النظام السوري وحصار امرأة
قرأنا في مواقع انترنتية مختلفة عن حالة غير صحية وسيئة لسمعة سوريا وصورتها في العالم الخارجي، ألا وهي حالة الحصار الأمني الذي تعاني منه السيدة د. فداء الحوراني في دارها بمدينة حماه، رغم إنهائها مدة العقوبة المحكومة بها في السجن، وهذا الحصار المفروض على امرأة سورية لا تحمل سلاحاً ولا تدعو إلى العنف، بل تنادي بالحوار بين مكونات البلاد الاثنية والدينية المختلفة دون استثناء، وكذلك بين المعارضة والنظام، يظهر مدى فزع هذا النظام وقلقه من اشتداد المعارضة له، وتجاوزاته على حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة بشكل سافر. وهذا سيسيء النظام بالتأكيد مستقبلاً ويسجل عليه كنقطة ضعف أيضاً…
لقد كانت سائر النظم الحاكمة في سوريا، منذ اعلان الاستقلال وإلى اليوم، تقوم بخروقات في مجال حقوق المرأة، فتعتقلها أو تضربها أو تهينها، بسبب هروب زوجها أو أولادها من الخدمة الالزامية، أو بعد شجار بين الأهالي، أو لعدم دفع ضريبة أو دين ما، أو لأن أحد أفراد عائلتها منتسب إلى تنظيم معارض، وأتذكّر أن الجندرمة في ستينات القرن الماضي ألبست امرأة كوردية بنطال رجل ورفعت قدميها عالياً وهي مستلقية على ظهرها لتتلوّى بلسعات الكرباج لأسفل قدميها العاريتين، وذلك بهدف انتزاع معلومات عن مكان اخفاء زوجها الهارب لسلاحه وعمن شارك من جيرانها في ايقاد النار ليلاً بمناسبة قدوم عيد النيروز…
وفي احدى المرات عندما ذكرت هذا لبعض الإخوة السوريين، أثناء فترة خدمتنا الالزامية في الجيش، قال بعض زملائنا من أبناء (الطائفة العلوية) آنذاك بأن منطقتهم التي يعيشون فيها كانت تعاني أيضاً من أوضاع سيئة للغاية في مجال حقوق الإنسان، وكان بعض المسؤولين والأثرياء من المدن السنية القريبة يعتدون على نسائهم وبناتهم، فيما مضى…
لكن السؤال المحيّر هو: طالما هذه الخروقات لحقوق الإنسان أمور سيئة، فهل هناك من يقول بجرأة:”كفانا هذا، ونحن سنكون أفضل ممن سبقنا في ادارة هذه البلاد.”؟
لايعقل أن تسجن المرأة أو تطلب للتحقيق لمجرّد أن زوجها أو ابنها في وضع معارض للنظام، فما ذنبها في ذلك؟ أليس كل إنسان مسؤول عن نفسه؟ أم أن العائلة صارت “أداة ضغط” مبتذلة على أفرادها؟ وإن كانت المرأة نفسها ناشطة سياسية أو اجتماعية أو كليهما معاً، فلماذا لا نشكرها على جرأتها في الدخول إلى هذه الساحة التي كانت محرومة منها في الماضي؟ ألسنا مشجعين لممارسة المرأة لحقوقها الاجتماعية والسياسية وحريتها في ابداء الرأي؟ أم أننا نكذب في هذا المضمار كما نكذب في مسائل الحريات السياسية الأخرى؟ أم أن فزع النظام من المواطنين عامة، ومن المرأة خاصة كبير لدرجة أنه لايحترم حقوقها الإنسانية؟
إلى أي مستوى تدنّى احترام المرأة في سوريا التي ظهرت فيها نساء من أمثال جوليا دومنا، زوجة القيصر الروماني سيبتوس، والملكة زنوبيا؟
نسمع مراراً عن تحقيقات مع زوجات أو بنات المواطنين المغتربين الذين يعيشون في الدول الخارجية، في أجواء الحرية والديموقراطية، ويمارسون هناك حقهم في التظاهر السلمي أو الاحتجاج، اللواتي يقمن بزيارات لسوريا، وذلك من باب الضغط على أولئك المغتربين الذين لم يدخلوا في جمعيات المغتربين السورية المعروفة بولائها للنظام، كما نسمع عن اعتقالات لنساء المواطنين المقيمين في البلاد لأسباب سياسية، بل حتى لمجرّد شروعهن في كتابة مقال أو قصة ذات مغزى اجتماعي تفوح منها رائحة المعارضة مع بعض سياسات النظام. أو أن أحد الناس وشى بهن لأسباب تتعلّق بالمشاكل والخصومات القروية العائلية (على الماء والكلأ) كما تقول العرب…
مثل هذا الوضع المائل كان يجب تقويمه، منذ زمن بعيد، لأن العالم قد تغيّر، وسوريا مهد للحضارات البشرية العريقة، وبخاصة كان التقويم المطلوب واجباً على أولئك الذين يتذكّرون بمرارة ما حدث لأمهاتهم أو جداتهم من غبن تاريخي، ويعتبرن تلك المراحل السابقة من تاريخ سوريا صفحات سوداء في مجال حقوق المرأة السورية. ولكن على العكس من ذلك نجد أزلام مسؤولي النظام الذي يعرض نفسه في العالم بوجه أشد تحضّراً ومدنية، يحاصرون امرأة أنهت مدة عقوبتها في السجن في منزلها، يترصدون ليل نهار كل من يزورها ويصوّرنه ويظهرون حنقهم عليه، ليثيروا في نفسه الفزع والرعب… أي يبغون أن يبقى النظام مرعباً مكروهاً، وليس محبباً ومقبولاً… وهم يعلمون ماذا حدث لنظام جارٍ كان على هذا المنوال في عدم احترامه لحقوق الإنسان.
كيف يستطيع هؤلاء الجلوس مع نسائهم وبناتهم على طاولة الطعام بضمائر مرتاحة، وهم عائدون من عملية تلصص ورصد لنساء الآخرين، أو أنهم خارجون لتوّهم من غرف التحقيق التي يخيفون فيها المرأة السورية؟. أفلا يشعر هؤلاء بالخجل ولايستحون؟ وكيف يسمح لهم بذلك الذين بأنفسهم كانوا يمتعضون مما حدث في التاريخ مع أمهاتهم أو جداتهم من معاملة لاتليق بالإنسان وكرامته، التي قال الله تعالى بصددها ((ولقد كرّمنا بني آدم))…؟
كنّا نتوقّع من رئيس تولّى الحكم وهو شاب تعلّم في أعرق الديموقراطيات الأوروبية وتزوّج من عاشت أيضاً في أجواء الحريات السياسية ورأت بعينيها مدى اهتمام الناس في العالم الحرّ الديموقراطي بحقوق المرأة ومدى مشاركتها في النشاطات الاجتماعية والاسياسية والثقافية والاقتصادية، بل في المحاكم والشرطة والوحدات الخاصة والمجال الجوي والفضائي… أن يدفعا الظلم والغبن عن المرأة السورية، لا أن يشاركا بالسكوت عن الضيم الذي يلحق بالمرأة السورية، وكنا نتوقّع أن يترفّع هؤلاء المتحضرون عن ارتكاب جريمة التحقيق مع النساء وتعذيبهن واعتقالهن وارهابهن…
يبدو أن سوريا لن تخرج بسهولة من دائرة الظل، طالما أن الجديد لايختلف عن القديم في شيء…
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.