أحمد سليمانتقارير حقوقية

غياب الأحزاب وتكلّس الحياة العامة

العطالة السياسية واحتكار الدولة في سوريا

 

في سوريا، ومنذ تولّي القيادة الجديدة زمام الحكم، لم يُصدر أي قانون ينظّم الحياة الحزبية، ما أبقى المشهد السياسي في حالة شلل شبه دائم. والمفارقة أن الخطاب الرسمي لا يتردّد في التأكيد على “حرية التعبير”، بينما لا توجد آليات فعلية تضمن الاستماع إلى هذا التعبير أو تحميه من القمع والملاحقة.

إن غياب الحياة الحزبية المنظمة، وتجميد الفعل السياسي تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار، خلق بيئة خصبة لانتشار الأخطاء الكارثية، وحرمان شخصيات فكرية وسياسية، إلى جانب المجتمع، من المشاركة في آليات التصحيح والمساءلة. فلا توجد سلطة تُصلح نفسها من الداخل، ما لم تقابلها قوى معارضة فاعلة تمارس دورها الطبيعي في النقد البنّاء وتوازن السلطة.

من هنا، تبدو الحاجة ملحّة لإصدار قانون عصري ينظّم العمل الحزبي ويعيد الاعتبار للتعددية السياسية، ليس من باب الترف الديمقراطي، بل لحماية الدولة من السقوط في أخطاء لا تجد من ينبه إليها أو يواجهها.

ورغم ما يُؤخذ على بعض الأحزاب التاريخية من جمود وكلاسيكية، إلا أن وجودها يبقى ضروريًا؛ فهي، على الأقل، تمنحنا فرصة لقراءتها نقديًا كما نفعل مع بعض رموز المرحلة الراهنة. غير أن هذه الأحزاب، بدورها، لم تعد تملك القدرة على المبادرة، وقد استسلمت لحالة الركود، وارتضت لأنفسها إقامة طويلة في كهف العطالة الفكرية، متذرعةً بعدم وجود تشريع رسمي للعمل الحزبي.

أما الإعلام، فقد تحوّل في معظمه إلى أداة ترويج، فاقدًا لروحه النقدية، بعيدًا عن هموم الناس. في حين أُخضع المجتمع المدني إما للتقييد أو الاحتواء، ليغدو كيانًا هامشيًا لا يملك الفعل ولا التأثير. وهكذا، تكتمل حلقة الجمود: سلطة لا تُعارَض، وأحزاب لا تتحرّك، وإعلام لا يُضيء، ومجتمع مدني لا يُشارك.

■ نحو أفق جديد: رؤية للخروج من العطالة

تجاوز هذا الواقع يتطلب إرادة سياسية جادّة وخطوات عملية واضحة، من أبرزها:

– إصدار قانون حديث للأحزاب يضمن حرية التنظيم والانخراط السياسي، وفق ضوابط وطنية واضحة.

– تعزيز استقلالية القضاء، ليكفل الحماية القانونية لحرية الرأي والتعبير.

– تحرير الإعلام من الوصاية، وتمكينه من أداء دوره النقدي والتوعوي بمهنية ومسؤولية.

– إعادة الاعتبار للمجتمع المدني، بوصفه فاعلًا مستقلًا وشريكًا في التنمية والرقابة.

-إطلاق حوار وطني حقيقي، لا يشبه ذلك الذي جرى خلال 76 ساعة وضم 1500 شخصية تبادلوا المجاملات والابتسامات، وانتهى بتصريحات متشابهة. المطلوب هو حوار شامل، يضم مختلف التيارات والتوجهات، ويعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة الشراكة لا التبعية.

فدولة بلا تعددية، بلا نقد، وبلا مؤسسات حيّة، هي دولة معرّضة للعزلة عن شعبها، وللاستمرار في إنتاج الأخطاء من دون أن تجد من يصوّبها. وحده الانفتاح الحقيقي، والاعتراف بحق الجميع في المشاركة، يمكن أن يعيد المعنى للفعل السياسي، ويمنح البلاد فرصة حقيقية لبداية جديدة.

أحمد سليمان

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق