زملاء

وائل السواح : عن سورية التي أريد

إن الانتقال من دولة الاستبداد إلى الدولة المدنية الديمقراطية صار أمرا واقعا. الرؤية التالية مساهمة فردية مني لمن يرغب في مشاركتي إياها أو تطويرها أو إغنائها أو البناء عليها. ولكن من المهم ألا نتخلى عن ضرورة وجود هدف سام نسعى إلى الوصول إليه. هدف يتلخص بكلمتين: دولة مدنية-ديمقراطية.

1- سورية دولة مدنية ديمقراطية تقوم على أساس الحريات الفردية الأساسية وحقوق الإنسان، و تعتمد مبدأ تداول السلطة وفصل السلطات واستقلال الدين عن الدولة وتضمن استقلال القضاء استقلالا مطلقا عن السلطة التنفيذية، ويقوم البرلمان بسلطات المراقبة والتشريع وتعيين الحكومات وعزلها.

2- يمكن لسورية الجديدة أن تكون دولة ذات نظام حكم برلماني، يتم اختياره وفق الاقتراع السري، وفق قاعدة النسبية، دون أن ننسى أن من الواجب التذكر دائما أن الديمقراطية لا تعني استئثار الأغلبية الدينية أو المذهبية أو العرقية بالسلطة باعتبارها كذلك، وإنما تفهم مصطلحي الأغلبية والأقلية باعتبارهما أغلبية سياسية وأقلية سياسية، وهو ما يعني إمكانية تبادل الأدوار بينهما، وينبغي أن تتعهد الأغلبية السياسية بحماية حقوق الأقلية السياسية :وهو المعنى الحقيقي لتداول السلطة.

3- يقوم النظام البرلماني المنشود على أن السلطة التنفيذية التي يرئسها رئيس الحكومة هي كذلك بعد منحها الثقة من البرلمان، وتكف عن كونها كذلك، بمجرد سحب البرلمان لهذه الثقة. ويتمتع البرلمان بسلطة التشريع ووضع القوانين وتطويرها وتعديلها، وسلطة المراقبة اليومية على أداء السلطة التنفيذية، وضبط الموازنة، وسلطة منح الثقة أو حجبها عن الحكومة السورية ورئيسها أو أحد أعضائها، وحق إعلان الحرب وإقرار السلام.

4- يمكن لرئيس الجمهورية أن ينتخب من قبل البرلمان لدورة واحدة قابلة للتمديد مرة واحدة فقط، وهو يمثل شرف سورية ووحدتها، أرضا وشعبا ومؤسسات؛ يحمي الدستور ويمثلها في المحافل الدولية؛ يسمِّي رئيس الحكومة، وفق استشارات نيابية تعكس رأي الأغلبية السياسية. ويتمتع الرئيس بحصانة كاملة، ولا يمكن عزله إلا وفقا للدستور، بأغلبية برلمانية يحددها الدستور لا تقل عن ثلثي مجموع أعضاء الجمعية.

5- يمثل مجلس الوزراء باجتماعه وممثلا برئيسه فهو المسؤول الأساسي عن رسم وتنفيذ السياسة السورية داخليا وخارجيا، بما في ذلك السياسة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأمنية والعسكرية. ويمثل رئيس الوزراء سورية في المؤتمرات المحادثات الدولية الجماعية والثنائية، ويعقد الاتفاقات الدولية ويقدمها إلى البرلمان للتصديق.

6- يفضل أن يتم تخفيف مركزية البيروقراطية السورية ومركزية الدولة، بحيث تتمتع كل وحدة جغرافية باستقلال إداري ومالي على صعيد العمل والتعليم والصحة والشؤون الثقافية، بيد أنها مرتبطة بالمركز ارتباطا وثيقا ولا انفكاك له في قضايا السياسة والدفاع والأمن والخزينة والسياسات الاقتصادية العليا.

7- سورية بلد متعدد الثقافات والأديان، وتتمتع جميع الثقافات والأديان بحقوق متساوية في ممارسة طقوسها وتعلم وتعليم لغتها ونشر أدبها وثقافتها بلغتها. ومن أجل ذلك، من واجب الأكثرية العددية العمل على ضمان حق القوميات الأخرى في الوجود والمساواة وحق الاختلاف والتمايز والتعبير. ويجب أن ينص على ذلك في الدستور بحيث لا تعتبر الديمقراطية مرادفا أوتوماتيكيا لمفهوم الأغلبية.

8- يلعب المجتمع المدني ومؤسساته دورا مركزيا في توجيه السياسة العامة للدولة، ويتشارك مع السلطة السياسة في مناقشة كافة القضايا المصيرية الكبرى التي تخص السوريين جميع: حاضرهم ومستقبلهم. ويتمتع بآليات خاصة للضغط على السلطة.

9- إن القوات السورية المسلحة درع الأمة وحامي حدودها والمدافع عن وحدتها واستقلالها. وهي في دورها مرتبطة بالسياسات العليا التي ترسمها الحكومة، وتسهر على تنفيذها. ومن أجل ذلك لا بد أن يكون منصب وزير الدفاع منصبا مدنيا.

10- المسألة الوطنية قضية مركزية في حياة السوريين. ومن هنا يجب أن تضع الحكومة السورية نصب أعينها قضية استعادة الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل إلى سيادة الوطن الأم.

11- على الصعيد الإقليمي، ستعمل سورية الجديدة من أجل أعلى مراحل التنسيق بين جميع الدول العربية، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وحضاريا، من أجل الوصول إلى سوق عربية مشتركة، ومجلس عربي للتنسيق، ومحكمة عدل عربية، وبرلمان عربي يكون له صلاحيات واسعة في مجالات حقوق الإنسان والتعاون الثقافي، ثم ترتقي صلاحياته تدريجيا نحو العمل السياسي الموحد.

12- على الصعيد الدولي، نعتقد أن مستقبل سورية مرتبط بانضمامها النهائي إلى نادي الدول الديمقراطية في العالم، بما يعني ذلك من تنسيق دائم مع الدول الديمقراطية شرقا وغربا، والمساهمة الجدية والمسؤولة مكافحة الإرهاب، وتعزيز دور الأمم المتحدة على كافة الصعد والعمل على تطوير برنامجها وسياساتها وأدائها، وتطوير آليات عملها بما في ذلك البدء بخطط إصلاح المنظمة الدولية وهيئاتها.

13- في الشأن الاقتصادي، ستكون سورية على الأرجح بلدا حرا، يعتمد اقتصاد السوق وإطلاق المبادرة الفردية ودعم الاستثمار الخاص ومشاركة رأس المال السوري المحلي والمهاجر ورأس المال الأجنبي للاستثمار والتنمية وخلق فرص العمل، مع التأكيد على دور الدولة في لعب دور الحكم والمراقب والضابط الاقتصادي وفي مراقبة التنافس واستشراف الرؤى الاقتصادية العامة للبلاد، وفي لعب دور المعادل بين جنوح الاقتصاد الحر من جانب والكلفة الاجتماعية ومصلحة الشعب السوري بمجمله، من جانب آخر. ولا بد أن تقوم الدولة بإصدار قوانين تحمي المنافسة وتحرم كافة أشكال الاحتكار، وإحداث نظام ضمان اجتماعي و ضمان صحي متطور يشمل البطالة والفقر والمرض والشيخوخة. كما ستعتمد سورية نظاما ضريبيا تصاعديا، متوازنا، يأخذ بعين الاعتبار العدالة والدقة والموضوعية، ويراعي تشجيع الاستثمار، ويؤمن الدخل الكافي لتغطية نظام الضمان الاجتماعي ضد البطالة والفقر والمرض والشيخوخة.

14- في الشأن الاجتماعي، ستدعو سورية الجديدة إلى تعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر، ونبذ سياسة الإقصاء والنبذ والوصاية، كما يدعو إلى الانحياز الكامل والنهائي في مجالات الحريات الفردية وتمكين المرأة، وضمان حقها في تسلم الوظائف العامة بدون أي استثناء بما في ذلك رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان والقضاء وإطلاق المبادرة أمام الشباب والاهتمام جديا بالأطفال. وسيفترض ذلك لانتقال من أشكال الانتماء ما قبل الوطني، وخاصة الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية، إلى الانتماء الوطني وذلك من خلال النقاش والحوار المفتوح وليس عبر سياسة إقصائية أو أخرى تعتبر أن المشكلة غير موجودة. وستضمن حق الاعتقاد لجميع الأديان والمعتقدات الأرضية.

15- من البديهي أن ذلك كله لا يمكن ن يقوم بدون إصلاح القضاء إصلاحا جذريا، عبر استقلالية القضاء الكاملة عن السلطة التنفيذية، وتحسين مستوى القضاة المعيشي، والبدء بانتخاب القضاة بدل تعيينهم، وتدرجهم الوظيفي المستقل، وضمان حصانة المحامين. ولا يكتمل ذلك إلا بإصلاح جذري لسلك الشرطة وتنظيفه من المفسدين والمرتشين والجلادين، وإيجاد آلية عمل مرنة وشفافة بين الشرطة والقضاء.

16- وستضمن الدولة ديمقراطية التعليم، على أن تتم مراجعة المناهج التعليمية، واعتماد مناهج علمية عصرية في كافة العلوم الطبيعية والرياضة والعلوم الإنسانية، بعيدا عن الخرافة والبحث الذاتي غير العلمي.

17- إن الإنسان هو رأسمال سورية، ولذلك، فلا بد أن تكون الحريات الفردية في الاعتقاد الديني والسياسي والأخلاقي، بما في ذلك حرية الاعتقاد واللا-اعتقاد، وممارسة ذلك، والممارسات الاجتماعية، مكفولة دستوريا. ولا يحد الحرية الفردية إلا تعارضها مع، أو الأذى المادي الذي يمكن أن تسببه، للأفراد الآخرين أو للمجتمع.

في واحدة من أجمل مسرحياته، بعنوان “ستة شخصيات تبحث عن مؤلف،” يعالج المسرحي الإيطالي العظيم لويجي بيرانديللو حالة ستة شخصيات مسرحية، لها حياتها وآلامها وآمالها، ولكنها ببساطة غير موجودة لأن أحدا لم يكتبها. فهي إذن شخصيات مسرحية تبحث عن مؤلف. وأنا أستعير هذه الفكرة في موضوعة سياسة هذه المرة. فالبرنامج السياسي أعلاه، هو برنامج بدون حامل، بدون تنظيم أو جماعة تدافع عنه. ومن هنا فهو برنامج يبحث عن جماعة، أو حزب، أو مجموعة تحاوره أو تتحاور حوله، فتعدله وتغنيه وتضيف إليه أو تحذف منه، أو ربما تنسفه وتأتي بجديد أفضل منه. فهل من مجيب للنداء، يا سامعين الصوت في سورية؟

وائل السواح

نقلا من صفحة مثقفون من أجل سوريا

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق