قيصر وشريكه أسامة عثمان: القصة الكاملة لتسريب أدلة الإبادة الجماعية في سجون الأسد

أحمد سليمان :في مسيرة الشعوب نحو الحرية والعدالة، هناك شخصيات نادرة تتحدى المخاطر، غير آبهة بالثمن الذي قد تدفعه، لتكشف للعالم حقائق مروعة تخفيها الأنظمة القمعية. ومن بين هؤلاء الأبطال، يبرز اسم “قيصر”، المساعد أول فريد المذهان،كان يعمل كرئيس قلم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية بدمشق، حيث أوكل إليه توثيق حالات القتلى داخل مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري.خاطر بحياته ليقدم واحدة من أكبر التسريبات في التاريخ الحديث حول الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد بحق المعتقلين في سوريا.
ولكن ما قام به قيصر لم يكن عملًا فرديًا، بل كان جزءًا من جهد جماعي شارك فيه أشخاص شجعان، كان من أبرزهم أسامة عثمان، الرجل الذي لعب دورًا حاسمًا في إيصال الصور إلى العالم الخارجي وضمان وصول الحقيقة إلى المحافل الدولية.
الصور التي هزّت العالم: كيف بدأ قيصر في توثيق الجرائم؟
عمل قيصر في قسم الأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية السورية، حيث تم تكليفه بتوثيق حالات الوفيات داخل مراكز الاعتقال. كانت الأوامر تقتضي توثيق الجثث رسميًا، لكن ما رآه قيصر كان أدلة دامغة على التعذيب الممنهج والإبادة الجماعية.
كان المعتقلون يظهرون في الصور بأجساد هزيلة مشوهة، تحمل آثار تعذيب وحشي، وجروحًا مفتوحة وعلامات حرق وكدمات قاتلة.
لم تكن هذه حالات فردية، بل آلاف الضحايا الذين قُتلوا داخل مراكز الاحتجاز بين عامي 2011 و2013.
كانت الأوامر الرسمية تفرض عليه التقاط الصور لأغراض السجلات، لكن قيصر قرر أن هذه الأدلة يجب ألا تبقى داخل جدران النظام.
ما قام به قيصر كان جزءًا من جهد جماعي شارك فيه أشخاص شجعان، كان من أبرزهم أسامة عثمان، الرجل الذي لعب دورًا حاسمًا في إيصال الصور إلى العالم الخارجي وضمان وصول الحقيقة إلى المحافل الدولية.
رحلة المخاطرة: كيف تم تهريب الصور خارج سوريا؟
1. عملية جمع الأدلة
على مدار عامين، قام قيصر بالتقاط أكثر من 55,000 صورة لمعتقلين قُتلوا داخل السجون.
قام بتخزين الصور سرًا في أجهزة ذاكرة USB، مستخدمًا تقنيات أمنية متقدمة لتجنب الكشف عنها.
بدأ في تهريب الصور تدريجيًا إلى الخارج، لكنه احتاج إلى شريك يمكنه مساعدته في تأمين إيصالها إلى العالم.
2. الدور المحوري لأسامة عثمان
كان أسامة عثمان هو الشخص الذي ساعد قيصر في تأمين التسريبات ونقلها إلى جهات دولية.
ساهم في التنسيق مع منظمات حقوق الإنسان والصحافة العالمية، مما ضمن وصول الصور إلى الجهات المختصة.
كانت مخاطر كشف هويتهما كبيرة، حيث كان النظام يراقب أي محاولة تهريب للمعلومات.
3. وصول الأدلة إلى المجتمع الدولي
بحلول عام 2014، وصلت الصور إلى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تم عرضها أمام الكونغرس الأمريكي لأول مرة.
تسبب هذا العرض في صدمة عالمية، مما دفع بعض الدول لاتخاذ إجراءات ضد النظام السوري.
المخاطر التي واجهها فريق قيصر أثناء جمع الأدلة وتسريبها
لم يكن العمل على تسريب هذه الوثائق مجرد عملية توثيق سرية، بل كانت مهمة محفوفة بالمخاطر القاتلة.
1. التهديد المباشر من النظام
أي شخص يُضبط بحوزته صور التعذيب كان يواجه الإعدام الفوري أو السجن المؤبد.
أجهزة الأمن السورية كانت متطورة في رصد الاتصالات والاختراقات، مما تطلب إجراءات أمنية دقيقة.
2. المراقبة والاختراقات الأمنية
كان قيصر وأسامة تحت مراقبة مستمرة، مما تطلب استخدام وسائل تشفير متقدمة لإخفاء الأدلة.
3. تحديات الفرار من سوريا
بعد نجاح التهريب، اضطر قيصر إلى الهروب من سوريا، حيث ظل متخفيًا لسنوات لحماية نفسه.
هل كان نظام الأسد على علم بهوية قيصر وأسامة عثمان؟ ولماذا لم يتحرك؟
هناك جدل حول مدى معرفة النظام بهوية قيصر وشريكه:
رغم تقدم الأجهزة الأمنية السورية، إلا أن سرعة العمل ودقة التخفي حالت دون كشف هويتهما بالكامل.
ربما كان النظام يعلم بهويتهما لكنه لم يتحرك على الفور لتجنب إثارة ضجة إعلامية تزيد من انتشار القضية.
هناك احتمال بأن النظام أراد الوصول إلى شبكة أوسع من المتعاونين، لذا لم يتحرك ضدهم بشكل مباشر.
لماذا لم يتحرك المجتمع الدولي فورًا بعد نشر الصور؟
1. التعقيدات السياسية والمصالح الدولية
رغم فظاعة الجرائم، فإن القوى الكبرى كانت مترددة في اتخاذ إجراءات مباشرة بسبب المصالح الجيوسياسية.
روسيا، الداعم الأساسي للأسد، لعبت دورًا رئيسيًا في عرقلة أي قرارات دولية تدين النظام داخل مجلس الأمن.
2. ضعف الإرادة الدولية في تنفيذ العدالة
غياب محكمة دولية مختصة بسوريا جعل الملاحقات القانونية صعبة.
اكتفى معظم القادة العالميين بالتنديد الإعلامي بدلًا من التحرك القانوني الفوري.
ما الخطوات القادمة لتحقيق العدالة استنادًا إلى هذه الأدلة؟
رغم تأخر العدالة، إلا أن الأدلة التي وفرها قيصر وفريقه لا تزال تلعب دورًا رئيسيًا في ملاحقة النظام السوري:
1. تعزيز القضايا الجنائية الدولية
استخدمت الصور كأدلة رئيسية في المحاكم الأوروبية، حيث صدرت أحكام ضد ضباط في نظام الأسد.
تستمر الجهود لرفع قضايا دولية لمحاسبة المتورطين في هذه الجرائم.
2. استمرار العقوبات الاقتصادية
ساهمت تسريبات قيصر في فرض “قانون قيصر”، الذي شلّ الاقتصاد السوري وعزل النظام عالميًا.
العقوبات الاقتصادية تمنع النظام من إعادة بناء شبكته القمعية بسهولة.
3. الحفاظ على القضية في الوعي الدولي
لا تزال صور قيصر تُستخدم في المحافل الدولية كدليل على جرائم الحرب في سوريا.
يمكن أن تُستخدم الأدلة مستقبلًا في محكمة دولية خاصة بسوريا إذا تم إنشاؤها.
إرث قيصر وأسامة عثمان في مسيرة العدالة
ما قدمه قيصر وأسامة عثمان ليس مجرد صور، بل شهادة حية على واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث. وبينما لا يزال النظام السوري يحاول التهرب من العدالة، فإن الأدلة التي وفرها هذا الفريق تظل حجر الأساس في أي محاسبة قادمة.
قيصر: بطل الإنسانية وأيقونة الثورة السورية
لم يكن قيصر مجرد شخص أدى واجبه، بل أصبح رمزًا عالميًا للنضال ضد الاستبداد. وعلى الرغم من المخاطر التي تعرض لها، لم يتوقف عن الدفاع عن القضية السورية، وظل صوته حاضرًا في المحافل الدولية ليذكر العالم بحجم المأساة.
أسامة عثمان: الشريك الصامت في فضح الجرائم
إلى جانب قيصر كان شريكه أسامة عثمان أحد الأبطال الذين عملوا في الظل لضمان وصول الحقيقة إلى العالم. دوره في تهريب الصور والتواصل مع المنظمات الحقوقية كان أساسيًا في تحويل الفظائع المسربة إلى ملف دولي لا يمكن تجاهله.
الإرث المستمر: هل سيأتي يوم العدالة؟
لا تزال القضية مفتوحة، وبينما لم تتم محاسبة الأسد بعد، فإن الأدلة التي قدمها قيصر وأسامة ستظل توثيقًا لجرائم لا يمكن نسيانها.
قيصر ليس مجرد اسم، إنه لقب للبطل الذي فضح أفظع الجرائم، وحفر اسمه في تاريخ الإنسانية.