أحمد سليمان:في خطوة شكلت صدمة لمن يراهن على تقسيم الوطن السوري، وبارقة أمل لمن ينشد الوحدة والاستقرار، جاء اتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع الدولة السورية كتحرك سياسي وعسكري يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة. هذه الخطوة قد تكون بداية الخلاص من القلق والانقسام الذي أرهق السوريين، عربًا وأكرادًا، لسنوات طويلة، وفتحت أفقًا جديدًا لإعادة بناء الدولة على أسس وطنية شاملة.
الخبر الذي فاجأ الأوساط السياسية أتى بعد توقيع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع والقائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي، اتفاقًا يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ضمن إطار الدولة السورية. هذا التحرك، الذي جاء على خلفية أحداث الساحل الأخيرة، يبدو أنه تسارع نتيجة الحاجة الملحة لوقف النزيف الوطني والبحث عن حلول دائمة لحالة الانقسام.
تفاصيل الاتفاق ومضامينه السياسية
نص الاتفاق على دمج مؤسسات شمال شرق سوريا – بما في ذلك المعابر الحدودية، المطارات، وحقول النفط والغاز – ضمن إدارة الدولة السورية. كما تضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، مع ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم وتوفير الحماية الكاملة لهم. وأكد الاتفاق رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية، مع التزام الدولة السورية بضمان المواطنة الكاملة وحقوق المجتمع الكردي، واحترام التنوع الثقافي ضمن الإطار الوطني.
أبعاد الاتفاق وتحديات التنفيذ
رغم الأهمية التاريخية لهذه الخطوة، يظل نجاحها مرهونًا بقدرة الأطراف على معالجة عدة تساؤلات حاسمة:
- آليات التنفيذ:
هل سيكون الدمج تدريجيًا وفق جدول زمني، أم فوريًا؟ وكيف سيتم استيعاب القوات العسكرية ضمن هيكلية الجيش السوري؟
- ضمان الحقوق الثقافية والسياسية:
كيف ستُترجم التزامات الدولة السورية تجاه الهوية الكردية عمليًا، خاصة فيما يتعلق باللغة والتعليم؟ من المتوقع أن تضمن الدولة احترام التنوع الثقافي واللغوي، بحيث تصبح الهوية الكردية جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني.
- توزيع الموارد والثروات:
هل ستُعتمد آليات شفافة وعادلة لتوزيع عائدات النفط والغاز، بما يحقق التنمية المتوازنة للمناطق المنتجة، دون تمييز؟
- الضمانات الأمنية:
ما هي الضمانات التي ستُقدم لقيادات وعناصر قسد لمنع أي ملاحقات مستقبلية، مع إعادة دمجهم في صفوف الجيش السوري؟
- الانعكاسات الإقليمية والدولية:
كيف ستتعامل تركيا والقوى الإقليمية مع هذا الاتفاق؟ وهل يمكن أن يُسهم في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية ضمن الملف السوري؟
فرصة لبناء مستقبل مشترك
على الرغم من التحديات، يُمثل هذا الاتفاق فرصة تاريخية لبناء وطن يتسع لجميع مكوناته. نجاحه يستلزم إرادة سياسية صادقة، وتعاونًا حقيقيًا بين الأطراف كافة لتجاوز جراح الماضي، والعمل معًا لإرساء دعائم دولة المواطنة والعدالة. السوريون، الذين أنهكتهم الحرب والانقسام، يعلقون آمالهم على أن تكون هذه الخطوة بداية عهد جديد من السلام والاستقرار.
