برهان غليون : في انقساماتنا العسكرية بعد السياسية
أنا اليوم في لندن. ولدينا جلسة طويلة مع الدول الغربية لشرح الوضع في اطمة، أي وضع وتوجهات الثورة والمعارضة، بعد اجتياح الجبهة الاسلامية للاركان وإعلان هذه الدول تعليق مساعداتها للجيش الحر.
قد لا تكون المساعدات المعلقة مهمة كثيرا، بالرغم من أننا نحتاج، في الكارثة التي نعيشها، إلى كل قرش، ولا يحق لنا التفريط بأي معونة ممكنة بينما يموت أطفالنا متجلدين من البرد. لكن الأهم من هذه المساعدات المادية، هو الموقف السياسي. إذا تخلت الدول الغربية عن دعم المعارضة والثورة أو فقدت الثقة بقضيتنا، ونظرت إلى ما يحدث على أنه صراع بين طرفين لا يعنيها نجاح أي منهما، أصبح علينا أن نحمل، إضافة إلى عبء الاصطفاف الصريح الروسي وراء نظام القتلة، عبء الضغط السياسي الغربي، وربما أكثر من ذلك التحالف بين الطرفين ضد المعارضة واتهامها جميعا بالمتطرفة.
هناك بالتأكيد تيارات متباينة داخل صفوف ثورة الكرامة والحرية التي أطلقها شعبنا بكل فئاته وأطيافه. لكن، ونحن نعترف بذلك، هل يمكن أن نؤجل الصراع على من ستكون له الأسبقية أو الغلبة في سورية القادمة، إلى أن ننتهي من هذا الوحش الضاري الذي يحشد كل من يستطيع، في الداخل والخارج، ويكذب على الغربيين والشرقيين والعرب والمسلمين، من أجل أن يقتل أطفالنا ويشرد أبناءنا ويشق صفوفنا ويزعزع ثقتنا ببعضنا وبمستقبل ثورتنا؟
لكل طرف من أطراف المعارضة والثورة رأيه ومكانه ودوره في هذا الصراع الذي تجاوز كل حدود المعقول والمتوقع، بدخول كل القوى الاقليمية والدولية عليه. لا بد أن نحترم رأي وموقف وتطلعات الجميع. وإذا كان هناك خلاف أو خطأ أو تقصير فينبغي أن يحل داخل صفوف الثورة بالحوار والمصارحة والتفاهم، من دون اللجوء إلى السلاح. وهذا هو الذي يحفظ لنا احترامنا في نظر الدول وقطاعات الرأي العام العربي والدولي الذي يكاد يشيح بنظره عنا بسبب ما يراه من فوضى وانقسام وتنازع بيننا.
ولا أخفي أن أحد نقاط الضعف الخطيرة في ثورتنا وما يدفع التيارات والأطراف المختلفة منا إلى الدخول في صراعات مسلحة سريعة هو غياب المرجعية. فمن دون هذه المرجعية التي ينبغي أن نفكر فيها، لا يجد كل طيف داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة وسيلة أسهل لحسم الخلاف، النابع أحيانا من شكوك وسلوك غير مفكر فيه بما فيه الكفاية، من الاحتكام للسلاح. وهذا أكبر خطر يهدد مسيرتنا التي هي بالأساس شاقة وصعبة.