زملاء
أحمد سليمان ” أرواح هائمة ” نصوص متمردة تستدعي ذائقة فنية
لعل من اهم المفارقات التاريخية لدي كمشرقي ، التعرف على كاتب تونسي ترك الغرب بعد ربع قرن من المغامرات والترحال والاشتباك مع المزاج الحاد والطقوس الادبية ، ليعود الى بلد مثل مصر ( وهو التونسي القيراواني العتيق ) التي مازالت محط اختبار للحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية . كاتب موغل برصيد ثقافي حيث نشأ بأكناف الفرنكفونية والواقعية الاشتراكية وصوﻻ الى الفلسفة اﻻلمانية ، بمعنى ما اننا نقرأ لرحالة يجوب بين تعدد الثقافات . ما يوحي لنا انه مشغول بنمط يخصه تاركا للنقد يقرر مصير هكذا نوع أدبي .
الحديث هنا عن الشاعر والكاتب التونسي كمال العيادي ومجموعته ( أرواح هائمة) الصادرة حديثا عن “المجلس الأعلى للثقافة” بمصر . تقع المجموعة ب 160 صفحة من الحجم المتوسط بغلاف للفنانة ريم يسوف .
مع جديد العيادي (( المعروف من نشطاء الشبكات الاجتماعية الهادفة تحت مسمى ” كيمو الكينغ ” . )) نكون نحن امام فكاهة متحررة من القيود الجنسانية التي توقفت عن تقديم شكلا مغايرا ، الى جانب ما يبدو لي بأغلب النصوص سردا اغترابيا بإمتياز ..
المرأة عنده حاضرة وبقوة يقسو عليها وتقسو عليه بأغلب نصوصه . يبدأ بقصة فكاهية ” آنيتا ” يتشاجران على الدوام فهي تعرف كل احابيل افكاره وما يخطط ( انا اخاف ببساطة من لسان آنيتا زوجتي . آنيتا الصفراء القاسية ؛ ولذلك اضرب رأسي يوميا . ص 9 ) .
في مكان آخر يشير الى “مارتينا ” التي كشفت لزوجته ( اعتقد بأنها فطنت إلى أنني لن أقدم على الانتحار …. ﻻ احبها . وﻻ احتمل رائحة الدجاج المسلوق والزيوت الغريبة التي تنبعث منها . ص 11 ) .
في توصيفه لعلاقة بطل القصة بمديرة سكن الطلاب “باريسا ألكسندروفنا ” التي بدأت ايضا بشجار ومن ثم الى ( كانت باريسا ألكسندروفنا رقيقة النفس ، وكانت الكلمة مفتاحا الى عالمها وقلبها ، وقد فتحت لي كل المغاليق . ص 22 ) .
سبق وقرأت نصوصا لكمال العيادي في بداية هذا العام تلك النصوص اعتقد انها تمهد لمجموعته التي اتصفحها اﻵن ، لنقل ان النص نفسه لكنه امتد الى كتاب آخر ، او ان ما سوف يصدره في وقت ﻻحق هو المتن اﻷساس ، بل ربما كلاهما يمثلان مناخات لتجربة تشكل عنده اﻷنا الحكائية عن كامل حياته ، بالتالي يضع القارئ امام مجموعة خيارات موطنها العالم السردي .
( عليك ان تلبس هذا القناع وتلعب دور فرايدي السفاح الذي يتسلل في اﻻحلام ليقطع اﻻوصال ويمزق اﻷعضاء بوحشية . ص 31 )
من ناحية موازية يصح القول إذا كان ثمة من يحتاج لسيناريو بدون رتوش او اضافات ، عليه بقصص من هذا النوع على تخوم متعددة ..سيرة او حكاية او حتى اقاصيد بدون إسراف لغوي .
( اتقزز من كلبه الحقير اﻷسود الذي يناديه بتخنث ، وهو يشقشق سوار معصمه الذهبي .
المالك شاذ ، والكلب شاذ ، والنادلة عاهرة ترتدي ملابس داخلية داكنة … ثم الزبائن كانوا بمنتهى التفاهة والجهل والكآبة والضياع . ص 41 )
كما اسلفت قبلا نلاحظ تأثر الكاتب بدراسته للسينما في شبابه جعله يتقافز بين سطور سيناريوهات تخص عالمه ومزاجه كمختبر لفيلم طويل لم يكتمل .
( انتبهت للمرة اﻷولى ، الى ان النادلة جميلة جدا . بل هي في غاية الجمال والروعة . بل هي معجزة في الجمال ص 46 )
سأحكي له قصة حبي ل ” هيام يونس ” العسل المعطر في شفتيها وهي تتهجأ حروف اغانيها ص 50 . )
تتداخل السيرة مع شخوص المؤلف بدون ان يكون لذلك اي اثر للإلتباس لدى القارئ ، بالطبع ان الاساس لهذه القصص التماهي مع الإغتراب عامة . منطلقا من الذات ، متجولا بما يدور في محيط جاء اليه اصلا ليكمل مغامرات على تخوم بلاد الفلسفة بلاد ماركس وغوتيه .
( كنت ألبس معطفا بقبعة مشدودة عند حواف الرقبة ، واحفظ الكثير من القصائد الروسية والعربية . ص 59 )
( قال : ” ميتشكو ” . دكتور ” ميتشكو ” . صديق تونسي طيب ، يسكن عند الشارع الخلفي . إنه طباخ ، درس بإسبانيا .ص 60 )
لا يغفل الكاتب مشاركته في المظاهرات المطالبة بإصلاحات اقتصادية في البلاد وهنا يجيب ( لقد سشاركت مثل الناس بمظاهرة الخبز .ص 74 )
( التفتت يسارا فرأيت “سالم ” ولد ” منوبية ” وكورا بين كرسي خشبي … ﻻحظت بأن وجهه مليء بالكدمات وعينيه متورمة 74 )
مدرسة المغايرة :
المكان بالنسبة له حيث تكون الحرية ، لذا نجده يتكلم بمفاخرة عن كل شيئ غير معني بمحظور كتابي او سياسي او ثقافي ، ربما لهذا السبب او لسواه اختار مصر ليكمل فيه ما بدأه من شغف كتابي أرعن .
كذلك نلاحظ تعمدا واضحا لتداخل السرد يتجلى ذلك عبر مونولوغ مع اغلب ابطال القصص . حيث يتماهى الموضوعي مع الذاتي ، خاصة بقصة ” رحلة الرسامين الثلاثة ” الى جانب شخوص واماكن وعواصم وشوارع واسماء رسامين وكتاب وشعراء فلاسفة : أوجين يونسكو ، آينشتاين ، بوشكين ، روزا لوكسمبورغ ،آﻻن بارك ، كلاوس ، دالي ، بيكاسو ، مرسيليا ، القيروان .
فيما اقرأ لكمال العيادي قصصا متماسكة ، مرنة من حيث الخطاب اللغوي ، والتي تذكرني بإرهاصات كتابية في افتتاحية مجلة ثقافية ( كراس – تعنى بالإبداع والفن المغاير ) كنت اصدرها اثناء اقامتي ببيروت صحبة مع شعراء وكتاب قبل عقد ونيف . ثم اصدرت اغلب نصوصي في كنب ابرزها ( خدر السهو ) و ( قبعة المنام ) و ( أتشكل ) وأيضا اصدرتها إلكترونيا .
شخصيا ، اجد نصوص بديعة كالتي أصدرها كمال العيادي في العام 2013 هي نصوص تنتمي لجيلنا المعني بالانتقاد الثقافي والشعري والفكري والسياسي ، جيل تعرض لابشع انواع الالغاء والمحاربة من قبل المؤسسات الرسمية . لم ﻻ ؟ نحن ابناء الهوامش الثقافية الجالسون بأروقة الاختبار والتحديث ومخالفة السائد ، حيث اغلقت امامنا ابواب النشر في الجرائد داخل البلاد . حينها اصبحنا كفئران الحقول نبحث عن امكنة ومنتديات ، او نصدر مجلات تختلف مع سائد ، بل تقاطعه وتنتقده بقوة ، في وقت كانت الكلمة قد تخفي كاتبا ، او تفصله من عمله او تحاصره وتمنعه من السفر . كان ثمن ذلك من اعمارنا وقوتنا وحياتنا ، حيث تعرض قسما منا للملاحقة من ثم الى تجربة اعتقال بفضل ” كتاب التقارير اﻷمنية ” الذين كنا نلاحظ مواضيعهم تتصدر وسائل النشر التي تدار بعقلية اجهزة البوليس السياسي ، هذه العقلية التي حرضت شعوب بلدان عربية عدة لانتفاضات وثورات مازالت مكان اختبار لمشروع الحرية .
أحمد سليمان : شاعر و صحافي / رئيس تحرير نشطاء الرأي
- ( اضط هنا http://opl-now.org/?page_id=725 )
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.