29 أكتوبر, 2025

أحمد سليمان: نقاش ألماني متجدد حول مشروع قانون “الموت الرحيم”

تشهد ألمانيا في الوقت الراهن نقاشًا واسعًا حول مسودة قانون جديد يتعلق بالموت الرحيم، في ما يُعدّ إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل أخلاقيًا وقانونيًا وإنسانيًا. ويتمحور الجدل حول الحالات الطبية التي يصبح فيها الأمل في الشفاء شبه معدوم، ومدى أحقية الإنسان في تقرير مصيره وإنهاء معاناته بإرادته.

فمنذ عام 2015، أقرّ البرلمان الألماني المادة (217) من قانون العقوبات، التي حدّت من نشاط الجمعيات التي تساعد المرضى على الانتحار، وفرضت عقوبات تصل إلى السجن ثلاث سنوات أو غرامات مالية. إلا أن الجدل عاد مؤخرًا إلى الواجهة بعد تقديم مجموعة من النواب مشروع قانون جديد يهدف إلى تقنين الموت الرحيم بشروط محددة، مع توسيع نطاق الاستشارة الطبية والنفسية.

ماهية الموت الرحيم

يُقصد بالموت الرحيم أو «الاختياري» إنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه بناءً على طلبه، بهدف إنهاء معاناته الجسدية أو النفسية. وقد اختلفت مواقف الدول من هذه المسألة بين مؤيد يرى فيها حقًا إنسانيًا في تقرير المصير، ومعارض يعتبرها تعديًا على حرمة الحياة ومخالفة للأخلاق الطبية.

النقاش الأخلاقي والقانوني

يُجمع الأطباء والحقوقيون على ضرورة أن تُحاط هذه الممارسة بإطار قانوني صارم يحمي الأفراد من أي إساءة أو استغلال، ويضمن أن القرار نابع من إرادة حرة ومستقلة. ولهذا، نصّت مسودة القانون على أن يخضع الشخص الراغب في الموت الرحيم لجلسات استشارية نفسية قبل اتخاذ القرار النهائي.

غير أن عدد هذه الجلسات ما يزال موضع نقاش، إذ حدد المشروع جلستين فقط، في حين يرى مختصون – ومنهم من يدعم وجهة نظري الشخصية – أن من الضروري رفع العدد إلى ثماني جلسات على الأقل. فكل جلسة تمنح مساحة إضافية للتفكير والمراجعة، وتقلل احتمال اتخاذ قرار متسرع ناتج عن ضغط نفسي أو اكتئاب عابر.

أهمية الجلسات الاستشارية

تخدم هذه الجلسات عدّة أهداف أساسية:

  1. التأكد من استقلالية القرار: ضمان أن القرار صادر عن إرادة حرة، بعيدًا عن تأثير الأهل أو الضغوط الاقتصادية أو النفسية.

  2. تقييم الحالة النفسية: فحص وجود اضطرابات مثل الاكتئاب أو القلق الحاد التي قد تؤثر على الحكم السليم.

  3. توفير الدعم النفسي: مساعدة الشخص في فهم مشاعره ومخاوفه ومناقشة البدائل الممكنة.

  4. تقديم بدائل علاجية وإنسانية: مثل العلاج التلطيفي، أو الدعم المجتمعي والرعوي، أو العناية المركزة المتخصصة.

  5. ضمان السلامة القانونية والأخلاقية: حماية الفرد من أي تلاعب أو استغلال باسم “الرحمة”.

ضرورة وجود تقييم طبي شامل

ينبغي كذلك أن يخضع المريض لتقييم من فريق طبي متعدد الاختصاصات، يضم أطباء متخصصين في الأمراض المزمنة والآلام المستعصية، للتأكد من أن الحالة غير قابلة للعلاج وأن المعاناة لا يمكن تخفيفها بطرق أخرى.

الإطار القانوني والتوعوي

يتطلب تنظيم الموت الرحيم وضع معايير واضحة وإجراءات موثقة لضمان الشفافية والمساءلة، بما يشمل تسجيل جميع الحالات وإشراف لجان طبية مستقلة. كما يُعدّ التثقيف العام حول هذه القضية أمرًا أساسيًا لتفادي اللبس وسوء الفهم، ولتعزيز النقاش المجتمعي الواعي حول الحق في الحياة والحق في إنهائها.

إنّ مشروع قانون الموت الرحيم في ألمانيا، مهما كانت نتائجه التشريعية، يعكس تطوّرًا في النقاش الأخلاقي الحديث حول كرامة الإنسان وحقه في الاختيار. لكن الأهم هو أن يُدار هذا النقاش بعقلانية، وأن تُوضع حقوق الإنسان وكرامته في قلب أي قرار، بعيدًا عن الانفعالات والمصالح السياسية أو الدينية.

أحمد سليمان

About The Author

error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب