جمال قارصلي : رسالة الطفل سليم من حلب إلى سامي في ألمانيا
- ” هل تعلم بأن المتفجرات والصواريخ والقنابل تملأ سماء سورية كل يوم بالألوان المختلفة من كل جانب, مثل ما يحدث عندكم في إحتفالات رأس السنة, فهي تضيء الأرض والسماء وأكثرها إشعاعا هي القنابل الفسفورية. قبل عدة أيام أصابت قنبلة برميلية بيتنا وبسببها أُصيب جدي الذي أحبه كثيرا بجراح كبيرة ولم نستطع أن نسعفه بسيارتنا لأنها كانت فارغة من البنزين وكذلك لم نستطع أن نتصل بالإسعاف لأن كل شبكات الإتصال مدمرة.”
أخي سامي …
أكتب إليك الآن من حلب, وهل تعلم أين تقع حلب؟
حلب تقع في سورية التي هي ليست بعيدة من المكان الذي ولد فيه أبونا إبراهيم الخليل ورُسُلُنا موسى وعيسى ومحمد, ولهذا يسمونها مهد الحضارات والديانات. معلمتي التي أحبها كثيرا كانت تقول لنا دائما, يجب عليكم أن لا تنسوا بأنه ليس بعيدا من هنا وُلد رسول المحبة والسلام, ولكن وللأسف يا سامي ومنذ أشهر طويلة ونحن نعيش تحت القصف والحصار ولا نستطيع أن نغادر بيوتنا إلا والخوف يرافقنا من خطر القنص والتشبيح والإعتقال وبسبب هذا حتى أقاربنا وأصدقاؤنا لا يأتون لزيارتنا هنا.
هل تعلم يا سامي … في الأشهر الأخيرة أصبح الجوع عندنا في كل مكان. الحوانيت في مدينتنا فارغة من كل أنواع البضائع, لا الخبز ولا الجبنة ولا السكاكر ولا الحلويات, وكذلك الشوكولاته لم أراها منذ أشهر طويلة. والبرد عندنا الآن قارس جدا, فلذلك حتى وأنا في البيت ألبس أكثر ملابسي لأنه لا يوجد لدينا شئ نتدفأ عليه ومن شدة البرد فأنا أبرد حتى في الفراش. الكهرباء مقطوعة لدينا منذ أسابيع طويلة وليلنا مظلم دائما والماء التي نشربها غير نقية وفي كثير من الأحيان تكون مقطوعة.
آه يا سامي … منذ شهرين وأنا حزين جدا على موت صديقي علي, وهو أعز صديق عندي, وهل تعلم لماذا مات؟ مات لأنه لم يستطع الحصول على الدواء اللازم, لأن أكثرالأدوية عندنا مفقودة وبسبب فقدانها يموت كثيرمن المرضى وخاصة الأطفال منهم. وهل تعلم بأنني لا أستطيع أن أنام بسبب دوي القنابل التي تهطل علينا بإستمرار وبأنواعها المتعددة؟ منها العنقودية والفراغية وهنالك قنابل جديدة يسمونها “البرميلية”. أصواتها عالية جدا وأكثرها دويا هي صواريخ السكود البالستية. وهل تعلم بأن كثير من أطفال سورية ماتوا بسبب القنابل الكيمياوية؟ أنا أصبحت في حالة خوف دائمة يا سامي وحتى صرت أخاف من النوم لأنني كلما أنام أرى أحلاما مرعبة جدا, أراى الجثث والدماء والأشلاء والقنابل الحارقة.
عزيزي سامي … لقد سمعت بأن (بابا نويل) يجلب الهدايا الجميلة لكل أطفال العالم في يوم عيد الميلاد, لماذا لا يأتي (بابا نويل) لزيارة أطفال سورية؟ ربما لا يعرف أين تقع سورية؟ كم تمنيت لو زارنا مرة واحدة وجلب لنا الألعاب الجميلة ليدخل السرور إلى قلوبنا, ولكن عوضا عن ذلك جلب لنا ما يسمونه “بالنظام” الموت والدمار والصواريخ والقنابل. ربما لو جاء (بابا نويل) ألى سورية, لهربت الطائرات والدبابات والصواريخ خوفا منه, ولكنه وللأسف لم يأت. أرجوك يا سامي ذا رأيته أن تخبره بأن أطفال سورية بفارغ الصبر ينتظرونه.
سامي … هل تعلم بأن المتفجرات والصواريخ والقنابل تملأ سماء سورية كل يوم بالألوان المختلفة من كل جانب, مثل ما يحدث عندكم في إحتفالات رأس السنة, فهي تضيء الأرض والسماء وأكثرها إشعاعا هي القنابل الفسفورية. قبل عدة أيام أصابت قنبلة برميلية بيتنا وبسببها أُصيب جدي الذي أحبه كثيرا بجراح كبيرة ولم نستطع أن نسعفه بسيارتنا لأنها كانت فارغة من البنزين وكذلك لم نستطع أن نتصل بالإسعاف لأن كل شبكات الإتصال مدمرة. وهكذا مات جدي وهكذا مات كثيرمن الجرحى وخاصة الأطفال منهم وهكذا نعيش أيامنا وليالينا المليئة بأصوات الطائرات والصواريخ والقنابل المدمرة.
أخي سامي … منذ أشهر طويلة ونحن أطفال سورية لا نستطيع أن نخرج من البيت أو نلعب في الشارع لأن القناصة والشبيحة يطلقون النارعلينا وأنا لا أعلم لماذا يريدون قتلنا ونحن أطفال صغار؟ وانا لا أعلم منذ متى كان الأطفال خطرا عليهم؟ وبسبب القنص يا سامي مات الكثير من أطفال سورية. لقد علموننا بان الأطفال هم مستقبل البلاد وكيف سيكون مستقبل مهد الحضارات والديانات بدون أطفال؟
أخي سامي … إن أطفال سورية مثل أطفال العالم في كل مكان, فهم يحبون الضحك واللعب والمدرسة. هل هذا هو ذنبنا بأننا وُلدنا في سورية؟ أنت ذو حظ سعيد يا سامي لأنك وُلدت في ألمانيا. أرجوك أن تساعدني يا سامي … إصرخ معي يا سامي وبأعلى صوتك عسى أن يرد عليك أحدا لأن صراخنا وبكاؤنا وإستنجادنا, نحن أطفال سورية, لا يسمعه أحدا. العالم يشاهدنا على التلفاز كيف نموت … وكيف نتألم … وكيف نتعذب جوعاً ومرضاً … ولا من مجيب لصراخنا … وقل لأطفال العالم بأن لا يتركوننا لوحدنا يا سامي ونحن نصرخ ونصرخ حتى نموت.
أخوك سليم
حلب / سورية / 24.12.2013
جمال قارصلي / ألمانيا
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.