أحمد سليمانزملاء

دور سوريا في المشاريع الإقليمية والشراكة الاقتصادية المستقبلية

المساعدات تتجاوز كونها دعماً إنسانياً، إذ يمكن اعتبارها استثماراً استراتيجياً من قبل الدول المانحة

كتب أحمد سليمان : في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط، تبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون الإقليمي من خلال مشاريع استراتيجية تهدف إلى ربط اقتصادات المنطقة وتطوير بنيتها التحتية. في هذا الإطار، تلعب سوريا دوراً محورياً بفضل موقعها الجغرافي الذي يجعلها حلقة وصل أساسية بين الشرق والغرب.

تمثل المشاريع الكبرى، مثل خط أنابيب الغاز القطري الممتد عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، وإعادة تشغيل سكة حديد الحجاز التي تربط تركيا بسوريا والأردن والسعودية وصولاً إلى الصين، رؤية مستقبلية لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة في المنطقة. هذه المشاريع لا تقتصر على تعزيز التعاون الاقتصادي، بل تعكس أيضاً دور سوريا كشريك محوري، ما يجعل المساعدات الحالية التي تتلقاها جزءاً من استثمار طويل الأمد في استقرارها ودمجها في هذه الشبكة الاقتصادية.

مشروع خط أنابيب الغاز القطري:
يُعد مشروع خط أنابيب الغاز القطري من أبرز المبادرات الإقليمية، حيث يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من حقل الشمال القطري عبر السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. يبلغ طول الخط المخطط حوالي 1500 كيلومتر، بتكلفة تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار.

يستهدف المشروع تلبية الطلب الأوروبي المتزايد على الغاز الطبيعي، خاصة في ظل جهود الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية. أوروبا ترى في المشروع فرصة لتنويع مصادر الغاز وتعزيز أمن الطاقة، فيما تنظر تركيا إلى المشروع كوسيلة لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة.

إذا ما أُحسن استغلال المساعدات الدولية لتطوير البنية التحتية وإعادة دمج سوريا في الشبكة الاقتصادية الإقليمية، يمكن أن تصبح نموذجاً للتعافي الاقتصادي.

لكن المشروع واجه عقبات سياسية وأمنية حالت دون تنفيذه، خاصة مع اندلاع الثورة السورية عام 2011. وكانت روسيا أبرز المستفيدين من تعطيله، حيث سعت للحفاظ على هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي. ومع ذلك، تجددت النقاشات حول إحيائه مؤخراً بفعل التغيرات السياسية الإقليمية والدولية. إذا ما تم تنفيذه، ستستفيد سوريا بشكل مباشر من رسوم العبور وعوائد التشغيل، مما يعزز اقتصادها ويسهم في استقرارها.

إعادة تشغيل سكة حديد الحجاز:
تُعد سكة حديد الحجاز مشروعاً استراتيجياً يعكس أهمية سوريا كمحور اقتصادي. تاريخياً، كانت السكة تربط إسطنبول بالمدينة المنورة مروراً بدمشق، لكنها توقفت عن العمل بسبب التغيرات السياسية والصراعات الإقليمية. يُخطط حالياً لإعادة تشغيل الخط وتوسيعه ليصبح رابطاً يصل إلى الصين، مما سيعزز التجارة والنقل بين الشرق الأوسط وآسيا.

بالنسبة لسوريا، يمثل المشروع فرصة لإعادة تأهيل بنيتها التحتية وربط اقتصادها بالأسواق الإقليمية والدولية. هذا المشروع يسهم في خلق فرص عمل وتحقيق عوائد اقتصادية طويلة الأمد.
تركيا، من جانبها، تخطط لتأسيس مشاريع استثمارية عبر شركاتها، معتمدة على الكوادر السورية وتمويل الدول المانحة. كما تطمح إلى إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة، إلا أن اعتبارات قانونية تعيق هذا الطموح بسبب الوضع المؤقت للحكومة السورية الحالية.

تركيا، تخطط لتأسيس مشاريع استثمارية عبر شركاتها، معتمدة على الكوادر السورية وتمويل الدول المانحة. كما تطمح إلى إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة، إلا أن اعتبارات قانونية تعيق هذا الطموح

المساعدات: استثمار في المستقبل
على الرغم من التصريحات القطرية التي تؤكد دعم الاستقرار في سوريا وتلبية احتياجات الشعب السوري من خلال المساعدات الإنسانية والتقنية، فإن هذه المساعدات تبدو جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد. المساعدات الحالية لا تقتصر على الجوانب الإنسانية، بل تهدف إلى تمهيد الطريق لتنفيذ مشاريع إقليمية كبرى، مثل مشروع خط الغاز القطري.

تتلقى سوريا حالياً دعماً دولياً لإعادة بناء بنيتها التحتية وتعزيز استقرارها. هذه المساعدات تتجاوز كونها دعماً إنسانياً، إذ يمكن اعتبارها استثماراً استراتيجياً من قبل الدول المانحة لإعداد سوريا كشريك اقتصادي في المشاريع الإقليمية الكبرى.

الفوائد الاقتصادية المحتملة:
1. تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي: دعم الاقتصاد السوري يسهم في تخفيف التوترات الداخلية وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات.
2. إعادة تأهيل البنية التحتية: تحسين شبكات النقل والطاقة يرفع من جاهزية سوريا لاستضافة مشاريع كبرى.
3. خلق فرص عمل: توظيف العمالة المحلية يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
4. زيادة العوائد المالية: رسوم العبور وتشغيل المرافق تضيف إلى الإيرادات الحكومية.
5. تعزيز التكامل الإقليمي: دمج سوريا في شبكة اقتصادية واسعة يعزز استقرار المنطقة بأكملها.

التحديات التي تواجه التنفيذ:
1. التوترات السياسية والإقليمية: استمرار النزاعات بين الدول يعيق تنفيذ المشاريع.
2. عدم الاستقرار الأمني: يهدد مناطق التنفيذ ويعرقل الاستثمارات.
3. التحديات الاقتصادية: نقص التمويل في ظل الأزمات العالمية يشكل عائقاً.
4. إعادة بناء الثقة الدولية: تعزيز ثقة الشركاء الدوليين ضروري لاستمرارية التعاون.

خطط اقتصادية تخدم الجميع:
تمثل المشاريع الكبرى، مثل خط أنابيب الغاز القطري وسكة حديد الحجاز، فرصة لتعزيز التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط. نجاح هذه المشاريع يعتمد على استقرار سوريا واستعدادها للمشاركة الفعالة. إذا ما أُحسن استغلال المساعدات الدولية لتطوير البنية التحتية وإعادة دمج سوريا في الشبكة الاقتصادية الإقليمية، يمكن أن تصبح نموذجاً للتعافي الاقتصادي.

هذه المشاريع لا تقتصر على تحقيق النمو الاقتصادي، بل تسهم أيضاً في بناء أسس السلام والاستقرار الإقليمي، مما يجعلها أداة فعالة للتعاون والتنمية الثابتة على المدى الطويل.

أحمد سليمان

موقع نشطاء الرأي  www.opl-now.org

 

 

 

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق