صدرت حديثًا عن الكاتبة الفلسطينية ـ السورية وسام الخطيب مجموعة قصصية بعنوان “مجتمع الغرقى”، وهي عمل أدبي يفتح نوافذ على هشاشة الإنسان في مواجهة الأسئلة الوجودية، ويضع القارئ أمام مجتمع يتخبط في بحر الفقدان، حيث لا تكون الهزيمة دائمًا في المعارك، بل في العجز عن فهم الآخر.
من أجواء المجموعة:
“لماذا حدث ما حدث؟! وكل ما في الأمر أنه لم يستطع تفسير نظرتها… لقد صال وجال في أعنف المواقع القتالية ولم يخسر أبداً، فكيف لم يستطع أن يدرك ما الذي ترمي إليه؟…”
هذا المقطع يلخص ببراعة جوهر المجموعة: الهزيمة ليست دائمًا في ساحات القتال، بل في مواجهة الصمت، في فك شيفرة نظرة، أو في لحظة عجز عن التحليل.
نصوص تقاوم الغرق:
في “مجتمع الغرقى”، لا تكتفي وسام الخطيب بسرد الحكايات، بل تفتح باب الأسئلة الكبرى حول معنى الهزيمة، حدود القوة، وأسرار الصمت الإنساني. أبطالها ليسوا نماذج خارقة، بل بشر عاديون تتقاذفهم تفاصيل الحياة القاسية. ما يميز هذه المجموعة هو قدرتها على تحويل لحظات تبدو عابرة ـ نظرة، كلمة، أو حتى صمت ـ إلى محور يعصف بالكينونة كلها.
لغة تجمع بين الشعرية والواقعية:
لغة الخطيب تنبض بحس شعري عميق، لكنها لا تنفصل عن الواقع. فهي تكتب بجمل مكثفة وصور رمزية بسيطة دون أن تفقد وضوحها، لتجعل النصوص قريبة من القارئ، وفي الوقت نفسه مشبعة بالدلالات. هذه الثنائية تمنح النصوص قدرة على التأثير المباشر، وفي الوقت ذاته تفتح المجال للتأمل الطويل بعد القراءة.
ما بين الخاص والعام:
رغم أن النصوص تنطلق من تجارب ذاتية أو محلية، إلا أنها سرعان ما تكشف عن أبعاد كونية تمس كل إنسان في لحظة ضعفه أو صراعه مع ذاته. هنا تكمن قوة الأدب: أن يحوّل الخاص إلى مشترك، وأن يجعل من معاناة فردية مرآة للوجود الإنساني كله.
مجتمع يبحث عن طوق نجاة:
عنوان المجموعة ليس عفويًا؛ فالغرق ليس مجرد صورة بل هو استعارة كبرى لحال إنسان معاصر غارق في الخسارات، متشبث بخيوط النجاة. القاصة لا تمنح حلولًا جاهزة، بل تترك القارئ أمام المأزق، في مواجهة السؤال: كيف يمكن للإنسان أن يستعيد توازنه وهو يواجه ما لا يستطيع تفسيره أو الانتصار عليه؟
إشارة :
“مجتمع الغرقى” ليست مجرد مجموعة قصصية جديدة تضاف إلى رفوف المكتبات، بل هي تجربة أدبية وإنسانية تستحق التوقف عندها. وسام الخطيب تقدم نصوصًا صادقة تحاور القارئ بعمق، وتضعه أمام مرآة ذاته. من يبحث عن أدب يمزج بين جمال اللغة وعمق الفكرة، سيجد في هذه المجموعة رحلة تستحق القراءة والتأمل.
نشطاء الرأي
المزيد من المواضيع
هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، والخوف من الآخر
اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالية
لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقرّ عبر استفتاء شعبي