زملاء

د.يحي العريضي : ما لم يقله الجولاني أخطر مما قاله

  • مقابلة الجولاني حدث إعلامي غاية في الخطورة تم تصنيعها باستخدام خبرات إعلامية سياسية تعرف بدقة كيف يكون التأثير على دماغ المتلقي. لم يكن أقل تأثيراتها تقديم صك براءة في جرائم النظام بإيجاد أعذار و ذرائع للارتكابات التي تمت، ولا تشويه طبيعة الصراع القائم بين طالب للحرية و قامع لها

بكل المعايير، أتت مقابلة ” الجولاني ” مع قناة الجزيرة في صالح النظام رغم أن الأمر الطبيعي و المتوقع ألا يقول الرجل كلمة واحدة في صالح النظام أو أن يكون مغرماً به أو يخدمه سياسياً.
هل أتت هذه النتيجة الصادمة لمن يقاوم النظام من الشعب السوري حصيلة ما قاله الجولاني أم ما لم يقله، أو ما زاده أو أنقصه في القول؛ و خاصة إذا سلّمنا بأنه كان ناقلاً للواقع كما يجب أن ينقله محترف سياسة و إعلام و خطاب سلس طبيعي، و دون إخضاع خطابه لمعايير الصدقية أو الدعائية أو الأسلوبية المبرمجة لدماغ المتلقي؟
لا يمكن الحكم على أن الجولاني استخدم استراتيجيات تخاطبيه مؤثرة عن قصد و تصميم و لكن ملامح تلك الاستراتيجيات تبدت من خلال الأثر المباشر الذي تركه ما قاله على من تابع أو أطلع على الحدث التخاطبي المهني بامتياز.
كان الأثر إحباطي تيئسي لقطاع واسع جداً من الشعب السوري الذي شعر بخيبة و اندحار أمام خطاب عزّز و ثبّت و أكد التوجه الحديث الذي ينهجه النظام بأنه الخيار الأوحد المتبقي في الساحة السورية.
ذلك الجانب المعزّز و المثبت لأطروحة النظام أتى في ما قاله الجولاني و في ما لم يقله الجولاني دون زيادة أو نقصان بل بتحريف سلسل بسيط مرّ خلال المقابلة كلحظة النعاس؛ ومن هنا كان وقعه على المتلقي ساحراً و ساحقاً.
ما قاله الجولاني و ما لم يقله متداخلاً بحيث أن ما لم يقله كان معززاً و مدعماً و كأنه شهادة على ما يقوله.
ففي حديثه الذي قارب الساعة لم ترد عبارة ” الجيش الحر ” الذي يتطلع إليه نسبة عالية من السوريين كجسد مقاوم للنظام و كرجاء له في الخلاص من جلّاده. أتى ذلك مدعماً غلى قوله بأن جبهته هي شبه الوحيدة في الساحة؛ و إن وُجد جبهة أخرى، فهي من طبيعته ومن جبلّته ذاتها ( داعش ). و هذا بحد ذاته دعماً و تعزيزاً و تصديقاً لمقولة النظام من بدايات بطشه بشعب سورية عندما قال إنه يقاوم الإرهاب و التطرف و التعصب و التكفيريين و الوهابيين و القاعدة. وهذا ما ثبته له الجولاني بعظمة لسانه. أي شهد شاهد من أهله. وفوق ذلك أعطاه صك براءة لما قبل 2011. فالنظام يدفع المليارات من أجل تثبيت و تسويق هذه المقولة الباطلة؛ وها هو يحصل عليها بشكل قلّ نظيره؛ و من هنا كانت الصدمة لدى المتلقي الذي لا يرى الأمور بهذا الشكل إلا جزئياً، ليأتي الجولاني و يجعل هذه الحالة الجزئية كليّة، و ينسف كل ما قامت من أجله ثورة السوريين؛ فالسوريون بنظر الجولاني يريدون أمناً ( وهو يوفره ) و يريدون ملء معداتهم ( و ها هو يزودهم بمائة طن من الطحين يومياً ) و يريدون معالجة صحية ( و ها هو يجلب لهم جهاز اً لغسيل الكلية)
في ذهن المتلقي، كل هذه الأشياء كانت حاصلة و متوفرة في عهد النظام – فكانت سورية من بين الدول التي يضرب بها المثل بالأمان و الغذاء و الصحة، و هذا المتلقي حتماً سيختار هذه “المطالب و الطموحات ” عندما يأتي ممن يعرفه ( ولو كان يكرهه ) على أن يختارها من حالة حربجية تريد أن تسيطر على بلده بطريقة ما تعوّد عليها – و الإنسان ابن عاداته – .
ما لم يقله الجولاني هو أن أهل سورية لم يثوروا من أجل إملاء معداتهم – فالكلاب تشبع في سورية – و ما خرجوا لو كان أمان النظام لا يتحقق إلا على حساب كرامتهم؛ وما كانوا عرضوّا أنفسهم إلى الخطر الصحي و النفسي و الاجتماعي لو لم تكن مسألة الحرية و الكرامة بالنسبة لهم فوق كل اعتبار. و هذا بالضبط ما سعى الجولاني أن يخفيه أو يلغيه أو يحيد عنه سهواً أو عمداً لا ندري.
المسألة الثانية, كانت على الصعيد الخارجي، فها هو الجولاني يقول للقاصي و الداني أن مقولة النظام الأساسية صادقة بالمطلق، فهو يقاوم التطرف القاعدي الإرهابي؛ وما دعمكم له إلا انسجاماً مع سياستكم الحقة التي رسمتموها. يدرك هذه الخارج الخبيث أن القصة ليست تماماً هكذا؛ و لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى مدعم و معزز لتبرير قراره بالإبقاء على حالة الدم و الدمار التي يمارسها النظام ضد شعبه الذي لا مصلحة لهذا الخارج معه، بل مع نظام يخدم مصالحه.
أخطر ما أتى على لسان الجولاني كان إعلانه الحرب الدينية/ الطائفية المفتوحة التي سعى النظام ومن يدعمه أن يروّجها و يسوقها و يدفع بها للتحقق من أجل البقاء. لقد نبش الجولاني من القبور ما وجب أن يكون قد دُفِن منذ أربعة عشر قرناً ولكنه عبر مفردات منتقاة و عبارات دعوية وعضية تدخل في الأذهان كالمسلمات بأن الصراع الحربي السني ليس مع الشيعة فقط بل مع العالم أيضاً. وهذا بالضبط ما أراده النظام و داعموه؛ لتتحول بذلك انتفاضة أهل سورية من أجل الحرية و الكرامة إلى تفصيل تافه لا أحد يلتفت إليه.
مقابلة الجولاني حدث إعلامي غاية في الخطورة تم تصنيعها باستخدام خبرات إعلامية سياسية تعرف بدقة كيف يكون التأثير على دماغ المتلقي. لم يكن أقل تأثيراتها تقديم صك براءة في جرائم النظام بإيجاد أعذار و ذرائع للارتكابات التي تمت، ولا تشويه طبيعة الصراع القائم بين طالب للحرية و قامع لها، ولا تبرير تخاذل أو خبث الخارج المتبجح بحقوق الإنسان و يضرب بعرض الحائط كل ما يرتكبه النظام من جرائم بل إنه بَشّر بحرب مفتوحة لا تنتهي بقرون.
أعتقد أن هذا الغول الذي دفع به الجولاني ليس إلا أقصى الحالات الأرعابية ( و ليست الإرهابية ) لأولئك الذين خرجوا من أجل الحرية في سورية.
سيد جولاني الحرب ليست كما قلت. والسني أخو الشيعي لقرون؛ و ما حدث ما تبشر به إلا لأهداف استعمارية. و لعلمك آثرت و أصريت أن تغفلها. وما أنت الوحيد في ساحة سورية أي مخلوق في سورية طاله أذى النظام أقوى منك ومن أسلوبك الإرهابي اللطيف
أيّها الجولاني :  لسان حال أكثر السوريين يقول لك : ارحل عنا ؛ لست منّا.

كلنا شركاء

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق