قراءة نقدية في الإعلان الدستوري السوري: تصوب الأخطاء والعثرات

كتب أحمد سليمان: يُمثّل الإعلان الدستوري محطة مفصلية في رسم ملامح الدولة السورية الجديدة، بعد سنوات مريرة من الصراع. يهدف النص إلى إرساء أسس العدالة الانتقالية، تعزيز الحريات، وضمان عدم تكرار الاستبداد. ومع ذلك، تبرز في الصيغة الحالية إشكاليات جوهرية على مستوى الصياغة والتوجهات، كان من الأجدر معالجتها من خلال طرح المسودة للنقاش العام قبل المصادقة عليها.
غير أن ما يبدو كأنه إغفال متعمّد لهذا المسار التشاركي يثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية وراء اعتماد النص بصيغته الحالية. وبما أن رئيس الجمهورية قد أقر الإعلان الدستوري في خطوة تثير القلق بشأن مستقبل سوريا، أنشر النص الكامل مرفقًا بملاحظات تعكس تطلعات شريحة واسعة من السوريين، على أمل تصويب مضمون الإعلان واقعياً ويكون أكثر توازناً، ويحقق المصالحة الوطنية دون التفريط بمبادئ العدالة، وتُعزز الهوية الوطنية مع احترام التنوع المجتمعي.
أدناه نص الإعلان مصحوبًا بالملاحظات:
- الباب الأول: الأحكام العامة
المادة 3: الدين والتشريع
دين الرئيس: النص الحالي يُقصي المكونات غير المسلمة.
الصيغة الأدق: “يُنتخب رئيس الجمهورية بناءً على الكفاءة والولاء للوطن، دون تمييز ديني أو عرقي”.
الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع: تقييد التشريع بمذهب ديني قد يحدّ من المرونة القانونية.
الصيغة الأدق: “تُستوحى التشريعات من المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، مع احترام التنوع الديني والمذهبي”.
المادة 9: احتكار السلاح بيد الدولة
هذا النص مهم للاستقرار، لكن يجب ربطه بخطة لدمج المقاتلين في الجيش عبر برامج تأهيلية تضمن استيعابهم في مؤسسات الدولة.
- الباب الثاني: الحقوق والحريات
المادة 12: حقوق الإنسان
النص إيجابي، لكن يجب تعزيز ضمانات الحقوق حتى في الطوارئ.
الصيغة الأدق: “لا يجوز تقييد الحقوق الأساسية حتى في حالات الطوارئ، إلا بقدر الضرورة القصوى، وبموجب رقابة قضائية مستقلة”.
المادة 13: حرية التعبير والإعلام
النص جيد، لكن يحتاج لتعزيز استقلالية الإعلام وحظر الرقابة المسبقة، مع ضمان حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات.
المادة 18: تجريم التعذيب
النص ممتاز ويتماشى مع المعايير الدولية، وهو حجر أساس في بناء الثقة المجتمعية في سياق العدالة الانتقالية.
لا يحق للرئيس الانتقالي الترشح للانتخابات بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لضمان حياد المؤسسة الرئاسية في الإشراف على المرحلة التأسيسية للدولة الجديدة.
- الباب الثالث: نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية
المادة 24: تشكيل مجلس الشعب
تعيين الرئيس لثلث الأعضاء قد يضعف استقلالية المجلس.
الصيغة الأدق: اختيار الأعضاء من خلال لجنة مستقلة تمثل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، بحيث يُعين الثلث المتبقي بتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب، بما يضمن التعددية السياسية دون تركيز القرار بيد الرئيس.
المادة 32: صلاحيات الرئيس
صلاحيات الرئيس واسعة جدًا، مما قد يفتح الباب لعودة الاستبداد.
الصيغة الأدق:
- إدارة السلطة التنفيذية: تُقسم المسؤوليات بين الرئيس ومجلس الوزراء، بحيث تُتخذ القرارات الكبرى (مثل إعلان الحرب أو توقيع الاتفاقيات الدولية) بموافقة مجلس الأمن القومي وتصديق مجلس الشعب.
- إعلان الطوارئ: يُصبح مشروطًا بموافقة ثلثي البرلمان أو باستفتاء شعبي، بدلًا من تركه لمجلس الأمن القومي فقط، مع تحديد مدة زمنية صارمة لأي إعلان طوارئ (3 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة فقط).
- تعيين الوزراء: يكون بالتشاور مع مجلس الشعب، وتُعرض التعيينات للتصويت بدلًا من أن تكون بقرار رئاسي منفرد.
- ترشح الرئيس الانتقالي: يُنص صراحة على أنه لا يحق للرئيس الانتقالي الترشح للانتخابات بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لضمان حياد المؤسسة الرئاسية في الإشراف على المرحلة التأسيسية للدولة الجديدة.
تبرز في الصيغة الحالية إشكاليات جوهرية على مستوى الصياغة والتوجهات، كان من الأجدر معالجتها من خلال طرح المسودة للنقاش العام قبل المصادقة عليها.
الباب الرابع: الأحكام الختامية
المادة 48: تجريم تمجيد نظام الأسد
هذا النص مفهوم في سياق العدالة الانتقالية، لكنه قد يُستغل لتقييد حرية البحث الأكاديمي.
الصيغة الأدق: “تُجرم الدولة تمجيد نظام الأسد وإنكار أو تبرير جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، مع ضمان حرية البحث العلمي والتوثيق التاريخي”.
خلاصة:
يُعدّ الإعلان الدستوري محطة جوهرية في مسار بناء سوريا الجديدة، غير أن صيغته الحالية تكشف عن غياب مراجعات معمّقة تضمن التوازن الدقيق بين مبادئ العدالة ومتطلبات المصالحة، وبين الهوية الدينية والتنوع الثقافي. كما أن الصلاحيات الممنوحة للرئيس الانتقالي تفتقر إلى الضوابط الكافية للحدّ من أي ثغرات قد تفتح الباب أمام إعادة إنتاج الاستبداد، مما يهدد بتقويض فرص تعزيز الشراكة الوطنية.
علاوة على ذلك، تُعدّ الفترة الانتقالية لحظة فارقة تتطلب قيودًا صارمة، وعلى رأسها استبعاد الرئيس الانتقالي من الترشح لولاية لاحقة، لضمان أن يكون الانتقال الديمقراطي خالصاً للمصلحة الوطنية وبعيداً عن النزعات الفردية أو الحسابات الضيقة.
كان من الأجدر إخضاع الإعلان الدستوري لقراءة نقدية متأنية، تتيح معالجته كمشروع تأسيسي متكامل، بما يعزز متانته ويجعله ركيزة صلبة لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم التعددية وتصون كرامة كل مواطن.
أحمد سليمان
المصدر: نشطاء الرأي opl-now.org
نص الإعلان الدستوري كاملا:
في فجر يوم مشهود، تنفَّس صبح النصر، وانطلقت سوريا نحو عهد جديد، إيذانا بزوال الظلم والقهر، وانبعاث الأمل في بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة الحقة، فقد جثم الاستبداد على صدور السوريين، إذ امتد لستة عقود نظام شمولي فرضه حزب “البعث”، فاحتكر السلطة، وصادر الحقوق، ومكَّن لحكم استبدادي قمعي أجهز على مؤسسات الدولة، وأفرغ الدستور من مضمونه، وحوّل القانون إلى أداة للقمع والاستعباد. كانت تلك العقود حقبة سوداء مظلمة، فثار الشعب مطالبا بحريته واسترداد كرامته، لكنه تعرض على يد العصابة الأسدية للقتل الممنهج، والتدمير الشامل، والتعذيب الوحشي، والتهجير القسري، والحصار الجائر، والاستهداف المباشر للمدنيين، فضلا عن تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، تارةً بالبراميل المتفجرة، وأخرى بالأسلحة الكيماوية. وقد شكّلت هذه الجرائم، التي تُعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة جماعية، نموذجا صارخا لانتهاك القيم البشرية والشرائع الدولية.
لكن الشعب السوري، بإيمانه الراسخ، وإرادته الصلبة، وصموده الأسطوري، لم يستسلم، بل واصل ثورته العظيمة التي امتدت قرابة أربعة عشر عاما، قدم فيها أبناء سوريا الأحرار دماءهم وتضحياتهم، يكنسون فيها إرث الاستبداد، حتى بزغ فجر جديد، وسطعت شمس التحرير على دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، معلنة نهاية عهد نظام الأسد المجرم وداعميه. ثم أُعلن هذا النصر رسميا في “مؤتمر النصر”، حيث صدر البيان التاريخي الذي وثّق انتصار الثورة السورية، واستعادة الشعب قراره وسيادته على أرضه.
واليوم، وقد عاد الوطن إلى أبنائه، وعادوا إليه ليبنوا أركانه ويحفظوا ثغوره، باتت المسؤولية التاريخية تحتم استكمال مسيرة النضال بتحصين هذا الانتصار، وترسيخ أسس العدالة، وضمان عدم تكرار المأساة، وحماية الأجيال القادمة من أي استبداد جديد. وانطلاقا من هذا الواجب الوطني، وبعد حوارات مكثفة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، أُجريت في أجواء من الحرية والتبادل البنّاء لوجهات النظر بشأن مستقبل سوريا، تُوجت بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي صدرت مخرجاته بتاريخ 25 فبراير/شباط 2025، معبرة عن الوفاق الوطني حول القضايا الكبرى، وفي مقدمتها:
- الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، أرضا وشعبا.
- تحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا.
- بناء دولة المواطنة والحرية والكرامة وسيادة القانون.
- تنظيم شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية وفق مبادئ الحكم الرشيد.
واستنادا إلى القيم العريقة والأصيلة التي يتميز بها المجتمع السوري بتنوعه وتراثه الحضاري، وإلى المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة، وحرصا على إرساء قواعد الحكم الدستوري السليم، المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة، ولا سيما دستور عام 1950 (دستور الاستقلال)، وإعمالا لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2025، الذي يعد أساسا متينا لهذا الإعلان.
تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.
المادة 2
فإن رئيس الجمهورية يُصدرُ الإعلان الدستوري الآتي، والذي تعد مقدمته جزءا لا يتجزأ منه:
- الباب الأول: أحكام عامة
المادة 1:
الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها.
المادة 2:
تؤسس الدولة لإقامة نظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ويضمن الحرية والكرامة للمواطن.
المادة 3:
- دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.
- حرية الاعتقاد مصونة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها، على ألا يُخلّ ذلك بالنظام العام.
- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقًا للقانون.
المادة 4:
اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.
المادة 5:
دمشق هي عاصمة الجمهورية العربية السورية، ويُحدد شعار الدولة ونشيدها الوطني بقانون.
المادة 6:
يكون العلم السوري على الشكل التالي:
مستطيل طوله يساوي ثلثي عرضه.
يتضمن ثلاثة مستطيلات: الأخضر في الأعلى، الأبيض في المنتصف، والأسود في الأسفل.
تتوسط المساحة البيضاء ثلاث نجماتٍ حمراء.
المادة 7:
- تلتزم الدولة بالحفاظ على وحدة الأرض السورية، وتُجرّم دعوات التقسيم والانفصال، وطلب التدخل الأجنبي أو الاستقواء بالخارج.
- تلتزم الدولة بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي، وتحفظ السلم الأهلي، وتمنع أشكال الفتنة والانقسام.
- تكفل الدولة التنوع الثقافي للمجتمع السوري، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين.
- تضمن الدولة مكافحة الفساد.
المادة 8:
- تسعى الدولة للتنسيق مع الجهات الدولية لدعم إعادة الإعمار.
- تعمل الدولة لتذليل عقبات العودة الطوعية للاجئين والنازحين.
- تلتزم الدولة بمكافحة التطرف العنيف، مع احترام الحقوق والحريات.
المادة 9:
- الجيش مؤسسة وطنية محترفة، مهمته حماية البلاد والحفاظ على أمنها.
- الدولة وحدها هي التي تنشئ الجيش، ويُحظر على أي جهة إنشاء تشكيلات عسكرية.
المادة 10:
المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز.
- الباب الثاني: الحقوق والحريات
المادة 12:
- تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
- تُعدّ حقوق الإنسان المنصوص عليها في المعاهدات الدولية جزءًا من هذا الإعلان الدستوري.
المادة 13:
- تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام.
- تصون الدولة حرمة الحياة الخاصة.
- للمواطن حرية التنقل، ولا يجوز منعه من العودة إلى وطنه.
المادة 14:
- تصون الدولة حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب.
- تضمن الدولة عمل الجمعيات والنقابات.
المادة 15:
العمل حق للمواطن، وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص.
المادة 16:
- الملكية الخاصة مصونة، ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة وبمقابل عادل.
- الموارد الطبيعية والثروات ملكية عامة تُستغل لصالح المجتمع.
المادة 18:
- تصون الدولة كرامة الإنسان، وتمنع التعذيب والاختفاء القسري.
- لا يجوز تقييد حرية أي شخص إلا بقرار قضائي.
- الباب الثالث: نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية
أولًا: السلطة التشريعية
المادة 24:
- يشكل رئيس الجمهورية لجنة لاختيار أعضاء مجلس الشعب.
- تنتخب الهيئات الفرعية ثلثي الأعضاء، ويعين الرئيس الثلث الباقي لضمان التمثيل.
المادة 26:
مدة ولاية مجلس الشعب 30 شهرًا قابلة للتجديد.
ثانيًا: السلطة التنفيذية
المادة 31:
يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية ضمن حدود هذا الإعلان.
المادة 32:
رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والمسؤول عن إدارة شؤون البلاد.
المادة 35:
- يعين الرئيس الوزراء، ويقبل استقالاتهم أو يعفيهم.
- يؤدي الوزراء القسم أمام رئيس الجمهورية.
المادة 39:
- لرئيس الجمهورية اقتراح القوانين.
- يصدر الرئيس القوانين التي يقرها مجلس الشعب، وله حق الاعتراض عليها.
المادة 41:
- يعلن الرئيس التعبئة العامة والحرب بعد موافقة مجلس الأمن القومي.
- إعلان الطوارئ لمدة أقصاها 3 أشهر، وتجدد بموافقة مجلس الشعب.
- الباب الرابع: الأحكام الختامية
المادة 48:
تمهد الدولة لتحقيق العدالة الانتقالية عبر:
- إلغاء القوانين الاستثنائية التي انتهكت حقوق السوريين.
- رد الممتلكات المصادرة بموجب أحكام جائرة.
- إلغاء الإجراءات الأمنية التي قيدت حقوق المواطنين.
المادة 49:
- تُحدَث هيئة للعدالة الانتقالية تعتمد المساءلة وجبر الضرر.
- تستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من مبدأ عدم رجعية القوانين.
- يُجرَّم تمجيد النظام السابق أو إنكار جرائمه.
المادة 50:
يُعدل الإعلان الدستوري بموافقة ثلثي مجلس الشعب بناءً على اقتراح رئيس الجمهورية.
المادة 52:
تُحدد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات تبدأ من تاريخ نفاذ الإعلان، وتنتهي بإقرار دستور دائم.
المادة 53:
يُعمل بهذا الإعلان من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع – القصر الرئاسي – دمشق 13 مارس 2025