تفاصيل مُحدثة و أطفال ناجين من مجزرة عقرب
.
مجزرة عقرب: انعطافة في مسار الصراع, محاولة للإضاءة على ما غاب من الصورة.
تشكل حادثة قرية عقرب التي جرت يوم الثلاثاء في 11 كانون الأول لعام 2012 ظاهرة مهمة لا يجوز أن تمر ببساطة. هي ربما أحد أكثر الصور السورية تكثيفاً لواقع مجتمعي قائم منذ بداية الثورة.
القصة باختصار, تقوم وفق شهادات ناشطين و شهادات مصورة “لناجين من المجزرة” على أن مجموعة من المسلحين المؤيدين للنظام المحاصرين …
من قبل الجيش الحر لمدينة الحولة في إحدى منازل قرية عقرب قاموا باتخاذ دروع بشرية من نساء و أطفال القرية من العلويين في محاولة لمنع الجيش الحر الذي يحاصرهم من اقتحام البناء و قتلهم. على أنه فيما يبدو اشتدت المعركة و حاول الجيش الحر – القادم من مدينة الحولة- اقتحام المنزل الذي يتحصنون فيه, في تلك اللحظة حالكة السواد, قرر الشبيحة قتل الإناث و الأطفال و قتل أنفسهم. فضلوا موتهم و موت عائلاتهم و أخوتهم و جيرانهم على أن يقتلوا و تقع النساء و الأطفال أسرى بيد الجيش الحر لمدينة الحولة. فكان أن فجر الشبيحة عدة قنابل و جرات للغاز في غرف المنزل التي احتشد فيها عشرات المدنيين من الإناث و الأطفال العلويين, قتل من قتل, و هم يعدون بالعشرات بحسب الشهادات, و بقي من بقي ليروي الحادثة.
عدة نقاط لا بد من الوقوف عندها في حادثة عقرب:
1- وقعت الحادثة في قرية عقرب قرب الحولة, و الحولة هي أحد أكثر أيقونات الثورة السورية رسوخاً في ذاكرتنا إثر مجزرتها الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات المدنيين على يد شبيحة جاؤوا من القرى العلوية المجاورة بمساندة قوات الجيش النظامي.
2- من الواضح أن الميزان العسكري على الأرض في عقرب و الحولة قد تغير, فبعدما كانت الغلبة للميليشات الداعمة للنظام بدأت الغلبة العسكرية بالتحول تدريجياً لصالح الجيش الحر حتى وصلنا إلى مرحلة حصار المسلحين المؤيدين للنظام كما حدث هنا.
3- إن اتخاذ المليشيات الموالية للنظام من المدنيين دروعاً بشرية, و عدم ترددهم في أن يكون هؤلاء المدنيين من الطائفة العلوية ذاتها يؤكد على أن عقيدة هؤلاء لا تمت للطائفة العلوية بصلة, هم منفلتون من كل عقال أخلاقي و ضمائري و إنساني و ديني. هؤلاء كانوا مستعدين للتضحية بالمدنيين من أهلهم دفاعاً عن أنفسهم.
4- يبدو واضحاً أمامنا أن ردة الفعل المجنونة من قبل الشبيحة تجاه إمكانية وقوع الإناث والأطفال من المدنيين العلويين في أيدي الجيش الحر تنم عن خوف و رعب هائل لما يمكن أن يتعرض له هؤلاء على أيدي الجيش الحر, حيث تعيش في الوجدان الشعبي العلوي فتاوى ابن تيمية عن تحليل نكاح إناث الطائفة العلوية و تحليل ذبح أفرادها و قتلهم. و حيث لم تستطع ممارسات الجيش الحر العملية على الأرض محو هذا الخوف الوجودي المعشش في وجود أبناء الطائفة, لا سيما المنضوين منهم عضوياً تحت ذراع النظام العسكري. بل على العكس فاقمت كثير من الفيديوهات المصورة للجيش الحر من قطع للرؤوس و توعد للعلويين من هذا الخوف و حولته من حيز التاريخ إلى حيز الواقع.
5- كانت ردة فعل أهالي الحولة تجاه الحادثة أنهم توعدوا بتأمين من بقي على قيد الحياة من العلويين الناجين, قاموا بتصوير شهادات لهم يتحدثون عن المجزرة و كيف حدثت, و طلبوا من الصليب الأحمر الدخول إذا أحب لقاءهم بشكل شخصي. و هو موقف أقل ما يقال عنه أنه موقف إنساني و ناضج و ردة فعل إنسانية حقيقية أمام المجزرة.
6- تغيب حتى الآن رواية إعلامية صريحة للنظام و لشبكاته الإخبارية عن الحادثة, اللهم إلا أخبار متضاربة تدين أكثر بكثير مما تبرئ مليشيات النظام من هذا الفعل.
7- نعتقد شخصياً, أن هذه الحادثة تشكل انعطافة تاريخية في مسار الثورة السورية, من حيث هي مؤشر لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بعد تعاظم نفوذ الجيش الحر وزيادة تسليحه لا سيما في المناطق المختلطة طائفياً و المتوترة على خلفية الثورة السورية و على خلفيات الصراع الطائفي المستعر في هذه الأماكن. هي نقطة تحول في الصراع قد تظهر كيف يمكن أن يكون مستقبل سلاح الشبيحة ووجهته المقبلة عندما يحشر في الزاوية. فهو لن يوفر حتى أقرب الأقربين.
في النهاية, أهم ما يعنيني من مجزرة عقرب, أن مدنيين استشهدوا و فقدوا أرواحهم في هذه المجزرة. و لكن يعنيني أيضاً أن نكون واعين لأبعاد ما حدث, هي ليست ردة فعل بشرية يقوم بها شخص مجنون, و ليست جريمة يرتكبها مجرم اعتيادي, هي جريمة قائمة على أركان أولها الخوف الوجودي و شعور القاتل بوصول الموت إلى روحه هو. و ثانيها الخوف الأخلاقي و ربما العقائدي من عدو يشرّع – وفق فتاوى تعيش في اللاوعي الأقلوي – اغتصاب النساء و الأطفال, ما يبرر للقاتل قتل ابنته تفضيلاً على وقوعها مغتصبة في يد العدو. و ثالثها لا مبالاة النظام المطلقة بهذه الحادثة و ما يترتب عليها, هو لا يتعامل مع العلويين على أنهم شعبه إلا بقدر ما كانوا يسخرون أنفسهم في خدمته. و رابعها أن التطمينات التي كنا لطالما نطالب بها عندما غابت حولت الخوف الأقلوي إلى قاتل أشنع بكثير ممن يخاف منه هذا القاتل.
برسم الجميع, عقرب بداية مرحلة و صورة مكثفة لما ستكون عليه ردود فعل فئة مسلحة و مجرمة تتخذ من أقلية دينية درعاً لها, عندما تتهدد هذه الفئة المسلحة في وجودها, و في شرفها, تسير باتجاه العدمية المطلقة على الذات بعد أن سارت طويلاً في مسار العدمية باتجاه الآخر. ياسين – مجلة سنديان