أحمد سليمان

المعارضة تسيطر على حلب: تصعيد روسي وموقف حذر من أنقرة

كتب أحمد سليمان : تعتبر استعادة المعارضة لأجزاء من مدينة حلب والسيطرة على الكليات العسكرية علامة فارقة في الصراع السوري. رغم الانتصارات التي حققتها المعارضة، إلا أن التحديات الميدانية والسياسية والدعم المستمر للنظام من قِبل حلفائه حال دون تحقيق تغييرات جذرية في موازين القوى. كانت الفصائل المسلحة قد دخلت مدينة حلب بعد معارك استمرت لأكثر من 48 ساعة، سقط خلالها مئات القتلى والجرحى من الجانبين والمدنيين. ومع ذلك، يبقى هذا الحدث مؤشرًا على أهمية حلب كعنصر حاسم في أي تسوية مستقبلية للصراع السوري.

الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب

تقع حلب في شمال سوريا، وتُعد ثاني أكبر مدينة في البلاد. تمتلك المدينة أهمية اقتصادية كبيرة بفضل موقعها الجغرافي الذي يجعلها بوابة تجارية تربط بين سوريا وتركيا، بالإضافة إلى أهميتها الثقافية والتاريخية. على الصعيد العسكري، تُعد حلب عقدة استراتيجية لقوات النظام والمعارضة بسبب قربها من الحدود التركية وكثافة سكانها، مما يجعلها مركزًا حيويًا لأي طرف يسعى لترسيخ سيطرته في شمال البلاد.

أسباب وأهداف السيطرة على الكليات العسكرية

في إطار محاولات المعارضة تحقيق اختراق استراتيجي في حلب، شكّلت الكليات العسكرية هدفًا رئيسيًا. تضم هذه الكليات مستودعات أسلحة ضخمة، وتُستخدم كمراكز تدريب عسكري لقوات النظام. السيطرة عليها لم تكن مجرد خطوة رمزية، بل مكّنت المعارضة من:

تعزيز القدرات العسكرية من خلال الاستيلاء على الأسلحة والذخائر.

قطع خطوط الإمداد لقوات النظام بين وسط المدينة والأرياف المحيطة.

إضعاف معنويات النظام بعد فقدانه لموقع استراتيجي هام.

التطور الروسي ورد الفعل الدولي

في أعقاب تقدم المعارضة، أصدرت موسكو تصريحات حازمة أكدت فيها دعمها للنظام السوري. أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا ترغب في أن تستعيد الحكومة السورية النظام الدستوري في منطقة حلب “في أقرب وقت ممكن”. كما شدد على أن موسكو تعتبر الهجوم انتهاكًا لسيادة سوريا، داعية السلطات السورية إلى التحرك بسرعة لاستعادة السيطرة.

وأفادت تقارير بأن الطيران الروسي “سيتحرك خلال الساعات المقبلة لتغيير مسار المعارك في الشمال السوري”، مما يشير إلى استعداد موسكو للتدخل العسكري المباشر لدعم النظام السوري. هذا التدخل لم يكن مجرد رد على تقدم المعارضة، بل محاولة لإعادة التوازن العسكري في المنطقة.

تحديات المعارضة خلال السيطرة

رغم النجاح التكتيكي الذي حققته المعارضة، إلا أن العملية لم تكن خالية من العقبات:

  1. القصف الجوي المكثف: ردّت قوات النظام بشنّ غارات جوية مكثفة، مدعومة بالطيران الروسي، على المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، مما تسبب في دمار واسع وسقوط العديد من الضحايا المدنيين.
  2. تعدد الفصائل: وجود العديد من الفصائل المسلحة ذات الأجندات المختلفة أدى أحيانًا إلى صعوبات في تنسيق الجهود العسكرية.
  3. الدعم الخارجي للنظام: اعتمد النظام بشكل كبير على الدعم العسكري من حلفائه، ولا سيما روسيا وإيران، مما أعاق تقدم المعارضة وأدى إلى استنزافها ميدانيًا.

التداعيات على مسار الحرب

أحدثت السيطرة على الكليات العسكرية تغييرات ملحوظة في المشهد العسكري والسياسي:

تعزيز موقع المعارضة في المفاوضات الدولية: شكّل الانتصار عامل ضغط على النظام السوري خلال أي محادثات سلام.

زيادة التدخل الدولي: دفع التطور الدول الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، إلى تكثيف دورها في الصراع، سواء عبر الدعم العسكري أو الدبلوماسي.

معاناة المدنيين: التصعيد العسكري أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في المدينة، حيث واجه المدنيون موجات نزوح وانقطاع في الخدمات الأساسية.

الموقف الروسي: دعم لا محدود للنظام السوري

صعّدت روسيا من لهجتها السياسية والعسكرية. أعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن موسكو تدعم استعادة الحكومة السورية “النظام الدستوري” في منطقة حلب في أسرع وقت. ووصفت روسيا تقدم الفصائل المسلحة بأنه “انتهاك لسيادة سوريا”، مؤكدة أن استعادة السيطرة على المنطقة أولوية بالنسبة لها.

وعلى الأرض، أشارت تقارير إلى أن الطيران الروسي يستعد للقيام بعمليات جوية واسعة النطاق لتغيير مسار المعارك في الشمال السوري، في خطوة تعكس تصميم موسكو على منع المعارضة من تحقيق مزيد من التقدم. هذا التصعيد الروسي لم يكن فقط لحماية مواقع النظام، بل لإرسال رسالة واضحة إلى جميع الأطراف الدولية والإقليمية أن موسكو لن تسمح بتغيير التوازنات التي تسعى لترسيخها منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015.

الموقف التركي: القلق من تقويض اتفاقيات خفض التصعيد

على الجانب الآخر، أبدت تركيا، التي تدعم فصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا، قلقها المتزايد من التصعيد. وأصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا على لسان المتحدث باسمها، أونجو كيتشيلي، واصفة الاشتباكات بأنها “تصعيد غير مرغوب فيه للتوتر” في المنطقة. وأكدت أنقرة أن “تجنب المزيد من الاضطراب في المنطقة” يعد أولوية قصوى لتركيا.

تركيا شددت على أن الهجمات الأخيرة على منطقة إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غرب سوريا، “تقوض روح اتفاقيات خفض التصعيد”، التي تم التوصل إليها بين أنقرة وموسكو ضمن إطار محادثات أستانا وسوتشي. وأشارت إلى أن استمرار الهجمات يهدد بتقويض الجهود المشتركة لإحلال الاستقرار وفتح المجال أمام تسوية سياسية للصراع السوري.

بين روسيا وتركيا: تنافس وتنسيق معقد

على الرغم من الخلافات الظاهرة بين روسيا وتركيا حول التطورات في حلب، فإن العلاقة بين الطرفين تحمل طابعًا معقدًا يجمع بين التنافس والتنسيق.

  1. التنسيق العسكري: تركيا وروسيا سبق أن نسقتا معًا عمليات عسكرية في الشمال السوري، مثل اتفاقيات وقف إطلاق النار في إدلب وتسيير الدوريات المشتركة.
  2. الخلافات الجذرية: رغم التنسيق، تستمر الخلافات حول أهداف كل طرف. تركيا تسعى لحماية مصالحها الأمنية ومنع تدفق اللاجئين، بينما تعمل روسيا على تعزيز سيطرة النظام السوري على كامل الأراضي.

إن تصاعد حدة التوتر بين روسيا وتركيا في أعقاب معارك حلب يعكس عمق التعقيدات في الصراع السوري. بينما تسعى موسكو لدعم النظام السوري واستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، تحاول أنقرة حماية نفوذها الإقليمي ومنع حدوث موجة جديدة من اللاجئين. يبقى التصعيد مفتوحًا على سيناريوهات عديدة، تتراوح بين استمرار التنافس الميداني أو التوصل إلى تفاهمات جديدة تحت ضغط الضرورات الإقليمية والدولية.

أحمد سليمان 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق