زملاء
دور المعارضة في الثورة السورية : وثيقة لهيئة إعلان دمشق في اللاذقية
ليست الثورة سوى انفجار اجتماعي ينزل فيه الشعب الى الشارع مطالبا بإسقاط حكامه المستبدين غير عابئ برصاص حراسهم.
لا نعتقد ان عاقلا في العالم بعد كل ما جرى ويجري في سوريا يشك في نزول الشعب السوري الى الشارع من اجل حريته وكرامته، فما هو دور المعارضة في هذه الانتفاضة ؟
المعارضة السورية قبل الثورة
المعارضة اليمينية *:
تبلور نظام الحكم الجديد في سوريا بعد الحركة التصحيحية , خصيصا بعد ان فصّل دستوره :”الديمقراطي الشعبي” على قدر قامة قائده “الملهم” – القائد الضرورة –
كان من المفروض أن تكون المعارضة اليمينية لنظام الحكم الجديد في سوريا أشد وأقوى من المعارضة اليسارية , متمثلة بالأحزاب السورية البورجوازية المعروفة تاريخيا مثل حزب الشعب والحزب الوطني , لكنها كانت جبانة وفضلت مهادنة النظام خوفا من بطشه وآثرت العمل اقتصاديا ضمن الهامش الممنوح لها منه وتحت جنحه ورضاه ولم يعرف عن تلك الأحزاب أو ما يشابهها نشاط سياسي منظم معارض لمسيرة القائد .
المعارضة اليسارية :
أما المعارضة اليسارية وعلى الرغم من أنها تقف على أرضية أيديولوجية واحدة مع النظام فقد أصرت على طريقها المستقل سياسيا عنه وواجهت حملات القمع والتنكيل التي لم تنقطع عليها حتى الآن .
شقت المعارضة اليسارية طريقها السياسي المستقل منذ أواسط السبعينات عبر انشقاقات عن الأحزاب المتحالفة مع النظام كان أبرزها انشقاق في حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة المرحوم جمال الأتاسي عبّر بدقة عن طموح تلك المعارضة , فقد أعلن انسحابه من الجبهة احتجاجا على صيغة النصف زائد واحد لحزب البعث فيها وقال انه كان يأمل أن تتشكل الوزارة من ثلاثة تيارات سياسية بالتساوي هي الشيوعيين والناصريين والبعثيين , فاذا بدستور الجبهة يخيب آماله , تبعه فيما بعد انشقاق في الحزب الشيوعي كان لشكل التحالف فيه دورا أساسيا , والفصيلين الجديدين ساهما في ولادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض أواخر السبعينات . أضيف اليهما فصيل آخر نهاية السبعينات هو رابطة العمل الشيوعي المولودة من رحم اليسار الجديد التي اعترضت بشدة على قمع النظام المعمم لدرجة وصلت بها الى رفع شعار إسقاط النظام الديكتاتوري .
بدأت أول علامات التصدع داخل صفوف المعارضة اليسارية مع بداية أزمة الثمانينات في سوريا , تمظهرت في الخلاف بين فصيلين شيوعيين هما الحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) ورابطة العمل الشيوعي , ففي حين وقف الأول ومعه التجمع الى جانب الحركة الدينية وحلفائها ضد النظام لدرجة لا تستبعد اسقاطه , رأى حزب العمل في تقريره الشهير أواسط آب عام 1980 أن من الضروري نقل البندقية من كتف الى آخر وتجميد شعار إسقاط السلطة , فالقادم برأيه أسوا وهو يعتمد على ايديولوجيا دينية فاشية في حين يبقى النظام ديكتاتوريا ويعتمد على ايديولوجيا بعثية , ونادى هو ومن معه من التيارات اليسارية الى خط ثالث قوامه دحر الديكتاتورية وليس اسقاطها . كان وراء الخلاف بين التيارين بداية فهم جديد للديمقراطية على أرضية لبرالية اكثر مما هي ماركسية , يلخصها التساؤل التالي : هل يجب أن تكون الديمقراطية التي ننشدها ذات طابع انساني للجميع الحق فيها بمن فيهم الفئات الرجعية ام يجب ان تكون موجهة يعلو فيها الطبقي على الانساني ؟.
مع سقوط النظام العالمي السابق وتشكل النظام العالمي الجديد تبلور التياران داخل صفوف المعارضة اليسارية الكلاسيكية بداية الفترة المعروفة باسم ربيع دمشق .
– تيار قديم رأى فيما جرى ليس سوى جولة بين القوى المضادة للثورة وقوى الثورة انتصرت فيها الأمبريالية , هذا التيار ظل ينظر الى الديمقراطية نفس النظرة السابقة , فيجب ان تكون موجهة وتشمل الشعب وقواه الوطنية وتحرم منها القوى الرجعية .
– تيار مجدد بدأ يرى ان الاستبداد اخطر على شعوبنا من الامبريالية ويجب توجيه الضربة الرئيسية باتجاهه. أما نظرته الى الديمقراطية فقد تغيرت لتصبح الديمقراطية معطى انساني للجميع وآلية في الحكم وليست نظام حكم.
انفجر الصراع بين التيارين في المجلس الوطني الأول لاعلان دمشق وخرج منه دعاة النضال ضد الأمبريالية والصهيونية متمثلين بحزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي , وتركوا رفاقهم ليواجهوا آلة النظام القمعية بمفردهم .
لقد فهم النظام السوري كعادته الأمر جيدا , فالقول بأن الاستبداد اخطر من الامبريالية يجعل من اعلان دمشق رأس الحربة ضد المقاومة والمانعة التي يقودها , مثله مثل فريق الرابع عشر من آذار في لبنان . فصّب جام غضبه على الاعلان واستعمل كل السبل الممكنة لانهائه كتيار سياسي وان لم يستطع فليعزله ويحاصره داخل المجتمع السوري بدءا من السجون وانتهاء بالملاحقة والمحاصرة والتهديد بقطع لقمة العيش , وقد نجح في ذلك الى حد كبير لدرجة تذّكرنا بنجاح الأسد الأب فترة جبهة الصمود والتصدي مع تغير بسيط في الشعارات والتحالفات , نظام الأسد الابن يعتمد شعار المقاومة والممانعه , وحلفاؤه ربما كانوا أكثر من حلفاء والده في الفترة التي تلت انعقاد المجلس الوطني- أي منذ سنة 2008 وحتى سنة 2011 – سنة بداية الثورة الحالية .
تجدر الاشارة هنا الى أن اعلان دمشق وان يكن قد تخلص من فهم اليسار القديم للصراع العالمي على المستوى السياسي ونظر للمجتمع الدولي نظرة جديدة عّبر عنها أبرز مناضليه وهو رياض الترك بقوله – الاحتلال الأمريكي للعراق نقله من ناقص واحد الى الصفر – الا أنه لم يتخلص منها بنفس القدر على المستوى التنظيمي وما زالت اغلب فصائله تدخل مؤتمراتها او كونفرنساتها بنفس الطريقة السابقة حيث تقدم القيادة البرنامج السياسي للمؤتمرين بدلا من أن ينتج البرنامج عن المؤتمر نفسه ويكلف قيادته الجديدة بصياغتها .
المعارضة الدينية :
كان وما يزال للدين دور هام في حياة الناس لم تستطع أن تفهمه القوى التقدمية فترة الحرب الباردة , ساهم ذلك التقدير الخاطئ في الصحوة الدينية داخل منطقتنا والعالم . والحديث في الدين ذو شجون وشوؤن متعددة في مجتمعاتنا العربية الاسلامية بسبب طبيعة الدين الاسلامي كونه دين ودنيا كما يقول فقهاؤه , ونظام متكامل في السياسة والاقتصاد والمجتمع , ولذلك لم تستند عليه قوى الحكم فقط بل وحتى المعارضات التي نشأت ضمن هذه الدول, تجسدت تلك المعارضة في القرن العشرين في الاسلام السياسي وفصائله المتعددة وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين . اشتهرت الجماعة بسياستها البراغماتية الهادفة للوصول الى السلطة , وهي وان كانت تصنف ضمن القوى اليمينية في المجتمع من قبل فصائل اليسار , الا أن نوابها في سوريا كانوا فترة الخمسينات أقرب الى نواب حزب البعث في البرلمان من نواب كتلة العشائر والاقطاعيين . لكن مع الأسف الشديد عندما وصل الحزب الى السلطة في آذار تعامل مع الحركة ومع كل التيارات السياسية الدينية بمنطق من يرى فيهم يمينا رجعيا على طول الخط يجب استئصاله من المجتمع , لكن حركة 16 تشرين بقيادة الأسد غيرت أسلوب التعامل معهم من سياسة الاقصاء الى سياسة الاستيعاب , تلك السياسة التي ارتدت عليه , اذ أن الإخوان أصبحوا قوة في الشارع لدرجة أرادوا بها منافسته على السلطة , وجرت أواخر الثمانينات حرب غير مقدسة بين الطرفين استعمل كل طرف أساليب غاية في القباحة , تكتيك طائفي قذر من قبل طليعة الاخوان المقاتلة يغتال على الهوية, قابله قمع همجي من السلطة . انتهت الأزمة بانتصار الأسد وتعميم القمع من سلطته على المجتمع بأكمله طال رموز الاخوان ومناصريهم أكثر من غيرهم فأصبحوا مشردين اما في السجون أو في المنافي , مع ذلك لم تنقطع سياستهم البراغماتية , فقد حاولوا مرارا مغازلة السلطة وفتح خط التوسط معها لتسوية الأزمة وفشلوا , جرت آخر تلك المحاولات بعد حرب اسرائيل على غزة وتجميدهم شعار إسقاط السلطة مكافأة لموقفها الداعم لسلطة حماس المقاوم في غزة حسب زعمهم .
حال المعارضة مع الثورة في الظرف الحالي :
فاجأ الشباب السوري المعارضة بكل أطيافها في نزوله الى الشارع ومواجهته رصاص الأمن بصدره العاري , واصراره على إكمال المشوار مهما غلت التضحيات , كانت الصورة عنه قبل الثورة في أذهان أقطاب المعارضة الكلاسيكية أنه جيل مغسول الدماغ , تربى على الكذب والنفاق ضمن منظمات سلطوية بيرقراطية مثل الطلائع والشبيبة , وجيل كهذا يصعب تصوره في مقدمة المنتفضين من أجل الحرية والكرامة . لكن ما حدث في سوريا بعد الخامس عشر من آذار على يد هؤولاء الشباب أذهلهم
تنفست المعارضة الصعداء بعد انفجار الغضب الشعبي في شوارع المدن والبلدات السورية فقد كانت تنتظره منذ زمن بعيد لكي تنشغل أجهزة الأمن به فيخف الضغط عليها نسبيا , وقد واتتها الريح بعد الحراك فعقدت مؤتمرات عدة في الداخل والخارج من مؤتمر سمير أميس الى مؤتمر الانقاذ الوطني الى مؤتمر هيئة التنسيق الوطني الى مؤتمر المجلس الوطني في استانبول . لكنها بكل أسف بقيت كما في السابق منقسمة على نفسها الى جهتين يعبر عنهما الى حد كبير المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية .
هيئة التنسيق :
تعد هيئة التنسيق بحق وريثة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض , وهي تقف على نفس الأرضية الأيديولجية السابقة , لابل ان بعض شخصياتها وفصائلها يرى بالثورة ردة نحو الوراء ولكنه يخجل من الجهر بذلك فيتملص بالقول ( نحن لا نشارك في مظاهرات تخرج من الجوامع) اما من هو نصير للثورة حقا ومقتنع بها كثورة للحرية والكرامة , فهو يريد منها ان تبتعد كليا عن الخارج ويرفض رفضا قاطعا التدخل الخارجي وخاصة العسكري , وهو ما يصب الحب في طاحونة النظام , ويعطيه مهلة أخرى للقمع بسبب الفهم المغلوط للسيادة الوطنية في ظل النظام العالمي الجديد . الطريف في الأمر . ان الهيئة تحاول أن تسوق نفسها بأنها معارضة الداخل , ومن لا يشترك معها في هذا الفهم هو من معارضة الخارج . وتشترك في هذه اللعبة الكثير من القوى الداخلية والخارجية التي تعزف على وتر الخيانة والتعامل مع العدو الخارجي , والا لماذا التعتيم على اعلان دمشق من هذه القوى والنظر اليه بوصفه من معارضة الخارج , مع انه موجود في الداخل ولكن غير مسموح له بمكاتب ولا بمؤتمرات علنية مثل هيئة التنسيق , وأغلب رموزه متخفية وملاحقة ومطلوبة من الأمن , ومع ذلك يعمل كل ما بوسعه لنصرة الثورة على الأرض بدءا من استراتيجيته التي ترى أن الاستبداد أخطر على شعبنا من الخارج , مرورا بتقديم المساعدات الذي يستطيع تقديمها للثوار, انتهاء ببيانه الأسبوعي الذي يُعرِف بمظاهرة يوم الجمعة وبنقاطها وجرحاها وشهدائها .
المجلس الوطني :
عقد المجلس أول جلساته في اسطنبول بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على الثورة – ان تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي –
بلور المجلس برنامجا سياسيا تجاوز فيه المعارضة القديمة فقد قرأ اللوحة على المستوى العالمي قراءة لا أثر فيها تقريبا لروح الماضي . البرنامج يقوم على أساس ان الأنظمة الديمقراطية متقدمة على أنظمة الاستبداد دائما وهو مبني على أساس استبدال النظام الاستبدادي القائم بنظام ديمقراطي , جاء في البرنامج ما يلي (( سوريا الجديدة دولة ديمقراطية مدنية تعددية , نظامها جمهوري , برلماني , السيادة فيها للشعب , ويقوم على مبدأ المواطنة وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون وحماية الأقليات وضمان حقوقهم . وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق الانسان , والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والاعلام وغيرها , كما يكون جميع مواطنيها متساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس القومية او الدين أو الجنس )) .
لكن المفارقة تكمن بين البرنامج السياسي والنظام الداخلي , فهناك هوة كبيرة لابد من ردمها اذا أراد المجلس ان يتحول الى مؤسسة رائدة على طريق سوريا الجديدة .
لا تزال المعلومات شحيحة حول الآلية التي اتخذت في اختيار أعضاء المجلس الذين وصلوا الى استانبول , ولكن على الغالب لم يصل أحدا منهم عبر انتخاب تم ضمن مكوناته الأساسية لا في الداخل ولا في الخارج
قد يغفر المرء للمجلس تشكله بتلك الطريقة من أعضاء كلهم مهجرون قسرا ومهددون بالملاحقة والموت ويصح بالتالي ما جاء في مشروع نظامه الداخلي
(( بسبب الظروف الاستثنائية الحالية يقوم المجلس بتشكيل الهيئة العامة والأمانة العامة واختيار أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس المجلس للدورة الأولى بالتوافق )) .
وجاء في المشروع أيضا : الهيئة العامة هي أعلى سلطة في المجلس وهي بمثابة مجلس النواب الممثل للشعب .
لا نعتقد أن برلمانا ممثلا للشعب في العالم يعمل ضمن آلية التوافق ؟ والتوافق ترجمتها سياسيا هي المحاصصة . والمحاصصة كانت تتم في كل تحالفات القوى السياسية القديمة . واذا كان طموح المجلس كي يكون ممثلا للشعب السوري فعليه ان يعمل لكي تصبح الهيئة العامة أعلى هيئة في المجلس وان ينسى كل عضو داخلها وهو في الاجتماع انه تابع لهذه الكتلة او تلك بل أصبح تابعا للمجلس الوطني وبرنامجه السياسي العام , اما خارج الهيئة فمن حقه أن ينشط لكتلته أكثر مما ينشط للهيئة العامة , وان يتم انتخاب باقي الهيئات بشكل حر ومباشر من الهيئة على قاعدة الأغلبية والأقلية لا على قاعدة التوافق. هذه الطريقة الوحيدة التي تجعل منه بمثابة بروفة لبرلمان نحلم به بعد انتصار الثورة السورية , وهو الشكل الوحيد الذي يعطي الطمأنينة للشعب السوري في الداخل وللرأي العام العالمي في الخارج . ويجلب لنا مزيد من الدعم لقضية الثورة . وهي قضية الحرية والديمقراطية . وكل الظروف مهيأة لهذا العمل , فالأعضاء كلهم في الخارج بعيدا عن سيف الملاحقة والاعتقال , وبإمكانهم الاحتكام الى الديمقراطية القائمة على الأٌكثرية والأغلبية ضمن هيئته العامة في عملهم وليس الى التوافق .
ان خدمة الثورة على المستوى البعيد تكمن في تمثل أعضاء المجلس قضية الديمقراطية داخل مجلسهم أكثر بكثير من تمثلهم مواقف سياسية متوافقة مع روح العصر . فاذا كان شعارنا من الاستبداد الى الديمقراطية , فالأولى بنا ان نجعل من المجلس مؤسسة تدار بشكل ديمقراطي وتعطي صورة صادقة عنا لشعبنا ولأصدقائنا , هذا ما يجعل الدور يبحث عن المجلس مستقبلا بدلا من أن يكون العكس .
يحكى هذه الأيام عن إعادة هيكلة المجلس , ونحن نتمنى أن تكون الهيكلة بهذه الروح وتضم كل الفئات والتيارات السورية في الداخل والخارج التي ترى أن الاستبداد اخطر علينا من الخارج وتعمل مع المجتمع الدولي من اجل وقف نزيف الدم السوري ورحيل نظام الاستبداد
أما القوى التي تقف على أرضية العداء للتدخل الخارجي مثل هيئة التنسيق فيجب احترام وجهة نظرها والدخول من قبل المجلس معها في تحالف على أرضية رؤية سياسية مشتركة لسوربا الجديدة ما بعد الأسد .
المعارضة الحديثة :
لا يتجاوز عمر المعارضة الحديثة أربعة عشر شهرا , ولكنها توازي بل تتفوق على عمر أربعة عقود من عمر المعارضة القديمة , المعارضة الحديثة لا تشغلها الأيديولوجيا مثل القديمة وهمها الرئيسي هو الحرية والكرامة , ولا وجود لمثقفين بلغوا من العمر عتيا داخل صفوفها يتقنون فن المراوغة , واذا كان رموز المعارضة القديمة يتحدثون عن عذاباتهم داخل السجون او الملاحقة او المحاصرة فان شباب الثورة سبقوهم في هذا المضمار رغم عمرهم القصير في المعارضة . هنا لاتوجد سجون , بل فرقعة عظام ودهس جماجم بجنازير الدبابات . ان كل معارض ينتمي الى أحد تنسيقيات الثورة يمشي وهو يحمل روحه على كفه . يعمل ثوار الثورة السورية على الأرض ضمن ظروف تصعب الإحاطة بها أو تصورها . تلك الظروف جعلت منها أكثر من فصيل وأكثر من جهة حتى ضمن المدينة الواحدة , مثل لجان التنسيق المحلية , وهيآت التنسيق المحلية , وما أعطت من أشكال تنظيمية جديدة نسمع عنها في الفضائيات مثل الهيئة العامة للثورة ’ او المجلس الأعلى للثورة , أي ان التنسيق فيما بينهم يتم عبر الأنترنت , ذلك العالم الافتراضي الحالي الذي وفرته لنا ثورة المعلومات الحديثة , اما على الأرض فان اتصالهم ببعضهم ضمن المدينة الواحدة شبه مستحيل , فما بالك باتصالهم مع بعضهم داخل المدن السورية ؟
الخلاصة :
ومع اننا كهيئة مقتنعون بأن المجتمع الدولي ممثلا بهيآته الحالية وفي مقدمتها مجلس الأمن متقدم على أنظمة الاستبداد على شاكلة نظامنا السوري وهو يساعد بالمحصلة أبناء شعوب دول الاستبداد على استرجاع حريتها , الا اننا نقول بالفم العريض : ان المجتمع الدولي لم يكن ارحم بشعبنا السوري من نظامنا الاستبدادي , وقد وفّر له المهلة تلو الأخرى للقضاء على انتفاضة شعبه , يبدو أن الدول المسيطرة على مجلس الأمن لا تتحمل ثورة بهذه الجذرية في منطقة هي عصب الطاقة في العالم تجعل منها بوابة لثورات أخرى تطيح بمصالحها في منطقتنا .
بكل الأحوال لن يساعد أحدا السوريين في محنتهم , وعليهم ان يقلعوا شوكهم بأيديهم .
بهذا المعنى العتب كبير على المعارضة الكلاسيكية وبخاصة على مثقفيها ومهاتراتهم الفضائية حول طريقة سلخ جلد الدب قبل اصطياده . كنا وما زلنا نأمل من المعارضة الكلاسيكية ان تكون بمستوى ثورة شعبها وان تفتش فيما بينها على نقاط اللقاء وأن تترك نقاط الخلاف لتحل عبر الزمن بروح ديمقراطية وما يسفر عنه التطور الاجتماعي , بمعنى أن تصل الى تفاهمات تخدم الثورة بدلا من عرقلتها . كما هو حاصل على الأرض , وان تعمل ما بوسعها للالتحام مع المعارضة الحديثة .
ان النظام يلعب لعبة قذرة هي الفصل بين المعارضتين , فيتساهل مع الأولى ويقدمها الى محاكم وجلسات علنية , في حين يعدم كوادر الثانية ميدانيا , يجب ان ننتبه الى ذلك ونعمل بكل قوة لدمج المعارضتين من أجل خبرة الشيوخ التي لا غنى عنها للشباب الجدد الممتلئين حماسا وطاقة , واذا كان دور المعارضة الحديثة في صنع الثورة هو الأقوى فاننا نعتقد أن دور المعارضة القديمة سيكون مطلوبا أكثر بعد سقوط النظام وتكالب قوى عديدة في الداخل والخارج لاجهاض ثورتنا وإقامة نظام يقوم على المحاصصة الطائفية كما هو قائم في لبنان والعراق .
ان تلاحم المعارضة الجديدة والقديمة وحده رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بالثورة يجعل من الممكن وصول المرحلة الانتقالية في سوريا الى دولة وطنية تعددية لها قرارها الوطني المستقل كما كانت في الخمسينات من القرن الماضي .
هيئة اعلان دمشق في اللاذقية
……………………………………………………
• فضلنا في هذه الورقة الإبقاء على مصطلح اليسار واليمين بمعناه التاريخي حيث اليسار معني بدفع عربة التقدم الاجتماعي الى الأمام , واليمين يضع العصي في دواليب التطور الاجتماعي . مع قناعتنا بان كثيرا من القوى العربية الحالية المصنفة يمينا تخدم التطور الاجتماعي أكثر من قوى عربية مصنفة يسارية .
تبلور نظام الحكم الجديد في سوريا بعد الحركة التصحيحية , خصيصا بعد ان فصّل دستوره :”الديمقراطي الشعبي” على قدر قامة قائده “الملهم” – القائد الضرورة –
كان من المفروض أن تكون المعارضة اليمينية لنظام الحكم الجديد في سوريا أشد وأقوى من المعارضة اليسارية , متمثلة بالأحزاب السورية البورجوازية المعروفة تاريخيا مثل حزب الشعب والحزب الوطني , لكنها كانت جبانة وفضلت مهادنة النظام خوفا من بطشه وآثرت العمل اقتصاديا ضمن الهامش الممنوح لها منه وتحت جنحه ورضاه ولم يعرف عن تلك الأحزاب أو ما يشابهها نشاط سياسي منظم معارض لمسيرة القائد .
المعارضة اليسارية :
أما المعارضة اليسارية وعلى الرغم من أنها تقف على أرضية أيديولوجية واحدة مع النظام فقد أصرت على طريقها المستقل سياسيا عنه وواجهت حملات القمع والتنكيل التي لم تنقطع عليها حتى الآن .
شقت المعارضة اليسارية طريقها السياسي المستقل منذ أواسط السبعينات عبر انشقاقات عن الأحزاب المتحالفة مع النظام كان أبرزها انشقاق في حزب الاتحاد الاشتراكي بقيادة المرحوم جمال الأتاسي عبّر بدقة عن طموح تلك المعارضة , فقد أعلن انسحابه من الجبهة احتجاجا على صيغة النصف زائد واحد لحزب البعث فيها وقال انه كان يأمل أن تتشكل الوزارة من ثلاثة تيارات سياسية بالتساوي هي الشيوعيين والناصريين والبعثيين , فاذا بدستور الجبهة يخيب آماله , تبعه فيما بعد انشقاق في الحزب الشيوعي كان لشكل التحالف فيه دورا أساسيا , والفصيلين الجديدين ساهما في ولادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض أواخر السبعينات . أضيف اليهما فصيل آخر نهاية السبعينات هو رابطة العمل الشيوعي المولودة من رحم اليسار الجديد التي اعترضت بشدة على قمع النظام المعمم لدرجة وصلت بها الى رفع شعار إسقاط النظام الديكتاتوري .
بدأت أول علامات التصدع داخل صفوف المعارضة اليسارية مع بداية أزمة الثمانينات في سوريا , تمظهرت في الخلاف بين فصيلين شيوعيين هما الحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) ورابطة العمل الشيوعي , ففي حين وقف الأول ومعه التجمع الى جانب الحركة الدينية وحلفائها ضد النظام لدرجة لا تستبعد اسقاطه , رأى حزب العمل في تقريره الشهير أواسط آب عام 1980 أن من الضروري نقل البندقية من كتف الى آخر وتجميد شعار إسقاط السلطة , فالقادم برأيه أسوا وهو يعتمد على ايديولوجيا دينية فاشية في حين يبقى النظام ديكتاتوريا ويعتمد على ايديولوجيا بعثية , ونادى هو ومن معه من التيارات اليسارية الى خط ثالث قوامه دحر الديكتاتورية وليس اسقاطها . كان وراء الخلاف بين التيارين بداية فهم جديد للديمقراطية على أرضية لبرالية اكثر مما هي ماركسية , يلخصها التساؤل التالي : هل يجب أن تكون الديمقراطية التي ننشدها ذات طابع انساني للجميع الحق فيها بمن فيهم الفئات الرجعية ام يجب ان تكون موجهة يعلو فيها الطبقي على الانساني ؟.
مع سقوط النظام العالمي السابق وتشكل النظام العالمي الجديد تبلور التياران داخل صفوف المعارضة اليسارية الكلاسيكية بداية الفترة المعروفة باسم ربيع دمشق .
– تيار قديم رأى فيما جرى ليس سوى جولة بين القوى المضادة للثورة وقوى الثورة انتصرت فيها الأمبريالية , هذا التيار ظل ينظر الى الديمقراطية نفس النظرة السابقة , فيجب ان تكون موجهة وتشمل الشعب وقواه الوطنية وتحرم منها القوى الرجعية .
– تيار مجدد بدأ يرى ان الاستبداد اخطر على شعوبنا من الامبريالية ويجب توجيه الضربة الرئيسية باتجاهه. أما نظرته الى الديمقراطية فقد تغيرت لتصبح الديمقراطية معطى انساني للجميع وآلية في الحكم وليست نظام حكم.
انفجر الصراع بين التيارين في المجلس الوطني الأول لاعلان دمشق وخرج منه دعاة النضال ضد الأمبريالية والصهيونية متمثلين بحزبي الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي , وتركوا رفاقهم ليواجهوا آلة النظام القمعية بمفردهم .
لقد فهم النظام السوري كعادته الأمر جيدا , فالقول بأن الاستبداد اخطر من الامبريالية يجعل من اعلان دمشق رأس الحربة ضد المقاومة والمانعة التي يقودها , مثله مثل فريق الرابع عشر من آذار في لبنان . فصّب جام غضبه على الاعلان واستعمل كل السبل الممكنة لانهائه كتيار سياسي وان لم يستطع فليعزله ويحاصره داخل المجتمع السوري بدءا من السجون وانتهاء بالملاحقة والمحاصرة والتهديد بقطع لقمة العيش , وقد نجح في ذلك الى حد كبير لدرجة تذّكرنا بنجاح الأسد الأب فترة جبهة الصمود والتصدي مع تغير بسيط في الشعارات والتحالفات , نظام الأسد الابن يعتمد شعار المقاومة والممانعه , وحلفاؤه ربما كانوا أكثر من حلفاء والده في الفترة التي تلت انعقاد المجلس الوطني- أي منذ سنة 2008 وحتى سنة 2011 – سنة بداية الثورة الحالية .
تجدر الاشارة هنا الى أن اعلان دمشق وان يكن قد تخلص من فهم اليسار القديم للصراع العالمي على المستوى السياسي ونظر للمجتمع الدولي نظرة جديدة عّبر عنها أبرز مناضليه وهو رياض الترك بقوله – الاحتلال الأمريكي للعراق نقله من ناقص واحد الى الصفر – الا أنه لم يتخلص منها بنفس القدر على المستوى التنظيمي وما زالت اغلب فصائله تدخل مؤتمراتها او كونفرنساتها بنفس الطريقة السابقة حيث تقدم القيادة البرنامج السياسي للمؤتمرين بدلا من أن ينتج البرنامج عن المؤتمر نفسه ويكلف قيادته الجديدة بصياغتها .
المعارضة الدينية :
كان وما يزال للدين دور هام في حياة الناس لم تستطع أن تفهمه القوى التقدمية فترة الحرب الباردة , ساهم ذلك التقدير الخاطئ في الصحوة الدينية داخل منطقتنا والعالم . والحديث في الدين ذو شجون وشوؤن متعددة في مجتمعاتنا العربية الاسلامية بسبب طبيعة الدين الاسلامي كونه دين ودنيا كما يقول فقهاؤه , ونظام متكامل في السياسة والاقتصاد والمجتمع , ولذلك لم تستند عليه قوى الحكم فقط بل وحتى المعارضات التي نشأت ضمن هذه الدول, تجسدت تلك المعارضة في القرن العشرين في الاسلام السياسي وفصائله المتعددة وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين . اشتهرت الجماعة بسياستها البراغماتية الهادفة للوصول الى السلطة , وهي وان كانت تصنف ضمن القوى اليمينية في المجتمع من قبل فصائل اليسار , الا أن نوابها في سوريا كانوا فترة الخمسينات أقرب الى نواب حزب البعث في البرلمان من نواب كتلة العشائر والاقطاعيين . لكن مع الأسف الشديد عندما وصل الحزب الى السلطة في آذار تعامل مع الحركة ومع كل التيارات السياسية الدينية بمنطق من يرى فيهم يمينا رجعيا على طول الخط يجب استئصاله من المجتمع , لكن حركة 16 تشرين بقيادة الأسد غيرت أسلوب التعامل معهم من سياسة الاقصاء الى سياسة الاستيعاب , تلك السياسة التي ارتدت عليه , اذ أن الإخوان أصبحوا قوة في الشارع لدرجة أرادوا بها منافسته على السلطة , وجرت أواخر الثمانينات حرب غير مقدسة بين الطرفين استعمل كل طرف أساليب غاية في القباحة , تكتيك طائفي قذر من قبل طليعة الاخوان المقاتلة يغتال على الهوية, قابله قمع همجي من السلطة . انتهت الأزمة بانتصار الأسد وتعميم القمع من سلطته على المجتمع بأكمله طال رموز الاخوان ومناصريهم أكثر من غيرهم فأصبحوا مشردين اما في السجون أو في المنافي , مع ذلك لم تنقطع سياستهم البراغماتية , فقد حاولوا مرارا مغازلة السلطة وفتح خط التوسط معها لتسوية الأزمة وفشلوا , جرت آخر تلك المحاولات بعد حرب اسرائيل على غزة وتجميدهم شعار إسقاط السلطة مكافأة لموقفها الداعم لسلطة حماس المقاوم في غزة حسب زعمهم .
حال المعارضة مع الثورة في الظرف الحالي :
فاجأ الشباب السوري المعارضة بكل أطيافها في نزوله الى الشارع ومواجهته رصاص الأمن بصدره العاري , واصراره على إكمال المشوار مهما غلت التضحيات , كانت الصورة عنه قبل الثورة في أذهان أقطاب المعارضة الكلاسيكية أنه جيل مغسول الدماغ , تربى على الكذب والنفاق ضمن منظمات سلطوية بيرقراطية مثل الطلائع والشبيبة , وجيل كهذا يصعب تصوره في مقدمة المنتفضين من أجل الحرية والكرامة . لكن ما حدث في سوريا بعد الخامس عشر من آذار على يد هؤولاء الشباب أذهلهم
تنفست المعارضة الصعداء بعد انفجار الغضب الشعبي في شوارع المدن والبلدات السورية فقد كانت تنتظره منذ زمن بعيد لكي تنشغل أجهزة الأمن به فيخف الضغط عليها نسبيا , وقد واتتها الريح بعد الحراك فعقدت مؤتمرات عدة في الداخل والخارج من مؤتمر سمير أميس الى مؤتمر الانقاذ الوطني الى مؤتمر هيئة التنسيق الوطني الى مؤتمر المجلس الوطني في استانبول . لكنها بكل أسف بقيت كما في السابق منقسمة على نفسها الى جهتين يعبر عنهما الى حد كبير المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية .
هيئة التنسيق :
تعد هيئة التنسيق بحق وريثة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض , وهي تقف على نفس الأرضية الأيديولجية السابقة , لابل ان بعض شخصياتها وفصائلها يرى بالثورة ردة نحو الوراء ولكنه يخجل من الجهر بذلك فيتملص بالقول ( نحن لا نشارك في مظاهرات تخرج من الجوامع) اما من هو نصير للثورة حقا ومقتنع بها كثورة للحرية والكرامة , فهو يريد منها ان تبتعد كليا عن الخارج ويرفض رفضا قاطعا التدخل الخارجي وخاصة العسكري , وهو ما يصب الحب في طاحونة النظام , ويعطيه مهلة أخرى للقمع بسبب الفهم المغلوط للسيادة الوطنية في ظل النظام العالمي الجديد . الطريف في الأمر . ان الهيئة تحاول أن تسوق نفسها بأنها معارضة الداخل , ومن لا يشترك معها في هذا الفهم هو من معارضة الخارج . وتشترك في هذه اللعبة الكثير من القوى الداخلية والخارجية التي تعزف على وتر الخيانة والتعامل مع العدو الخارجي , والا لماذا التعتيم على اعلان دمشق من هذه القوى والنظر اليه بوصفه من معارضة الخارج , مع انه موجود في الداخل ولكن غير مسموح له بمكاتب ولا بمؤتمرات علنية مثل هيئة التنسيق , وأغلب رموزه متخفية وملاحقة ومطلوبة من الأمن , ومع ذلك يعمل كل ما بوسعه لنصرة الثورة على الأرض بدءا من استراتيجيته التي ترى أن الاستبداد أخطر على شعبنا من الخارج , مرورا بتقديم المساعدات الذي يستطيع تقديمها للثوار, انتهاء ببيانه الأسبوعي الذي يُعرِف بمظاهرة يوم الجمعة وبنقاطها وجرحاها وشهدائها .
المجلس الوطني :
عقد المجلس أول جلساته في اسطنبول بعد مضي أكثر من سبعة أشهر على الثورة – ان تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي –
بلور المجلس برنامجا سياسيا تجاوز فيه المعارضة القديمة فقد قرأ اللوحة على المستوى العالمي قراءة لا أثر فيها تقريبا لروح الماضي . البرنامج يقوم على أساس ان الأنظمة الديمقراطية متقدمة على أنظمة الاستبداد دائما وهو مبني على أساس استبدال النظام الاستبدادي القائم بنظام ديمقراطي , جاء في البرنامج ما يلي (( سوريا الجديدة دولة ديمقراطية مدنية تعددية , نظامها جمهوري , برلماني , السيادة فيها للشعب , ويقوم على مبدأ المواطنة وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون وحماية الأقليات وضمان حقوقهم . وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق الانسان , والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والاعلام وغيرها , كما يكون جميع مواطنيها متساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس القومية او الدين أو الجنس )) .
لكن المفارقة تكمن بين البرنامج السياسي والنظام الداخلي , فهناك هوة كبيرة لابد من ردمها اذا أراد المجلس ان يتحول الى مؤسسة رائدة على طريق سوريا الجديدة .
لا تزال المعلومات شحيحة حول الآلية التي اتخذت في اختيار أعضاء المجلس الذين وصلوا الى استانبول , ولكن على الغالب لم يصل أحدا منهم عبر انتخاب تم ضمن مكوناته الأساسية لا في الداخل ولا في الخارج
قد يغفر المرء للمجلس تشكله بتلك الطريقة من أعضاء كلهم مهجرون قسرا ومهددون بالملاحقة والموت ويصح بالتالي ما جاء في مشروع نظامه الداخلي
(( بسبب الظروف الاستثنائية الحالية يقوم المجلس بتشكيل الهيئة العامة والأمانة العامة واختيار أعضاء المكتب التنفيذي ورئيس المجلس للدورة الأولى بالتوافق )) .
وجاء في المشروع أيضا : الهيئة العامة هي أعلى سلطة في المجلس وهي بمثابة مجلس النواب الممثل للشعب .
لا نعتقد أن برلمانا ممثلا للشعب في العالم يعمل ضمن آلية التوافق ؟ والتوافق ترجمتها سياسيا هي المحاصصة . والمحاصصة كانت تتم في كل تحالفات القوى السياسية القديمة . واذا كان طموح المجلس كي يكون ممثلا للشعب السوري فعليه ان يعمل لكي تصبح الهيئة العامة أعلى هيئة في المجلس وان ينسى كل عضو داخلها وهو في الاجتماع انه تابع لهذه الكتلة او تلك بل أصبح تابعا للمجلس الوطني وبرنامجه السياسي العام , اما خارج الهيئة فمن حقه أن ينشط لكتلته أكثر مما ينشط للهيئة العامة , وان يتم انتخاب باقي الهيئات بشكل حر ومباشر من الهيئة على قاعدة الأغلبية والأقلية لا على قاعدة التوافق. هذه الطريقة الوحيدة التي تجعل منه بمثابة بروفة لبرلمان نحلم به بعد انتصار الثورة السورية , وهو الشكل الوحيد الذي يعطي الطمأنينة للشعب السوري في الداخل وللرأي العام العالمي في الخارج . ويجلب لنا مزيد من الدعم لقضية الثورة . وهي قضية الحرية والديمقراطية . وكل الظروف مهيأة لهذا العمل , فالأعضاء كلهم في الخارج بعيدا عن سيف الملاحقة والاعتقال , وبإمكانهم الاحتكام الى الديمقراطية القائمة على الأٌكثرية والأغلبية ضمن هيئته العامة في عملهم وليس الى التوافق .
ان خدمة الثورة على المستوى البعيد تكمن في تمثل أعضاء المجلس قضية الديمقراطية داخل مجلسهم أكثر بكثير من تمثلهم مواقف سياسية متوافقة مع روح العصر . فاذا كان شعارنا من الاستبداد الى الديمقراطية , فالأولى بنا ان نجعل من المجلس مؤسسة تدار بشكل ديمقراطي وتعطي صورة صادقة عنا لشعبنا ولأصدقائنا , هذا ما يجعل الدور يبحث عن المجلس مستقبلا بدلا من أن يكون العكس .
يحكى هذه الأيام عن إعادة هيكلة المجلس , ونحن نتمنى أن تكون الهيكلة بهذه الروح وتضم كل الفئات والتيارات السورية في الداخل والخارج التي ترى أن الاستبداد اخطر علينا من الخارج وتعمل مع المجتمع الدولي من اجل وقف نزيف الدم السوري ورحيل نظام الاستبداد
أما القوى التي تقف على أرضية العداء للتدخل الخارجي مثل هيئة التنسيق فيجب احترام وجهة نظرها والدخول من قبل المجلس معها في تحالف على أرضية رؤية سياسية مشتركة لسوربا الجديدة ما بعد الأسد .
المعارضة الحديثة :
لا يتجاوز عمر المعارضة الحديثة أربعة عشر شهرا , ولكنها توازي بل تتفوق على عمر أربعة عقود من عمر المعارضة القديمة , المعارضة الحديثة لا تشغلها الأيديولوجيا مثل القديمة وهمها الرئيسي هو الحرية والكرامة , ولا وجود لمثقفين بلغوا من العمر عتيا داخل صفوفها يتقنون فن المراوغة , واذا كان رموز المعارضة القديمة يتحدثون عن عذاباتهم داخل السجون او الملاحقة او المحاصرة فان شباب الثورة سبقوهم في هذا المضمار رغم عمرهم القصير في المعارضة . هنا لاتوجد سجون , بل فرقعة عظام ودهس جماجم بجنازير الدبابات . ان كل معارض ينتمي الى أحد تنسيقيات الثورة يمشي وهو يحمل روحه على كفه . يعمل ثوار الثورة السورية على الأرض ضمن ظروف تصعب الإحاطة بها أو تصورها . تلك الظروف جعلت منها أكثر من فصيل وأكثر من جهة حتى ضمن المدينة الواحدة , مثل لجان التنسيق المحلية , وهيآت التنسيق المحلية , وما أعطت من أشكال تنظيمية جديدة نسمع عنها في الفضائيات مثل الهيئة العامة للثورة ’ او المجلس الأعلى للثورة , أي ان التنسيق فيما بينهم يتم عبر الأنترنت , ذلك العالم الافتراضي الحالي الذي وفرته لنا ثورة المعلومات الحديثة , اما على الأرض فان اتصالهم ببعضهم ضمن المدينة الواحدة شبه مستحيل , فما بالك باتصالهم مع بعضهم داخل المدن السورية ؟
الخلاصة :
ومع اننا كهيئة مقتنعون بأن المجتمع الدولي ممثلا بهيآته الحالية وفي مقدمتها مجلس الأمن متقدم على أنظمة الاستبداد على شاكلة نظامنا السوري وهو يساعد بالمحصلة أبناء شعوب دول الاستبداد على استرجاع حريتها , الا اننا نقول بالفم العريض : ان المجتمع الدولي لم يكن ارحم بشعبنا السوري من نظامنا الاستبدادي , وقد وفّر له المهلة تلو الأخرى للقضاء على انتفاضة شعبه , يبدو أن الدول المسيطرة على مجلس الأمن لا تتحمل ثورة بهذه الجذرية في منطقة هي عصب الطاقة في العالم تجعل منها بوابة لثورات أخرى تطيح بمصالحها في منطقتنا .
بكل الأحوال لن يساعد أحدا السوريين في محنتهم , وعليهم ان يقلعوا شوكهم بأيديهم .
بهذا المعنى العتب كبير على المعارضة الكلاسيكية وبخاصة على مثقفيها ومهاتراتهم الفضائية حول طريقة سلخ جلد الدب قبل اصطياده . كنا وما زلنا نأمل من المعارضة الكلاسيكية ان تكون بمستوى ثورة شعبها وان تفتش فيما بينها على نقاط اللقاء وأن تترك نقاط الخلاف لتحل عبر الزمن بروح ديمقراطية وما يسفر عنه التطور الاجتماعي , بمعنى أن تصل الى تفاهمات تخدم الثورة بدلا من عرقلتها . كما هو حاصل على الأرض , وان تعمل ما بوسعها للالتحام مع المعارضة الحديثة .
ان النظام يلعب لعبة قذرة هي الفصل بين المعارضتين , فيتساهل مع الأولى ويقدمها الى محاكم وجلسات علنية , في حين يعدم كوادر الثانية ميدانيا , يجب ان ننتبه الى ذلك ونعمل بكل قوة لدمج المعارضتين من أجل خبرة الشيوخ التي لا غنى عنها للشباب الجدد الممتلئين حماسا وطاقة , واذا كان دور المعارضة الحديثة في صنع الثورة هو الأقوى فاننا نعتقد أن دور المعارضة القديمة سيكون مطلوبا أكثر بعد سقوط النظام وتكالب قوى عديدة في الداخل والخارج لاجهاض ثورتنا وإقامة نظام يقوم على المحاصصة الطائفية كما هو قائم في لبنان والعراق .
ان تلاحم المعارضة الجديدة والقديمة وحده رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بالثورة يجعل من الممكن وصول المرحلة الانتقالية في سوريا الى دولة وطنية تعددية لها قرارها الوطني المستقل كما كانت في الخمسينات من القرن الماضي .
هيئة اعلان دمشق في اللاذقية
……………………………………………………
• فضلنا في هذه الورقة الإبقاء على مصطلح اليسار واليمين بمعناه التاريخي حيث اليسار معني بدفع عربة التقدم الاجتماعي الى الأمام , واليمين يضع العصي في دواليب التطور الاجتماعي . مع قناعتنا بان كثيرا من القوى العربية الحالية المصنفة يمينا تخدم التطور الاجتماعي أكثر من قوى عربية مصنفة يسارية .