أحمد سليمانتقارير حقوقيةمنظمة نشطاء الرأي

الحقيقة المجتزأة في أحداث الساحل السوري – من يتحمل المسؤولية؟

في ضوء الوقائع المأساوية التي شهدها الساحل السوري خلال مارس/آذار 2025، تبرز الحاجة إلى إعادة التأكيد على جوهر الحقيقة المجتزأة.
في ظل الأحداث الدامية، تعود إلى الواجهة مجددًا الحاجة الماسة إلى قراءة قانونية وإنسانية دقيقة لما جرى، بعيدًا عن الروايات الضعيفة أو المحرّفة. فقد اندلعت الشرارة الأولى نتيجة هجوم مسلح شنّته فلول تابعة للنظام الأسدي الساقط على دوريات الأمن العام في منطقتي المختارية وأرزة، ما أدى إلى مقتل نحو 200 عنصر أمني، معظمهم من أبناء المنطقة، وذلك في سياق هشٍ تمرّ فيه الحكومة الانتقالية الفتية بأصعب مراحل التأسيس.
ورغم خطورة هذا التصعيد، فإن ما تلاه من ردود فعل مسلّحة حملت طابعًا انتقاميًا وجماعيًا لم يكن أقل فداحة، إذ أدّت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وارتُكبت خلالها انتهاكات جسيمة في عشرات المواقع ذات الغالبية العلوية، دون تمييز بين المقاتلين والمدنيين، أو بين الموالين والمعارضين للنظام السابق.
لقد وثّقت تقارير حقوقية وإعلامية ميدانية – من بينها تقرير لوكالة “رويترز” – مقتل 1479 شخص وفقدان العشرات خلال ثلاثة أيام فقط، وهو ما يستوجب، من حيث المبدأ القانوني، إخضاع كافة المتورطين في هذه الجرائم، سواء من خطط لها أو نفذها أو حرّض عليها أو تستر عنها، للمحاسبة القضائية العادلة، بغض النظر عن انتماءاتهم الفصائلية أو السياسية.
والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو متابعة التحقيق وفق المستجدات، وإحقاق العدالة للضحايا كافة، وتحميل المسؤولية الكاملة لكل من شارك أو سهل أو سكت عن هذه الجرائم.

أولًا: الخلفية – انطلاق الأحداث الأولى


اندلعت الأحداث عقب هجوم نفذته فلول النظام الأسدي الساقط على دوريات الأمن العام في المختارية وأرزة، ما أدى إلى مقتل نحو 200 عنصر أمني، معظمهم من أبناء المنطقة. نُفذت الكمائن من داخل منازل مدنية، ما شكّل شرارة التصعيد.

ثانيًا: التصعيد وردود الفعل الأولى

أعلنت مجموعات محلية “النفير العام” عبر مكبرات الصوت، وبدأت التعبئة في جبلة، القرداحة، وريف بانياس. وسُجّل تمدد مسلح نحو مراكز مدنية ذات غالبية علوية.

ثالثًا: تقرير رويترز – توثيق استقصائي أم رواية ناقصة؟

وثّق تقرير “رويترز” مقتل 1479 شخصًا من الطائفة العلوية وفقدان العشرات، في أكثر من 40 موقعًا، خلال الفترة من 7 إلى 9 آذار. اعتمد التقرير على مقابلات مع أكثر من 200 عائلة، و40 مسؤولًا ومقاتلًا، إضافة إلى تحليل مقاطع فيديو ورسائل من تطبيق “تلغرام”.

ورغم أهمية هذا الجهد، إلا أن التقرير أغفل:

●الهجوم الأولي على دوريات الأمن العام، مكتفيًا بتسميته “تمردًا محدودًا”.

●دور بلدات القدموس ومصياف وسلمية في تهدئة السياق الطائفي.

●توثيق استهداف المشافي في جبلة وبانياس وطرطوس، رغم توفر شهادات طبية.

●شهادات من مناطق إسماعيلية، ما أخلّ بتوازن السردية ومصداقية التوثيق.

رابعًا: من يقف خلف المجازر؟

وفقًا لتقرير رويترز ومصادر حقوقية:

●الفرقة 400، لواء عثمان، وجهاز الأمن العام شاركوا في أكثر من 10 مواقع، وقُدّر عدد الضحايا بنحو 900 قتيل.

●فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه شاركوا في 8 مواقع على الأقل، مع تقديرات بنحو 700 قتيل.

●جيش الإسلام، جيش الأحرار، وجيش العزة شاركوا في 4 مواقع على الأقل، وسُجّل نحو 350 قتيلًا.

●فصائل أجنبية (الإيغور، الشيشان، الأوزبك) شاركوا في 6 مواقع على الأقل، مع تقديرات بنحو 500 قتيل.

خامسًا: استهداف عشوائي طال أبرياء من الطائفة العلوية

من بين الضحايا الذين سقطوا خلال المجازر، كان هناك عدد من المدنيين العلويين الذين لم تكن لهم أي صلة بالنظام السابق، بل إن بعضهم كانوا معروفين بمعارضتهم العلنية لحكم بشار الأسد. ورغم ذلك، جرى استهدافهم بشكل عشوائي من قبل بعض المجموعات المشاركة في الانتهاكات، دون تمييز بين الموالي والمعارض، أو بين المدني والمقاتل.

شهادات ميدانية وتقارير حقوقية تحدثت عن حالات تصفية ميدانية لأشخاص من الطائفة العلوية كانوا ناشطين في الحراك المدني أو من عائلات رفضت الانخراط في خطاب النظام الطائفي. هذا الاستخدام الانتقامي والعنيف للهوية الطائفية يعكس غياب أي معايير قانونية أو أخلاقية، ويشكّل تهديدًا مباشرًا لفكرة العدالة الانتقالية.

سادسًا: موقف القيادة الجديدة والحكومة الانتقالية

في 10 آذار، أدانت الحكومة الانتقالية جميع الأعمال الانتقامية والطائفية، وفتحت تحقيقًا رسميًا. كما أكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع سقوط نحو 200 عنصر من الأمن العام، داعيًا إلى تجنب السرديات الطائفية، ومطالبًا بتحقيق دولي مستقل وشفاف.

سابعًا: القدموس – وعي مدني في وجه الفتنة

بلدة القدموس، ذات الغالبية الإسماعيلية، تعرّضت لحصار من نحو 1500 عنصر من فلول النظام. ورغم التهديد، رفض الأهالي تسليم عناصر الأمن العام الذين لجأوا إليهم، ما أدى إلى تصفيتهم ميدانيًا. لاحقًا، لجأ عشرات العلويين من قرى مجاورة إلى البلدة طلبًا للحماية، في مشهد يُظهر وعيًا اجتماعيًا جامعًا يرفض خطاب الفتنة.

ثامنًا: تقارير حقوقية – توثيق رغم الانتقائية

●الشبكة السورية لحقوق الإنسان: وثّقت مقتل 1334 شخصًا، بينهم 60 طفلًا و84 امرأة، وحمّلت فلول النظام مسؤولية مقتل 446 منهم.

●هيومن رايتس ووتش: وثّقت انتهاكات جسيمة ارتكبها عناصر من الجيش الوطني، وطالبت بمحاسبة المتورطين.

●منظمة العفو الدولية: وصفت ما جرى بأنه “جرائم حرب”، وطالبت بتحقيق محايد ومستقل.

كلمة أخيرة: الحقيقة فوق السرديات

رغم أهمية تحقيق “رويترز”، فإن الاستخفاف بجذور الهجوم والتغافل عن شهادات ميدانية من مناطق مثل القدموس، وعن الضحايا الذين كانوا من المعارضين للنظام السابق، يجعل منه سردية منقوصة. الحقيقة لا يملكها طرف واحد، بل هي مسؤولية جماعية. نُدين جميع من تصرف بدوافع انتقامية، ونطالب بمحاكمات عادلة، وتوثيق شفاف يضع الحقيقة فوق أي استثمار سياسي أو طائفي.

أحمد سليمان

صادر عن نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق