جمال قارصلي: شاهد عيان على خيانة حافظ الأسد في الجولان
من المتعارف عليه دوليا يتم رفع الحظر عن نشر الوثائق السرية بعد مرور مدة معينة من الزمن, وطول هذه المدة تحددها حساسية وأهمية تلك الوثائق. ففي الخامس من حزيران 2015, أي قبل عدة أيام, تم الكشف عن بعض الوثائق السرية في الأرشيف العسكري الإسرائيلي والتي تثبت على إبرام صفقة بين القيادتين السورية والإسرائيلية تنص على أن الطرف السوري سينأى بنفسه عن حرب حزيران 1967. هذه الإتفاقية هي التي مكّنت الجيش الإسرائيلي من سحب قواته من الجبهة السورية وتوجيهها إلى الجبهة الأردنية وبها إستطاع أن يحتل الجزء الأكبر من القسم الشمالي من الضفة الغربية. خبراء عسكريون يتوقعون بانه لو شارك الجيش السوري في الحرب ضد إسرائيل بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد لوضع الجيش الإسرائيلي في حالة حرجة للغاية.
هذه الوثائق ذكرتني بالمقال الذي كتبه الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي ” Shraga Elamشراغا إيلام” في عام 2012 تحت عنوان: هل ساعد حافظ الأسد إسرائيل في إحتلالها للجولان وفي إنتصارها في حرب حزيران؟
شراغا إيلام هو من كبار المناهضين للصهيونية والداعمين للقضية الفلسطينية ويعيش منذ سبعينيات القرن الماضي في سويسرا ومن المتابعين لتداعيات أحداث حرب حزيران وله تجربته الشخصية مع تلك الحرب, حيث عاش بنفسه بعض تفاصيلها كجندي في الجيش الإسرائيلي وكان متواجدا في معسكر لا يبعد بضعة كيلو مترات عن هضبة الجولان المحتل.
في المقال المذكور أعلاه كتب السيد إيلام ما يلي: الكثيرين من أنصار بشار الأسد يرون في القاتل وعصابته العدو الأكبر للإمبريالية ولكنهم يغمضون أعينهم عما يرتكبه هذا النظام مع أعمال إجرامية. ما يثبت هزلية مواقفهم هو الدور الذي قام به والد بشار الأسد في حرب ال67 أو ما يسمى بحرب الأيام الستة.
في الخامس من حزيران كنت على الجبهة كمجند في الجيش الإسرائيلي وفي غابة تقع على تلة بالقرب من هضبة الجولان. ذلك اليوم كان هادئا نسبيا لولا بعض الطائرات الحربية التي كانت تمر من فوقنا وهي بطريقها إلى أهدافها. في مساء ذلك اليوم جاءتنا الأوامر بالتحرك بإتجاه الضفة الغربية – في بعض الأحيان تكون معلومات مجند بسيط ذات أهمية قد لا يراها الخبراء – هذا التحرك العسكري من الجولان إلى الضفة الغربية معلوم لدى الجميع وموثّق بشكل رسمي ولكن لا يوجد أي شرح لأسبابه وهو ما يجعلنا نتساأل وعلى سبيل المثال كيف عرفت القيادة العسكرية الإسرائيلية بأن الجيش السوري لن يشارك في هذه المعركة؟
الجبهة السورية تم إخلاؤها تقريبا بشكل كامل من القوات العسكرية الإسرائيلية ولم يُترك هناك إلا بعض الدفاعات البسيطة. لو قامت القوات السورية بالهجوم آنذاك على إسرائيل لأصبحت حالة القوات الإسرائيلية في وضع حرج للغاية. هل من المعقول أن تكون قد غامرت القيادة الإسرائيلية إلى هذا الحد وتركت الجبهة السورية فارغة؟ علينا أن لا ننسى بأن أسباب إندلاع حرب حزيران كان هو التوتر القائم بين سوريا وإسرائيل وذلك لأن المخابرات السوفييتية وصلتها معلومات خاطئة تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يخطط للهجوم على سوريا. من أجل درء الخطر عن سوريا وتخفيف الضغط عليها قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن يأتي لنجدة سوريا فقام بطرد قوات حفظ السلام الدولية من شبه جزيرة سيناء ونشر قواته هناك. هذا العمل إعتبرته إسرائيل نقضا لمعاهدة 1957 وأخذته كذريعة لبداية حرب حزيران بالرغم من معرفتها التامة بأن الجيش المصري لا يشكل خطرا عليها. هنا علينا أن نسال أنفسنا:
- لماذا هب فقط الجيش الأردني لنصرة مصر بينما الجيش السوري إلتزم الحياد بتاريخ 5 حزيران عندما كان الخطر يهدد الجيش المصري ؟
- كيف عرفت قيادة الجيش الإسرائيلي بأن الجيش السوري لن يتدخل في هذه المعركة ؟
ويتابع السيد شراغا إيلام في مقاله … بالرغم من محاولاتي الكثيرة لم أحصل إلى هذا اليوم من جهات عسكرية عليا على جواب شافي على أسئلتي هذه وكذلك على أجوبة لأسئلة أقل أهمية منها …
قائد فرقتي العسكرية آنذاك الجنرال المتقاعد “إيلاد بيليد” قال لي وأكد ذلك في الراديو الإسرائيلي بأن موشي دايان, وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق, كان لا ينوي إحتلال هضبة الجولان لأنه كان يتوقع ردة فعل قوية من الجيش السوري. في منصف ليلة اليوم الثامن من حزيران, وبعد أن تم إحتلال الضفة الغربية وكذلك شبه جزيرة سيناء, قيل لنا بأن الوضع مستتب وبإمكاننا أن نخلد إلى النوم ولكن وفي الساعة الخامسة صباحا من اليوم التالي وبشكل مفاجيء جاءتنا الأوامر بالتحرك بإتجاه الحدود السورية تحسبا لهجوم ما. وتابع الجنرال المتقاعد بيليد بأن موشي دايان وصلته معلومة تفيد بأن أوامرا أعطيت للجيش السوري بالإنسحاب من الجبهة ولهذا قرر هو ولوحده بإحتلال هضبة الجولان. وهذا ما لاحظناه لاحقا بأن كل نقاط الدفاع السورية كانت خالية تماما. في التاسع من حزيران عندما تسلقنا مشيا على الأقدام إلى أعلى قمة في هضبة الجولان وعلى طريق ضيق جدا “طريق الماعز” لم نر أي جندي سوري, لو بقي هنالك جندي سوري واحد وقام برمينا فقط بالحجارة لما إستطعنا أن نصل إلى أعلى القمة. نحن كنا في العراء التام ولم يُطلق علينا ولا رصاصة واحدة وعندما إستطعنا أن نحتل المواقع السورية كلها وبدون قتال لم نجد هنالك ولا جثة واحدة.
يتابع شراغ إيلام … ما قاله الجنرال بيليد يؤكد ما عشته شخصيا وكذلك ما قرأت عنه الكثير بان نقاط الدفاع السورية كانت خالية بإستثناء القليل منها والتي لاقى الجيش الإسرائيلي صعوبات جمى في إحتلالها. وهنا كذلك يجب طرح بعض الأسئلة الملحة:
- لماذا إنسحب الجيش السوري وبدون قتال من مواقعه ؟
- كيف علم ديان بإنسحاب الجيش السوري من مواقعه ؟
على كل الأسئلة الآنفة الذكر لم يستطع أو لم يرغب أيا من الخبراء أو الكبار العسكريين أن يعطيني جوابا شافيا. الأوساط السورية المهتمة تتوقع بأن الأوامر بالإنسحاب من الجبهة أعطيت بعد أن تمت عملية الإحتلال لهضبة الجولان بشكل كامل من قبل الجيش الإسرائيلي أي في العاشر من حزيران.
إحتمالات التنصت على مكالمات الجيش السوري كانت في ذلك التاريخ شبه مستحيلة … والسؤال الذي لا زال بلا جوابا هو: لماذا جاء الأردن وحده لنجدة مصر بينما سوريا لم تحرك ساكنا وإنسحب جيشها بشكل عشوائي من الجبهة وبدون سبب؟
حافظ الأسد, والد بشار الأسد, كان في ذلك التاريخ “فقط” وزيرا للدفاع ولكنه كان الحاكم الفعلي لسوريا ومن المستحيل أن تصدر هكذا أوامر وبدون معرفته. من الممكن كان لديه خط إتصال مباشر مع موشي دايان فقرر أن يضحي بهضبة الجولان من أجل أن ينقذ الجيش الذي كان يشكل ركيزة حكمه من الدمار, لأن قواته الجوية, والتي كان يفتخر بها, تم تدميرها خلال يوم واحد وبشكل كامل من قبل الإسرائيليين. فلهذا ومن الممكن بانه أخبر موشي دايان مرتين وأبرم معه صفقة أدت إلى إحتلال سيناء والضفة الغربية أو على الأقل سهّل عملية إحتلالهما.
كُتّاب التاريخ الإسرائليين لا يبحثون في هذه القضية الهامة لأنهم يخشون من أن يتم كشف قوة الجيش الإسرائيلي الوهمية والتي قد تؤدي إلى إزالة الهالة التي تحيط به من التضخيم والمبالغة وربما كذلك أن يتم فضح العلاقة الخاصة مع حافظ الأسد.
… هذا ما كتبه الصحفي والمؤرخ شراغا إيلام في عام 2012 وما تم الكشف عنه في أرشيف الجيش الإسرائيلي في 5 حزيران 2015 يثبت ذلك.
إن الأسئلة التي طرحها شراغا إيلام هي ذاتها التي يتداولها الكثير من السوريين منذ أيام النكسة المريرة والتي لا زالوا يعيشون تبعاتها القاسية والمُهينة, إضافة إلى ذلك لدى الشعب السوري أسئلة كثيرة حول هذه القضية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل وصول حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة في عام 1970 كان مكافأة له على خدماته الجليلة التي قدمها لإسرائيل في حرب حزيران 67؟ أم لماذا كانت الحدود السورية بالنسبة لإسرائيل أكثر أمانا من الحدود المصرية أو الأردنية بالرغم من أن مصر والأردن وقعتا إتفاقية سلام مع إسرائيل؟ أم لماذا يعتبر بعض المسؤولين الإسرائليين سقوط بشار الأسد كارثة على إسرائيل؟
الشعب السوري صُمّتْ أذنه من كثرة ما سمع أنشودة “المقاومة والممانعة” والتي كان يستخدمها النظام كذريعة ليظل جاثما على رقاب الشعب في سوريا وبهذه الأكذوبة كان يُجهض كل فكرة إصلاح يتم طرحها بحجته الواهية بأنه يسخر كل إمكانياته لمواجهة العدو الخارجي. أغلب السوريين لديهم القناعة التامة والمؤشرات الكثيرة على الخيانة العظمى التي إرتكبتها القيادة السورية آنذاك. ما كشف عنه الأرشيف العسكري الإسرائيلي من وثائق سرية قبل عدة أيام يقطع الشك باليقين ويؤكد الخيانة العظمى التي إرتكبها حافظ الأسد بحق سوريا وأهلها الذين لا زالوا إلى يومنا هذا يدفعون ثمنها الباهظ.
- نائب ألماني سابق من أصل سوري