أحمد سليمان
ماذا يعني فوز ترامب؟
في مشهد سياسي يعيد تشكيل الخريطة الأميركية والدولية، عاد دونالد ترامب إلى الرئاسة بفوزه بفترة ثانية غير متتالية، ليصبح ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُنتخب في ولايتين غير متتاليتين. هذا الفوز يعكس نجاح الجمهوريين في استعادة ثقة الناخب الأميركي، خاصة بعد تمكنهم من السيطرة على مجلس الشيوخ عبر انتزاع مقاعد ديمقراطية في ولايتي وست فيرجينيا وأوهايو، مما يمنح الحزب الجمهوري قدرة أكبر على توجيه السياسات المحلية والدولية.
التأثير الداخلي:
يعكس فوز ترامب وتقدم الجمهوريين في الكونغرس توجهاً واضحاً نحو تعزيز السياسات المحافظة، خاصة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية. من المتوقع أن يسعى ترامب إلى تنفيذ أجندة تعتمد على تخفيض الضرائب ودعم الشركات الكبرى، مع التركيز على تقليص الهجرة وإصلاح نظام العدالة الأميركي. هذا التوجه قد يعيد تعريف السياسة الأميركية الداخلية ويؤثر على حالة الاستقطاب الموجودة في المجتمع الأميركي بين التيارات المحافظة والتقدمية.
إمكانية وقف الحرب في أوكرانيا:
على الصعيد الدولي، يمثل فوز ترامب عودة لنهج قومي شعبوي، يتجه للحد من الالتزامات الخارجية والدفع نحو سياسات “أميركا أولاً”. وفيما يتعلق بالصراع الأوكراني، قد تكون عودة ترامب فرصة لإعادة النظر في دعم واشنطن المستمر لكييف؛ إذ يُرجح أن يسعى ترامب، من منطلق سياساته التي تفضل عدم الانخراط المباشر في النزاعات الخارجية، إلى تقليص الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا. بدلاً من ذلك، قد يحاول الدفع نحو مبادرات دبلوماسية لإقناع الطرفين بالدخول في مفاوضات تفضي إلى وقف إطلاق النار، وهو ما قد يخلق خلافاً مع الحلفاء الأوروبيين. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المسار مرهوناً بمدى تجاوب روسيا وأوكرانيا، ورغبتهما في تقديم تنازلات متبادلة.
المسار السوري والحرب في لبنان:
أما في سوريا، فإن عودة ترامب وتوجيه سياساته نحو تقليل التدخلات الخارجية قد يؤدي إلى تخفيف الضغط الأميركي على دمشق، ويفتح المجال أمام إعادة النظر في بعض العقوبات أو تقليص الدعم للفصائل المعارضة. وفي ظل اندلاع حرب في لبنان، قد تتعزز جهود أميركية لإدارة الأزمات في المنطقة من خلال التركيز على احتواء أي تصعيد بين الأطراف الإقليمية. ربما يسعى ترامب أيضاً لتقريب وجهات النظر بين القوى الإقليمية الكبرى، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، للحيلولة دون امتداد الحرب التي تديرها إيران بمسمى مليشيا حزب الله إلى سوريا أو إشعال حرب إقليمية واسعة. غير أن هذه الجهود ستواجه تحديات كبيرة في ظل تشابك التحالفات على الأرض، واستمرار التوترات الإقليمية التي تجعل من الصعب ضبط أي تصعيد محتمل.
ردود الفعل العربية والغربية:
في الوقت الذي سارع فيه العديد من القادة العرب وكأنهم كانوا يجلسون في غرفة واحدة من اجل تهنئة ترامب، وهو ما يبرز العلاقات القوية التي استطاع بناءها مع دول المنطقة خلال فترته الأولى، ظهر تباين في الردود من قبل القادة الغربيين الذين أبدوا حذراً أكبر؛ نظراً للخلافات حول قضايا مثل البيئة، والسياسات التجارية، والعلاقات مع الصين وروسيا. هذا التباين يشير إلى أن فوز ترامب يعيد رسم خطوط التحالفات ويعزز التوجهات الانعزالية التي طبعت فترته السابقة.
الإشكالات المقبلة:
سيواجه ترامب تحديات كبيرة في الحفاظ على زخم الدعم المحلي وتهدئة الانقسامات السياسية الداخلية، في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة وتزايد التوترات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقته المتوترة مع بعض القادة الأوروبيين وتوجهه القومي قد يضعه في مواجهة مع قوى عالمية أخرى تسعى لتثبيت نفوذها على الساحة الدولية.
يمكننا القول ، ان فوز ترامب يعني عودة للسياسات القومية المحافظة في الداخل ونهج أكثر استقلالية في الخارج، مع احتمال دفعه لتخفيف التصعيد في أوكرانيا والسعي نحو حلول دبلوماسية. أما في الملف السوري، فسيظل معقداً وسط تداخل الأزمات الإقليمية، خصوصاً مع تداعيات الحرب في لبنان التي قد تضيف إلى تعقيد الوضع السوري.
أحمد سليمان