لا عدالة بدون محاسبة ولا استقرار بدون دحر بذرة الخراب
أحمد سليمان:اقتربت الذكرى الثانية عشر لانطلاقة الثورة الشعبية، وما يمكنني وصفها بـ “ثورة الاستقلال السياسي المدني والحرية في سوريا”، ونحن على مفترقات وجودية أبرزها التهديد البيئي والزلازل التي نتجت عن انفصال قشرة الأرض عن باطنها. ما زالت فرق الإنقاذ والهيئات الإغاثية، وأبرزها (الخوذ البيضاء)، تجمع مخلفات هذه الكوارث وتحاول دعم المشردين من منازلهم ومساعدة المصابين إلى جانب البحث عن ضحايا يُفترض أنهم على قيد الحياة.
أود الإشارة إلى حملة “مانفيستو إستقل” التي أُعلنت في 27 أيار 2006، وكانت أول حملة سورية علنية تزامنت مع اعتصامات أمام السفارات السورية في عدد من العواصم الأوروبية. طالبت الحملة في ذلك الوقت بالإصلاح الديمقراطي ودحر الفساد والتمييز العرقي والطائفي وإعلاء حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأيضًا طالبت بترك الرئيس السوري بشار الأسد للسلطة.
قامت الحملة بنشر “مانفيستو” على الشبكات العربية، من بينها “الحوار المتمدن” و”نشطاء الرأي” و”عرب تايمز”، وتداولتها وكالات الأنباء. كما أعدت وكالة “آكي الإيطالية” تقريرًا مفصلًا عن الحملة، وقد وُقِّعَ المانفيستو من قبل العديد من الناشطين والمثقفين والمعارضين في سوريا وخارجها.
وعلى الرغم من أن الحملة لم تحقق أهدافها الرئيسية، إلا أنها ساهمت في تحريك مطالبات موازية، وإبراز أهمية الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتحفيز النشطاء والمعارضين في سوريا للتحرك والعمل من أجل تحقيق تلك المطالب.
أما اليوم، وبعد تدمير البلاد وقتل أكثر من مليون إنسان وتشريد واعتقال ما يزيد عن ثلثي السوريين على يد نظام يرأسه بشار الأسد، فلا يمكن الحديث عن أي “إصلاحات” أو إعادة تدوير وتلميع واستغلال الوضع الاقتصادي، إلى جانب الزلزال الكارثي في تركيا وأجزاء كبيرة من سوريا.
إن العدالة والاستقرار لا يمكن تحقيقهما بدون محاسبة ودحر كل ما يؤدي إلى الفوضى والتدمير؛ وهذا ينطبق بشكل كبير على الوضع الحالي في سوريا.
بعد انطلاقة الثورة السورية في 2011، كان هناك أملٌ بتحقيق الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن بدلاً من ذلك، استملح البعض براءة الثائرين والمؤيدين للثورة، فيما قام النظام بدعم شيطنة المطالب ودفعها باتجاه حرب أهلية مدمرة، انتهكت من خلالها العديد من الحقوق الأساسية وأسفرت عن مقتل وتشريد الملايين.
واليوم، وبعد أكثر من عقدٍ من الزمن، تبقى المطالبة بالعدالة والمحاسبة أمرًا حيويًا وضروريًا. يجب محاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت في سوريا، سواء كانوا من الحكومة السورية أو القوات المسلحة أو الميليشيات الموالية لها، بالإضافة إلى المجموعات المسلحة الأخرى التي ارتُكبت جرائم حرب. كما يجب على المجتمعات الدولية اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي دولة أو كيان يدعم هذه الجرائم، مع التشديد على ضرورة محاسبة النظام وما تفرع عنه.
علاوة على ذلك، يجب تحقيق الاستقرار، ولا يمكن اعتبار سلطات الأمر الواقع (جميعها) بديلاً ديمقراطيًا، خاصةً بعد تفكك الدولة المركزية وانتشار الفوضى. لذا، نحث المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة على تطبيق مقررات جنيف فيما يتعلق بالحكم الانتقالي، عبر دستور ديمقراطي يشارك في صياغته النشطاء والحقوقيون والخبراء والباحثون الذين يضعون الهوية الوطنية المدنية الديمقراطية الشاملة لكل السوريين (بلا أي تمييز عرقي أو قومي أو طائفي)، ويرفضون التشكيلات التي تؤدي إلى التقسيم. كما ينبغي أن يتم ذلك عبر إنشاء تحالف مدني برعاية ورقابة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
لا عدالة بدون محاسبة، ولا استقرار بدون دحر بذرة الخراب التي زرعها حافظ الأسد وأورثها لإبنه وعائلته المجرمة.
أحمد سليمان
https://www.facebook.com/CenterNowCulture
أحمد سليمان : مــانفيســـــتو 27 ماي – من أجل دحر أعرق دكتاتورية اغتصبت الدولـة
More Stories
بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جديدة؟
سوريا بين توازن النفوذ وتعثر السيادة: إدارة أزمة أم غياب حل؟
سوريا : ضرورة إبرام “اتفاقية أخلاقية” في فضاء النشر المفتوح وكذلك إمعان النظر في طبيعة السُلطة