافة لن تترك القضيةـ ولن تحمّل إسرائيل مباشرة المسؤولية، بل فرنسا؛ إنها مانعت منذ البداية في منحي التأشيرة، لأني من غزة وهذا كلام أكيد! ولم تترك لي مجالا، بعدم منحها هذا، أن أتحرك خطوة واحدة لأطلب التصاريح من الإدارة العسكرية الإسرائيلية في بوابة (إيرز) ولا من الجانب الأردني الذي أحتاج منه ورقة (عدم ممانعة). إذ من المفترض أن استخدم مطار عمان حسب خطة سفري الموجودة في تذكرة السفر لفرنسا!!

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق