بسام البليبل: باب الأبواب للكاتب يوسف دعيس رواية بنكهة صحافية..!
ينتقل بالقارىء من حكاية تاريخية، إلى العديد من الوقائع الحقيقية والمتخيلة عبر أربعة عشر باباً، استلهم تسمياتها من اسم روايته "باب الأبواب"، دون أن يغيب عن ذهنه توظيف معاناة المدن السورية
رواية جذورها في دربند، المدينة الداغستانية الموغلة في التاريخ خمسة آلاف عام، وأصولها في اسطنبول، مدينة التلال السبع، وعاصمة الدنيا، وفروعها في الرقة، التي كانت إحدى منازل الدنيا الأربعة، وطريقًا من طرق الحرير عبر نهر الفرات، والتي تحولت إلى أنقاض ثلاث مرات، الأولى على يد الفرس، والثانية على يد المغول، والثالثة في زمن البعث، على يد داعش، والتحالف الدولي، أما خواتيم هذه الرواية، ففي مدينة شانلي أورفا، باب الخلاص والتطهر، موطن الأنبياء، ومدينة السلام، بأبوابها المفتوحة على الحب، والمؤدية إلى الحقيقة.
بحسه الصحافي، ودربته الاستقصائية، ومهارته في القص، تلقف يوسف دعيس حكاية الشيخ شامل تنكيز الدربندي، الذي تلقى أولى معارفه الدينية في مسجد الجمعة في مدينة دربند، وثاني معارفه الروحية، في بلاد المغرب العربي، وبتأثير العمامة التي اعتمرها صبياً، ومهارات الشعوذة والسحر التي تعلمها في بلاد المغرب، ذاع صيته في اسطنبول، ليقضي معلقاً على أحد أبوابها بإرادة سنيّة من سلطان العالم في زمانه سليمان القانوني، الذي حارب من جملة ما حارب، الشعوذة وأعمال السحر، وكل ما هو خارج عن الدين .
هكذا تحدث يوسف دعيس على لسان الراوي، في الباب الأول من الرواية، باب الجذور، عن جده لأمه الشيخ شامل تنكيز، لينتقل بالقارىء من حكاية تاريخية، إلى العديد من الوقائع الحقيقية والمتخيلة عبر أربعة عشر باباً، استلهم تسمياتها من اسم روايته “باب الأبواب”، دون أن يغيب عن ذهنه توظيف معاناة المدن السورية، في محنتها الكبيرة، ولا سيما مدينة الرقة بصفتها المستقر الأخير لأحد أحفاد شامل تنكيز ، من خلال باب السبيل، وباب الشاهد، وباب الجهاد، وباب الهجرة، وباب الموت….. وصولاً إلى باب الخواتيم.
لقد وُفِّق يوسف دعيس بتسمية روايته “باب الأبواب” بما لهذا الاسم من معان لغوية، وسياسية، واستراتيجية، وبما له من معان مجازية وصوفية، تلامس الأرواح الحالمة، وتفتح المجال واسعاً أمام خيال القارىْ، وتدخله في قراءة ممتعة تجمع بين القلب والعقل، ولا تستأثر بأحدهما على حساب الآخر .
دَرَبند، وديربنت، وباب الأبواب، ثلاث تسميات لمدينة واحدة بثلاثة انتماءات، دربند بالفارسية، بمعنى الباب الموصد، المشتق من الكلمتين الفارسيتين، دار بمعنى الباب، وبند وتعني القفل أو العقدة، في إشارة إلى حصانة المدينة، ومنعتها، وديربنت بالروسية، بصفتها الحالية إحدى مدن داغستان الذي هو كيان روسي فيدرالي، وباب الأبواب، التسمية التي أطلقها العرب عليها، لأنهم فتحوا القوقاز عن طريقها.
لابد أنّ التشابه الكبير بين مدينة “باب الأبواب” ومدينة الرقة، قد استوقف لا وعي يوسف دعيس كثيراً، وربما جعله يقتبس هذا الاسم لروايته، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مدينة الشيخ شامل، جد الرواي لأمه، ولكن يوسف دعيس لم يعد إلى مدينة باب الأبواب بعد الانتهاء من فصل باب الجذور، إلّا عندما استعار اسم أحد أبوابها وهو باب الأربعين، أو كما سمّاه العرب باب الجهاد، في الفصل الذي تحدث فيه عن تحرير الرقة، وخروجها من ربقة النظام، كما أنّ مدينة باب الأبواب لم تظهر في مقاربة واضحة في روايته عند الحديث عن الرقة، مع ما للتشابه بينهما من إمكانية إضفاء الكثير من السرديات الحكائية، وما يشكله الزمان والمكان من أهمية في البنية الروائية، لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار التشابه بين سور “دربند” باب الأبواب المنيع الذي ينتهي في البحر، وسور الرقة الذي ينتهي في الفرات، ومسجدها القديم، مسجد الجمعة، ومسجد الرقة العتيق، وأبوابها التي تشبه أبواب الرقة، ومقبرتها مقبرة الأربعين التي تضم رفات العديد من الصحابة، التي تشبه، مقامات وقبور الصحابة من شهداء معركة صفين في الرقة، وما توصف به المدينتان من أنهما متحفان تاريخيان في الهواء الطلق.
ومثلما بدأ الراوي مستذكراً سيرة جده شامل تنكيز انطلاقاً من “باب الأبواب”، انتهى كذلك بباب الأبواب، ولكن هذه المرّة باب الله، ملاذ السوريين المعذبين الآمن، وملجأهم الأخير في محنتهم الطويلة، منادياً ربه: (افتح لي بابك، لقد فتحت الحرب أبواب الجحيم، الموت يتربص بنا من كل جانب، ولم يبق إلّا بابك).
رواية تستحق الوقوف عندها بجدارة، وأعتقد أنها تشكل علامة فارقة، بين ما كتب يوسف دعيس وما سيكتب.
- رواية “باب الأبواب”، صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، الأردن