جبهة الساحل، هل ترقى لنقطة انعطاف في مسار الصراع؟ قراءة في قمة الكويت ومعركة الأنفال
جبهة الساحل، هل ترقى لنقطة انعطاف في مسار الصراع ؟ قراءة في قمة الكويت ومعركة الأنفال
نجاح القمة العربية والرسم في الفراغ : “نجحت القمة العربية”، جاء في حديث أمين جامعة الدول العربية نبيل العربي في المؤتمر الصحفي عقب انتهاء القمة العربية في الكويت، ولا يخفى هذا النجاح النوعي في تقليص المسافة بين اللوبي العربي الداعم لنظام الأسد المتمثل _على الأقل_ في الدول الأربع المتحفظة على منح الائتلاف مقعد سوريا في القمة وبين اللوبي الداعم لكفاح الشعب السوري ضد الأسد، ليلتقي كلا الفريقين في خندق محاربة الإرهاب كضرورة ملحة تواجه أصحاب السلطة المتوارين عن الشعوب خلف ستار الحكم، وهو الخندق الذي يتسع لجميع المتخوفين من المد الثوري والمنقلبين عليه، فيجوز في عرف المتخوفين وبمنطق الضرورة والخندق الجامع القفز فوق معاناة الفلسطينين على امتداد الشريط الحدودي المصري والحديث عوضاً عن ذلك عن جماعات إرهابية تهدد أمن “جامعة الأنظمة العربية”، و يجوز بذات المنطق وذات الضرورة الوصول لحل توافقي بالنسبة للموقف من ثورة الشعب السوري يقضي برفع علم النظام السوري فوق المقعد السوري مع بقاءه خالياً من أي حضور على رغم الحضور الصارخ للملف السوري في اجتماعات القمة دون تقديم أي جديد معتبر في هذا الملف ما خلا الخفة في تحرير المصطلحات وإعادة ضبط التعريفات بما يتناسب والمواقف الجديدة في الخندق الواحد، ليتحول الائتلاف الوطني من “الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري” إلى مجرد “ممثل شرعي للشعب السوري”.
قبل ثلاثة أعوام فاجئ الأسد المجتمع الدولي بسوية العنف العالية مع الاستعداد للذهاب بمستويات العنف بعيداً جداً على طريقة “الأسد أو نحرق البلد”، وبينما نادت الشعوب العربية بضرورة الوقوف إلى جانب الشعب السوري تأخر الموقف الدبلوماسي الصريح قرابة ستة أشهر كمؤشرعلى التوجس الذي جمع بيوت الحكم في خندق الصمت. في 6آب/أغسطس2011 صدر عن السفارة الأمريكية في دمشق تصريح شديد اللهجة (في سوريا عصابة إرهابية واحدة هي نظام الأسد) اعتبر فاتحة الخروج عن الصمت وتسجيل مواقف عربية وإقليمية أزاحت إحراجات الحياد حتى حين.
وفي قمة الكويت تبدو محاولة العودة بالعجلة إلى الوراء فاقدة للبريق وعاجزة عن جذب اهتمام الباحثين، حيث أنها قد استهلكت رصيدها في مصر ولم تعد تحمل جديداً على صعيد توقعات أصحاب المعاناة أنفسهم، إنما قد يكون الجديد في المؤشر المرحلي لأفق الصراع الجاري في سوريا، فلربما يكون اجتماع القادة العرب في الخندق الجديد ليس عودةً بالعجلة للوراء، إنما إدراكاً لوجود الزخم الثوري الشعبي المتزايد في عموم المنطقة العربية، وتماشياً مع التطورات الدولية الآخذة بالاستقطاب في صورة تقاسم مساحات النفوذ بين القرم ودمشق، ما يعني تقديم مقاربات الحسم العسكري على الحل السياسي بما يعيد الصفعة للجانب الروسي ويضمن للأوربيين بدائل الطاقة من الغاز العربي، وبهذا المعنى فالعجلة تسير في سوريا للأمام، سيمّا مع التقدم العسكري النوعي للثوار في خمسة محافظات على التوازي، ويجدر بنا الإقرار بإن هذا التقدم لا يخرج عن إطار الشد والرخي على النحو الذي تشهد به سيرة الصراع نفسه، غير أن هناك جديد معتبر متمثل في المشهد العالمي وفي التقدم السريع للثوار في جبهة الساحل، الشيئ الذي يدعو الجامعة العربية للتأهب من جديد الربيع العربي.
جبهة اللاذقية ونقاط الانعطاف
من المبكر الحديث عن سيطرة للثوار على نوافذ بحرية على الرغم من وصولهم وسيطرتهم على بلدة السمرا على مياه المتوسط، وفي وقت سابق من آب/أغسطس2013 شهدت المنطقة تقدماً ملفتاً للنظر سرعان ما تراجع عنه الثوار بعد أسبوعين تاركين خلفهم آلاماً في الحاضنة الشعبية للأسد و تهديداً لتوازن الهدم الذاتي الجاري في سوريا بما قد يقلب الطاولة داخلياً على الأسد، وهو ما استدعى التحرك في دمشق لرد الهيبة والاعتبار، وبحسب ما جاء في “وول ستريت جورنال” فقد “رصدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في 18آب/أغسطس اتصالات تشي بنية الأسد استخدام الكمياوي”1 كتصعيد جديد يحمي قواعد الصراع عشية تصريح دمشق استعادة السيطرة على كامل القرى التي دخلتها المعارضة في جبال اللاذقية، وفي صباح 21أب/أغسطس كانت مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق التي أعادت البهجة والنشوة لمؤيدي الأسد تحت شعار “مجزرة الكيماوي تمثلني”.
قد يبدو التركيز الإعلامي على جبهة الساحل فيه شيئ من الغبن في تغطية الجبهات الأخرى على ما فيها من ضراوة سيما في المنطقة الوسطى شمال حماة، إلا أن هذا التركيز إعلامياً مفهوم على اعتبار جبهة الساحل لا تزال جبهة “خام” لم يجري استهلاكها في عمليات الكر والفر، كما أن ظهور قدرة الثوار على الوصول السريع المتواصل إلى عمق منطقة الساحل سجل تطوراً بدد مقاربة تقسيم سوريا إلى دويلات وأكد هشاشة هذا التصور برغم ما رسمته سنوات الصراع عبر تراكم الأحداث من حدودٍ داخلية فصلت شرق سوريا عن غربها على امتداد الخط دمشق-حلب، فظهر حرص نظام الأسد في السيطرة على بلدات ومواقع غربي الخط كيبرود في ريف دمشق أو مورك شمال حماة أشد من حرصه على استعادة مركز محافظة كمدينة الرقة شرقي الخط. والسؤال هو هل يرقى هذا التطور لنقطة انعطاف في مسار الصراع؟
شهد مسار الصراع تأزماً متواصلاً وتصعيداً متصلاً ترافق مع تقهقر مستمر لسلطة الأسد وتأرجح في الموقف الدولي بين الصمت وبين الوعيد مروراً بإرسال المراقبين وبالشجب والتنديد والمبادرات الرمادية.
بيد أن هناك نقاط معدودة في هذا الصراع هي بمثابة نقاط انعطاف شهدت تبديلاً في استراتيجية المواجهة لدى النظام وليس مجرد تصعيد كمي في حجم النيران المستعملة، وتم عندها تسجيل مواقف دولية صريحة وجديدة تخرج بالمجتمع الدولي عن صمته الملول والبيان المقتضب الخجول.في دراسة إحصائية غير منشورة قام بها المركز السوري للإحصاء والبحوث تقوم على الجمع بين قاعدة بيانات الضحايا وقاعدة بيانات الأحداث استناداً للمحور الزمني للصراع، تظهر لنا أربع نقاط انعطاف بالإضافة لنقطة البداية
قراءة استشرافية
وعلى ضوء الدراسة المذكورة يمكن لنا أن ننتظر في إطار تداعيات معركة الساحل دخول سلاح جديد على مشهد الصراع أو وتيرة استخدام جديدة، وتزايد مستويات العنف وأعداد الضحايا، واستهداف الحاضنة الشعبية للثورة كرد فعل انتقامي يدغدغ خواطر المكلومين من أتباع الأسد، وازدياد التضييق الأمني وحملات الاعتقال في مناطق نفوذ الأسد كإجراء استباقي، وتأخر أولوية المواجهة في الجبهات العديدة على حساب احتدام المواجهة في الساحل كإجراء تحت الضرورة وفي دمشق كإجراء ضاغط يلوح بالقدرة على الابتزاز ويؤكد خارجياً الحضور الراسخ في دمشق العاصمة السياسية ومربط الفرس، ونذكر هنا استخدام الكيماوي في غوطة دمشق عقب معركة الساحل الأولى.
قد يبدو انتظار الحسم العسكري على أعقاب معركة الساحل الجارية شكلاً من أشكال التسطيح المخل، خصوصاً مع الإدراك الكامل بإن الصراع السوري خرج من طور المحلي والإقليمي ليستقر في طور الدولي مع عودة صورة الحرب الباردة في المشهد العالمي الواسع، ما يعني تأخر احتمالات الحسم لصالح تقدم أولوية استمرار الصراع. ومن جانب آخر لا يمكن التغاضي عن التبدل الكبير في أدوات المواجهة لدى الأسد واستنادها لخزان بشري أجنبي بالإضافة للسلاح الوافد، وعليه أصبح دور شريحة المؤيدين ذو اعتبار معنوي كبير، وأما عسكرياً فهي من التهالك بمكان بما جعل دمشق تحت الوصاية السياسية و الحماية العسكرية لجنود الحلفاء لنظام الأسد، وبهذا تغدو الحاضنة الشعبية للأسد هي الخاسر الأكبر في مواجهات الساحل، مع التأكيد على أن فرط عقد الأسد في الساحل، في هذه المواجهة أو لاحقاً، سيحوله لرئيس بلا شعب، وسيمثل نقطة انعطاف في مسار الصراع ونقطة ختام على المدى الاستراتيجي، بغض النظر عن صورة الختام، أعسكرية كانت أم سياسية برعاية دولية.
طارق بلال : مدير المركز السوري للإحصاء والبحوث