تحليل نقدي لمسودة الإعلان الدستوري السوري :بين مكاسب الثورة ومخاطر إعادة إنتاج الاستبداد

بعد 14 عامًا على انطلاق ثورة الشعب السوري في مارس 2011 وسقوط نظام الإجرام الأسدي، الذي مارس أبشع أنواع القمع ضد تطلعات السوريين نحو الحرية، بات من الضروري إعادة بناء العقد الاجتماعي السوري على أسس تضمن عدم تكرار مآسي الماضي. لقد رفعت الثورة شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وينبغي ترجمة هذه المبادئ إلى نصوص دستورية ترسّخ المواطنة المتساوية، وتُحقق التوازن بين السلطات، وتمنع عودة الاستبداد تحت أي مسمى.
في هذا البحث، سنُحلل مسودة الإعلان الدستوري السوري المطروحة للمناقشة في 2 مارس 2025، مع تسليط الضوء على مكاسب النص المقترح، والكشف عن نقاط ضعفه، وتقديم تعديلات جوهرية لتصحيح المسار. سنُركز بشكل خاص على ضرورة الاعتراف بجميع مكونات الشعب السوري، وضمان حماية التعددية الثقافية واللغوية، بما يعكس حقيقة التنوع السوري ويُمهّد لمرحلة انتقالية تُؤسس لدولة ديمقراطية عادلة.
تركيز السلطة بيد الرئيس (المواد 20-34): منح الرئيس صلاحيات واسعة في التشريع والقرار العسكري يُهدد مبدأ الفصل بين السلطات، ويُعيد إنتاج نظام شمولي يُناقض قيم الثورة.
نقاط التميز في الإعلان الدستوري
- العدالة الانتقالية (المادة 10): النص على المحاسبة وإنصاف الضحايا يمثل مكسبًا مهمًا يُعزز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وهو مطلب أساسي لضحايا النظام السوري.
- إلغاء محاكم الإرهاب (المادة 38): خطوة جوهرية نحو إنهاء أدوات القمع، واستعادة الاعتبار لآلاف المعتقلين الذين سُجنوا تعسفيًا دون محاكمات عادلة.
- المساواة أمام القانون (المادة 6): النص على المساواة دون تمييز في العرق أو الدين أو الجنس يعد من المبادئ التأسيسية لأي دولة حديثة تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية.
- حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (المواد 13-19): تتضمن هذه المواد ضمانات لحرية التعبير، وحقوق المرأة والطفل، وهي إشارات إيجابية، لكنها بحاجة إلى آليات تنفيذية تُرسّخ هذه الحقوق على أرض الواقع.
- التعددية السياسية (المادة 14): الاعتراف بحق تشكيل الأحزاب السياسية يعكس انفتاحًا على التعددية، لكن الصياغة الحالية تحتاج إلى تفاصيل أوضح لضمان عدم عرقلة الممارسة السياسية بالقوانين اللاحقة.
ضعف ضمانات استقلال القضاء (المواد 35-40): رغم النص على استقلال القضاء، فإن غياب آليات واضحة للحماية من تدخل السلطة التنفيذية يُبقي الباب مفتوحًا للتلاعب السياسي.
نقاط الضعف والمخاطر:
- تركيز السلطة بيد الرئيس (المواد 20-34): منح الرئيس صلاحيات واسعة في التشريع والقرار العسكري يُهدد مبدأ الفصل بين السلطات، ويُعيد إنتاج نظام شمولي يُناقض قيم الثورة.
- التمييز الديني في منصب الرئاسة (المادة 2): اشتراط أن يكون دين الرئيس الإسلام يتعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية، ويقصي المكونات الدينية الأخرى، ما يُكرّس التمييز بدلاً من الوحدة الوطنية.
- تهميش اللغات الأخرى: النص على اللغة العربية كلغة رسمية دون الاعتراف باللغات الأخرى (مثل السريانية والكردية والتركمانية ) يُقصي مكونات أصيلة من المجتمع السوري، ويُهدد بتعميق الانقسامات.
- ضعف ضمانات استقلال القضاء (المواد 35-40): رغم النص على استقلال القضاء، فإن غياب آليات واضحة للحماية من تدخل السلطة التنفيذية يُبقي الباب مفتوحًا للتلاعب السياسي.
- التباس النصوص المتعلقة بالحريات (المادة 13): ربط حرية التعبير بعدم الإخلال بـ”النظام العام” هو مصطلح فضفاض قد يُستخدم لقمع الأصوات المعارضة، كما كان الحال في ظل النظام السابق.
- غموض تنظيم الأحزاب (المادة 14): ترك تنظيم الأحزاب لقانون مستقبلي دون وضع ضمانات دستورية واضحة قد يُبقي الحياة السياسية مرهونة بتوازنات السلطة الانتقالية.
التباس النصوص المتعلقة بالحريات (المادة 13): ربط حرية التعبير بعدم الإخلال بـ”النظام العام” هو مصطلح فضفاض قد يُستخدم لقمع الأصوات المعارضة، كما كان الحال في ظل النظام السابق.
التعديلات المقترحة لتصويب المسودة
- تحقيق المواطنة المتساوية: تعديل المادة 2 إقرار حيادية الدولة دينيًا مع ضمان حرية المعتقد لجميع المواطنين.
- الاعتراف بالتعددية اللغوية: إضافة مادة تُقر بأن السريانية والكردية والتركمانية لغات وطنية إلى جانب العربية، مع ضمان الحق في التعليم وممارسة الثقافة الخاصة بكل مكون.
- التوازن بين السلطات: تقليص صلاحيات الرئيس، وإلغاء حقه في تعيين مجلس الشعب أو الاعتراض على القوانين، مع تعزيز سلطات البرلمان المنتخب.
- استقلال القضاء: إنشاء مجلس قضاء أعلى مستقل يُنتخب من القضاة أنفسهم، مع آليات حصانة تُحمي القضاء من التدخل السياسي أو الأمني.
- ضمان الحريات العامة: استبدال العبارات الفضفاضة في مادة الحريات بنصوص واضحة تُحدد المحظورات بدقة، وبما يتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
- تسريع العملية الديمقراطية: النص على إجراء انتخابات حرة خلال 6 أشهر من بدء المرحلة الانتقالية، لضمان تمثيل شعبي حقيقي دون ترك التشريع بيد السلطة المؤقتة.
تركيز السلطة بيد الرئيس (المواد 20-34): منح الرئيس صلاحيات واسعة في التشريع والقرار العسكري يُهدد مبدأ الفصل بين السلطات، ويُعيد إنتاج نظام شمولي يُناقض قيم الثورة.
نحو إعلان دستوري أكثر عدالة وتمثيلًا
لتعزيز فعالية الإعلان الدستوري، يُقترح:
- تشكيل لجنة صياغة متخصصة: تتألف من خبراء في القانون الدستوري وممثلين عن جميع المكونات السورية لضمان العدالة في التمثيل.
- ضمان الشفافية والمشاركة المجتمعية: نشر المسودة للنقاش العام، وإشراك منظمات المجتمع المدني في عملية المراجعة.
- تحديد جدول زمني للمرحلة الانتقالية: وضع إطار زمني واضح يُسهِم في بناء الثقة وضمان الانتقال السلمي نحو نظام ديمقراطي مستدام.
غموض تنظيم الأحزاب (المادة 14): ترك تنظيم الأحزاب لقانون مستقبلي دون وضع ضمانات دستورية واضحة قد يُبقي الحياة السياسية مرهونة بتوازنات السلطة الانتقالية.
الخاتمة:
الإعلان الدستوري الحالي يُشكل خطوة أولية نحو بناء سوريا جديدة، لكنه بحاجة إلى تعديلات جذرية لتجنب إعادة إنتاج الاستبداد. تحقيق أهداف الثورة السورية يتطلب نصًا دستوريًا يُكرس المواطنة المتساوية، يعترف بتنوع الشعب السوري، ويحمي استقلال السلطات. الاعتراف بالمكونات القومية، وضمان التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة، هو الأساس الحقيقي لبناء دولة ديمقراطية عادلة تُكرم تضحيات السوريين وتُحقق حلمهم في الحرية والسلام.
أحمد سليمان