أحمد سليمانتقارير حقوقيةزملاءمنظمة نشطاء الرأي

مقترح للمؤتمر التشاوري العام في سوريا

من أجل تعزيز الشفافية والمشاركة الفاعلة

منذ سقوط نظام الأسد واستلام المعارضة زمام السلطة، بدأت سوريا تخطو نحو مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والآمال. يبرز السؤال المحوري حول هوية الدولة السورية وشكل الحكم الذي يليق بتطلعات الشعب بعد عقود من القمع والاستبداد. هل ستكون سوريا دولة مدنية تقوم على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أن الصراعات الداخلية والتجاذبات الخارجية ستعوق بناء مستقبل يعكس تطلعات الشعب السوري؟

تأتي هذه المرحلة الانتقالية كفرصة فريدة لإعادة صياغة هوية الدولة السورية على أسس جديدة، تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، احترام الحريات، وتعزيز مبدأ المواطنة المتساوية. يتطلب ذلك مشاركة فاعلة من جميع السوريين، سواء في الداخل أو الخارج، لضمان أن تكون عملية بناء الدولة شاملة، مستدامة، ومبنية على أسس توافقية.

سياق تاريخي

على مدار العقد الماضي، مرت سوريا بواحدة من أكثر الفترات دموية واضطراباً في تاريخها الحديث. تحولت الانتفاضة الشعبية إلى صراع مسلح، مما أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي وانهيار المؤسسات الحكومية. في هذه البيئة المعقدة، ظهرت الحاجة الملحة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة تتجاوز الأطر المافيوية المدمرة التي رسخها النظام السابق.

تاريخياً، نجحت العديد من الدول التي عانت من نزاعات داخلية في استعادة استقرارها من خلال عقد مؤتمرات وطنية جامعة، مثل تجربة جنوب أفريقيا في إنهاء نظام الفصل العنصري، وتجربة رواندا في تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. تقدم هذه التجارب دروساً قيّمة يمكن لسوريا الاستفادة منها لتجنب أخطاء الماضي وبناء مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً.

وفي هذا السياق، يُعتبر المؤتمر التشاوري العام خطوة أساسية نحو تحقيق هذه الأهداف. يُعَد المؤتمر منصة وطنية جامعة، تجمع كافة الكفاءات السورية من مختلف التخصصات والخلفيات. هدفه الأساسي هو وضع خارطة طريق واضحة المعالم لمستقبل سوريا، تتضمن خطوات عملية لتحقيق العدالة الانتقالية، إعادة الإعمار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والشفافية.

هوية الدولة ومدنية الحكم
إن بناء دولة مدنية ديمقراطية يتطلب توافقاً وطنياً حول هوية الدولة وشكل الحكم. يتضمن ذلك نقاشات معمقة حول دستور جديد يضمن المساواة وحقوق الإنسان، إضافة إلى آليات فعالة لمنع أي استبداد أو انتهاكات مستقبلية. إن تحقيق مدنية الحكم لا يعني فقط فصل الدين عن الدولة، بل أيضاً ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع، بما في ذلك المرأة والشباب، في صنع القرار وبناء المستقبل.

المؤتمر التشاوري: منصة جامعة
يُمثل المؤتمر التشاوري فرصة لجميع السوريين المؤهلين والكفاءات المتميزة للإسهام في بناء سوريا الجديدة. من خلال إشراك الجميع في هذه النقاشات الحاسمة، يمكن ضمان أن تكون مخرجات المؤتمر انعكاساً حقيقياً لتطلعات الشعب. كما يهدف المؤتمر إلى تعزيز الشفافية، تعزيز الحوار، وتوحيد الجهود لتحقيق رؤية وطنية مشتركة تُنهي عقوداً من الانقسام والاضطراب.

تؤكد هذه المرحلة الانتقالية أن سوريا بحاجة إلى استثمار كل الطاقات والكفاءات الوطنية لبناء دولة تقوم على العدل والمساواة، بعيداً عن المحاصصة أو الإقصاء. يبقى المؤتمر التشاوري الأمل الأكبر لإطلاق حوار حقيقي يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والعدالة من خلال الالتزام بمبادئ الشفافية، والمشاركة الفاعلة لجميع فئات المجتمع السوري داخل البلاد وخارجها.

أولاً: معايير المشاركة وإعداد الخطط

1. دعوة المشاركين:
توجيه الدعوة إلى كافة الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، بما يشمل الأفراد المستقلين والمنظمات والأحزاب السياسية والمدنية.
ضمان تمثيل متوازن يشمل جميع الفئات الاجتماعية والجغرافية.
يشترط في المشاركين الخبرة والكفاءة في مجالات تخصصهم (سياسية، اقتصادية، حقوقية، ثقافية، اجتماعية، أو تنموية)، مع القدرة على تقديم مقترحات عملية قابلة للتنفيذ.

2. إعداد خطط العمل:
تقديم خطط عمل مكتوبة من قبل المشاركين، تتضمن رؤى عملية ومقترحات واضحة لتحقيق الاستقرار والتنمية.
تشكيل لجنة تقييم مستقلة تتولى مراجعة الخطط المقدمة بناءً على معايير الشمولية، الابتكار، والواقعية.

ثانياً: دور الفاعلين والمشاركين

1. التنظيم والتمثيل:
يضم المؤتمر شخصيات تنموية وفكرية بارزة من الأكاديميين، رجال الأعمال، المثقفين، والناشطين المدنيين.
تخصيص جلسات خاصة للمشاركين لعرض تجاربهم وأفكارهم بما يسهم في إثراء الحوار.

2. تعزيز التعاون:
تعزيز الشراكة بين المؤثرين داخل سوريا وخارجها لضمان تبادل الخبرات وتوحيد الجهود لتحقيق أهداف المؤتمر.

ثالثاً: مبادئ الشفافية والتنظيم

1. توثيق الجلسات:
توثيق جميع الجلسات ونشرها عبر منصات إلكترونية لتعزيز الشفافية وإشراك الجمهور.

2. قنوات التواصل:
إنشاء قنوات تواصل مفتوحة بين المشاركين والجمهور لتقديم التغذية الراجعة ومتابعة تنفيذ التوصيات.

3. الجدول الزمني للتنفيذ:
وضع جدول زمني واضح لتنفيذ مخرجات المؤتمر، مع لجان مختصة لمتابعة التقدم وضمان الالتزام.

رابعاً: محاور المؤتمر وأولوياته

1. نزع السلاح وحل الميليشيات:
اتخاذ خطوات عملية لسحب السلاح غير الشرعي وحل الميليشيات، مع دمج العناصر المؤهلة في مؤسسات الدولة.
ضمان خروج العناصر الأجنبية لتعزيز سيادة الدولة السورية.

2. العدالة الانتقالية:
إنشاء محاكم وطنية مستقلة لضمان المحاسبة العادلة ومنع الانتقام.
تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية لتحقيق المصالحة الوطنية وبناء الثقة.

3. إعادة الإعمار:
تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار تحت إشراف مؤسسات وطنية وبالتعاون مع شركاء دوليين بشروط واضحة ومحددة.

4. تعويض الضحايا:
وضع آليات واضحة لتعويض المعتقلين والمصابين وذوي الضحايا وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

5. الدستور:
تشكيل لجنة دستورية تضم خبراء سوريين ودوليين لمراجعة الصيغ الدستورية السابقة وتعديلها بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان.

6. وقف الانتهاكات:
وضع قواعد قانونية صارمة لمنع الانتهاكات خلال المرحلة الانتقالية، مع فرض عقوبات واضحة على المخالفين.

7. شكل الحكم المستقبلي:
مناقشة شاملة حول شكل الحكم المستقبلي وهوية الدولة بما يضمن المساواة وحقوق المواطنة لجميع السوريين.

خامساً: تعزيز المشاركة الشعبية

1. إنشاء بنك أفكار:
منصة إلكترونية لتلقي مقترحات المواطنين ومناقشة الأفكار الأكثر تأثيراً في المؤتمر.

2. التصويت التشاركي:
إجراء تصويت على القرارات المحورية لتعزيز الديمقراطية وإشراك الحضور في صنع القرار.

3. ورش العمل التخصصية:
تنظيم ورش عمل حول قضايا العدالة الانتقالية، إعادة الإعمار، وتمكين المرأة والشباب.

4. إشراك الإعلام:
دعوة وسائل الإعلام المحلية والدولية لتغطية المؤتمر وتعزيز الشفافية ودعم نتائجه.

5. شبكة متابعة:
تشكيل شبكة متابعة مستقلة لمراقبة تنفيذ توصيات المؤتمر وتقييم أثرها على أرض الواقع.

سادساً: دعم صندوق المساعدات الاجتماعية
1. فرض رسوم اشتراك رمزية:
فرض رسوم رمزية على المشاركين المقتدرين مالياً لدعم صندوق المساعدات الاجتماعية.

2. إدارة شفافة للصندوق:
تشكيل لجنة رقابة مستقلة لإدارة الصندوق ونشر تقارير دورية حول استخدام الأموال لتعزيز الشفافية.

الإشارة الختامية:

أعد هذا المقترح كرؤية أولية لحوار وطني شامل.من خلال التزام جميع الأطراف بمبادئ الشفافية، الشمولية، والعمل المشترك، يمكن لهذا المؤتمر أن يكون نقطة انطلاق لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية. يبقى المقترح مفتوحاً للتطوير والتعديل لضمان تلبيته لتطلعات الشعب السوري ورؤيته لدولة تقوم على العدل والمساواة وحقوق الإنسان.

أحمد سليمان/ ميونخ
كاتب ومحرر موقع نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق