“ إن كان هناك أي طرف من أطراف الصراع متورطا في مثل هذه المؤامرة فإنه نظام الأسد, الذي وتحت عقود طويلة من عمله تحت وصاية الكي بي جي الروسي فإن مخابراته أصبحت تملك كفاءة مخيفة في تطبيق تكتيكات كاذبة هدفها تشويه سمعة المعارضة. “
دانيل نيسمان : قبل حوالي ثمانية أشهر وبعد أن استخدم نظام الأسد الغاز الكيماوي وقتل ما يقرب من 1400 شخص في الغوطة الشرقية قرب دمشق, فإن ادعاءات بوجود هجمات جديدة في العاصمة السورية لا تجد سوى آذان صماء لدى المجتمع الدولي.
في 28 مارس, ذكر المجلس العسكري لمتمردي دمشق أن هجوما جديدا بغاز الأعصاب شن في منطقة حرستا في الليلة السابقة. تردد ذكر هذه التقارير من قبل العديد من وكالات الأنباء المعارضة ذات المصداقية. حيث تراوح عدد الإصابات التي وقعت ما بين عشرات الإصابات إلى ثلاثة قتلى بسبب الاختناق. بعد أيام على ذلك, في 3 أبريل, وردت تقارير من لجان التنسيق المحلية عن هجوم كيماوي آخر في منطقة جوبر, وذلك مباشرة بعد أن بدأت قوات بشار الأسد بشن هجوم لبسط سيطرتها على المنطقة وانتزاعها من يد المتمردين.
مقاطع الفيديو التي تظهر قتلى هجوم حرستا, ومصاب واحد على الأقل من هجوم جوبر, بدأت نتشر من ذلك الوقت على وسائل التواصل الإجتماعية. المعارضة السورية من جانبها أرسلت رسالة إلى الأمم المتحدة وطالبت بإجراء تحقيق, مشيرة إلى ما قالت أنه أدلة قاطعة على استخدام الأسلحة الكيماوية, ولكن دون جدوى. الأمر المقلق هنا, هو ما صرح به مسئول إسرائيلي لصحيفة هاآرتز في 7 إبريل بأن لدى القدس ” أدلة قاطعة على استخدام مواد كيماوية في حرستا شرق العاصمة دمشق في 27 مارس”.
في حين تفتقر الأدلة إلى التوثيق الأكيد فيما إذا استخدمت الأسلحة الكيماوية في الأيام الأخيرة أم لا, فإنه يمكن استخلاص العديد من الاستناجات من هذه الاتهامات بحد ذاتها. النتيجة الأكثر إثارة للقلق هي التي يمكن أن يستخلصها نظام الأسد والمتمثلة في عدم اهتمام المجتمع الدولي بالدعوات لإجراء تحقيق في حرستا وجوبر.
منظمة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة الكيماوية لديها وجود على الأرض في سوريا وذلك بغرض الإشراف على تنفيذ اتفاق نزع السلاح الكيماوي الذي أبرم بدعم من روسيا وأمريكا. وسواء ما إذا كان التحقيق يندرج تحت سلطة المنظمة أو لا, فإن شكل استجابة نظام الأسد للمطالبات بالسماح للدخول إلى جوبر وحرستا سوف يكون مؤشرا مهما عن مدى مسئوليته عن الهجوم. ليس هناك أدلة قاطعة توحي بأن الجماعات المتمردة في دمشق تمتلك المواد أو الدراية بكيفية تركيب الأسلحة الكيماوية على المدفعية التقليدية الموجودة في حوزتهم. وبالتالي يمكن استنتاج أنه ما لم يكن المتمردون مسئولون عن تلفيق مسرحية حول آثار الهجوم الكيماوي فإن نظام الأسد هو المسئول على الأرجح عن شن هذه الهجمات. جدير بالذكر, أنه في 25 مارس, وزع سفير سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري رسالة تتضمن على وجه الخصوص أن المتمردين استخدموا الأسلحة الكيماوية في جوبر من أجل توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة. ولكن إن كان هناك أي طرف من أطراف الصراع متورطا في مثل هذه المؤامرة فإنه نظام الأسد, الذي وتحت عقود طويلة من عمله تحت وصاية الكي بي جي الروسي فإن مخابراته أصبحت تملك كفاءة مخيفة في تطبيق تكتيكات كاذبة هدفها تشويه سمعة المعارضة.
وحتى مع حقيقة تدمير معظم انتاجه الكيماوي والمنشآت التي تستخدم لخلط هذه المواد على يد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية, وأن أكثر من نصف العناصر الكيماوية شحنت خارج البلاد, إلا أن نظام الأسد لا زال قادرا على شن هجمات محلية. لنتذكر أن نظام الأسد كان متهما بشن هجمات محدودة جدا لطرد المتمردين من المواقع الأمامية في بعض المدن الرئيسة. هذه الهجمات, التي استخدم فيها عناصر كيماوية مثل غاز السارين أو الخردل (أو الاثنين معا), شنت على نطاق ضيق بما يكفي لعدم جذب الانتباه الدولي, وفي نفس الوقت ردع المجتمعات المحلية من استضافة المتمردين. هذه الهجمات نفذت باستخدام قذائف مدفعية معدلة قصيرة المدى يستخدمها المتمردون, ما كان من شأنه السماح للنظام بإلقاء اللوم على المعارضة السورية وإرباك المجتمع الدولي.
بين مارس وأغسطس 2013, كان نظام الأسد متورطا في تنفيذ ما بين 6 إلى 8 من هذه الهجمات في دمشق وحلب وحمص. فقط عندما تم شن هجوم على نطاق واسع في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس ونتج عنه أدلة دامغة لا يمكن إنكارها تشير إلى استخدام نظام الأسد لغاز السارين, تحرك المجتمع الدولي. وكما اتضح من خلال تسريبات بين إيران وحزب الله حول الهجوم, حتى نظام الأسد وحلفاءه ادركوا أنهم ذهبوا بعيدا جدا.
مع الوصول إلى إبريل 2014 من المنطقي أن يعتقد الأسد أنه مطلق اليد مرة أخرى لاستخدام أكثر أسلحة العالم فتكا ضد شعبه. المدمرات البحرية الأمريكية التي كانت تهدد بإطلاق مئات صواريخ توماهوك إلى سوريا في سبتمبر الماضي غادرت البحر المتوسط منذ فترة طويلة, وعيون صناع القرار في العالم من بينهم أولئك الموجودون في موسكو وواشنطن, تركز باهتمام بالغ على الأزمة في في أوكرانيا. على الرغم من تجاوزه العديد من المهل خلال عملية نزع الأسلحة الكيماوية, إلا أن الولايات المتحدة كانت حذرة دائما من اتهام نظام الأسد بانتهاك الاتفاقيات الدولية, لئلا تضطر واشنطن إلى اللجوء إلى تدخل عسكري لا يحظى بشعبية كبيرة.
مع وجود التغريدات والمدونات ومقاطع الفيديو حول السوريين الذين تعرضوا للغاز السام, فإن نفس الأصوات التي تعهدت أنه لن يكون هناك “مرة أخرى” على صفحات الرأي في الصحف وعلى منابر واشنطن ولندن وباريس في أغسطس 2013 تلتزم الصمت المطبق الآن. على المجتمع الدولي أن يبرهن على استعداده في التحقيق في اتهامات استخدام الأسلحة الكيماوية. إن لم يقم بذلك, فإن الأسد سوف يفسر صمت العالم على أنه رخصة لاستخدام هذه الأسلحة الأكثر وحشية بنفس الطريقة التصعيدية التي أدت إلى قتل المئات في الغوطة الشرقية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.