زملاء

إكرام حاطوم : قبل وبعد ” الدين لله والوطن للجميع “

مشهد بذاكرتي منذ ثلاث سنوات,كنت في منزلي بالسويداء,منزل فائق الرفاهية,لا يفصلني من الشرق عن رؤية جبل العرب البديع إلا بعض ألواح من الزجاج,الجو عاصف,ونثرات الثلج والمطر تتساقط رويداً على البلور,أرى جمال الطبيعة بكل تفاصيلها الخلابة,غيوم سوداء,الشمس الخجول,النجوم في الليل,بزوغ الفجر,إبداع كامل للطبيعة.
لا داعي للكثير من الملابس,التدفئة تأتي من تحت الأرضيات, و “عاملتي “ الأندونيسية المدللة”سومي”تشرف على إشعال “الشيمنيه”ليس من أجل الدفئ,لكن تعرف طقوسي عندما أقرأ كتاب,وترد لي بعض من دلالي لها,صوت إحتراق الحطب بديع.
كنت أقرأ كتابان “عداء الطائرة الورقية”و “ألف شمس مشرقة”لخالد الحسيني.
سيارتي الجميلة(سيراتو كوبي)جاهزة أمام المنزل,عندما تضيق بي القراءة والإنفعالات,أخطف مسرعة مجموعة المفاتيح,وأقوم بجولة ترفيهية لإمرأة تقرأ وتشاهد الموت في بيت من زجاج.
الكاتب من أفغانستان,يروي عن الصراع بين البشتان والهزارة (يا إلهي لم أكن أعلم سابقاً أن افغانستان كانت دولة حضارية!!!) أحمد الله أنني من سوريا ، لا صراع بين الطوائف,فقد علمنا الباشا سلطان”أن الدين لله والوطن للجميع”.

انفجارات ، قتل,ذبح بالسلاح الأبيض,خطف,متطرفين,أصرخ منفعلة عند قراءة إحدى المشاهد اللاإنسانية,لأجد فنجان من القهوة أمامي,علني أروق للحظة,فأنا لست من أفغانستان.أنا من سوريا,لا حرب ببلدي ولا طوائف,ولا يمكن أن يكون.
في الرواية ,يضطر أمير ووالده أن يتركوا حياة السلاطين,وقصرهم المنيف,وخدمهم,والنزوح الى إمريكا,والعيش بحي شعبي مع الأفغان,ويضطر الوالد للعمل بتجارة الخردوات(يا الهي!!!كيف يتحمل هذه النقلة,الحمدلله أنا من سوريا,وسوريا معروفة بالأمان.

بعد ثلاث سنوات.
أنا في شقة متواضعة بالإسكندرية,إطلالتها على مجموعة من الأبنية,التي تحجب كل تفاصيل الطبيعة,لا رؤية شمس,ولا قمر,ولا نجوم,جلّ ما أراه من النافذة,جاري المتفرع دائماً,وأظنه ليبي الجنسية لأن للمصريين طقوس ويحترموها,وجوده مقابلي يمنعني حتى من فتح النافذة,
أمضي نهاري متلكلكة بإنجاز شغل البيت ,أقوم بدور سومي لأكتشف سبب تباطئها بالعمل”هنا لا أصدقاء,ولا أهل,ولا عمل,ولا سيارة,يجب أن تمضي ساعات النهار كيفما كان,فبعد النهار نهار.
أشاهد التلفاز,قتل,مجازر,خطف,اعتقالات,طائفية,مجاعة,إنفجارات,لا لا لا لا أصدق!!!!!هذه ليست سوريا!!!وهذه ليست أنا!!!!!!!!!!يبدوا أنني تقمصت شخصية بطلة الرواية.
يوقذني إبني الصغير بصرخة عالية(ماااااااااااااما ليش ما عم تردي؟مليت بدي مصاري لأطلع ع الصالة)أي صح أنا ماما!!!!!!!وهذه الصور من سوريا!!!!!

أي ماما المصاري بجزداني
معي ميتين جنيه
خوذ قد ما بدك
وتريك مصروف يكفي لآخر الإسبوع.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق