زملاء

يوميات توفيق الحلاق عن حي بابا عمرو

في حومة الموت أنا !! أنا في بابا عمرو .. أرتجف من البرد وأيضا من الجوع والخوف الرهيب .. لم أتحضر لمثل هذه الهجمة الهمجية !! لم يحدث أن وصلت قنابل إسرائيل في الماضي إلى بابا عمرو بالرغم من خوضها حروبا شرسة ضد شعب سوريا !! وبالتالي فأنا لاأملك خبرة في التعامل مع القصف المدفعي الذي طال بيتي وحارتي ومدينتي !! الدولة أيضا كانت تعرف أن إسرائيل تخاف قصف المدنين العزل ولذلك لم تشترط على البنائين تخصيص ملاجئ تحت البيوت !! ليس صوت الانفجارات الذي يصم الآذان وحده يخيفك ؟ قبل دقلئق تناثر سقف بيتي وأصبحت مع أمي العجوز المريضة وزوجتي الحامل وطفلي الإثنين في العراء .. ثمة نتف من الثلج لاراد لها تتساقط على رؤوسنا جميعا فيزيد من شعوري بالضياع عن محيطي , لم يعد هناك محيط بل مساحات من الدمار على مدّ نظري الكابي باتجاه وجوه أحبتي .. أنا رأيت قبل لحظات أفرادعائلة أبوزياد يركضون شبه عراة في الحارة ويغيبون في الدخان والنار , وحين توقف القصف دقيقة لمحت زياد وهويجر جدهّ من ساعديه إلى أن جاءته قذيفة أودت بالإثنين معا … لم أعد أجرؤ على الحركة .. أصوات الأنين تصلني من تحت أنقاض بيت أبوعمر .. لاأستطيع التمييز أهي أم عمر التي تئن أم ابنتها لأنهما متشابهتان في الصورة والصوت .. كنت أمازح أم عمر : والله ماعرفت إذا كنتي أميرة ولا فطمة … تضحك أم عمر : الله عليك ياأبومحمد دايما بترفعلي معنوياتي . .. أتمنى لو يتوقف القصف دقائق لأشعل باب بيتي وأدفء أمي التي تلفظ أنفاسها بثبات وطفلاي الذين صار لون وجهيهما إلى الأزرق وزوجتي التي تتلوى دون صوت وهي تحضن بطنها وكأنما تحمي جنينها من البرد والموت . تخاطر.. وتزحف وتجر الباب وتقفز فوقه مرات حتى ينكسر .. تتذكر القداحة في جيبك .. قنبلة تهوي فوق بناية عالية قريبة .. تتناثر قطع من البيتون في الأرجاء ويتساقط بعضها على مساحتك .. قطعة صلبة وحادة تخترق رأس طفلك الأصغر .. ياربي .. ياإله العرش العظيم .. أريد أن أصرخ وكذلك زوجتي وأمي .. لكننا لانستطيع .. البرد يفترسنا كوحش لايرحم .. أتلوى فوق ولدي الذي انفجر رأسه ثم سال دمه قليلا وتجمد .. تتلوى زوجتي فوقنا .. يزحف طفلي الأكبر تحت رأسينا ويعانق شقيقه وهويرتعد .. أمي تغفو إغفاءة أخيرة بعد أن قضى عليها موت حفيدها .. ما أزال أنا وعائلتي هنا منذ خمسة عشر يوما ولاأدري إن كان أحد سيأتي لنجدتنا .. قد نصمد ساعة أخرى .. قد يعيش منا الجنين لأنه وحده الذي لم يصله البرد حتى اللحظة وقد ينجو من قذيفة أورصاصة .

توفيق الحلاق : إعلامي سوري
من ابرز برامجه في التلفزيون السوري السالب والموجب

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق