خالد الحاج صالح : أين سوريا من ثورات التحرر العربي ؟
القسمة العمودية : يبدو ان في القول, بأن المجتمع السوري مقسم لدرجة لا يمكن مقارنة وضعه بأوضاع المجتمعات العربية الاخرى وخصوصاً تلك التي ثارت على الطغيان وخلعت ديكتاتورييها, فيه الكثير من وصف واقع الحال. ولكن هل صحيح أن هذه الانقسامات العمودية تشكل مصدر خطر على أي تغيير او مشروع تغيير؟
هل صحيح أن سوريا تقع بين خيارين احلاهما مرّ؟
يبدو للمطلعين على الاوضاع السياسية والاجتماعية في سوريا , أن الامر بديهي, و ربما يشارك عدد لا يستهان به من المثقفين السوريين كما احزاب معارضة بهكذا نظرة للشارع السوري. مجسدين ذلك برفع دعوات تعاون على طول خطوط الانقسام العمودية تلك , يرتاب بها الشارع السوري . يبدو للمطلع على دعوات التعاون والتفاهم تلك ان صياغاتها تعزز سياسة النظام التقسيمية على طول خطوط الخوف العمودي تلك.
يبدو لي لي أننا كسوريين نتخوف من انقساماتنا الوهمية تلك أكثر من اللازم , و إن احد اهم اسباب هذه النظرة هي إنغماسنا في تداعيات انقسامات الخوف هذه ومعايشتها لدرجة تمثلها وعدم القدرة على الانفكاك منها والخروج عليها. فتسيّنت الافكار في هذا الماء الركد على امتداد ثلاثة اجيال
و الدليل فيما اذهب اليه يتمثل لي بشيئين مهمين جداً. أولهما ظاهرة الشباب السوري الناشط واللذي هو من نفس الجيل اللذي فاجأ نفسه قبل ان يفاجئ العالم في تونس ومصر. ذلك الشباب اللذي يرفض الخطاب الطائفي او الانقسامي و يحاول ابعاده عنه, بنفس الوقت اللذي يسعى به للتغيير وصولاً الى التحرر من الديكتاتورية. أما الظاهرة الاخرى و ربما المفسرة بالاولى , فهي ما تم من ثورة البوعزيزي في تونس وثورة التحرير في مصر. فرغم الاختلاف الظاهر في التكوين الاجتمتاعي للبلدين المتحررين من الطغيان من ناحية و وضع المجتمع السوري من ناحية اخرى , فإن ثورات الشباب هذه سجلت استباق ونهوض من ماء آسن كذاك اللذي يغرق الشارع السياسي والثقافي السوري. وربما يتشكل الامل السوري في نقطة مهمة طرحتها ثورات الشباب في تونس و مصر. و هي تتمثل في عنصر المفاجأة لكل المراقبين والمحللين السياسيين والمفكرين الاجتماعيين ليس فقط خارج البلدين وانما و بدرجة اكبر لمن هم داخل هذين البلدين. بمعنى أن النضج الثوري ” الاستعداد للانتفاض والثورة” وُجد بين الشباب دون أن يكون ذلك مرتبطاً بمظاهر تفسره أو تقيسه بأي مقاييس متعارف عليها في علم السياسة والاجتماع. رُبَ من يقول بأن حركة مدونين وكتابات سياسية تعد أحد المؤشرات التي يمكن أن يتم القياس بها الان بعد قيام الثورة . ولكن أحد لم يستطع قياسها قبل قيام الثورة لا في تونس ولا في مصر. وهو ما ينطبق على سوريا ايضاً. فالحكم الكمي أو الكيفي على حركة التدوين السياسي ممكنة الان بعد قيام الثورتين ولا زالت غير ممكنة في الحالة السورية.
جلد الذات أم تفخيم الذات؟
من خلال ما نشر على وسائط الاعلام الاجتماعي بدءاً من اليوم التالي لدعوة يو م الغضب السوري, بدأ خائبي الامل بمهاجمة الشعب السوري و جلد الذات بارذل ما يمكن في محاولات يائسة لتبرير لمَ لم ينتفض الشعب في سوريا مع استحاقه زمنياً و حالةً لهذا الانتفاض . وذهب كثر منهم لرد ذلك الى ” واقع” الانقسامات العمودية في مشاركة منهم , بدون قصد كما يبدو لي , بإدامة الحال الراكد في مجتمع يُحكم بنظام الرعب الجماعي. بذلك يمكن ان نتبين أن النظام قد نجح الى حد كبير في زرع الرعب في المجتمع, ليس فقط من ردة فعله الدموية القاتلة كما يحب ان يثبت بكل مناسبة, و إنما ايضاُ بالرعب من التقسيمات المرسمة للمجتمع على طول حدود التقسيم العمودية. يبدو لي انه يتوجب علينا أن نقتنع برومانسية الفسيفساء الاجتماعية لنتجاوز ضعفنا هذا
كما ذهب مثقفين آخرين الى إبراز معضلة اخرى وهي تغلغل النظام الديكتاتوري في مؤسسات الدولة والمجتمع لدرجة التجذر اللذي لا يمكن خلعه بدون اسقاط الدولة. وفي مقارنات بين الوضع في تونس ومصر من جهة وسوريا من جهة اخرى ,خلصوا الى نتيجة مفادها , ان النظام السوري لا مثيل له في السيطرة على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني, منكرين وجود حالة مشابهة في تونس و مصر. ما يقلقني في هذا القول هو التاكيد المطلق على هذا الوصف و اللذي يكون مفادة الرسالة التالية للشباب السوري: لا تقارنوا انفسكم مع تونس ومصر, انتم تواجهون ما لا يمكن مواجهته.
من خلال متابعاتي وقراءاتي في الفترة الماضية الحافلة بفيض من المعلومات, يبدو لي ان استنتاج تشرب وتجذر النظام في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في سوريا هو أكبر بما لا يقارن بالحالة التونسية او المصرية, هو ضرب من الفكر الاسن في تضخيم الذات بطريقة تضخيم الشر اللذي تواجهه. فكما التوانسة كما المصريين كما السوريين يرون في النظم المتسلطة عليهم الحالة القصوى من الديكتاتورية. و لم يكن التونسي او المصري يحلم قبل الثورة بإمكان الفكاك من الديكتاتور و نظامة التسلطي بدون تفكيك الدولة. وبالتالي فالحالة الديكتاتورية هي هي نفسها في كل البلدان العربية, تعتمد على تغلغل النظام وتشربه في كل مؤسسات الدولة والمجتمع مع فرض الوصاية الابوية على الرعايا. وهي ممكنة الخلع كما اثبت شباب تونس ثم شباب مصر
الشرط الدموي
يبقى برأيي شرط أخر للرعب والخوف في الشارع السوري, وهو الحالة الدموية للنظام والتي لا تقارن بحالتي النظام في البلدين المنتفضين. ربما يتوجب ان يكون مرمى سهام النشطاء و المثقين والسياسين هو هذه الحالة, خاصة وان النظام السوري استخدم الجيش غير مرة في قمع الشارع السوري. قد يمكن تفكيك هذه الحالة على جبهتين النظام ذاته بالتحذير من مغبة استخدام العنف الدموي و الاستعداد لنشر ما قد يقوم به النظام على الشارع السوري و العالم كنوع من الحرب النفسية على القادة الميدانيين من جهة. و على جبهة الشباب السوري في اظهار الواقع الحالي كمصدر قوة لا يستهان بها . وأهم نقاط القوة في واقع اليوم هي العولمة وثورة الاتصالات الجديدة وهي نقطة القوة التي نصرت ثورتي تونس ومصر. وهناك نقطة قوة اخرى في الواقع الحالي وهي التحول اللذي اصاب السياسات الغربية في التعامل مع واقع و امكانية حصول الثورات في العالم العربي بعد الدرس التونسي . وهم يحاولون الان اللحاق بالمتغير لاثبات حسن النية اتجاهه, ليس لسواد عيون الشباب الثائر وإنما صوناً لمصالح الغرب الكبيرة جداً في العالم العربي. و ما قامت به امريكا خلال اسابيع الثورة المصرية الا المثال الابلغ على ذلك. فمتى كان الامريكي يقف الى جانب حركات التحرر العربي؟ هو تحول جديد وقراءة مصلحية ذكية للامريكي في محاولة لضمان بقاء مصالح امريكية في العالم العربي. فالامريكي تعلم من درس تونس وادرك ان التغيير حاصل و قادم ولم يعد من مجال لرده, بانكاره كما فعل و يفعل النظام العربي. وعلى الرغم من معرفة الامريكي بخطورة الديمقراطية على مصالحه في العالم العربي, فهو يدرك ان معاداة الحراك العربي أكبر خطورة على مصالحه من التصالح معه مع فقدان لجزء من مصالحة بدل ان يفقدها كلها.
في هذا المتغير الغربي ليس هناك غضاضة من ان يعترف اوباما لاحقاً ليقول للشباب السوري لقد علمتمونا درساً وغيرتم العالم وانتم تسطرون تاريخاً جديداً
الممانعة
هناك من يشير الى شرط اخر للنظام السوري, وهو ورقة التوت الاخيرة اللتي تغطي عورة الفساد والباطل أمام جزء من الشارع السوري , وهي اللعب على المواقف الوطنية والقومية فيما يعرف يالممانعة. وهي برأيي المهمة الاسهل لمناوئي ومعارضي النظام, نتيجة تخبط السياسة الخارجية للنظام خلال السنوات العشرة الماضية بشكل واضح قي ملفات: العراق و لبنان وحزب الله وايران و حركة حماس و المفاوضات مع اسرائيل. وما اسقاط هذه الورقة برأيي الا باعادة نشر المعلومات المتعلقة “بالممانعة ” وا يصالها الى من لا زال مقتنعاً بأن الفساد والخراب والديكتاتورية وقمع الحريات هو أقل شراً من التضحية بأوراق ” الممانعة” على طريقة الاسد
والممانعة الحقة لا يقوم بها العبيد , بل الاحرار
- خالد الحاج صالح : كاتب سوري مقيم في هولندا