مروان خورشيد عبد القادر : السقوط المدوي للشعر في زمن الثورات العربية
من يعتقد أن الشعر وبكل ألوانه وكائناته (كلاسيكي – تفعيلة – نثر – ومضة) كان حاضراً، أو هناك أملاً في أن يحضر ما تبقى من ثورات الربيع العربي، كمن يعتقد أن الربيع نفسه طالت أزهاره أقمار محمد بوعزيزي في السماء أو أقمار حمزة الخطيب في أبديته المضاءة.
الشعر غاب وغاب بعيداً وأن كان يطل من شرفات بعيدة أحياناً وباستحياء وخجل شديدين؛ فآخر الحالمين أن يكون له دور في هذه الثورات، هو الشعر وصاحبه الشاعر.. حتى أنني أضحك كثيراً عندما أتذكر هشام الجخ وهو يتنازل عن عرش شاعر الثورة المصرية لعبد الرحمن يوسف القرضاوي!
القصيدة ترثي غيابها!
في الحقيقة لم يكن للشعر أي حضور في جميع هذه الثورات لا على مستوى القصيدة ولا مستوى الشاعر . أما على مستوى القصيدة فإن الثورة السورية وما سقط فيها من الضحايا وصلت لـ 150 ألف شهيد، وضحايا الثورتين المصريتين أو ثورة و(انقلاب) لمن يحب أن يسمي ذلك، وما رافقه من دخول مصر في المجهول بين ماضي يحكمه العسكر وبين حاضر يحاول أن يعود لحكم العسكر، وسقوط 50 ألف شهيد في الثورة الليبية واليمن الذي لم يعد سعيداً بعد التلاعب بثورته، وتونس التي لم تعد خضراء كما أرادت أن تكون.. أقول مع كل ضحايا هذه الثورات لم نقرأ قصيدة تليق بكل هؤلاء الضحايا.. حيث ما زالت المنابر الشعرية تقدم القصيدة تلو الأخرى وكأنها مكتوبة قبل عشرة أعوام على الأقل.
طبعاً أنا أقصد قصيدة من مستوى قصيدة (جذر السوسن) لشاعرها المدعو أدونيس السوري رغم أن القصيدة هذه لم تأت في زمنها وأنما بعد 21 سنة من وقوع أسباب القصيدة، وبعد تكريم صاحبها، وبعد غسله وغرقه من رأسه إلى أخمص قدميه بالمكافئات المعنوية والمادية، بينما إنتاجه الوحيد خلال هذه الثورات، خصصه لشد عزم فريق المقاومة والممانعة عبر مجموعته الأخيرة (كونشرتو القدس)!
أيضاً أقصد قصيدة من مستوى قصائد (مديح الظل العالي) أو (خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام السيد الأبيض) للشاعر الراحل العظيم محمود درويش.. لا يمكن أن نعثر على أثر مواز لها في هذا الربيع العربي!
من أدونيس إلى أنسي وعبد المعطي: شعراء يتهاوون!!
أما على مستوى الشاعر فإن ثورات الربيع العربي، أسقطت أسماء كثيرة كانت تضيء في سماء الصحافة الأدبية العربية والعالمية، ابتداء من المدعو أدونيس الذي أعلن اشمئزازه من ثورة لا تخرج من الجامعات بل من الجوامع، ثم كتب عن تمثال أبي علاء وغنى له في لطمية تذكر موقفه المؤيد من ثورة الخيميني: (سيغني المعري لطه حسين… سيغني لتمثاله… لمن قطعوا رأسه… أمة – مجزرة)!!
إلى عبد المعطي الحجازي بمواقفه التشبيحية، إلى المراهق الثمانيني أنسي الحاج الذي صدّق بكل بلاهة ما أشيع عن خطة الجيش الحر البوليسية لخطف سلاف فواخرجي فكتب مرعوباً في جريدة الأخبار: (فنّانة من نُور لا تُمَسّ بغير الحبّ) دون ان ينسى أن يبرر تأييدها للنظام القاتل قائلا: (تأييد الفنّانة للنظام وفاءٌ لاهتمام النظام ليس بها بل لأعلى ما في سوريا وهو الفنّ).
إلى شعراء العامية الكبار في مصر كأحمد فؤاد نجم والذي انتهى دوره كشاعر ثوري مع مقولته الأخيرة على الشاشات الاعلام المصري الثوري الهابط حين وصف عبد الفتاح السيسي بالدكر) ولا أعرف متى كنا بحاجة إلى ( دكر ) يحكمنا وما الذي يعيب أيقونته نوارة نجم مثلاً؟!
سعدي يوسف: عداء مع سبق الإصرار!
وحتى لا نقف عند هذه الأسماء التي صدمت الكثيرين، دعونا نأخذ أسماء أقل أهمية من هؤلاء وسأتناول مجموعة أسماء، هناك طابور يصطف خلفهم من الأشباه:
سعدي يوسف: موقفه من الثورات بشكل عام ومن الثورة السورية بشكل خاص، كان وما زال ضدها، حتى قبل استخدام الأسد للمدافع، وقبل الدبابات وقبل صواريخ السكود، وقبل كيماوي الأسد. ورغم تطور إجرام النظام بقي ينتقدها ويحملها مسؤولية كل ما وصلت إليه من أحداث. لم يتحركش بكلمة ضد الأسد، وهو الذي وصف مؤيديه وشبيحته في أخر هلوساته الفوق شعرية بأنهم: فقراء ومسالمين وجياع !
ربما ترسخت هذه الفكرة في رأسه عندما رأى سلمية هؤلاء المؤيدين وهم ينهبون ويسرقون بيوت معارضي الأسد، من سجادة المنزل، إلى اسطوانة الغاز، إلى الأثاث… وحتى سرقوا الألبسة كي يكسوا بها فقرهم وراحوا يبيعون باقي الأغراض في اسواق لاطائفية مثلاً كي يسدوا بها جوعهم. وربما وصفه هذا انطلق من كونه يلبس رداء الشيوعي يوماً ورداء البعثي يوماً آخر، ثم يحاول أن يتحسس لآلام وأوجاع البروليتاريا التي يقودها الأسد، صاحب جائزة الفكر والإبداع التي منحها أتحاد كتاب روسيا له في جريمة أقل ما تقاتل عنها أنها أبادة للأدب الروسي الذي كان يوماً عظيماً.
الشعر عند سعدي يوسف ورغم أنه يصعب كثيراً وصفه شعراً وبشهادة نقاد كثر، إلا أنه عفوي وبسيط لا ( ملخبط ) ولا عن سوء قصد الاستشعار. ولذلك صعب كثيراً أن يتذكر الشعوب التي تقود ثوراتها ضد الطغاة.
صحيح أنه يحسب له أنه كتب ضد السيستاني يوماً من موقع لا يحسب له عندما ناصر القاعدة في الفلوجة حين قال في قصيدته ” الفلوجة تنهض “:
جاؤوا باسمِ السيستانيّ:
أوّلِ مَن أفتى، في الإسلامِ، بِـنُصرةِ محتلٍّ كافرْ
السيستانيُّ الكافرْ
أوّلُ مَن أفتى في الإسلامِ، بنُصرةِ جيشٍ كافرْ
السيستانيُّ الفاجرْ
مأواهُ جهنّمُ بِئس مقّرٍّ ….
إلا أنه اليوم يناصر السيستاني والخامئني وحسن نصر الله، وكل أصحاب فتاوي الجهاد المقدس وقتال الشعب السوري، الذي يعتبره اليوم شعب القاعدة والإرهاب، وشعب يتعاطى مع الأمريكي حليف الأمس لهؤلاء المراجع! هؤلاء المراجع الدينية أصبحوا برأيه اليوم سادة الإيمان والإسلام و أصبح الشعب السوري هو الكافر والتكفيري معاً ، فسعدي يوسف يرى أن القيادة في سوريا قلعة من قلاع التصدي للامبريالية والصهيونية ولا أعرف ما رأيه الآن في هذه القلعة وهي تفتح أبوابها ومخازنها لتسليم سلاحها الذي ادعت طوال نصف قرن أنه لردع الامبريالية و الصهيونية في حين استخدمه فقط على شعيه وعلى أطفال عزل.
“أي ربيع عربي” هو عنوان قصيدته وفيها أبدى استخفافه وتهكمه على الشبان الذين كانوا شرارة انطلاق هذه الثورا وألمح إلى أن الشعوب العربية مهتمة بالخبز أكثر من الحرية. وقبل أن أورد جزء منها ولكن هل قرأ سعدي يوسف ما قيل فيها فنياً على الأقل .. يقول الشاعر المصري عبد المنعم رمضان فيها إن سعدي يوسف عودنا على أن «ت.بنَه» كثير وت.برَه قليل، وهذه القصيدة من التبن وليس التبر». يقول فيها:
الدجاج ُ ، وحده ، سيقول : ربيعٌ عربيّ .
هل خلَتِ الساحةُ من طفلٍ ؟
أعني هل خلت الساحةُ من شخصٍ يقول الحقَّ صُراحاً ؟
أيّ ربيعٍ عربيّ هذا ؟
نعرف تماماً أن أمراً صدرَ من دائرة أميركيّة معيّنةٍ .
وكما حدث في أوكرانيا والبوسنة وكوسوفو ، إلخ … أريدَ له أن يحدث في الشرق الأوسط وشماليّ إفريقيا .
الفيسبوك يقود الثورة في بلدانٍ لا يملك الناس فيها أن يشتروا خبزَهم اليوميّ !
هذا المدقع حتى التلاشي ، الأمّيّ ، التقيّ …
هذا الذي لا يستطيع أن يذوق وجبةً ساخنةً في اليوم .
هذا الذي يعيش على الأعشاب والشاي وخبز الحكومة المغشوش.
هل يعرف الإنترنت؟
ومَن هؤلاء القادةُ الفتيانُ؟
كم هو معيب يا سعدي أن تتهم شعوب بالعمالة لأمريكا وتعيرها بفقرها في ظل حكام قلاع الصمود والتصدي للامبريالية والصهيونية، الذين أفرغوا جل ترسانة أسلحتهم في أجساد شعوبهم، ولم يطلقوا طقلة واحدة على العدو الذي قمعوا شعوبهم بحجة محاربته، وأخرسوا كل الأصوات كي لا يعلو “صوت” على صوت المعركة التي لم ولن تشن ضده حتى وهم على وشك السقوط!
نزيه أبو عفش الذي صار وحيدا!
اختصر نزيه أبو عفش عدالة النظام السوري بأن ظلمه لم يطل شخصه يوماً واحداً، ولم ينم ليلة واحدة في السجون الأسدية التي نامت فيها أسماء كثيرة كانوا زملاء دربه… لكن من يعرفون الكراج الضيق الذي كان يسكن فيه في دمشق يعرفون أنه كان يسكن بما يشبه زنزانة من ضيق، ربما نسيها… نسي أبعادها… قبل أن ينتقل إلى بيته الواسع الفسيح في مشروع دمر، مستشاراً للصمت في وزارة الثقافة!
نزيه والذي زادت شعبيته بعد الثمانينات من القرن الماضي و تمايز شعره لصالح قضايا الشأن العام أكثر من غرقه في التفاصيل الشخصية وحقيقة لم نكن نصدق أنه يوماً سيختار الوقوف لصالح الطاغية ضد الشعب وقضاياه ولا أعرف هل أقلويته وراء موقفه أم خلل ما في بوصلته وربما تعطلها تماما وتوقفها عن تحديد الجهات التي لا تضيعها حتى لو كان الشاعر يسراوي وليس يساري منحط فقط.
أخر ما كتبه على صفحته قبل المجزرة كان في 13 اغسطس ثم صمت وعاد في الأول من أيلول ليذكرنا بقصيدة نشرها في الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله وكتبها قبل الثورة السورية 28/1/2011.
الآن، وقد غابت شمسي، أتذكَّرُني!
الآن، وقد مالتْ أغصاني وتنكَّرَ قلبي لي، أتذكَّرُني.
الآن، وقد أُقفِل دوني بابُ الأبوابِ وغادَرَني أصحابي…
أتفقَّدُني…
فأراني أعْتَمْتُ وصرتُ وحيداً.
عادل محمود: الشاعر الغافل عن المجزرة!
لم تكن أصابعي، بعد، قد ألغت مصافحة
الغرباء،
ولم يعلمني أحد أن أعدّها
حين أمدُّها للصوص.
نعم لم يعلمه أحد أن يعد أصابعه حين يمدها للصوص لأنه بارع في مدها يومياً للصوص والقتلة و المجرمين طاعناً هواء ونسيم (صلنفة)، منذ انطلق زمن الثورات وهو الذي كتب للكفاح العربي نصوصاً ومقالات ومن ثم خان المعنى الحقيقي لكفاح الشعوب ضد الطغاة ..
كتب عنه وعلى هذا المنبر الصحفي إياد عيسى يلخض مشكلته مع الثورة: ” الشاعر عادل محمود لطيف المعشر، ناعم، أنيق الملبس، ذنب الثورة الوحيد انها لا تملك رومانسيته، ذرف أنهاراً من الدموع على تمثال أبي العلاء المعري، وأبي تمام، وزع عواطفه على تماثيل بوذا في أفغانستان، نسي أن يدخر دمعة لمئة ألف قتيل سوري ليسوا شعراءً “..
في يوم مجرزة الكيماوي كتب عادل محمود يتغزل بوردة… كان حزنه على أطفال الكيماوي يتجلى بكل هذه الاستعارة الرومانسية التي لا تنظر لهؤلاء الأطفال باعتبار موتهم الجماعي يستوجب شيئا من الصمت أو الخجل!!
وبالتالي ما الذي نستطيع إضافته عنه في هذا السياق، سوى سؤالنا له: كيف يرى ريف اللاذقية دون سلمى وأخواتها؟ كيف يرى انتهاك الطبيعة بالصواريخ والدبابات؟ كيف يستطيع أن يستمتع بأوكسجين قريته (عين البوم) بعدما اختلط بأول أوكسيد الكربون السام المنطلق من حرائق الغابات؟ كيف يكتب قصيدته وعلى بعد كيلومترات منه مخيمات الموت تضج بعذابات النساء والأطفال؟!
زاهي وهبي: المذيع البوق في هيئة شاعر!
ترك زاهي وهبي حريرية قناة (المستقبل) مع بداية الثورة السورية تحديداً مدعياً أنها طائفية و انتقل إلى قناة الميادين التي ليست طائفية أبدأ فقط ايرانية أسدية مقاومة وممانعة للصهيونية والامبريالية العالمية التي تمثلها الثورة السورية والشعب السوري… وبينما كان في (خليك بالبيت) يستقبل أسماء مهمة ولامعة على الصعيد الثقافي انتهى الى (بيت القصيد) الذي يستقبل فيه تميم البرغوثي شاعر المقاومة والممانعة الجديد، وغسان جواد وأسماء ما هب ودب بمجرد أنها متناغمة مع الخطاب الايراني والأسدي النصراوي. زاهي أصبح بوقاً نحاسياً صدئاً من أبواق الممانعة الكاذبة. نعم للأسف الكاذبة تحديداً.. فقد رمى بكل شعره في هذه الهاوية ولم يستطع أن ينطق بكلمة لصالح الأطفال السوريين الذين يبادون على يد قوات هذه المقاومة والممانعة… بل ربما كانت أردئ قصائده الأخيرة تلك التي صاغها على الهواء مباشرة في قناة (الميادين) مع الممثل غسان مسعود في نوبة بكائه على الوطن الذين يستميت الاثنان فداء فيه للأسد!
بالمختصر زاهي شعره لم يعد مفيداً بقدر الافادة من القصائد التي تكتبها أميرة شعراء العرب الشاعرة رغدة المستشيطة دوماً في مجلة (دبي الثقافية).
كتب يوم 21 اغسطس على صفحته :
أنوثتُكِ ليست شكلاً ، ولا فستانَ سهرة أنوثتُكِ قلبٌ يفيضُ و ضحكةُ تجري من تحتها الأنهار
وفي صباح اليوم التالي لمجزرة الكيماوي- 22 أغسطس كتب:
يرسمُ النهرُ على وجهي علامات استفهام
كيف يستطيعُ الاسترخاء في عينيك بلا شربة ماء
حابساً ضفافه بين جفنين من يمام
ناسياً مصبّه, مغادراً مجراه
كيف لعينيك كلُّ هذي الكستناء
عصام خليل: بائع الشعر الرخيص!
دعوني أستفرد أكثر بهذا الكائن كونه يمثل المثال الأكثر شذوذاً بين الشعراء، وعليه أقول: أن يكون لدينا مجلس “الشعب” بهذه الوضاعة في سوريا يعني من الطبيعي أن يلحق به مجموعة اتحادات أخرى تدعي أيضاً أنها ممثلة لباقي فئات الشعب، لها نفس مواصفات المجلس الوضيع ” مجموعة متملقين وباعة شعر رخيص يتبارزون بالتغزل بالسيد الرئيس في كل خطاب… ولصوص باستثناءات خجولة جداً “..ومن هذه الاتحادات اتحاد ” الخراف” أو “اتحاد الكتاب العرب” مع احترامي لكل “الخراف” الوطنية التي كانت ساكتة يوماً، ولكن أن يكون الشاعر “خاروفاً” وفي الوقت نفسه بوقاً، يدافع عن ذئاب السلطة ومرتكبي مجازرها اليومية، فهذه كارثة بكل معانيها على شعرنا السوري، وعار على مفهوم الشعر ومعناه بشكل عام، كما نراه مجسداً لدى عضو مجلس الشعب السوري (الشاعر) عصام خليل كنائب عن طرطوس.
عصام خليل “شاعر” سوري وعضو اتحاد إياه العرب بدمشق المنتدب حالياً من الاتحاد إلى الاعلام ليكون بوقاً بمواصفات اقل معدنية وله من ايحاءات برانية توحي بانه الوجه الفهمان للسلطة.
شاعر انضم إلى باقي الجوقة المعدنية ليزيد على سمعنا نشاذ اكثر في دفاعهم المستميت عن القتلة والشبيحة.. إبتداءاً من الحاج أحمد علي وانتهاءاً بالمحقق المتعاقد مع فرع 275 أمن الدولة الطبل طالب ابراهيم..الذي بقدرة قادر تحول من محقق (بدبل قاف) إلى محلل (بدبل لام).
يقول في ديوانه “البياض البعيد” :
إذا كان لي أن أبوح قليلاً
سأعلن –في بادئ الحزن
أني تعبت وأطلب
مثل جميع الينابيع
بيتاً من العشب
ترتاح فيه مياهي..قليلا..
ويقول الشاعر “البوق” في مكان اخر:
فهيهات الأيام تمضي وأنا وحيد أنتظر
صديقي الذي خبأته العصافير
بين الأغاني
لأنك أقوى من أي حزن إلى القلب
أحتاج إلى نصف سماء
لأرسم وجهك
تحتاج إغماضة.. كي تراني.
بعد هذين المقطعين أصبحت على يقين بأنك أيها البوق، كارثة على شعرنا العربي.. فكان الأجدر بك أن تنصف شعرك عندما تتحدث عن الينابيع والعشب والعصافير، لا أن تخرج على أكثر من قناة إعلامية تدافع عن القتلة والشبيحة وتصف اللاجيئين الهاربين بأنهم إرهابيون!
ثمة من سيسأل: كيف وصل خيالك الشعري إلى هذا الشطط؟! .. وربما لا جواب سوى ما يقال في مثل هذا المقام: ” إن لم تستح قل ما شئت”.. فذاك هو حال بائع الشعر الرخيص.. شاعر من شعراء تكدست دواوينهم في مكتبات الاتحاد مطبوعة على نفقة الفقراء، لا يدرك أحدهم شاعريتهم سوى بوصفهم: شعراء أبواق!
الشعر تحت أقدام الطغاة!
طبعاً هذه نماذج ومثلها أسماء كثيرة عاشت حياتها طبيعية في زمن الثورات العربية، حتى أنها أثرت على صغار الشعراء.. وأسماء ما زالت تفك حروف الشعر، وإذا بها ممانعة لزمن الثورات ومقاومة لها، بل ومنها عبيد للطغاة كما يفعل الشاعر السعودي منير النمر، الذي كتب قصائد كثيرة تشد من عزم المقاومة الأسدية والايرانية والنصرواية في حروبها على أطفال الشعب السوري.
ويحضرني هنا، أن أذكر مرثيته للشيخ محمد سعيد رمصان البوطي ويصفه بأنه يمثل الإسلام التقدمي، دون أن يحدد ما نوع إسلام الشيخ حسن نصر الله، أو الشيخ نمر النمر قريبه وابن حارته العوامية، أو إسلام واثق البطاطا. كتب للبوطي الذي قتلته اليد الأسدية حين انتهى دوره تماماً، حتى أنفض الناس من حوله في الجامعين الإيمان والأموي الكبير.. ويلاحظ بعد مقتل البوطي أصبح الاسد ونصر الله يكشفون عن أوراقهم الطائفية بشكل علني مفضوح.
يقول في مرثيته:
قتلوكَ.. ما قتلوكَ؛ لكن شبهَ الأعرابُ أنكَ ميتٌ في الشامْ
يا شامُ آهٍ.. آهِ يا شامُ.
لا شيء غيركَ يا إمامْ.
قتلوكَ.. ما قتلوكَ؛ لكن شبهَ الأعرابُ أنكَ ميتٌ في الشامْ
ماتوا… وماتَ الكفرُ وانتصرَ الأمانْ.
نعم سقط الشعر العربي سقوطاً مدوياً في زمن الثورات العربية، سقط معه من كانوا يغنون هذا الشعر يوماً كي تنهض الشعوب؛ أمثال (مارسيل خليفة) الذي أصابته الجلطة في حنجرته وخرس ولم يعد يغني لهذه الشعوب أو يسمع نداءاتها المدماة في سبيل الحرية.
سقط الشعرعلى أجساد شعراء أصروا أن يكونوا عبوراً للطغاة إلى مجاريرهم الأبدية، حيث سيتبادلون هناك المراثي والمدائح بينما ستزهر أجساد أطفالنا قصائد نعد بها الحياة للحياة.
ملف كتبه لأورينت نت: مروان خورشيد عبد القادر