زملاء

فاتن حمودي : فيلم ‘توقيع باللون الأحمر’ يوميات الثورة السورية: موت على الشاشة!

هل تملك نفسك عندما تشاهد الفيلم الوثائقي ‘توقيع باللون الأحمر’ دون أن تبكي و تغص روحك بدمع دفين على ‘مهيد’ الفنان التشكيلي الذي يرصد الفيلم سيرته مع الثورة وصولا إلى استشهاده بعد انتهاء تصوير المقابلة الأساسية معه لهذا الفيلم، حيث تسأل نفسك مرارا و أنت تراه يا الله كم كان قريبا مني…
متى عرفته ،عشت معه، دخل في وجداني، وهل ذلك في الحلم أم في الحقيقة. تلك الأسئلة التي لن تجد جوابا عليها لأن مهيد الذي عرفت قد مضى ولن تلتقيه ثانية.
يأتي فيلم ‘توقيع باللون الأحمر’ ضمن سلسلة من الأفلام التسجيلية التي توثق لأحداث ومسارات وشخصيات الثورة السورية التي انطلقت شرارتها في الخامس عشر من آذار (مارس) عام2011 ، و الذي تبنته قناة ‘ أورينت’.

وهو بلا شك من الأفلام التي تلفت النظر في هذا المشروع التوثيقي الهام ، الذي صوره وأخرجه إبراهيم مهنا، وكتب له السيناريو، السيناريست والصحفي السوري محمد منصور، ‘الذي يرى بأن هذه الأفلام التسجيلية هي الأكثرصدقاً، لأنها ابنة اللحظة الحارة المسكونة بالوجع والألم والخوف’
ولأن بنية الفيلم قائمة على إشاعة هذا الجو من الألفة التي تجعل من لغة السيناريو وطريقة الإخراج سباقاً محموماً لنقل مهيد من الشاشة إلى الجلوس بجانبك في بيتك… ثم يأخذك وإياه في قمة الحزن كي تقوم بوداعه وتشييعه والغناء له مع عبارات أمه، التي تستعيد بصوتها المجروح أغنية شريفة فاضل الشهيرة عن ابنها الشهيد أيضاً: (طبعاً ما انا أم البطل)
يتخذ الفيلم من شخصية’ مهيد’، محورا لكي يقص علينا من خلال المادة التسجيلية كيف يرى هذا الرجل الفنان الثورة السورية..و كيف يرى نظام الأسد المجرم، بل كيف يجعل من اللون خيطا من خيوط هذه الثورة..خيطا مرتبطا بالمظاهرات..و بتشييع الشهداء.. بل بالتوقيع الأخير على شاهدات القبور.مهيد الشاب الذي ترك إقامته في إحدى الدول الأوربية ليلتحق و بطريقته بركب الثورة، لذا فإن الفيلم يمضي بتصعيد درامي لحكاية هذا الشاب، فنراه يلعب باللون… يخرج في المظاهرات، نرصد ردود فعله من تهديم النظام لبيتهِ الحُلم، بيته الذي يشكل مسرحا ممتدا من الطبيعة التي تحيط به، إلى شغب الوانه، ففي احد المشاهد الحية، بل أثناء تصوير ‘مهنا’، للفيلم، يصطدم ‘مهيد’، بأن بيته هدم بشظايا مدفعية النظام. نراه ينفض غبار الهدم عن لعبة في صالونه…يشعر بالغضب، فيحكي ويحكي عن ممارسات النظام و شبيحته، لكن المفارقة المفجعة، هي ذلك التصعيد التراجيدي لأحداث واقعية، وهي أن يصبح مهيد واحدا من شهداء مدينة ‘القصير’ في ريف حمص.رسالة للعالم

لاشك بأن هذه الأفلام الوثائقية التي أنتجتها قناة (اورينت) بإيمان عميق بالمشروع، والتي ينجزها مجموعة من الشباب المبدع، ستتكرس أهميتها الفنية والتاريخية مع مرور الوقت… فهي على صعيد الكم شكلت تحدياً للحاق بحدث يومي لا تنقطع مفاجآته، وهي على صعيد النوع كرست لغة فنية راقية في الشكل يمكن دراسة مزاياها وعيوبها في ضوء ما أتاحته الميديا الحديثة من وسائل كسر من خلالها السوريون الحصار المفروض عليهم، وهي صرخة حرة متحدية للصمت وإلغاء الذاكرة في المضمون… فهي تهتم في توصيل الرسالة للجميع بعكس التقارير الإخبارية التي تكون أبوابها مغلقة ومحكومة بالاستهلاك اليومي لنشرات الأخبار.. وهي تهتم بقول شيء للتاريخ عما جرى في عام 2011 وما تلاه في سورية الخارجة من زمن الصمت والقمع إلى الحرية.
أخيرا لابد من التنويه بأنه و من البديهي أن حدثا بحجم الثورة السورية لا يمكن لأي فيلم مهما بلغ زمنه أن يستوفي كل جوانبها، ولا حتى في عشرات الساعات والأفلام.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق