نزار الرستناوي ناضل من أجل حقوق الإنسان .. قتله التكفيريون في سجن صيدنايا
- كان قبل وفاته مؤمناً بحتمية اندلاع ثورة السوريين على النظام
- اعتاد على إحراج التكفيريين، مرتكزاً على ثقافته العالية بتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
- ناقش إدارة السجن، بضرورة احتواء المساجين التكفيريين وإعادة تأهيلهم
- سخر منه علي خير بيك عندما أخبره أن التكفيريين يترصدون به
- استشهد ما يزيد عن 150 سجيناً برصاص الأمن، أثناء عصيان صيدنايا
رفض المهندس المدني والناشط الحقوقي نزار الرستناوي، الوقوف أثناء محاكمته في محكمة أمن الدولة العليا في آب 2006، حتى عندما طلب منه فايز النوري، رئيس المحكمة حينها الوقوف عند نطق الحكم، رد الرستناوي:”سأقف في حال وقف المدعي العام، لأنه المدعي وأنا المدعى عليه، بالتالي أنا وهو متساويان في المرتبة”.. استفزت كلماته، قاضي المحكمة، فعاقبه بطريقة تليق بأحكام الأفرع الأمنية، حيث علّق القاضي فايز النوري قائلاً: ما دمت تعلم بقوانين المحاكمات، سأضيف على محكوميتك عاماً على حسابي.. وبذلك حُكم الرستناوي أربعة أعوام، عوضاً عن ثلاث أعوام، وهو الحكم المتعارف عليه للجرم المُتهم به الرستناوي”نشر أنباء كاذبة في الخارج تنال من هيبة الدولة وتوهن نفسية الأمة”.
الدفاع عن الحقوق يوهن نفسية الأمة؟!
ولد نزار الرستناوي في حماة “مورك”عام1967، وهو مهندس مدني وأب لتسعة أطفال.
والرستناوي وفق شهادة زميله المعتقل السابق دياب سرية “الناجي الوحيد” وموثق سلسلة “منسيون في الجحيم” لـ”زمان الوصل”، من أوائل ناشطي حقوق الإنسان في سوريا، أوقفته السلطات بتهمة نشر الأخبار الكاذبة، في شهر نيسان 2005 بسبب نشاطه الحقوقي، حيث اعتقل من قبل فرع الأمن العسكري في حماه، ثم تم تحويله إلى فرع فلسطين ثم إلى سجن صيدنايا.
وبحسب دياب سرية، لم يتعرض الرستناوي للتعذيب في سجن صيدنايا، الذي بقي فيه بعد أن حُكم في محكمة أمن الدولة العليا، التي حُلّت بعد إيقاف العمل بقانون الطوارئ مؤخراً.
ويجدر الذكر أنَّ محكمة أمن الدولة العليا وفق الناشطين الحقوقيين، لا تختلف إلا من ناحية الشكل عن المحكمة الميدانية التي كان يُعرض عليها محكومو سجن تدمر، لأنها محكمة استثنائية وُجدت لتكريس حالة القمع، كما أنَّ أحكامها مُبرمة، ودور المحاميين فيها هامشي جداً فيها، وأحكامها مُقررة منذ دخول المعتقل إلى الفرع الأمني، وتبقى وظيفة قراراتها غير القابلة للطعن، إلباس تهمة الأفرع الأمنية لباساً شرعياً.
ووفق المعتقل السابق سرية، طالب العديد من المنظمات الدولية والحقوقية بإطلاق سراح الرستناوي، ومنها منظمة العفو الدولية، (Human Rights Watch)والحكومة الفرنسية، كما صدر بيان من البيت الأبيض يُطالب بحرية الرستناوي نظراً لنضاله السلمي في مجال حقوق الإنسان، وهذه الضغوطات كانت تزعج النظام، ولذلك يروج لها النظام على أنها دليل على عمالة الرستناوي.
الخال نزار وفضله على المعتقلين
لم يكن تواجد نزار الرستناوي، في سجن صيدنايا عابراً مثل غيره من المعتقلين، لأنه وفق ما أكد سرية، كان يشتري المساعدين الأوائل والسجانين مرةً بالمال ومرةً بالفستق الذي تشتهر به قريته “مورك”، وذلك بهدف إصلاح حال المساجين، فقد دفع نزار مبالغ باهظة، لجلب عدة جراحة سنية، ليتمكن طبيب السنية المعتقل من علاج أسنان المساجين، وكان له فضل كبير وفق سرية بجلب أدوية ضرورية للسجن.
كما أشار سرية لـ”زمان الوصل”، إلى أنَّ نزار توسَّط للمساجين عند الإدارة كي يسمحوا لهم باستعمال المكتبة، لأن المساجين كانوا ممنوعين من القراءة، وكذلك أكد سرية إلى أن الرستناوي ناقش إدارة السجن، بضرورة احتواء المساجين التكفيريين وإعادة تأهيلهم، كي لا يتسببوا بمشاكل اجتماعية بعد خروجهم من السجن، ولذلك اقترح نزار على إدارة صيدنايا، تنظيم محاضرات دينية للمساجين، وبالفعل درست الإدارة اقتراحه ونفذته.. وأضاف سرية:”كنا ننادي نزار بلقب الـ “خال” نظراً لقربه منا وفضله الكبير علينا”، و يتابع سرية:”الخال قارئ نهم ومحترف بلعب الشطرنج، ويحب نشر الفكاهة بين الجميع”.
مقتل نزار على يد التكفيريين
يحكي سرية أنَّ الرستناوي اعتاد على إحراج التكفيريين، بمحاججتهم بالدين الإسلامي، مرتكزاً على ثقافته العالية بما تختزن ذاكرته من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك كان بعض التكفيريين يكرهونه، ويحقدون عليه، وصار البعض منهم يروّج لشائعات مفادها أن الرستناوي عميل للنظام، وبدوره استفاد الأمن من هذه الشائعة لإثارة الفتنة داخل السجن، من خلال الإيحاء بصحتها، وبعد ذلك صار التكفيريون يروجون بأن الرستناوي، كان يقوم بتشيّع العامة في قريته “مورك” (الترويج للمذهب الشيعي). وبحسب سرية، سمع نزار الشائعات وعلم بخطورتها على حياته، ولذلك أخبر الإدارة بذلك فتجاوبت معه بمنتهى السلبية، حيث قال له مدير سجن صيدنايا “علي خير بيك” حرفياً: “شو بدك حطك بالميرديان يعني!!.. هؤلاء البني آدميين من كنت تدافع عنهم”؟!
ويوضح سرية أن أحداث سجن صيدنايا بدأت في 27-3-2008، وبسببها تشكلت لجنة من المساجين، للتفاوض مع إدارة، وكان الرستناوي حسب ما أدلى سرية أحد أعضاء اللجنة – بطلب من المساجين- وبيّن أنَّ اللجنة تفاوضت حينها مع ممثلين عن الرئيس وإدارة السجن، وكان موقف نزار وفق سرية، مشرّفاً، لدرجة أنه حتى التكفيريين شهدوا له بذلك، فإدارة صيدنايا كانت تريد إظهار عصيان السجن على أنه من فعل السلفيين والإسلاميين، إلا أن الرستناوي نفى ذلك مستعيناً بسمعته كناشط حقوقي ذي توجه علماني، وأكد أن جميع المساجين ثائرون بسبب الظروف غير الإنسانية التي يعيشونها، وأن الأمر لا يقتصر على المعتقلين الإسلاميين.. إلا أن هذا الموقف لم يشفع لنزار عند بعض التكفيريين الحاقدين عليه، فخلال أحداث سجن صيدنايا التي استمرت حتى 13-1-2009، أي ما يقارب التسعة أشهر، غابت سلطة الدولة بالكامل عن السجن، وسيطر بعض المساجين عليه، مما تسبب بحسب شهادة سرية، بمقتل خمسة معتقلين من كتّاب التقارير(وهم مساجين يكتبون التقارير الأمنية وشاية بزملائهم في المهجع)، كما اُختطف نزار من قبل إحدى المجموعات التكفيرية وتمت تصفيته في صبيحة التمرد الكبير الذي شهده السجن بتاريخ في الخامس من تموز 2008عن طريق الضرب بأنابيب الحديد على رأسه.
يستجمع دياب قواه وهو يعيد في ذاكرته حادثة مقتل نزار، قائلاً لـ”زمان الوصل”: خطف عشرون تكفيري نزاراً من بيننا، كنا أربعة شباب، ويضيف: في الحقيقة لم نتمكن من إنقاذه، لأنهم كانوا كثراً ومسلحين بأدوات حادة، ضربونا بها.
وتكاد الدموع تتساقط من عيني دياب، وهو يحكي عما يعانيه وزملاؤه ممن كانوا معه أثناء خطف نزار، من عقدة ذنب لأنهم لم ينقذوه..ويحكي عن ألمهم الشديد خاصة عندما شاهدوا جثته، وقد هُشّم رأسه بالأنابيب..يقول سرية:”ظل طيف نزار يتردد عليَّ في المنام لفترة طويلة من الزمن.”
جثث شهداء العصيان مازالت لدى النظام
يؤكد المعتقل السابق دياب سرية، أنه بعد انتهاء العصيان، رفضت إدراة السجن الإعتراف بمقتل نزار، وغيره من الشهداء الذين سقطوا في معارك السجن، ولذلك لم يستلم الأهالي جثمانه حتى اليوم، رغم كل الضغوطات التي مُورست على النظام.
ويؤكد دياب، أن مايزيد عن 150 سجيناً، استشهدوا برصاص الأمن، أثناء عصيان صيدنايا، وأن أغلب جثث الشهداء لم تُسلّم لذويها، ما يتسبب بمشاكل اجتماعية ونفسية بالنسبة للأهل الذين مازالوا يتعلقون بأمل أن المعتقلين مازالوا على قيد الحياة.
ولتشتيت الأهالي، عمدت إدارة السجن، بحسب دياب بعد انتهاء أحداث صيدنايا، إلى تأخير زيارات البعض، ومنع البعض من الزيارة، وذلك كي لا يتمكن أحد من التأكيد فيما لوكان المعتقل الذي يريدون زيارته حياً أو ميتاً.
كان مؤمناً بحتمية الثورة
يقول دياب: كان نزار متأكداً أنَّ الشعب السوري، سيثور على النظام، ورغم أننا لم نكن نصدقه إلا أنه كان يصرّ على أمله، ويحكي لنا عن تجارب الشعوب الأوربية، التي ثارت على أنظمتها الديكتاتورية.. ولذلك يشعر سرية، اليوم بالحسرة على نزار لأنه توفي قبل أن يرى الثورة التي طالما كان واثقاً بها..فجميع سجناء سجن صيدنايا لازالوا -وفق دياب- يتذكرون مقولة نزار الشهيرة:”النظام يرسم لنا خطاً أحمر ويحظر علينا تجاوزه، إلا أني متأكد من أن الشعب السوري سيثور ويحرق خطوط النظام الحمراء كلها، وينال حريته”
حقيقة (د.س) راوي “منسيون في الجحيم”
كان للمعتقل السياسي د.س، الفضل الأكبر، في إنارة الظلام الذي رافق معتقلي سجن تدمر وصيدنايا لسنوات طوال. مستعيناً بجرأته فضح د.س قصصاً ما أراد النظام السوري، لها أن ترى النور.
ود.س هو دياب سرية – طلب الكشف عن شخصيته – ، أحد معتقلي سجن صيدنايا من عام 2006 حتى 2011، اُعتقل بسبب نشاطه في 2005 عندما أسس هو ومجموعة من الشباب الجامعي، تجمعاً سياسياً ديمقراطياً اسمه: شباب من أجل سوريا “شمس”، الهادف إلى زرع حالة ديمقراطية في سوريا، ورفع القبضة الأمنية عن المجتمع، وإطلاق الحريات العامة، كان للتجمع عدة نشاطات أوقفتها المخابرات، كما حاولت مجموعة “شمس” تنظيم محاضرات توعوية تم منعها، وكان لهم نشاط كبير على الإنترنيت، كما نظم شباب “شمس” ثلاث اعتصامات اثنان منها عند محكمة أمن الدولة العليا، للمطالبة بإلغائها، وطي ملف الاعتقال السياسي، مما تسبب باعتقال سرية وزملائه لمدة خمسة وسبع سنوات كانت، وفق تعبيره: جميلة جداً وموجعة جداً.. التقى خلالها دياب بشخصيات “منسيون في الجحيم” وغيرهم الكثير من المعتقلين الذين يستحقون رواية قصصهم.
مع بداية الثورة تم إطلاق سراح جميع شباب تجمع “شمس”، وهم يشعرون اليوم بأن حلم الحرية الذي عاشوه في 2006 بدأ يتحقق.
انخرط دياب في الثورة فور إطلاق سراحه مباشرة، وشارك في تنظيم المظاهرات ودعم الحراك السلمي، كما ساهم في تنظيم مجموعات لإغاثة المهجرين من المدن الثائرة، ما سبب له الملاحقة من قبل المخابرات التي اعتقلته مجدداً بتاريخ 17/4/2012 وقبل أن تطلق سراحه بتاريخ 5/7/2012 وهو الآن متوارٍ عن الأنظار بسبب الملاحقة الأمنية.
دياب هو مصدر “زمان الوصل” الذي أطلاق سراح معلومات هامة جداً منها شهادته عن الفارس المعتقل منذ عقود عدنان قصار والتي تم تداولها في الإعلام دون ذكر المصدر..