الجنوب السوري بين الدولة والميليشيا: بيان أممي يدين التهجير القسري وتحقيقات تكشف خيوط التحريض الخارجي

تشهد محافظة السويداء ومحيطها في الجنوب السوري تصعيدًا غير مسبوق بين الحكومة الانتقالية وقوى مسلحة، أبرزها ميليشيا الهجري ذات الطابع الطائفي، وسط انسداد في مسارات الحوار، وتدخلات خارجية مباشرة وغير مباشرة. وبينما تُحاول الدولة إعادة فرض القانون عبر مبادرات سلمية، يلوح شبح المواجهة الشاملة، ما يُهدد بنسف ما تبقى من مسار انتقالي هش.
تقول الحكومة الانتقالية إنها بذلت جهودًا متعددة لاحتواء الموقف، من بينها إرسال لجنة مشتركة مدنية وأمنية إلى مدينة السويداء، وتعليق أي عمليات أمنية في محاولة لاحتواء الموقف. لكن جهودها قوبلت بما وصفته بـ”التمرد” و”التحريض المسلح”، في إشارة إلى سلوك ميليشيا الهجري، التي خرقت اتفاقات وقف إطلاق النار في بلدة قنوات، ورفضت دخول عناصر الأمن العام، بحجة أن “الدولة فقدت شرعيتها داخل الجبل”.
● بيان أممي: تهجير قسري وتطهير عرقي بحق عشائر البدو
في تطور مفصلي، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا شديد اللهجة يؤكد وقوع جرائم تطهير عرقي وتهجير قسري بحق عشائر البدو، أحد المكونات الأصلية في المنطقة، وذلك بعد توقف العمليات العسكرية في المدينة. وجاء في البيان الأممي:
“تم تهجير عشائر البدو وهم من السكان الأصليين بعد إجبارهم قسرًا على مغادرة بيوتهم وأراضيهم تحت ضغط السلاح والتهديد بالإبادة الجماعية، حيث تم تهجير أكثر من 1500 شخص كدفعة أولى إلى مناطق مجهولة.” انتهى الاقتباس.
وحمّل البيان المسؤولية المباشرة لعدة جهات مسلّحة محلية، على رأسها:
1.ميليشيات الهجري العسكرية
2.ميليشيات المجلس العسكري
3.ميليشيات الفلول
4.ميليشيات محلية مساندة
وأكدت الأمم المتحدة أن هذه الجرائم تقع ضمن أخطر الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وفق القانون الدولي، ويدخل توصيفها في نطاق الجرائم ضد الإنسانية.
واستند البيان إلى عدة مواد قانونية دولية، أبرزها:
1. نظام روما الأساسي (1998) الذي ينص على أن “الإبعاد أو النقل القسري للسكان” هو جريمة ضد الإنسانية.
2. اتفاقيات جنيف (1949) التي تحظر نقل السكان المدنيين قسرًا في حالة النزاع المسلح.
3. القانون الدولي الإنساني والعرفي الذي يُدين هذه الأفعال حتى أثناء الحروب.
كما حذر البيان من مجازر إضافية قد تلوح في الأفق إن لم يتم وقف التحريض والتجييش الطائفي، مشددًا على أهمية حماية المدنيين وتمكين الدولة من ممارسة سلطتها.
● الهجري ولغة الإستعلاء ودعوات خارجية… لا تمثل الجميع
الشيخ الهجري، وهو رجل دين بارز، يقود منذ أشهر ميليشيا مسلحة ترفع شعار “حماية الطائفة الدرزية”، ويتحدث بخطاب وصفه مراقبون بأنه “استعلائي ومتجاوز لمفهوم الدولة”، متسلحًا بما يُعتقد أنه وعود ودعم من جهات خارجية أثارت الشكوك حول النوايا الحقيقية للحراك.
إلا أن الهجري، حسب تصريحات متفرقة، لم يعد يحظى بإجماع داخل الطائفة. بل صدرت بيانات صريحة من رموز درزية نافذة تؤكد أن الهجري لا يمثل كل الدروز، وأن محاولته حصر تمثيل الطائفة في شخصه “سلوك خاطئ وخطر”.
●من أبرز تلك الأصوات:
الشيخ يحيى الحناوي: المرجعية الروحية التقليدية، قال في بيان: “نرفض عسكرة الجبل، ونؤمن بالدولة السورية الواحدة. لسنا جزءًا من أي تمرد سياسي أو طائفي.”
الشيخ ليث البلعوس: نجل الزعيم الدرزي الراحل الشيخ وحيد البلعوس، الذي اغتيل بتفجير عبوة ناسفة على طريق عام في السويداء في سبتمبر/أيلول 2015، في عملية نسبت إلى أطراف مرتبطة بالنظام السوري الساقط.
دعا ليث إلى “إنهاء لغة الوصاية” وطالب بـ”حماية الدولة لا محاربتها”، محذرًا من أن استمرار الخطاب العنفي سيجعل السويداء رهينة أجندات خارجية.
● تسريب صوتي يربك المشهد:
وئام وهاب في قلب التحريض
في خضم التصعيد، انتشر تسريب صوتي للسياسي اللبناني وئام وهاب، المقرب من حزب الله، وهو يُوجّه ميليشيا الهجري بشكل مباشر إلى ضرب عناصر الأمن العام السوري الذين دخلوا السويداء لمحاولة فض النزاع.
وفي التسريب، يُصدر وهاب تعليمات مباشرة حول “كيفية التعامل مع دخول الدولة”، واصفًا الرئيس الشرع وقيادات حكومية بـ”الخطر الأكبر على الدروز”.
هذا التسريب أثار موجة استياء واسعة، واعتُبر دليلًا على تدخل خارجي مباشر في إذكاء التمرد المسلح، ما يعزز الشكوك حول مشروع تقسيم طائفي للمنطقة.
● قسد وتحريض إعلامي موازٍ
في الشمال الشرقي، تُتهم قوات قسد بلعب دور إعلامي تحريضي ضد الحكومة الانتقالية، حيث كثّفت قنواتها ومنصاتها الإعلامية خلال الأشهر السبعة الماضية من خطاب طائفي موجّه، يوازي أحداث السويداء.
مصادر مستقلة أفادت أن قسد تدير “غرف تحرير إعلامي” مشتركة مع شخصيات مناوئة للدولة، ما يطرح أسئلة حول دور قسد في محاولة زعزعة الدولة من أكثر من جبهة، وليس فقط من خلال السلاح.
● الموقف الأميركي: دعم مفاجئ للحكومة الانتقالية
في تحول لافت، دافع المبعوث الأميركي توم براك عن الحكومة الانتقالية، قائلاً إن “الحكومة السورية نفذت ما تعهدت به، ولم ترتكب أخطاء في هذا الشأن”، معتبراً أن الحكومة “بذلت قصارى جهدها في أزمة السويداء، أخذاً في الاعتبار أنها حكومة ناشئة”.
كما أكد أن “ما حدث لا يُمكن تحميله للدولة قبل أن تفرض سيطرتها على كامل الأرض السورية”، وشدد على ضرورة “وقف القتل غير المبرر” والعودة إلى طاولة الحوار.
● السويداء على مفترق خطير
بين تهجير عشائري، وخطابات طائفية، وتحريض سياسي وإعلامي، وجبهات مشتعلة، تبدو السويداء اليوم أقرب ما تكون إلى بؤرة اختبار لمصير الدولة السورية: هل ستنجح الحكومة الناشئة في فرض القانون، أم سينتصر خطاب العسكرة والانقسام؟
الجواب سيحدده توازن القوى بين الدولة والعقلاء من جهة، والمليشيات والمحرّضين من جهة أخرى.
تحقيق: أحمد سليمان
صادر عن نشطاء الرأي
الموضوع موجود على الرابط أدناه: