أحمد سليمان

استمرارية المؤسسات الوظيفية وفق معايير العدالة الانتقالية

مقومات بناء الدولة الحديثة في مرحلة ما بعد النظام

أحمد سليمان: إن بناء دولة حديثة بعد عقود من الاستبداد ليس مجرد تغيير سياسي، بل هو عملية شاملة تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات، وضمان العدالة الانتقالية، وإصلاح القضاء، وإعادة تعريف دور الأجهزة الأمنية. التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين المحاسبة واستمرارية الدولة، وبين الأمن وحماية الحريات، بعيدًا عن المحاصصة أو إعادة إنتاج الأنظمة القمعية السابقة.

1. استمرارية المؤسسات الوظيفية وفق معايير العدالة الانتقالية

أ) المفهوم وأهميته

يقصد باستمرارية المؤسسات الوظيفية وفق معايير العدالة الانتقالية الإبقاء على بعض الكوادر الإدارية والفنية لفترة محددة والنظر الى مستوى كفاءتهم، مع إخضاعهم لرقابة صارمة تمنع إعادة إنتاج الفساد أو إساءة استخدام النفوذ السابق.

ب) تصنيف العاملين وفق دورهم في النظام السابق

موظفون إداريون وفنيون غير متورطين في الفساد أو الجرائم (مثل الأطباء، المهندسين، المعلمين): يجب أن يستمروا في عملهم لضمان استقرار الخدمات العامة.

مسؤولون لديهم ارتباطات بالنظام ولكن دون سجل إجرامي: يمكن إخضاعهم لآلية تقييم ومراقبة لضمان عملهم وفق القوانين الجديدة.

أشخاص متورطون في جرائم أو فساد سياسي:

هؤلاء يجب إقصاؤهم ومحاسبتهم ضمن آليات العدالة الانتقالية.

ج) آليات التنفيذ

1. تشكيل لجان تقييم مستقلة لمراجعة ملفات العاملين في مؤسسات الدولة.

2. تحديد فترة انتقالية واضحة (2 إلى 3 سنوات) يتم خلالها تدريب كوادر جديدة لتحل تدريجيًا محل الموظفين الانتقاليين.

3. عدم منح أي منصب لشخص لديه سجل إجرامي أو فساد مثبت.

4. تشجيع انخراط الكفاءات الجديدة في مؤسسات الدولة لضمان التجديد الإداري والفكري.

2. إصلاح القضاء وتعزيز السلم المجتمعي

أ) استقلالية القضاء كشرط أساسي

فصل السلطات تمامًا، بحيث لا يكون القضاء تابعًا لأي سلطة تنفيذية أو عسكرية.

إنشاء محاكم متخصصة بالعدالة الانتقالية لمعالجة الجرائم المرتكبة خلال النزاع.

وضع قوانين تحمي القضاة من الضغوط السياسية والتدخلات الخارجية.

ب) إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لحماية المجتمع وليس التحكم فيه

إعادة تعريف دور الأمن ليكون لحماية المواطنين، لا لمراقبتهم.

الفصل بين الأمن الجنائي (الجريمة)، الأمن الوطني (الإرهاب)، والأمن المجتمعي (السلام الأهلي).

إدخال مبدأ الشرطة المجتمعية، بحيث تصبح قوات الأمن جزءًا من المجتمع وتعمل بشفافية تحت إشراف مدني.

3. بناء مؤسسات الدولة وفق معايير حديثة

أ) تشكيل حكومة انتقالية فعالة

تضم تشكيلة واسعة من الكفاءات لضمان تمثيل عادل لجميع فئات المجتمع.

تعتمد على شخصيات لم تتورط في الفساد أو الجرائم لضمان مصداقيتها.

تضع خارطة طريق واضحة للانتقال من الحكم المؤقت إلى مؤسسات دائمة وديمقراطية.

ب) تجنب استنساخ تجربة محلية واحدة كنموذج للدولة

عدم فرض نموذج إداري معين على جميع المناطق، بل ضمان مشاركة الجميع في صياغة مستقبلهم السياسي.

إنشاء نظام حكم يضمن التوزيع العادل للسلطة دون تفكيك الدولة.

4. تحرير الدولة من سيطرة الأجهزة الأمنية على حياة الأفراد

أ) ضرورة الفصل بين الأمن والرقابة الاجتماعية

في ظل النظام السابق، كانت الأجهزة الأمنية تتحكم في حياة الأفراد، وتقيد حرياتهم الدينية والاجتماعية والفكرية. في سوريا الجديدة، يجب أن يكون الأمن:

مختصًا بحفظ النظام العام، لا بمراقبة حياة المواطنين.

خاضعًا لرقابة المؤسسات المدنية والقانونية، وليس العكس.

بعيدًا عن التدخل في قضايا الدين، اللباس، أو المعتقدات السياسية.

ب) منع عسكرة الدولة والمجتمع

إعادة هيكلة الجيش ليكون مؤسسة وطنية وليست أداة سياسية.

دمج الفصائل المسلحة ضمن جيش وطني يخضع للسلطة المدنية.

حصر السلاح بيد الدولة، ومنع تكوين ميليشيات موازية.

دولة القانون، لا دولة الأشخاص

لا يمكن لسوريا أن تصبح دولة حديثة إذا استمرت العقلية التي تربط الدولة بأفراد أو تيارات سياسية معينة. يجب أن يكون المشروع الوطني مبنيًا على القانون، المؤسسات، والتعددية، وليس على استبدال سلطة بأخرى.

ما المطلوب لتحقيق ذلك؟

✔ عدم تكرار نموذج الدولة الأمنية التي تتحكم بحياة الأفراد.
✔ تحقيق التوازن بين استمرارية المؤسسات الوظيفية ومعايير العدالة الانتقالية لضمان عدم انهيار الدولة.
✔ إصلاح القضاء ليكون مستقلًا تمامًا عن أي نفوذ سياسي.
✔ بناء مؤسسات شاملة تستوعب جميع مكونات المجتمع السوري.
✔ ضمان أن يكون الأمن أداة لحماية المواطنين، وليس وسيلة لقمعهم.

✔ التعويض للضحايا واهاليهم .

✔ محاسبة المتورطين بجرائم حرب .

بهذه الأسس، يمكن لسوريا أن تنتقل من حقبة الاستبداد والفوضى إلى دولة ديمقراطية حديثة، تقوم على العدل، القانون، والمواطنة المتساوية.لمواطنة المتساوية.

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق