وليد غانم : التكوين الديني السطحي لــ داعش جعلهم عرضة للإختراق
- مصير العناصر المنسحبين كان مأساويا،اذ أعدم نحو 60 مقاتلا من أحرار الشام كانوا منسحبين من الرقة
- يقول عمر الهويدي الناشط البارز في الرقة لـ’القدس العربي’ إن انسحابا مفاجئا لأحرار الشام من مبنيين ملاصقين لمبنى المحافظة هو ماتسبب بهذا الإنهيار العسكري السريع
- براهين تؤكد حصول اختراقات من المخابرات الإيرانية لبعض قادة داعش في العراق منذ سنوات عندما اقتتلت مع الفصائل السلفية العراقية
شكلت عودة سيطرة “داعش” على الرقة، بعدما كادت أن تنحسر تماماً عنها، جملة تساؤلات ليس عند أهالي الرقة فحسب بل في وسائل الإعلام، ونظراً لخطورة الخوض في الحديث فإن معظم الوسائل الإعلامية لم تتعرض لهذا الأمر لعدم توفر المعطيات الكاملة للخوض في خلفيات معاودة سيطرة داعش على الرقة بعدما كانت عناصر الأخير محاصرة في مقرهم الرئيسي في مبنى محافظة الرقة الحالي، الذي سلم من قصف النظام السوري على مدار أكثر من ستة شهور من تمركز عناصر داعش فيه، في حين لم تسلم المدارس والمخابز والمراكز الصحية من قصف النظام.
كيف استعادت ‘داعش’ كامل الرقة في ثلاثة أيام بعد أن كانت محاصرة في مبنى المحافظة؟، وكيف انسحب ‘أحرار الشام’ فجأة من مواقعهم في الرقة قبل أن يعتقل عناصرها المنسحبون ويعدمون بدم بارد على يد ‘داعش’؟’وهل واجهت قيادات ‘الجبهة الإسلامية’ بالفعل صعوبات في إقناع مقاتليها السلفيين بتوجيه بنادقهم الى ‘أخوة العقيدة’ في الدولة الإسلامية؟ هذه الأسئلة تطرحها ‘القدس العربي’ في الجزء الثاني والأخير من قصة الصراع بين أخوة السلاح والعقيدة وتبرز إجابات قادة ميدانيين من الفصائل المسلحة في مدينة الرقة السورية.
بعد تراكم الخلاف والصراع بين قادة ‘النصرة’ و’داعش’ في الرقة خاصة، وبعد اختطاف ‘داعش’ لأبو سعد الحضرمي قائد النصرة في الرقة، وتزايدت الممارسات المتطرفة لعناصر ‘داعش’ كما امتلأت سجونها بنشطاء الحراك الثوري وأعضاء المنظمات المدنية وبعشرات الصحافيين بل وقيادات وعناصر الفصائل المنافسة في الرقة، لتبلغ العلاقة بين تنظيم الدولة الإسلامية وباقي الفصائل أسوأ مراحلها.
وبدت الرقة وكأنها تنتظر شرارة الحرب على ‘داعش’ وقد أتت من ريف حلب، ومن مسكنة تحديدا والتي خطف فيها الحضرمي قائد ‘النصرة’ في الرقة، إشتبك مقاتلون من ‘أحرار الشام’ و’داعش’ ليسقط خمسة قتلى من الطرفين في أعنف مواجهة بين التنظيمين، لتنتقم ‘داعش’ بخطف أحد أبرز قيادات الأحرار حسن السلمان في مسكنة أيضا، ثم تعيده في تبادل للأسرى جثة هامدة عليها آثار تعذيب بشعة لم يعتد عليها الثوار إلا من قبل النظام، وبعدها بيومين فقط في الأتارب بالريف الغربي لحلب كانت الشرارة الأخيرة، وخطفت ‘داعش’ قياديا في الجيش الحر وقتلته لتندلع يومها المعارك الشاملة ضد ‘داعش’ في عموم المناطق المحررة، وخلال يومين خسرت ‘داعش’ معظم مواقعها في ريف حماة وريف إدلب وحلب، لتبدأ معركة طرد تنظيم الدولة في الرقة بإعلان من جبهة النصرة وبمشاركة من أحرار الشام.
وكانت الأحياء الشرقية في حلب تحت سيطرة النصرة والغربية لـ’أحرار الشام’ وتمركزت داعش في وسط المدينة حيث شارع تل أبيض الذي يقسم الرقة، وخلال يومين أطبق مقاتلوا ‘الأحرار’ و’النصرة’ من الشرق والغرب على ‘داعش’ في الوسط، واستولوا على كل مواقعها لتحاصر في مبنى المحافظة، وبعد أن أوشكت ‘داعش’ على الإنهيار استعادت قوتها فجأة واستعادت المدينة بتطور دراماتيكي مفاجئ، فما الذي حصل؟
يقول عمر الهويدي الناشط البارز في الرقة لـ’القدس العربي’ إن انسحابا مفاجئا لأحرار الشام من مبنيين ملاصقين لمبنى المحافظة هو ماتسبب بهذا الإنهيار العسكري السريع، ويضيف ‘لسبب ما انسحب مقاتلو الأحرار من مبنى البريد والمشفى الوطني، ليتم فك الحصار عن عناصر داعش المحاصرون داخل المحافظة، وليبدأوا بالتسلل للمباني المجاورة وينكسر الحصار عليهم فجأة’.
وفي خلال يومين استعادت ‘داعش’ الجزء الغربي كاملا من الرقة وهو الجزء الذي كان خاضعا لأحرار الشام، ثم انطلقت لمهاجمة جبهة النصرة في الجزء الشرقي من المدينة، وتواصلت المعارك الطاحنة لأربعة أيام بين الفصيلين اللذان كانا يوما ما فصيلا واحدا، كان عناصر النصرة بانتظار مساندة لم تأت من عناصر أحرار الشام الذين انسحبوا بشكل كلي من الرقة، ليتعرضوا أثناء انسحابهم نحو تل ابيض عالحدود السورية التركية للأسر من حاجز لداعش في منطقة الكنطري وهو يبعد خمسين كيلومترا شمال الرقة، وبعدها بيوم وجدت جثثهم ملقاة في أعنف حادثة إعدام جماعي للأسرى بين فصيلين جهاديين فيسوريا.
وانسحب عناصر النصرة بعد أيام من المعارك، وتركت الرقة كاملة بيد داعش، لكن لم تترك النصرة أي ذخائر ورائها، فقد سحبت كل السلاح المتوسط والخفيف، ومابقي من سلاح ثقيل تم تدميره حتى لا تستفيد منه داعش، فتم تفجير دبابتين لم يستطع عناصر النصرة قيادتهما اثناء الإنسحاب الى منبج بريف حلب حيث لجأوا هناك.
لكن ما الذي دفع احرار الشام للإنسحاب المفاجىء من مواقعهم بعد أن كانت داعش محاصرة تماما في المحافظة ؟’
ويقول قيادي في ‘الجبهة الإسلامية’ ، لم يشأ نشر اسمه، أن فصائل الجبهة الإسلامية وخاصة أحرار الشام كبرى الفصائل الإسلامية المسلحة واجهت في كثير من الأحيان صعوبات في تهيئة مقاتليها نفسيا لمواجهة مقاتلين ينتمون لنفس التيار السلفي الجهادي وإن اختلفت درجة وعيهم بالعلم الشرعي وفهمهم لفقه الواقع كما يقول القيادي في الجبهة.
كما حصلت بعض التباينات بين بعض القادة الشرعيين في الجبهة والأحرار إذ فضل الكثير منهم النأي بالنفس عن هذه المعركة باعتبارها ‘فتنة’، وانعكس ذلك على الأرض حيث ظهرت لبعض القادة الميدانيين مجموعات ترفض قتال ‘الأخوة’.
ورغم إصرار الأغلبية من القادة العسكريين والشرعيين في الجبهة الإسلامية وأحرار الشام على توعية عناصرهم بالإعتداءات التي قامت بها داعش ضد الثوار والفصائل الإسلامية من قتل واختطاف وتعذيب، تكفي لاعتبارهم ‘بغاة’ يجوز قتالهم.
إضافة لمؤشرات ودلائل ترقى لحد البراهين على حصول اختراقات من المخابرات الإيرانية لبعض قادة داعش في العراق منذ سنوات عندما اقتتلت مع الفصائل السلفية العراقية كالجيش الإسلامي في العراق وباقي الفصائل الإسلامية العراقية المقاومة للوجود الأمريكي وأدى اقتتالها الى أفول قوة الفصائل المقاومة في العراقي.
هذه الإشكالية لم تكن موجودة في كل المناطق، بل خصوصا في المناطق التي لم تمارس فيها داعش انتهاكات واعتداءات صارخة، لكن في مناطق أخرى كان المقاتلون معبأون باحتقان كبير ضد الدولة الإسلامية.لإطلاعهم على ممارسات جرت في مناطقهم كقتل زملائهم المقاتلين غدرا أو أسرا كما حصل مع لواء التوحيد الذي قتل نخبة من قياداته العسكرية غدرا على يد داعش في عندان ومنهم محمد ليلى القيادي العسكري، أو في اللاذقية مع كتائب الهجرة لله التي فقدت أربعة من عناصرها تعذيبا حتى الموت في سجون أمير داعش في الساحل أبو أيمن العراقي الذي قتل أيضا القيادي أبو بصير والشيخ القاضي في الهيئة الشرعية جلال بايرلي.
وكذلك الأمر مع مجموعات أحرار الشام في مسكنة وغيرها حيث قتل عدد من قادتهم على يد أبودجانة الكويتي أمير مسكنة.
لكن يبدو أن أحرار الشام في الرقة انسحبوا بسبب إشكالية ‘قتال الأخوة ‘ هذه،’فقائد جبهة النصرة في الرقة أبو دجانة يقول إن قيادات الأحرار انسحبوا من مقراتهم دون سابق إنذار، ولكنه لم يتهم الأحرار بالتواطىء مع داعش بقدر ما يميل الى أن ذلك حصل حرصا من الأحرار على تجنب إراقة ‘ دماء الأخوة’.
ويؤكد ذلك الناشط البارز في الرقة عمر الهويدي قائلا، كان عناصر داعش يتحدثون لنا عبر القبضات (أجهزة اللاسلكي) قائلين يا جبهة النصرة سلموا أنفسكم أو انسحبوا لأن أحرار الشام انسحبوا وتركوكم، واذا لا تصدقونا اتصلوا بهم على أجهزة اللاسلكي ولن يردوا عليكم،، وفعلا أحرار الشام لم يردوا على اتصال القبضات اللاسلكية’.
ولكن مصير العناصر المنسحبين كان مأساويا،اذ أعدم نحو 60 مقاتلا من أحرار الشام كانوا منسحبين من الرقة نحو تل أبيض على يد عناصر داعش في حاجز الكنطري كما سبق وأشرنا.
وهكذا فإن ‘داعش’ ورغم كل ممارساتها وقتلها للمئات من عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا لا تزال تختبئ تحت راية السلفية الجهادية وتحظى بتعاطف الكثيرين من مشايخ السلفية الذين يحاولون إنهاء الخلاف من خلال مبادرات مصالحة لم تجد اأي منها طريقا للتطبيق كان آخرها مبادرة المحيسني.
ولا يتردد بعض قيادات الفصائل الإسلامية في القول إن ‘داعش’ مخترقة إيرانيا، ولكن للصراع معها أيضا جذور بسبب صراعات قديمة إن كان في العراق أو في سوريا عندما كان سجن صيدنايا يشهد نفس هذ الصراع بين السلفيين والتكفيريين،
‘لذلك فإن الكثيرين يعتقدون أن التكوين السطحي لعناصر ‘داعش’ وضعف علمهم الشرعي يجعلهم إرضا خصبة للإختراق وإن كان غير مباشر، لأنه يسهل توجيههم عن بعد استغلالا لضعف اطلاعهم وتكوينهم الشخصي المتواضع مقارنة بفصائل أخرى لدى قادتها قسط أوفر من العلوم الشرعية وأكثر دراية بـ’فقه الواقع′.
وهذا ما ذهب إليه أبو مصعب السوري القيادي السابق في القاعدة عندما كان في الجزائر إذ أكد أن الإختراق من المخابرات الجزائرية كان واقعا إضافة الى تكوينهم الخاص الذي يصفه أبو مصعب السوري بالتالي: (مزيج من التكفير والجهل والإجرام باسم العقيدة والمنهج السلفي واختراع الأحكام باسم فقه الدليل بطريقتهم، أوجدت لديهم حالة نفسية دينية خاصة ليس فيها أثر ولا رائحة للرحمة والشفقة والإحساس والإنسانية).
ويبدوا ما حصل بين الفصائل الإسلامية والسلفية خصوصا وداعش في سوريا نسخة مكررة عن ما حصل في العراق، إذ تتسبب القاعدة في إضعاف السنة وإنهاك قواهم لصالح خصومهم في العراق وسوريا ولذلك يتكرر الإتهام باختراقها إيرانيا،’ ‘فقد تسبب النزاع بين الدولة الإسلامية في العراق وبقية الفصائل السنية الى تدمير وإضعاف حالة المقاومة السنية في العراق لصالح’الحكومة المدعومة من الشيعة والأكراد والمدعومة من إيران، وقد تسير الأمور في سوريا الى نفس الإتجاه، نزاع بين الفصائل الإسلامية السنية المعارضة للنظام سيؤدي الى إضعاف الثورة السورية التي قادها السنة لصالح النظام المدعوم من الطائفة العلوية والحلف الإيراني.
النص منقول من موقع ” كلنا شركاء ” وقد تم استبدال العنوان لضرورات تخص نشطاء الرأي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.