أحمد سليمانزملاءمنظمات حقوقيةمنظمة نشطاء الرأي

الرقة مدينة القبور الصامتة – العثور على جثة الأب باولو دالوليو 

ولكن ما مصير ورفاقه: فراس الحاج صالح،عبد الله الخليل، و إسماعيل الحامض

منذ عشرة أعوام، فُقد الكاهن اليسوعي الإيطالي الأب باولو دالوليو في مدينة الرقة السورية، بعد أن دخلها بجرأة نادرة سعيًا للحوار، والتوسط للإفراج عن معتقلين. اختفى بلا أثر، كما اختفى المئات في تلك المدينة المنكوبة. وفي 30 أيار 2025، تعلن جهات غير رسمية عن العثور على جثة يُعتقد أنها تعود إليه.

هذا الحدث المفجع يحمل في طياته دلالات عميقة، ويتطلب وقفة جادة من كل الجهات المعنية بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.

إن العثور على جثة الأب باولو، يعيد التأكيد بأن هناك من يعرف مواقع المقابر السرية، ويملك معلومات عن مصير عشرات بل مئات المغيبين. إن الصمت عن هذه الملفات ليس مجرد تواطؤ، بل امتداد لجريمة الإخفاء القسري.

● أين كانت الجثة طيلة 10 سنوات؟ ومن كان يعرف؟

إن العثور على جثة الأب باولو بعد عقدٍ كامل يثير جملة من الأسئلة الحاسمة:

هل كانت الجثة مدفونة في مكان معلوم لدى أطراف نافذة؟

من يملك السيطرة الفعلية على مواقع الدفن والمقابر السرية في مدينة كالرقة؟

لماذا تم الكشف عنها الآن؟ ولماذا بقيت طيّ الكتمان طوال هذه السنوات؟

تشير المعطيات الميدانية إلى أن مدينة الرقة، بعد سقوطها في قبضة تنظيم “داعش”، مرت بمرحلتين حاسمتين:

1. مرحلة سيطرة التنظيم (2013–2017):

التنظيم معروف بتوثيقه الدقيق للقتل والإعدام والدفن.

الأب باولو اختُطف من قبل التنظيم، بحسب شهود، بعد دخوله أحد مقارهم ولم يخرج منه.

2. مرحلة ما بعد داعش – سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف (2017 حتى اليوم):

عشرات المقابر الجماعية كُشفت في محيط الرقة، بعضها تضم رفات نساء وأطفال ومدنيين.

العديد من هذه المواقع بقي خارج التغطية الإعلامية أو التحقيق الجنائي الشفاف.

عشرات العائلات المحلية أكدت وجود مقابر غير موثقة، وحالات تغييب قسري لم يتم التحقيق فيها بجدية.

إن استمرار اختفاء الجثة كل هذا الوقت، رغم تغير السلطة ووجود دعم استخباراتي وتحالف دولي، يشير إلى احتمالية وجود تواطؤ أو على الأقل إهمال متعمد من قبل الجهات التي تسيطر على المدينة، أو ممن سبقها. قد تكون الجثة معلومة المكان، ولكن جرت تغطية الأمر لأسباب سياسية، تفاوضية، أو لتجنّب الإحراج الدولي.

● وماذا عن رفاق الأب باولو؟

في نفس الفترة التي اختفى فيها الأب باولو، تم تغييب ثلاثة من رموز العمل المدني في الرقة:

  1. فراس الحاج صالح: ناشط مدني.
  2. المحامي عبد الله الخليل : معروف بدفاعه عن الحريات.
  3. الدكتور إسماعيل الحامض: طبيب ونقابي مؤثر.

جميعهم من أبناء مدينة الرقة، وكانوا فاعلين في الحراك السلمي المدني. ولم يعرف مصيرهم حتى الآن. لا توجد مقابر، لا بيانات رسمية، لا أثر.

اختطفوا في ظل سيطرة “داعش”، لكن لا توجد رواية رسمية عنهم . ورغم تحرر المدينة منذ سنوات، لم يجرِ أي تحقيق شفاف حولهم، ما يعزز الاعتقاد بوجود مقابر جماعية غير مكتشفة أو معلومات لم يتم كشفها للعلن.

● مطالبنا كجهة حقوقية وإنسانية:

1. فتح تحقيق دولي مستقل وشامل في ملف المقابر الجماعية في الرقة، بإشراف الأمم المتحدة أو منظمات حقوقية ذات مصداقية.

2. إلزام الجهات التي تحكم الرقة اليوم، وتلك التي حكمتها سابقًا، بالكشف الكامل عن أي معلومات تخص المفقودين.

3. الكشف الفوري عن مواقع المقابر الجماعية وتوثيقها رسميًا وفق المعايير الدولية.

4. إنشاء هيئة سورية مستقلة تعمل مع الأهالي ومنظمات المجتمع المدني لتجميع ملفات المفقودين ومتابعتها دوليًا.

5. الضغط على الحكومات الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا، لإعادة فتح ملف الأب باولو على المستوى القضائي الدولي.

● صوت من الرقة إلى العالم

الرقة ليست فقط مدينة دمرها العنف، بل هي مدينة دفن فيها مئات الأبرياء في صمت، دون محاسبة، دون شاهد قبر، دون عدالة.

إن التأخر في كشف مصير الأب باولو يجب أن يكون منطلقًا لاختراق جدار الصمت، لا مناسبة لإغلاق الملف. وإن استمرار تغييب مصير فراس، وعبد الله، وإسماعيل، وغيرهم، هو عار أخلاقي وإنساني لا يليق بعالم يدّعي احترام الكرامة الإنسانية.

أحمد سليمان

صادر عن نشطاء الرأي

اظهر المزيد

نشــــطاء الـرأي

نشــــــــطاء الـــرأي : كيان رمزي وخط إنساني لحرية الإنتقاد الثقافي و الفكري والسياسي ، بدعم مالي مستقل Organization for peace and liberty – OPL : www.opl-now.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: الموقع لا يسمح بالنسخ ، من فضلك انسخ رابط المقال وارسلة لمن يرغب
إغلاق
إغلاق