بعد ثورتين … يسيل لُعابنا وتذبل عيوننا كُلما قرأنا عن مظاهرة
الخبر في هذه المرة ليس من تونس أو مصر ، وإن كنا مازلنا دهشون من خلع رئيس كلا البلدين ، فثمة جردة حساب طويل بين شعوب تأثرت بمفاعيل ثورتين كانتا من أسرع الثورات في العالم وأقلها استنزافاً بشرياً .
قبل قليل ، صعقت وأنا اتفحص عينات لصور الأسلحة المستخدمة في ليبيا طائرات ، وطلقات مدفعية إلى جانب عصابات تم تهيئتهم لضرب المدنيين .
الخلطة السلطوية في ليبيا :
– في ليبيا الآن ثورة فعلية ، متداخلة الهموم والشجون ، فالطموح بطرد طاغية احتل البلاد منذ 42 عام يلازمه من يحاول اللعب على تحريك البُعد القبلي وخلافات انذثرت منذ زمن طويل ، والواضح ان الإرادة الشعبية متوفرة ، ولكن بديلا قبلياً وحرباً بلا ملامح هدد فيها نجل المخلوع (القذافي الصغير ) جعلنا نراقب بتحسب
-طائرات تقصف المتظاهرين ، و رشاشات مضادة للدروع و المصفحات يتم استخدامها بمواجهة المتظاهرين .
– إشكالية الخلطة السلطوية في ليبيا أنها لا تنتمي للشكل الرسمي كحال الأنظمة الدكتاتورية ، في ليبيا لا يوجد جيش كلاسيكي ، ولكن يوجد ما يتخطى منطق العصابات المُسلحة ، يبدو للمتابع لكل مدينة مرجعية قبائلية تخترق ما يُسمى بالجيش
– القذافي يتنكر وخلاياه المرتزقة البلطجية المدربين ، و اولئك الذين يطلقون على أنفسهم اللجان ” الثورية ” (توجد نسختان مطابقتان لهم بمسمى حزب” العبث ” السوري والعراقي منذ أيام المقبوران حافظ وصدام للآن )، هؤلاء -اي اللجان -ادوات بيد المخلوع القذافي وعائلته ،لكن لدينا ايمان عميق بأن ثورة السابع عشر من فبراير في ليبيا انتصرت ، والشعب الليبي تسّلم السُلطة ، وان لم يُعلن احدا الرحيل .
بدأ السفراء الليبيين تقديم استقالاتهم ، في لندن يعلن السفير الليبي استقالته من منصبه وموظفوا السفارة ينضمون إلى المتظاهرين ، وفي اندونيسيا السفير الليبي يستقيل .
– من قبل استقال وزير العدل وتم اعتقال وزير الدفاع فى ليبيا ، والنظام الليبي سوف يقود البلاد الى حرب قبائلية ، واعتقد بأنه توجد صحوة ليبية للموقف ، سينتصر الشعب الليبي كما انتصر قبله الشعبين التونسي والمصري .
الآن بوسع القذافي المطالبة بإسقاط السُلطة ، مشكلة هذا الأبله انه غير مقبول حتى من حراس الخيمة التي يعيش فيها ، لن يتبع بن علة ،لأن ملفه في السعودية لا يشجعه ، كذلك لن يتجرأ دخول مصر لأنهم سوف يستقبلونه بالأحذية ، .. ربما سيتنكر بزي وينزل الى الشارع ويطالب بإعدام أولاده لأنهم لم يحفظوا كتابه الأسود .
ماذا عن سوريا :
– يسيل لُعابنا وتذبل عيوننا كُلما قرأنا خبرا عن موعد اعتصام أو تظاهر ، في الأمس كانت الأحزاب والجمعيات المدنية تتقدم الأنشطة المطلبية المنادية بالتغيير ، أما بفضل الاستثناءات التي تتم بموجبها إدارة شؤون البلدان ، تحولت التشكيلات السياسية الى خطوط مُحرمة في كثير من الأمكنة ، وأحيانا تكون حصيلة اي اجتماع علني حملة مسعورة تعتقل كل من تكلم أو وزع دعوة أو كتب مقال أو مجرد انه إستمع على محطة أخبار .
– الواقع العالمي عكس بظلاله على الشعوب العربية ، اذ طالما تعيش احتلالا وقمعا وفسادا تمارسه انظمتها بلا خجل ، فاق العد التنازلي لهذه الشعوب مع تنوع ادوات الإتصال التي باتت محركا هاماً لأي تفاعل سياسي وبشري ، فكان الإنترنت مكان آمن لمعظم الإعلانات التي على ما يبدو لم تستسغها الأحزاب إلا في حدود معينة
– ولأن الدبلوماسية السورية ذات مرجعيات أمنية فإننا لن نقرأ عن استقالات بأي سفارة ، احتجاجا على تصاعد الهجمة الأمنية منذ بداية هذا الشهر و التبلي على الشعب السوري الذي وصل حتى الى معقل السجناء السياسيين في صيد نايا .
-لن تتحرك هبّة شعبية في سورية ،الكلام هنا تأسس على اضطراب المشهد السياسي المعارض ، وبكل أسف ، لكنني على يقين تام ان شرفاء في مؤسسات الدولة سيهبون على النظام ،معلنين انهاء مرحلة العبث وحان الوقت للتأسيس على ميثاق الأمل.
-أمام النظام السوري فرصة ذهبية ، إما اعتقال الشعب السوري كله واعتباره اضعف هيبة الدولة ، أو تكليف احد الوجوه الجديدة بقيادة ما يمكن تسميته فيما بعد ب ” الإنقلاب التوافقي “
-مع كل هذا وذاك نلاحظ اعلانات مختلفة تردنا من الداخل ، طفرات شبابية ذات بُعد وطني ، ولكن في ذات الوقت لا يُفهم منها نواة تشكيل لاحق ، انما جاءت كحامل ظرفي أليم .. تأسس على احتقان تراكمي نجد تعبيراته إصلاحية ، كتلك التعبيرات التي تحمل برامج واضحة لكنها سرعان ما تتحول إلى مجرد أمنيات وأحلام تمتع النظر.،
أحمد سليمان